شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أفلام إسرائيلية تدين الاحتلال والصهيونية

أفلام إسرائيلية تدين الاحتلال والصهيونية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحقيقة

الثلاثاء 28 نوفمبر 202302:11 م

لطالما كانت الحكايات السينمائية الفلسطينية من أهم سبل تصوير معاناة شعب تحضر يومياته بشكل اعتيادي في نشرات الأخبار، فتحيل الضحايا إلى أرقام جامدة تفقد أثر وقعها على النفس بمرور الزمن. استطاعت هذه الأفلام أن تمنحنا فرص التقرب من حياة أبطالها التي تشبه في تفاصيلها وعاداتها باقي العالم العربي، لكنها تختلف في تجربتها الإنسانية بفعل الاحتلال وممارساته الإجرامية. صارت السينما الفلسطينية حاضرةً بقوة في المهرجانات الكبرى، خصوصاً مع ظهور جيل من صنّاع الأفلام قادر على تقديم معالجات للقضية بأساليب فنية رفيعة. لكن ماذا عن السينما الإسرائيلية ونظرتها إلى الصراع القائم منذ 75 عاماً؟ هل ينشغل مخرجوها بما صار في الماضي أو ما يعيشه الفلسطينيون اليوم؟

طرد الفلسطينيين

تبدو الإجابة بـ"نعم"، منطقيةً في ظل ازدياد عدد الأعمال السينمائية التي تنتقد إسرائيل وترفض سياساتها المعلنة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، خصوصاً مع ظهور نوع من الأفلام يُسمّى "إطلاق النار والبكاء" (Shooting and crying)، يتناول جرائم القتل والإبادة التي اقترفها الجنود الإسرائيليون، وخلفت آثارها النفسية عليهم، إذ يحوّل الجاني إلى ضحية، يأسف لما فعله في أثناء الخدمة العسكرية، لكنه يجد المبررات التي تطهّره من الذنب!

يتتبع المخرج إيال سيفان، في فيلمه الوثائقي "يافا، آلية البرتقال" حكاية البرتقال وأصحابه الذين سُرقت أرضهم على يد الحركة الصهيونية بمعاونة الاستعمار البريطاني. يجمع الفيلم بين مواد أرشيفية تكشف عن طبيعة يافا قبل الاحتلال، وأخرى مزيّفة 

هذا لا ينكر وجود صنّاع أفلام يسعون بدرجات متفاوتة إلى كشف الحقائق التي تعمل إسرائيل على طمسها، إذ ينشغلون بتقديم سرديات مختلفة عن السردية الرسمية ويطرحون تساؤلاتٍ تزعج صنّاع القرار وتمس التابوهات. وعليه، تصبح أفلامهم التسجيلية والروائية واحدةً من بين أدلة كثيرة تؤكد أن ما نراه على الشاشات من أهوال يعيشها قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هو فصل جديد من مأساة اعتاد الاحتلال على ارتكابها في حق الفلسطينيين.

"يافا، آلية البرتقال"، كيفية تزييف التاريخ

كانت يافا واحدةً من المدن العربية التي وُثّقت معالمها مع بدايات ظهور التصوير الفوتوغرافي، حيث جذبت بساتينها البرتقالية أنظار المصوّر خليل رعد الذي جاء إليها في نهاية القرن الـ19 لالتقاط ملامح حياة ثرية يشتغل الناس فيها بالزراعة، ويصدّرون من ميناء يافا أجود أنواع البرتقال إلى مختلف أنحاء العالم. لكن هذه الصور حُذفت من السجلات الرسمية، وحلّت محلها صور أخرى لأرض بدائية قاحلة لم تزدهر حقولها سوى مع وجود الصهيونية التي اتخذت من البرتقال رمزاً لإسرائيل وموضعاً لفخرها.

يتتبع المخرج إيال سيفان، في فيلمه الوثائقي "يافا، آلية البرتقال" (Jaffa, The Orange’s Clockwork)، حكاية البرتقال وأصحابه الذين سُرقت أرضهم على يد الحركة الصهيونية بمعاونة الاستعمار البريطاني. يجمع الفيلم بين مواد أرشيفية تكشف عن طبيعة يافا قبل الاحتلال، وأخرى مزيّفة استخدمها الإسرائيليون في الترويج لأكاذيبهم، وذلك بالإضافة إلى لقاءات مصورة مع مؤرخين ومزارعين وتجار من كلا الجانبين، مستهدفاً دحض الأساطير والاختلاقات والرد على مسائل خلافية.

