في 13 تموز/ يوليو الجاري، اندلعت مواجهات دامية لا تزال مستمرةً حتى كتابة هذه السطور على الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، بين قوات الأمن التابعة للإدارة السورية الجديدة مدعومة بقوات من عشائر البدو، وبين قوات محلية من السويداء تتبع لشيخ عقل الموحدين الدروز حكمت الهجري.
انتهزت إسرائيل الفرصة وتدخّلت بحجة ظاهرية هي دعم دروز سوريا استجابةً لضغط مواطنيها الدروز، وبقي هدفها الرئيس إشعال نار الفتنة بين السوريين أملاً في أن ينتهي الأمر إلى تقسيم البلاد.
أسفرت هذه المواجهات عن عدد غير مؤكد من الضحايا بين الطرفين، حيث يقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ "عدد القتلى في السويداء بلغ خلال أسبوع واحد 1،265 شخصاً، بالإضافة إلى 2،000 جريح"، عدا عن وقوع انتهاكات مروّعة في حق المدنيين في السويداء مشابهة للانتهاكات التي وقعت في حق السوريين العلويين في منطقة الساحل مطلع آذار/ مارس 2025.
وتبعت هذه المواجهات حالة من الانقسام الشعبي العمودي بين من يتهم الفصائل المحلية الموالية للشيخ الهجري، بالاستقواء بإسرائيل ويجعل ذلك مبرراً لحملة تجييش على امتداد الجغرافيا السورية ضد عموم الدروز، سواء كانوا موالين للهجري أو لا، وبين من يرى السلطة الجديدة سلطةً متشدّدةً تعتمد على شدّ العصب الطائفي، خصوصاً عند أهل السنّة، وتحويل أي اعتراض ضدها إلى حرب طائفية يُستباح خلالها الطرف المناوئ في حياته وماله وعرضه وأرضه، على شاكلة "حرب دينية ضد فرقة كافرة"، مع وجود طرف ثالث صوته لا يزال غير مسموع، يدعو إلى وقف حمام الدم المُسال على أرض الوطن للحفاظ على ما تبقّى من البلاد والإسراع بفتح حوار وطني سوري وفق منطق "دم السوري على السوري حرام".
هذه الأحداث استدعت محاولات عدة لفرض وقفٍ لإطلاق النار بضغط أمريكي خليجي غربي، دخل حيّز التنفيذ الكامل يوم 21 تموز/ يوليو الجاري، بمغادرة عائلات البدو "الراغبة" أراضي محافظة السويداء، في وقت يشهد فيه ريف المحافظة هدوءاً حذراً وسط ترقّب واسع لالتزام الأطراف بالبنود المتفق عليها.
ترى الناشطة المدنية أمل حميدوش، أنّ أحداث السويداء كشفت الانقسام العميق -الطائفي والمجتمعي والسياسي- بين مكوّنات المجتمع السوري، والذي تجلّى في خطاب كراهية غير مسبوق، الأمر الذي يفرض استحالة العيش المشترك، كما قد يؤثِّر على الحدود الجغرافيّة حيث قد يجد السوريون أنفسهم أمام شكل من الإدارة الذاتية أو الفيدرالية
قبل ذلك، تبادلت الأطراف الاتهامات بشأن إفشال وقف إجراءات التصعيد. اتهمت الحكومة والقوات الموالية لها ما تسمّيها "ميليشيات الهجري" بارتكاب خروقات، بينما ألقت فصائل السويداء المحلية اللوم على مقاتلي العشائر الذين قدِموا إلى السويداء بعد نفير عام ضد أهل المدينة، وعلى مرأى الحكومة الحالية يواصلون استهدافها والاعتداء على مدنييها.
