"فزعة عشائر الأردن والعراق" و"حماية إسرائيل"... تصعيد السويداء يثير عاصفة تضليل

حياة نحن والتطرف

الأربعاء 23 يوليو 20257 دقائق للقراءة

يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق "المعلومات"، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.

تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.

منذ 12 تموز/ يوليو 2025، تشهد محافظة السويداء السورية تصاعداً حادّاً في التوترات والمواجهات بين مجموعات محلية وقبائل بدوية موالية للحكومة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين والعسكريين. بالتزامن، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي روايات متضاربة حول أطراف النزاع وأعداد الضحايا، إلى جانب تداول واسع لصور وفيديوهات قديمة أو خارجة عن السياق، ومزاعم عن تدخّل عشائري خارجي من دون أدلّة موثوقة. وبينما تفاعل مستخدمو المنصّات الاجتماعية مع المعلومات المضلّلة، عملت منصّات التحقّق العربية على رصد هذه الادعاءات وتفنيدها.

"العشائر الأردنية تساند بدو السويداء"

انتشرت، على مواقع التواصل الاجتماعي، ادعاءات تفيد بأنّ عشائر أردنية دخلت السويداء لدعم قبائل بدوية في مواجهة الدروز. تحقّقت منصّة "فارق" السورية من هذا الادعاء عبر التواصل مع مصادر رسمية وميدانية، ولم تجد أيّ دليل على تحرّك ميداني أردني.

المنصّة السورية أوضحت أيضاً أنّ الادعاء استند بشكل مضلّل إلى بيان من عشائر أردنية، نُشر في 17 تموز/ يوليو 2025، عبر وسائل إعلام عدة، من بينها موقع تلفزيون سوريا، أدانت فيه الانتهاكات بحق بدو السويداء، وطالبت بتحرّك رسمي ودولي، من دون التلويح بأي تدخّل ميداني.

"صورة دروز يطلبون حماية إسرائيل" و"فزعة عشائر الأردن والعراق لبدو السويداء"... كيف أدت أحداث السويداء إلى عاصفة من التضليل؟

وتشهد السويداء، منذ 12 تموز/ يوليو الجاري، تصاعداً حادّاً في أعمال العنف، إثر اندلاع اشتباكات مسلحة بين فصائل درزية محلية وعشائر بدوية، على خلفية حادثة سرقة استهدفت تاجراً درزياً على طريق دمشق السويداء. وسرعان ما تحوّلت الاشتباكات إلى مواجهات، أسفرت عن مئات القتلى ونزوح العديد من المدنيين وتهجير البعض منهم قسرياً، كما امتدت تداعياتها إلى مناطق مجاورة.

وتدخّلت قوات الحكومة السورية في محاولة لـ"فرض النظام"، ما أدّى إلى اشتباكات عنيفة مع الفصائل المحلية انتهت بانسحاب القوات الحكومية. رافق ذلك تدخّل إسرائيلي عبر غارات جوية. وفي 20 تموز/ يوليو الجاري، تم التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، دخل حيّز التنفيذ، بالتزامن مع نشر قوات أمنية لـ"الحفاظ على الاستقرار".

"فزعة العشائر العراقية"

في غضون ذلك، تناقلت صفحات عراقية معلومات تفيد بتجمع أرتال عشائرية عند معبر القائم الحدودي استعداداً لدخول سوريا، فزعةً لأبناء عمومتهم. لكن منصّة "ترو بلاتفورم" السورية لم تعثر على أي صورة أو تقارير رسمية تؤكد ذلك. 

كما نقلت وسائل إعلام عراقية عن مصادر رسمية نفيها وجود استنفار أمني أو تأثير في حركة المعبر نتيجة أحداث السويداء.

"صورة دروز يطلبون حماية إسرائيل"

وانتشرت صورة مع ادعاء بأنها لمواطنين دروز يرفعون علم إسرائيل، ويطلبون حمايتها ضد الحكومة السورية. لكن منصّة "صحيح العراق" أوضحت أنّ الصورة قديمة تعود إلى عام 2018، خلال احتجاجات داخل إسرائيل على قانون "الدولة القومية"، ولا علاقة لها بأحداث السويداء.