على سبيل المثال، يقول المعلّق في أحد الأفلام الدعائية: "ذات يوم، عاش اليهود في هذه الأرض التي كانت مركزاً لحضارة عظيمة، ولكن صارت جدباء بعدما طُردوا منها"، فيردّ المؤرخ الإسرائيلي أمنون راز-كراكوتسكين: "هذه ليست سرديةً يهوديةً، اليهود لم يُطردوا منها بل تركوها. هذه سردية مسيحية تبنتها الصهيونية لاحقاً".

يتوقف سيفان عند استخدام الصهيونية للفن في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته بهدف تكريس الرواية الكاذبة وتناقلها عبر الأجيال، حيث يعرض صوراً وفيديوهات ولوحات تشكيليةً صُنعت لتغازل النظرة الغربية للشرق، يظهر فيها الفلاحون البسطاء وبجانبهم اليهود الذين جاءوا إلى أرض فلسطين بملابسهم العصرية، وتقنياتهم الحديثة، لانتشالها من الفقر والتخلف، بحيث تُطمس حقيقة أرض يافا التي كان برتقالها يتهادى به الملوك والسلاطين، وفي الوقت نفسه يتم ترسيخ فكرة أن الفلسطينيين لا يصلحون إلا ليكونوا أيادي عاملةً لدى صاحب رأس المال الصهيوني.

يتنقل الفيلم، الذي يحيلنا اسمه إلى شريط ستانلي كوبريك السينمائي الديستوبي، بين شهادات الطرفين التي تتفق على أن العرب كانوا يمتلكون الجزء الأكبر من الأراضي ويسيطرون على عمليات التجارة وحركة السفن، وقد تعاونوا مع اليهود الوافدين ببساطة في بادئ الأمر، ولكن مع زيادة معدلات الهجرة والرغبة في السيطرة على الأرض والوظائف، بدأت الإضرابات التي ووجهت بالقمع والاضطهاد وصولاً إلى الطرد من الأرض عام 1948.

يقول قائد ميليشيا صهيونية: "رأينا العرب يفرّون في مراكب صغيرة. كان الأمر أشبه بدونكيرك ثانية، كانوا يريدون إلقاءنا في البحر!". فيما يُعلّق المؤرخ الفلسطيني إلياس صنبر بأن الصهيونية جاءت بادّعاء الإلقاء في البحر ليبدو الأمر وكأن عصاباتها تقاوم وتدافع عن حياتها، بينما يُتهم ضحايا المؤامرة بالمصير الذي يتعرضون له.

استولت إسرائيل على أرض يافا، وأخذت تصدّر البرتقال إلى الخارج على اعتبار أنه خير دعاية لها، لكن الثمرة المحفورة في ذاكرة الفلسطينيين الذين يتوقون إلى شم رائحتها، أصبحت حاضرةً في فن المقاومة تذكّر الاحتلال بمجازره. في النهاية، اقتُلعت الأشجار ودُمّرت الحقول لأسباب متباينة، منها أزمة المياه واختباء المقاتلين الفلسطينيين بين فروعها الكبيرة.

"القانون في هذه المناطق"، القمع باسم العدالة

يفتتح المخرج رعنان ألكسندروفيتش، فيلمه الوثائقي "القانون في هذه المناطق" (The Law In These Parts) بلقطات أرشيفية لرجال فلسطينيين يصطفون في طوابير طويلة أمام الحواجز الإسرائيلية ليخضعوا للتفتيش الذاتي. تظهر هذه اللقطات على خلفية خضراء تمثل جزءاً من ديكور أعدّه لإجراء مقابلات مع مجموعة من القضاة والمستشارين تولوا مهمة وضع القوانين في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة عند احتلالهما عام 1967.