"تغيير محتمل في شكل الجغرافيا السورية"
إلى ذلك، تبدو تبعات ما يحدث في السويداء كارثيةً وطويلة الأمد لأكثر المتفائلين. يقول الصحافي وهّاج عزّام، من السويداء، لرصيف22، إنّ مواجهات السويداء لم تنتهِ بعد، وتبعاتها كارثية على عموم البلاد، وفي المقام الأول إنسانياً، مع ما قد يترتب على ذلك من تغيير في شكل الجغرافيا السورية إذ بات تأثّرها واضحاً مع توقّف المواجهات.
مع ذلك، يرى عزّام أنّ هناك صعوبةً في توقّع شكل التأثّر ودرجته، خصوصاً أنّ ملف شرق الفرات لا يزال عالقاً وهو مشابه لملف السويداء، وقد تؤثّر عليه نتيجة التصعيد فيها. يُكمل عزام: "المجموعات المسلحة التي دخلت إلى شمال السويداء وغربها كانت موجّهةً لتخريب هذه القرى وتهجير أهلها، وهناك شريط جغرافي بين الريفين الغربي والشمالي للمحافظة لم تتقدّم المجموعات المُهاجِمة عبرَه، ولم تدخل مدينة السويداء برغم الصراع الشديد، وهذا يُعطي مؤشّرات على أنّ هناك توجّهاً معيّناً بفرض جغرافيا معيّنة مع عمل مقصود وممنهج بحرق المنازل لمنع عودة الأهالي إليها".
"مخاوف عميقةً"
من جهته، يخشى الناشط السياسي سامر أبو الفخر، من "اعتقاد الكثيرين أنّ الأزمة فرصة، بينما من يراقب تاريخ الصدمات التي تعصف بالمجتمعات البشرية يدرك بأنها نادراً ما تخلق فرصاً جيّدةً للشعوب، لأنها غالباً ما تُستثمر لصالح خيارات تُحابي مصالح ضيقةً لا تتعلّق بالصالح العام". ويرى ما حدث في السويداء مؤخراً "من الصدمات التي لن تخلق تبعات إيجابيةً على الأقل في المدى المنظور حيث رسّخت لدى الجميع مخاوف كان يُستعاذ حتّى من ذكرِ احتمال حدوثها بين السوريين خصوصاً في السويداء التي كانت في القلب من الثورة السورية، ولم يخطر ببال أحد أن تجفَّ الحلول بين دمشق والسويداء بهذه السرعة".
وفي حديثه إلى رصيف22، يضيف أبو الفخر أنّ "الجميع يتعامل مع الجغرافيا السورية كأمر مسلَّم به، لا يمكن تغييره، وهذا غير حقيقي. فلا وجود لدول طبيعية، كل الدول كيانات مصطنعة متغيّرة، وسوريا لا تشذّ عن هذه القاعدة، بل إنها خلال سنوات الحرب الأهلية ظلّت مقسَّمةً، ولم تزل". كما يشدّد على أنّ كل فعل قد يكون خطوةً على طريق جمع هذه الجغرافيا أو إبقائها مشرذمةً، و"لو شئنا ترك التفاؤل ليوم آخر، لجاز لنا القول إنّ المشهد مخيف وإنّ الجغرافيا التي سبقت 2011 اقتربت من أن تُصبح مجرد خريطة تُدرّس في صفوف مادة التاريخ ليس أكثر".
"استحالة العيش المشترك"؟
بدورها، ترى الناشطة المدنية أمل حميدوش، أنّ أحداث السويداء "كشفت الانقسام العميق -الطائفي والمجتمعي والسياسي- بين مكوّنات المجتمع السوري، والذي تجلّى في خطاب كراهية غير مسبوق، الأمر الذي يفرض استحالة العيش المشترك. كما قد يؤثِّر على الحدود الجغرافيّة حيث قد يجد السوريون أنفسهم أمام شكل من الإدارة الذاتية أو الفيدرالية".
