"هذا فيلم يدعم فلسطين. لا، بل يدعم المهاجرين إلى أمريكا"، و"ربما هو عمل فني خبيث يريد في النهاية أن يصل بنا إلى رسالة مفادها أنّ الولايات المتحدة هي البطل الخارق الذي سينقذ العالم"؛ هذه عيّنة من الاتهامات التي وُجّهت إلى أحدث أفلام هوليوود "سوبرمان: ليغاسي". ولعلّ أكثرها شراسةً، تلك التي صدرت عن مؤيدين لإسرائيل رأوا في الفيلم دعماً لفلسطين، وإدانةً واضحةً لتل أبيب ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.
على منصة "Letterboxd"، مَنَحَ ناقد سينمائي هاوٍ يُدعى "إيفان"، فيلم "سوبرمان: ليغاسي" الجديد، خمس نجوم من أصل خمس نجوم؛ لكن العجيب أنّ ذلك التقييم العالي، تضمَّن استياءً من الناقد نفسه، الذي وصف الفيلم بأنه "معادٍ لإسرائيل".
وعندما قامت إحدى المدوِّنات على منصّة "X"، بإعادة نشر تقييم إيفان، حصل منشورها على أكثر من 11 مليون مشاهدة و36،000 إعجاب.
لم يكن "إيفان" هو الشخص الوحيد الذي يُشير إلى أنَّ الفيلم الجديد يحمل رسالةً ضمنيةً -أو حتى صريحةً- معاديةً لإسرائيل، فقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بنظرياتٍ تُشير إلى أنّ إحدى أهمّ نقاط حبكة الفيلم، وهي مهمة سوبرمان في وقف غزو دولة فقيرة خيالية تُدعى "جهرانبور" من قِبَل "بورافيا" المدعومة من الولايات المتحدة، ما هي إلا استعارة للصراع بين إسرائيل وفلسطين.
وتقول صحيفة "Times of Israel" الإسرائيلية، إنّ المُعلّقة السياسية والناقدة الدائمة لإسرائيل، كريستال بول، قالت: "بعد مشاهدة الفيلم، أشعر بلحظة ثقافية فارقة، حيث تُصوَّر إسرائيل بوضوح كدولة شريرة في فيلم هوليوودي ضخم الميزانية".
غضب إسرائيلي وسخرية أمريكية
تجاوَز غضب الداعمين لإسرائيل الأشخاصَ العاديين، ووصل إلى الجهات الرسمية. فالقنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلوس، ردّت أيضاً على الفيلم من خلال نشر صورة على فيسبوك تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي، معلّقةً عليها بجملة: "الأبطال الخارقون الحقيقيون".
تُظهر الصورة جنوداً إسرائيليين يقفون مثل شخصيات القصص المصوّرة، وينظرون في الأفق، لكن الغريب أنهم حذفوا المنشور بعد ساعات من نشره.
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بنظرياتٍ تُشير إلى أنّ إحدى أهمّ نقاط حبكة الفيلم، وهي مهمة سوبرمان في وقف غزو دولة فقيرة خيالية تُدعى "جهرانبور" من قِبَل "بورافيا" المدعومة من الولايات المتحدة، ما هي إلا استعارة للصراع بين إسرائيل وفلسطين
وفي يوم عرض الفيلم، نشرَ البيت الأبيض بطريقة غير معتادة صورةً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيّ شخصية "سوبرمان" الشهيرة، وأرفقها بجملة: "رئاسة ترامب... رمز الأمل، والحقيقة والعدالة على الطريقة الأمريكية… سوبرمان".
"تبّاً لهم"
فجأةً، وجدَ مخرج الفيلم وكاتبه، جيمس جان، نفسه أمام سهام النقد، والفيلم الذي ينتمي في الأساس إلى فئة الترفيه بات في نظر الكثيرين سلاحاً سياسياً موجّهاً ضد إسرائيل تارةً، وضد أمريكا تارةً أخرى.