يثير الفيلم تساؤلات عدة، أهمها: ما هو القانون؟ وكيف يفصل قضاة تابعون للاحتلال في نزاعات الأخير مع أصحاب الأرض؟ وأين ديمقراطية إسرائيل من كل هذا القمع الممنهج لحقوق الفلسطينيين؟ يسعى ألكسندروفيتش، بأسلوب تقليدي يشبه البرامج الحوارية، إلى كشف كواليس صياغة التشريعات وأسبابها الحقيقية، مشدداً على أن هذا العمل ليس عمّن يُطبّق عليهم القانون، ولكنه معنيّ بمنظومة العدالة نفسها، وإن كانت خياراته في تنسيق المشاهد منشغلةً بتعرية فسادها.

في البداية، نعرف أن قانون الأراضي المحتلة صاغته إسرائيل قبل عام 1967، حيث عمل المدّعي العام العسكري آنذاك، مئير شمجار، على وضع دليل يتضمن القوانين والمعلومات التي سيحتاجونها عند احتلال أراضٍ جديدة. وقد استمرت عملية سن التشريعات لاحقاً مع كل أزمة طارئة. يُعلّق المخرج: "بين ليلة وضحاها، أصبح نحو مليون شخص يقيمون في الأراضي المحتلة تحت رحمة نظام قانوني جديد".

يثير فيلم "القانون في هذه المناطق" تساؤلات عدة، أهمها: ما هو القانون؟ وكيف يفصل قضاة تابعون للاحتلال في نزاعات الأخير مع أصحاب الأرض؟ وأين ديمقراطية إسرائيل من كل هذا القمع الممنهج لحقوق الفلسطينيين؟

يستدعي الفيلم واقعةً حدثت عام 1969، وكانت واحدةً من أوائل القضايا التي خالفت فيها المحكمة قواعد القانون الدولي، حيث رفضت عدّ مجموعة من أعضاء حركة فتح تسللوا عبر الحدود الأردنية للقيام بعملية عسكرية، بأنهم أسرى حرب كما تنص المواثيق الدولية، وإنما وصفتهم بالإرهابيين، وذلك لتحرم الفلسطينيين من حق مقاومة الاحتلال. يسأل المخرج عن حيثيات الحكم والفرق بين هذه المجموعة وإسرائيل، فيجيب القاضي بأنهم لم يحترموا قوانين الحرب، وتسببوا في قتل المدنيين! بالتأكيد يمكن رؤية مدى عبثية هذا التصريح إذا نظرنا إلى ما يحدث في غزة الآن.

لكن الفصل الأكثر أهميةً بين فصول الفيلم، يحمل عنوان "أرض موات"، ويركز على بناء المستوطنات. يذكرنا المخرج بأن المادة 49 من اتفاقية جنيف، تحظر على دولة الاحتلال أن تنقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، لكن هذا لم يمنع إسرائيل من تحقيق مخططاتها، إذ اقترح أحد المستشارين القانونيين إحياء قانون "أرض موات" العثماني الذي يستولى على الأراضي المُهملة والبور من أصحابها. كذلك سهلت المحكمة الإسرائيلية العُليا مصادرة عدد من الأراضي بزعم أحقية استحواذ سلطة الاحتلال عليها بشكل مؤقت، متلاعبةً بنصوص اتفاقية لاهاي.

يتنقل ألكسندروفيتش، على مدار أحداث الفيلم، بين وقائع مختلفة تدين هؤلاء القضاة، ثم يتوقف قبل النهاية ويقرأ أحد الانتقادات التي وجهها إليهم أستاذ قانون في الجامعة العبرية، قائلاً: "لقد أوجدت المحكمة العليا سبلاً لتبرير كافة الممارسات المثيرة للجدل التي ارتكبتها السلطات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة".

"حرّاس البوابة"، أن تخسر الحرب

بعد عام واحد فقط من فيلم أكسندروفيتش، ظهر على الساحة السينمائية عمل وثائقي آخر يتشارك معه في كون أحداثه تنطلق من حرب 1967، ويعتمد بشكل أساسي على اللقاءات المصورة، لكنه أشبه بـ"قنبلة من الديناميت"، كما يصفه مخرجه درور موريه. وذلك لأن فيلم "حرّاس البوابة" (The Gatekeepers) يجمع بين ستة رؤساء سابقين لجهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك/شين بيت)، يقرّون باقترافهم أبشع الجرائم، ويصل أحدهم في النهاية إلى تشبيه الجيش الإسرائيلي بالنازيين: "إننا قوة احتلال وحشية مثل الألمان في الحرب العالمية الثانية... أصبحنا قساةً، مع أنفسنا بالتأكيد، ولكن أساساً للسكان المحتلين باستخدام ذريعة الحرب ضد الإرهاب".