وتشرح حميدوش، لرصيف22: "حينها، لن يكون بالإمكان على سبيل المثال الاعتراف من قبل السويداء بحكومة دمشق بعد كل هذه الدماء التي سالت، إلا في حال بدء العمل على حل سياسي حقيقي، و'تصفير العدّاد' عبر العودة إلى لحظة إسقاط نظام بشار الأسد، والانتقال إلى تأسيس مرحلة انتقالية تتشارك فيها جميع المكوّنات بعيداً عن منطق الأقليات والأكثريات الذي تحكم به السلطة الحالية، مع حوار جدّي وحكومة وحدة وطنية، ما يخلق أملاً في الحديث عن سوريا واحدة وتجاوز حالة الانقسام".
"لا مجال لمزيد من الثقة"
وفي خضّم الأحداث المأساوية المتتابعة في سوريا، يقترح البعض "منح الحكومة الحالية فرصةً لتوحيد البلاد وضبط أمنها خصوصاً أنّ 'عودها رطب' واستلمت بلداً مدمّراً بعد حقبة الأسدين". لكن لدى وهاج عزام، رأياً مختلفاً إذ يعتقد أنه بعد أزمة السويداء الحالية "لم تعد هناك ثقة بالحكومة أو بوفائها بتعهداتها، وهذا الأمر انتهى مع مرور الأشهر الماضية، وهناك شخصيات يتّفق عليها السوريون لم تُشركها السلطة في القرار والإدارة طوال الفترة الماضية".
من ناحية أُخرى، يرى سامر أبو الفخر، أنّ "الثقة تكون استجابةً وليست قراراً يُتخذ". لذا، يعتقد أنّ "الثقة شرعية تنالها الدولة من شعبها بالاستحقاق، وأساس الثقة هو الالتزام بالقانون وبما تمَّ التوافق عليه، وليس على أساس تبادل حسن النوايا"، مشدّداً على أنّ "الحكومات التي تنال الشرعية بحرارة الانتصار تخسرها مع أول انتكاسة"، وأنّ "الدم الذي أُسيل في السويداء لا يُبرّده إلا أن يتلمّس السوريون طريقاً مغايراً للثأر تخلق الحكومة حوافزه وتكون أول من ينسى الثأر ويُثبت جدوى النسيان لنكون جديرين بالغد".
يسترجع أبو الفخر: "لأشهر مضت، ناقشنا هذا السؤال من بوابة القدرة، وناقش الجميع الصعوبات والتحدّيات التي تعترض الإدارة الحالية، لكن صار لزاماً علينا اليوم أن نسأل أنفسنا: هل لدى الحكومة رغبة في أن تكون حكومةً لكل السوريين؟ للأسف، تتصرّف الإدارة كما لو أنها استلمت الحكم نتيجة انتخابات، فلا تأبه برأي من يخالفها في مقاربة المرحلة الراهنة كما لو أنّ مصلحة سوريا وشعبها لا تُنال إلا بوصفةٍ سحرية هم وحدهم مُلَّاكُها برغم كونهم حديثي عهدٍ بحكم الدول".
"الحكومات التي تنال الشرعية بحرارة الانتصار تخسرها مع أول انتكاسة… والدم الذي أُسيل في السويداء لا يُبرّده إلا أن يتلمّس السوريون طريقاً مغايراً للثأر تخلق الحكومة حوافزه وتكون أول من ينسى الثأر ويُثبت جدوى النسيان لنكون جديرين بالغد"
كما يلفت إلى أنّ الإدارة الجديدة تُهمل -على حد قوله- خطر الارتكاز على شريحة مناصرين من خلفية مذهبية واحدة. "لذا، أعتقد أنّ الإدارة ليست مطالبةً اليوم بالوفاء بالتزاماتها ولا بإظهار أي حسن نية، بل بالإقرار بعجزها عن إدارة المرحلة الانتقالية ما بعد الأسد، وبأنّ التجانس الذي احتجّت به هو سبب فشلها أصلاً"، يستطرد.
