"نحنا في أم درمان، العمر سرقنا والله
في سنتين الحرب دي كبرنا شديد وانتهينا
والحياة فاتتنا كتير والله
الحزن بقي ظاهر في عيوننا وفي أشكالنا، وحتى لبسنا
حتى الملابس الجديدة بقينا نستخسرها في نفسنا
الناس بقت مزهللة شديد وما بتقدر تسمعك أقل من دقيقة
حتى عيونا بقت متغيرة والله
كنا صامدين وبنقول نحنا أقوى، بس كتر شديد علينا والله".
مهند هوندا
بهذا المنشور على فيسبوك، لخّص مهند ما يعيشه السودانيون اليوم، دون حاجة إلى تحليل سياسي أو تقرير طبي أو توصيف نفسي.
هو ليس مجرد كلام حزين، بل تشخيص شعبي دقيق لما نحن فيه: بلد نشهد فيها جماعياً على زمن نتآكل فيه بصمت.
الموت في السودان لم يعد فقط من دانة مدفع، أو من حقد الجنجويد، أو من ثأر العسكر.
حتى لو نجونا من الأمراض التي انقرضت من العالم، وأعادتها الحرب إلى الحياة، فقد أعلننا التطبيع مع الموت، ولم يعد الحدث مفاجأةً.
نحن لا نعاني من الحرب فحسب، بل مما تفعله الحرب بالناجين منها، ومما فعلته -وهو "أضرط" وأضلّ- بالذين ظلّوا مرابطين في حطامها، يحاولون باستمرار إعادة بناء ما تهدم مما صلح من الركام، على أمل أن يتحقق المثل السوداني: "النار تلد الرماد".
نحن لا نعاني من الحرب فحسب، بل مما تفعله الحرب بالناجين منها، ومما فعلته -وهو "أضرط" وأضلّ- بالذين ظلّوا مرابطين في حطامها، يحاولون باستمرار إعادة بناء ما تهدم مما صلح من الركام، على أمل أن يتحقق المثل السوداني: "النار تلد الرماد".
القلق بات صديق سوء ثقيلاً لا يغادر، يلهينا كل مساء بسيلٍ لا يتوقف من فيديوهات العنف والجهل، ويختلق الأعذار للموت المتفشي.
فكلّ من الفرق المشاركة أدّت دورها في هذا الدمار على أكمل وجه، ويُطلب منّا بكل حسم أن نشجّع الحرب كمباراة كلاسيكو؛ فيديو لك، وفيديو عليك، فالتفكير أصبح كأنما فقنا من غيبوبة أو سكرة.
نعيش ما يمكن وصفه بالاكتئاب الجماعي. نوبات قلق مستمرة، اضطراب في النوم، انعدام في القدرة على الفرح…
مجتمع بأكمله يتحايل على حزنه، كمن يلعب القطّ والفأر مع فكرة الانهيار.
نبدو متماسكين كعمالقة من ورق. نحاول ألا نفقد السيطرة، إذ نعرف أننا حين نفقد هذا التوازن الهشّ سنسقط في أعماق مكان مظلم، تجنّبناه طويلاً، لكن الحرب حاصرتنا عند بابه.
نعيش ما يمكن وصفه بالاكتئاب الجماعي. نوبات قلق مستمرة، اضطراب في النوم، انعدام في القدرة على الفرح…
والأمل؟ شيء نتمسك به لا لأننا نؤمن به، بل لأنّ البديل مخيف أكثر.
كان الأمل في حب الوطن دائماً محاولةً جاهدةً لحبٍّ من طرف واحد، وبعد الثورة أصبحت علاقة "توكسيك".
وبعد الحرب أصبح كانفصال أدى إلى علاقة متطرفة؛ إما غرق في الحنين، أو قطيعة وحرق جسور.
إما تشجيع، أو خذلان.
إما اندفاع، أو انسحاب تكتيكي.
كل شيء صار "يا أبيض يا أسود"… ولا مكان للرمادي، ولا حتى للراحة.
لا نحتاج إلى تقارير، ولا إلى منظمات، ولا إلى متحدّثين باسم المعاناة.
فالواقع واقع، وكل ما نحتاجه هو الاعتراف بأننا شعب مكتئب، ومتألم.
نحن بحاجة إلى شفاء، ولكن المرحلة الأولى هي أن نمتلك لغةً للحديث عن الوضع.
كان الأمل في حب الوطن دائماً محاولةً جاهدةً لحبٍّ من طرف واحد، وبعد الثورة أصبحت علاقة "توكسيك".
لكن برغم قتامة المشهد وثقله، في النهاية، لا بدّ من بصيص أمل لذلك سأنهي المقال مقتبساً السطر الأخير من كتاب "الجحيم" (الجزء الأول من "الكوميديا الإلهية") لدانتي، عندما يخرج الشاعر ومرشده من الجحيم ليشاهدا مرةً أخرى جمال السماوات، وهي مقولة استُعملت بكثرة فى عام جائحة كورونا الأوّل، عندما فقدنا حياتنا الطبيعية لأوّل مرة: "وهكذا خرجنا، ومرةً أخرى أبصرنا النجوم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Alamir -
منذ 13 ساعةالوقت في الحرب م طبيعي اليوم يساوي سنة بنكبر بقدر الأحداث البنعيشها قصف و انسحاب و مجاعة و حصار...
Mohammed Alamir -
منذ 13 ساعةالوقت في الحرب م طبيعي اليوم يساوي سنة
Tayma shreet -
منذ 20 ساعةيالله يا رماح !!
Gmal -
منذ يوم?
Gmal -
منذ يوم?
Gmal -
منذ يوم? هلا بالقلب