يمزج الفيلم الذي نافس على جائزة أوسكار أفضل وثائقي، بين مقاطع حوارية ومشاهد تسجيلية ولقطات معاد تصميمها بالكومبيوتر، لخلق معادل بصري لما يجري في الواقع. يحكي هؤلاء المسؤولون عن الانتهاكات بأريحية مع تبريرها من حين إلى آخر، لكن تستشعر في بعض التصريحات مبالغةً تهدف إلى الترويج لإمكاناتهم الاستخباراتية خصوصاً في عمليات اغتيال قادة حماس.

فيلم "حرّاس البوابة"

يقسّم موريه، فيلمه إلى فصول تكشف عن سياسات الشاباك منذ البداية، حيث تم تجاهل قضية الدولة الفلسطينية بذريعة مكافحة الإرهاب، واللجوء إلى أساليب وحشية في التعامل مع الفلسطينيين دون مراعاة لأي اعتبارات مثل اعتقال المئات في سجونٍ "من يدخلها قد يكون لديه استعداد للاعتراف بقتل المسيح"، وذلك بالتخلص من المتهمين لأن أحد الرؤساء "لم يكن يريد رؤية إرهابيين أحياء في المحكمة".

يعقد الفيلم مقارنةً بين طريقة التعامل مع القضايا الفلسطينية والإسرائيلية من خلال تركيزه على واقعة القبض على جماعة يمينية متطرفة من المستوطنين اعتدت على رؤساء البلديات الفلسطينيين وخططت لتدمير مسجد قبة الصخرة، حيث حُكم عليهم بالسجن مدى الحياة، وبرغم ذلك أُفرج عنهم سريعاً وعادوا إلى بيوتهم ووظائفهم، بل إن البعض منهم ترقوا في المناصب.

ربما لا تحمل هذه الاعترافات أي مفاجأة بالنسبة لنا، وقد يعدّها البعض منتميةً إلى نوع "إطلاق النار والبكاء"، لكن بالتأكيد توثيقها في عمل سينمائي يُعدّ ضرورةً، خصوصاً أن أصحابها يؤكدون بوضوح أن هذه الممارسات تنبئ بمستقبل مُظلم، أو كما يقول أحدهم: "نحن نفوز في كل معركة، لكننا نخسر الحرب".

"خطوة الثعلب"، الغرق في الوحل

خيارات سينمائية عدة يسلكها صنّاع الأفلام للتعبير عن أفكارهم وهواجسهم، منها التعامل مع الواقع السوداوي بلمحة سوريالية ساخرة. هذا ما فعله المخرج شموئيل ماعوز، في فيلمه الروائي "خطوة الثعلب" ( Foxtrot) الذي يحمل انتقادات جادةً للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية عبر دراما عائلية مكونة من ثلاثة فصول.

يعتمد ماعوز، على بناء سردي يبدأ وينتهي عند النتيجة نفسها، حيث يفتتح الأحداث بوالدين يتلقيان خبر موت ابنهما المجنّد في أثناء الخدمة العسكرية، وبرغم أن الخبر يثبت عدم صحته في ما بعد، إلا أن الابن يموت بالفعل في نهاية المطاف، حيث لا فرار من هذا المصير، طالما لم يلُح تغيير في السياسات في الأفق. والأمر أشبه برقصة خطوة الثعلب التي يعود فيها الراقصون إلى نقطة البداية في كل مرة.