"ثقة مشروطة… وحاجة إلى الخارج"
أما عن استعادة الثقة بالإدارة الحالية، فتعتقد أمل حميدوش، أنها "مرهونة بسلوكها فالثقة تتعلّق بقدرة السلطة على التعامل مع الملفات المشتعلة، ليس من زاوية أمنية مرتبطة بازدواجية تقوم على سحب السلاح من جهات وغضّ الطرف عن جهات أخرى، بل من زاوية سياسية اجتماعية تتعلّق بالتمثيل والمشاركة، حيث تستطيع الحكومة أن تفي بتعهداتها وأولها أن تكون حكومةً لجميع السوريين من خلال ممارسات لا تعكس هويتها الدينية ولا خدمة أجندة متطرّفة، وعندما يطابق فعلها قولها دون فرض منطق الأكثرية والأغلبية الذي يهدّد الجميع بما في ذلك الأكثرية المعتدلة".
وتُردف حميدوش: "للأسف، لن نستطيع اليوم بمفردنا تجاوز هذا الانقسام، بل نحن بحاجة إلى وسيط يقف في منتصف الاقتتال، ولا يوجد أفضل من الأمم المتحدة عبر إصدار قرار جديد أممي يضمن المشاركة لجميع السوريين من مكونات وأطراف سياسية، مع تنامي الدور العربي لجعل سوريا بعيدةً عن التجاذب الإقليمي الغربي، بعد ذهاب القرار 2254 مع الريح".
"اختراع عصا موسى"؟
"هل نحن في سويسرا؟"؛ هكذا يتساءل المتخصّص في العلوم السياسية والناشط عمرو ميداني، من دمشق عبر رصيف22، عن سبب تناسي الواقع الذي يقول إن "السوريين تخلّصوا للتو من عقود من الاستبداد تخلّلها نحو عقد ونصف العقد من الاقتتال العنيف، ويطالبون الحكومة الحالية باختراع 'عصا موسى' وحلّ جميع المشكلات".
يردف ميداني: "نعم هناك أخطاء وتجب محاسبة كل من ارتكب أي انتهاك بحق أي سوري من كل الأطراف. لكن لا يمكن تلافي الواقع الحالي، سوريا اليوم محط أطماع الجميع، من الغرب إلى إسرائيل إلى الدول التي كانت حليفةً للنظام السابق… كل هؤلاء ينامون ويستيقظون على حلم تفتيت سوريا مع عقوبات كُبرى وواقع معقّد".
ويرى أنّ كل ما سبق "يُصعِّب موقف الحكومة الحالية، فبلدنا لم يكن يوماً سويسرا ومشكلاتنا لا تشبه سويسرا، وهذا لا يعني تبرير أي خطأ، لكنه نقطة انطلاق لفهم التحديات التي تواجهها الحكومة الحالية. يضاف إلى ذلك وجود فئة ضمن النسيج الموالي للحكومة ذات أفكار متشددة يجب على الحكومة أن تتخلّص منها، عدا عن تعامل بعض الزعامات المحلية والدينية مع أطراف خارجية لتوفير دعم لها يحقق أهدافها، خاصةً أولئك الذين تعاونوا مع إسرائيل ضد وطنهم".
"جريمة السلطة أنها طرف"
تقرأ الصحافية الاستقصائية والمدرّبة الدولية ميس قات، القضية السورية اليوم من زاوية مختلف حيث تشرح، لرصيف22، أنها استناداً إلى عملها في مناطق نزاع مختلفة حول العالم، من بينها اليمن وليبيا وأفغانستان والسودان وبالطبع سوريا: "أستطيع القول إنّ مرحلة ما بعد النزاع تتعقّد أحياناً وربما أكثر من فترات الحرب نفسها. وفي أي لحظة، يمكن أن تعود الحرب الأهلية طاحنةً يتسع نطاقها ليشمل البلاد كاملةً".