ونفت المنصّة وجود أي طلب رسمي من الدروز في سوريا لتدخّل إسرائيلي، وأكدت أنّ الموقف العلني للقيادات الدرزية في سوريا ولبنان يرفض تماماً أي تدخّل من هذا النوع.

"قسد تهاجم أرتال البوكمال باتجاه السويداء"

كما رافق التصعيد رواج مقاطع فيديو مزعومة لمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أرتالاً قادمةً من البوكمال باتجاه السويداء. لكن منصّة "ترو بلاتفورم" لم تجد أي مصدر رسمي أو إعلامي يدعم هذا الادّعاء، كما لم تصدر بيانات عن وزارتَي الدفاع أو الداخلية السوريتين حول هكذا عملية، ما يعني أنه ادعاء ملفّق.

"أحفاد الفاروق والصديق يهددون الدروز بالذبح"

وعلى الجانب الآخر، انتشر فيديو لمقاتل يدعو مسلحين إلى تسليم أنفسهم، وادّعى ناشرو الفيديو أنه يهدّد الدروز بالذبح في السويداء. لكن منصّة "رادار" السورية أكدت أنّ الفيديو يعود للعام 2019، لمقاتل في مواجهات بين الجيش الوطني المدعوم من تركيا وقوات "قسد"، وأُعيد استخدامه في غير سياقه الأصلي.

تهديد مضلل للدروز

"إعدام القائد الدرزي ليث البلعوس"

وراجت شائعات تزعم أنّ قائد "رجال الكرامة"، الشيخ ليث البلعوس، أُعدم بتهمة التعاون مع الأمن العام وخيانة أهالي السويداء. ويُعدّ الفصيل أحد أبرز التشكيلات المحلية في السويداء، تأسّس دفاعاً عن أبناء المحافظة ورفضاً لهيمنة النظام أو المعارضة المسلحة.

لكن منصّة "فارق" كشفت أنّ البلعوس ظهر في فيديو خلال لقائه وفداً من وزارة الدفاع السورية في منتصف تموز/ يوليو 2025. كما لم تذكر حسابات حركة "رجال الكرامة" على مواقع التواصل الاجتماعي أي معلومة بخصوص مقتل البلعوس. وتواصلت "فارق" مع مصادر صحافية من داخل مدينة السويداء أفادت بأنّ اعتقال البلعوس غير مؤكد، وأنّ خبر مقتله غير صحيح، وهو ما تأكّد لاحقاً.

تصريح مفبرك للشرع يروّجه برلماني مصري، وصور ومقاطع قديمة أو من بلدان أخرى… تصاعد الأحداث في السويداء ترافقه عاصفة من المعلومات المضللة، هكذا فنّدتها منصات تدقيق معلومات عربية

"فصائل محلية تستهدف سيارة إسعاف"

انتشرت صورة لسيارة إسعاف مدمّرة مع مزاعم بأنّ فصائل في السويداء استهدفتها ومنعت إسعاف الجرحى. تحقّقت منصّة "ترو بلاتفورم" السورية، من الصورة عبر إجراء بحث عكسي عن مصدرها، وتبيّن أنها تعود إلى حادثة وقعت في أيار/ مايو 2025، حين أصيبت سيارة إسعاف تقلّ مرضى لغسيل الكلى بانفجار عبوة ناسفة في ريف السويداء.

"إسرائيل دخلت سوريا بالتنسيق مع الجولاني"

إلى ذلك، نقل النائب المصري محمود بدر، عبر حسابه على منصّة "إكس"، تصريحاً منسوباً إلى الرئيس الشرع، المعروف سابقاً بـ"أبو محمد الجولاني"، جاء فيه: "دخول الجيش الإسرائيلي إلى سوريا تم بالتنسيق معنا".

تصريح مفبرك منسوب للشرع

منصّة "صحيح مصر" أوضحت أنّ التصريح المتداول مفبرك، وأنّ الشرع لم يدلِ به، بل جرى تداوله لأول مرة في كانون الأول/ ديسمبر 2024 بعد أن فبركته مواقع صحافية، وانتشر حينها على نطاق واسع. وأشارت المنصّة المصرية في تحققها إلى أنّ أول ظهور للتصريح كان في تصميم يحمل شعار موقع "الشرق للأخبار" السعودي، وتم تداوله عبر منصّة "إكس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image