اضطر جيمس إلى نفي أي صلة للعمل بحرب الإبادة الإسرائيلية الدائرة في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وجاء في تصريحه لصحيفة "التايمز": "عندما كتبتُ هذا الفيلم، لم يكن الصراع في الشرق الأوسط قائماً. لذا حاولتُ القيام بأشياء بسيطة لإبعاده عن ذلك، لكن لا علاقة له بالشرق الأوسط. إنه غزو من دولة أقوى بكثير، بقيادة مستبدّ، لدولة تعاني من مشكلات سياسية، لكنها تفتقر تماماً إلى القدرة على الدفاع ضد الدولة الأخرى. إنه في الحقيقة خيال".
"بعد مشاهدة الفيلم، أشعر بلحظة ثقافية فارقة، حيث تُصوَّر إسرائيل بوضوح كدولة شريرة في فيلم هوليوودي ضخم الميزانية"
وفي تصريح آخر لصحيفة "صنداي تايمز"، يقول المخرج: "بالنسبة لي، إنها قصة تقول إنّ اللطف الإنساني الأساسي هو قيمة وشيء فقدناه...نعم، يتمحور الفيلم حول اللطف الإنساني، ومن الواضح أنّ هناك أشخاصاً غير لطفاء وسيعدّونه مسيئاً لمجرد أنه يدور حول اللطف. لكن تبّاً لهم".
لم يترك مخرج الفيلم لحظة تمرّ إلا ونفى فيها علاقة عمله بالقضية الفلسطينية، فقال أيضاً لـ"صنداي تايمز": "سوبرمان مهاجر جاء من أماكن أخرى... سوبرمان هو قصة أمريكا".
لا لاستخدام السينما كسلاح سياسي
ربما كان الأجدر بالمخرج جيمس جان، أن يترك العمل يتحدث عن نفسه وألا يلجأ إلى تفسيره، أو يفعل ما فعله المخرج المصري الشهير داوود عبد السيد، المشهور بأفلامه التي تحمل رمزيات متعددةً عن الدين والجنس والسياسة. وبرغم هذا، فقد قال في حوار نشرته "العربية" قبل ثلاثة أعوام: "أنا ضد استخدام السينما كسلاح سياسي. فالسينما فنّ، وعلينا أن نتعامل معها على هذا الأساس".
ويبدو أنّ تصريحات كاتب ومخرج فيلم "سوبرمان: ليغاسي"، بشأن ارتباط الفيلم بالمهاجرين أضرّته أكثر مما نفعته. على الفور أخذت التأويلات منحى آخر تماماً، حيث تقول مجلة "فوربس": "لطالما وُصف سوبرمان من قِبل المعجبين والنقّاد بأنه مهاجر، إذ تدور قصته حول ولادته على كوكب كريبتون المحتضر ووصوله كغريب إلى كانساس، ومبتكراً القصص المصورة، جيري سيغل وجو شوستر، هما ابنا مهاجرين يهوديين أوروبيين".
وتضيف "فوربس"، إنّ فنان القصص المصوّرة، فرانك ميلر، الذي كتب قصص سوبرمان المصورة، في عام 2019، قال إنه "يهدف إلى تصوير سوبرمان على أنه المهاجر المثالي" في سلسلته المصورة "سوبرمان: السنة الأولى".
ولعل أكثر التأويلات غرابةً بشأن دعم الفيلم المهاجرين، هو ذلك التأويل الصادر عن جيسي واترز في برنامج "فوكس نيوز"، حيث قالت: "هل تعلمون ما هو مكتوب على عباءته؟ إم إس-13"، وتعني بتلك الإشارة ما تسميها أمريكا "العصابة الإجرامية الدولية"، التي تزعم إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها تستهدفها في مداهماتها مواقع الهجرة غير النظامية.
باسم يوسف و"سوبرمان"
قبل عام وأكثر من عرض الفيلم، وتحديداً في شباط/ فبراير 2024، ظهر الإعلامي المصري باسم يوسف، في لقاء مصوّر مع مجلة "صالون" والمذيع دين عبيد الله، قال فيه إنّ دعمه لفلسطين، وتحديداً في مقابلته الشهيرة مع الإعلامي بيرس مورغان، كلّفه الكثير، وإنه كان سبباً في خسارته دوراً تمثيلياً في فيلم "سوبرمان: ليغاسي".