وتنبّه قات كذلك إلى أنّ "مرحلة ما بعد النزاع تطول أو تقصر، والأمر يرجع إلى مدى قدرة السلطات على إرساء خطاب وطني جامع في البلاد". أما في ما يخصّ سوريا، فلم تبدأ فعلياً مرحلة "ما بعد النزاع"، والحديث لا يزال لقات، والسبب ليس فقط في استمرار مظاهر العنف أو الانقسام، بل أيضاً غياب خطاب وطني شامل قادر على استيعاب كل السوريين، والتأسيس لهوية وطنية غير ممزّقة، والسلطة هي المسؤولة عن ذلك بالدرجة الأولى، على حد قولها.
وتشير قات، إلى أنّ "السلطة الحالية تختصر المرحلة الانتقالية في إجراءات تقنية أو لوجستية، مثل إعادة بناء المؤسسات وبناء القانون وتغيير النظام السياسي، لكنها ترتكب جريمةً حقيقيةً عندما تكون طرفاً في معركة الرواية والهويّة التي تنساق لها أطراف مختلفة، وتجعل نفسها مالكةً لسردية الحرب، وفارضةً لهوية إسلامية سياسية على السوريين بمختلف طوائفهم وخلفياتهم وقناعاتهم".
وتوصي قات السلطة بأن تتوقّف عن "تبنّي الخطاب الانتقامي الإقصائي، وأن تنسف رواية المنتصر الغبية، واستخدام وسائل الإعلام لتأجيج الكراهية وشيطنة الآخرين، وتهميش أصوات الضحايا من كل الأطراف"، وفي المقابل بأنّ "تعترف بما حدث دون إنكار أو تبرير، وتقود عمليةً وطنيةً شاملةً تفتح المجال أمام الجميع للمشاركة في بناء البلاد".
"بقدر ما تتمكّن السلطة من تحقيق هذه الخطوات، تنجح في كسب ثقة الناس وبشكل تدريجي... لكن السؤال: هل ترغب السلطة في فعل ذلك فعلاً؟ أركز في كلامي على السلطة لأن بيدها مفاتيح التغيير اليوم، لكن مسؤولية بناء عقد اجتماعي في سوريا ترتكز أيضاً على المجموعات المختلفة في البلاد، وعلى الأفراد أيضاً مهما كان موقعهم من الصورة السورية"، تختم قات.
"مشاريع صهيونية تُنفّذ بأيدينا"
منذ إسقاط نظام الأسد، طفت فوق السطح مشاريع تقسيم متعددة لسوريا، لاحت إسرائيل محرّضاً ومعزّزاً للعديد منها. مصلحة إسرائيل في تقسيم سوريا لا تحتاج إلى الكثير من التحليل والشرح. لكن الأمر المزعج هو أنها لا تبذل الكثير من الجهد لتنفيذها بل يتولّى سوريون إنجازها وإن عن غير وعي.
خلال الأحداث الأخيرة، استغلت إسرائيل الفرصة وأعلنت دعمها الدروز ضد طيف سوري آخر، السُنّة، متناسيةً أنّ السوريين لديهم موقف واحد رافض لها، خصوصاً دروز سوريا، بمن فيهم دروز الجولان السوري المحتل الذين قدّموا تاريخياً كل الإثباتات لإظهار رفضهم التبعية لإسرائيل.
مع ذلك، تلعب إسرائيل على التناقض الحالي الذي يراه المراقبون ناتجاً عن مخاوف الأقليات الدينية في سوريا من حكم الرئيس أحمد الشرع ذي الخلفية الأصولية، خصوصاً بعد وقوع انتهاكات عدة ضد مكوّنات دينية لأسباب طائفية، دون محاسبة مرتكبيها حتى الآن.
ويؤكد وهّاج عزّام، أنّ "المشروع الصهيوني قائم بكل قوّته وإسرائيل تتدخّل لتعزيز اقتتال الشعب السوري في ما بينه وهو ما ينفّذه أبناء البلد الواحد بحذافيره للأسف، وهنا تكمن الكارثة. وفي كل الأحوال، الجميع خاسر، والبلاد دخلت في دوامة من عدم الاستقرار وهي بحاجة إلى عمل كبير جداً لإعادة الاستقرار".