في الفصل الأول، يظهر الجنود الإسرائيليون بصورة آلية مثيرة للسخرية، إذ يتعاملون مع خبر الموت بأداء روتيني مجرد من المشاعر، في إشارة إلى اعتيادهم على إيصال هذه الأخبار للعائلات. أما الفصل الثاني الذي تنتقل فيه الحكاية إلى الابن الموجود في نقطة تفتيش غير مأهولة بالسكان، فتغلب السياسة على الأحداث، وإن غابت الخطابة وحلت محلها السوريالية، حيث تظهر الاستراحة التي يقيم فيها الابن وزملاؤه من الجنود متجهةً نحو الغرق في الوحل يوماً بعد آخر. كذلك يحضر الفلسطينيون في الصورة في أثناء مرورهم على الحاجز لنرى التحفز والخوف المتبادل الذي ينتهي بمقتل شابين وفتاتين أبرياء وإخفاء جثثهم بمعرفة الجيش.

فيما يتطرق الفصل الأخير، من خلال المواجهة بين الوالدين ومواساتهما لبعضهما البعض بعد فقدان الابن، إلى المصير الذي ينتظر المجتمع الإسرائيلي، حيث يهرب الجميع من الإقرار بأخطاء الماضي ولا يزال القادة يلهثون وراء حروب دون تفكير في الثمن المدفوع.

"الطنطورة"، أسطورة الجيش الأخلاقي

ربما هو الفيلم الأشهر في هذه القائمة حالياً، إذ راجت بعض مقاطعه على منصات التواصل الاجتماعي مع بداية الحرب على غزة، وكذلك ذكره الإعلامي المصري باسم يوسف، في حواره المطول مع المذيع البريطاني بيرس مورغان، وقد تحدث عنه صانع المحتوى أحمد الغندور في برنامجه الدحيح. والحقيقة أن فيلم المخرج ألون شوارتز، يُعدّ نموذجاً مثالياً ليس فقط للمذابح التي تعرّض لها الفلسطينيون في نكبة 1948، ولكن أيضاً لما يمكن أن تفعله إسرائيل لدفن سيرة هذه المذابح.

يفتتح المخرج رعنان ألكسندروفيتش، فيلمه الوثائقي "القانون في هذه المناطق" (The Law In These Parts) بلقطات أرشيفية لرجال فلسطينيين يصطفون في طوابير طويلة أمام الحواجز الإسرائيلية ليخضعوا للتفتيش الذاتي

يتتبع المخرج حكاية الباحث الجامعي تيدي كاتس، الذي تناول في رسالته للماجستير مجزرة قرية الطنطورة، حيث سجل عشرات اللقاءات مع جنود اللواء ألكسندروني، الذين اقتحموا القرية والناجين الفلسطينيين، وتوصل في النهاية إلى اعترافات تقرّ بوقوع حوادث قتل جماعي واغتصاب وسرقة بعد استسلام السكان العزّل. نال تيدي الدرجة العلمية، لكن نشرت صحيفة معاريف تقريراً عن نتائج الرسالة غيّر مسار حياته، حيث تنصل الجنود من تصريحاتهم وقرروا مقاضاته، وفي المحكمة لم تتقصَّ القاضية الحقائق أو تستمع إلى الشهادات المسجلة، واضطر أخيراً إلى كتابة اعتذار رسمي. وقد أنهت جامعة حيفا مسيرته الأكاديمية، بعدما ألغت حقّه في الحصول على لقب بحثي.

الفيلم الذي يحذر تيدي مخرجه من الملاحقة، يجمع بين المادة التي سجلها الباحث قديماً ولقاءات حديثة مع الجنود الذين ينكرون الإبادة الجماعية ويدّعون نسيان ما حدث، برغم أنهم في مواضع مختلفة يقولون إن الطرقات كانت غارقةً في الدماء وبعضهم لم يأخذ أي أسرى، بل أفرغ رشاشه على أهل القرية.

"نحن شعب طاهر، كنا إنسانيين للغاية وأخلاقنا عالية"؛ هكذا يقول أحد الجنود، فيما يعلّق المؤرخ آدم راز، بأن إسرائيل في عام 1988، وبمناسبة مرور 40 سنةً على حرب الاستقلال، كما يسمونها، عملت على إصدار توثيق تاريخي للحرب مع مراعاة عدم تضمين أي مستند يشير إلى طرد العرب أو إخلاء القرى وتدميرها أو ممارسة سلوك عنيف ضد الأسرى، مضيفاً: "هذه الأسطورة التأسيسية لإسرائيل، وهذا أساس الرواية الصهيونية، لكن الآن، يجب القول إن هذه الرواية كاذبة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image