قال باسم: "شعرت ببعض المرارة لخسارة الدور، وشعرت بحزن شديد... في الولايات المتحدة الأمريكية، يمكنك التحدّث عن جو بايدن ودونالد ترامب، لكن لا يمكنك انتقاد حكومة أجنبية، وهو أمر محزن للغاية، أليس كذلك؟".
وأضاف: "تم اختياري للمشاركة في فيلم سوبرمان ، ثم قالوا لي: 'لقد غيّرنا السيناريو'، بعد هذه المقابلة مع بيرس مورغان، وأريد أن أفترض حسن النية".
وتابع باسم: "أتفهّم أن الأشخاص المسؤولين اتخذوا القرار، ونظروا إليّ ولم يرغبوا في ضمّي، وربما أفهم ذلك. إذا كنتُ عربياً مسلماً، وكنت رئيساً لشركة Warner Bros، فلن أرغب في أن يظهر شخص مؤيد للصهيونية أو مؤيد لإسرائيل في فيلمي إذا هاجم شعبي. هذا هو الشيء الذي نحتاج إلى تحليله: عندما أهاجم إسرائيل، فإنني أهاجم سياستها ولا أهاجم الشعب اليهودي".
اتهامات باسم يوسف لصنّاع فيلم "سوبرمان: ليغاسي"، تمّ الرد عليها بالنفي القاطع، ونشرت شبكة "IGN"، تصريحات مصدر مقرب من الإنتاج لم تذكر اسمه، أفادت بأنّ الشخصية التي كان سيؤديها الإعلامي المصري تم إلغاؤها، قبل مقابلة بيرس مورغان بوقت طويل.
التصريحات التي نشرتها الشبكة، أكدها المخرج جيمس جان، حين أعاد نشرها على حسابه الرسمي بموقع "إكس"، وعلّق عليها بجملة: "هذا صحيح". ثم في منشور لاحق، قال جان إنه وباسم يوسف أصبحا على وفاق، وكتب: "لا خلاف بيننا. تحدثتُ أنا وباسم، ونحن على وفاق. أفهم ما كان يفكر فيه (وهو ما كان واضحاً في مقابلته)، وأخبرته القصة كاملةً".
"إنه مجرد فيلم"
هذه التأويلات المحيطة بالفيلم والاتهامات التي طالت مخرجه من جهات مختلفة، كلّها غطّت على التحليل الفني للعمل، فباتت القضية كما يقول المصريون: "دخان كتير... كفتة قليل"، كتفسير شعبي لعنوان مسرحية شكسبير "ضجيج بلا طحين".
ومن المفارقات الأخرى الخاصة بفيلم "سوبرمان: ليغاسي"، أنه إذا أردنا أن نقول إنه يدعم إسرائيل، فسنجد إحدى بطلاته الممثلة ميلي ألكوك، وهي معروفة بدعمها لفلسطين، إذ إنها في كانون الأول/ ديسمبر عام 2023، وقّعت على رسالة تدعو الفنانين إلى ارتداء الأوشحة الفلسطينية التقليدية تضامناً مع أهل غزة وهو ما أكده موقع "AussieTheatre.com".
"تم اختياري للمشاركة في فيلم سوبرمان ، ثم قالوا لي: 'لقد غيّرنا السيناريو'، بعد هذه المقابلة مع بيرس مورغان، وأريد أن أفترض حسن النية"
وإن قلنا إنّ الفيلم يدعم فلسطين، فسنجد العكس تماماً، في حالة أحد أبطال العمل، الممثل سكايلر جيسوندو، الذي يجسد دور الصحافي جيمي أولسن، حيث يصفه متابعوه على موقع "إنستغرام" بأنه "صهيوني"، حسب ما ذكرت مجلة "نيوزويك".
وعليه، يبدو أنّ أفضل ما قيل لفضّ الجدل الدائر حول هذا الفيلم، هو ما صرّح به الممثل ناثان فيليون، الذي يلعب دور البطل الخارق "الفانوس الأخضر"، حين قال: "مجرد فيلم يا رفاق. إنه مجرد فيلم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.