"طريق السوريين إلى الاستقرار وإعادة إعمار بلدهم طويل، وهناك محطات أخرى يمكن أن نلحق بها، لكن الشرط بات واضحاً وهو اعتماد مقاربةٍ براغماتية تهتم بعواقب الفعل دون تشبّث بمواقف عقائدية ورّطت السوريين بما هو غير مجدٍ"
ومن النقطة ذاتها، يشدد سامر أبو الفخر على أنّ "أصعب ما في القطار الفوات، لكنها تبقى محطة، وطريق السوريين إلى الاستقرار وإعادة إعمار بلدهم طويل وهناك محطات أخرى يمكن أن نلحق بها، لكن الشرط بات واضحاً وهو اعتماد مقاربةٍ براغماتية تهتم بعواقب الفعل دون تشبّث بمواقف عقائدية ورّطت السوريين بما هو غير مجدٍ".
من جهتها، تؤكد أمل حميدوش، أنّ "هشاشة البيت الداخلي والاقتتال الطائفي أفضل ما يمكن تقديمه لإسرائيل لإنجاح مشروعها، وإعادة بناء مشروع الدولة ومفهومها، واتحاد السوريين حولها هو الحلّ لمواجهة مشاريع إسرائيل. أما في ظل الحالة الآنية، فما نفعله هو أفضل أسلوب لإنجاح مشروع إسرائيل الساعي إلى تقسيم سوريا".
قلق وحذر
وفيما ضجّت الأيام الأخيرة بالشائعات والشائعات المضادة التي تثير الرعب والقلق بين السوريين، بين من يحذّر من اقتراب سقوط نظام الشرع، وآخر يتوقّع حدوث حالة انفلات أمني كبير في عموم سوريا، خصوصاً دمشق"، توضح الناشطة ميساء موسى، من العاصمة السورية، لرصيف22، أنّ "يوميات الدمشقيين تشبه إلى حدّ كبير سنوات منتصف الحرب حين كانت العاصمة محط التفجيرات والانفجارات والطغيان الأمني".
وتستدرك: "الغريب أنّ ذلك لا يحدث حالياً، لكن تأثيره موجود حيث ترى وجوهاً قلقةً وحركةً خفيفةً وذُعراً من أي شائعة. نعم، هناك محال مفتوحة وطرقات مزدحمة لكنها في حقيقتها لمن لا خيار له سوى العمل أو الخروج من المنزل لقضاء حاجات ضرورية. لكن الخوف عاد إلى نفوس الدمشقيين بعد الذي صرنا نشاهده ونسمع عنه في السويداء. وما زاد الطين بلّةً هو ما حصل مع مجموعة من الشباب والفتيات المعتصمين/ ات أمام البرلمان للمطالبة بوقف نزيف الدم السوري، وما شاهدناه من فيديوهات توثّق تعرّضهم للاعتداء من قبل مجموعات تحمل سيوفاً وسكاكين وتشتم بأقبح الكلمات وتتحرك دون خوف في العاصمة، ما جعل الجميع يشعر باقتراب خطر الانفلات الأمني".
مع نشر هذه السطور، ربما لا يمكننا تحديد إلى أين وصلت ذروة التجييش في هذه البلاد، لكن ما نعيه جيداً أنّ سوريا مرّت عبر تاريخها بمطبّات سياسية وأمنية كبيرة، وعبرتها، لكنها هذه المرة تظهر مختلفةً ليس نتيجة تولّي نظام وإسقاط آخر، بل لأنّ مهمة عبور سوريا إلى شطّ الأمان باتت بأيدي السوريين أنفسهم دون الاعتماد على السلطة التي لم تفلح حتى الآن في إثبات أبسط التزاماتها، وهو أنها سلطة للسوريين جميعهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.