عبر تسجيل مصوّر للشيخ يوسف جربوع، أعلنت دار طائفة الموحدين الدروز في سوريا، عن التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية لوقف إطلاق النار في محافظة السويداء، يوم أمس الأربعاء 16 تموز/ يوليو 2025.
الاتفاق جاء في إطار الجهود المبذولة من كلا الطرفين لاستعادة الأمن والاستقرار في المحافظة، وتلبية مطالب أهاليها، مع "التأكيد على التزام الدولة السورية بحقوق جميع مواطنيها".
وينصّ الاتفاق على وقف فوري وكامل لإطلاق النار، مع الالتزام بوقف التصعيد العسكري وعودة قوات الجيش إلى ثكناتها، بجانب تشكيل لجنة مراقبة "مشتركة" للإشراف على التنفيذ، والتوافق على آلية لتنظيم السلاح الثقيل بالتعاون مع وزارتَي الداخلية والدفاع، لإنهاء مظاهر السلاح المنفلت بالتنسيق مع القيادات الدينية والمحلية، وضمن الخصوصية الاجتماعية والتاريخية للمحافظة.
كما ينصّ على احترام حرمة الحياة والممتلكات الخاصة، مع الالتزام بحمايتها من أي اعتداءات أو تخريب.
كذلك، يؤكّد الاتفاق على نشر الحكومة حواجز الأمن الداخلي والشرطة من المنتسبين من أبناء المحافظة، مع الاستعانة بضباط وعناصر الشرطة الأكفاء، لتولّي مهام قيادية وتنفيذية في إدارة الملف الأمني، بالإضافة إلى الاندماج الكامل للسويداء ضمن الدولة السورية، والتأكيد على سيادة الأخيرة الكاملة على جميع أراضي السويداء، واستعادة مؤسسات الدولة كافة وتفعيلها وفقاً للأنظمة والقوانين السورية، مع العمل الفوري على توفير الخدمات الأساسية كافة للمحافظة، وتأمين طريق دمشق-السويداء من قبل الدولة، وضمان سلامة المسافرين.
كذلك ينص على وجوب العمل على ضمان حقوق أهالي المحافظة، من خلال قوانين تضمن العدالة والمساواة بين جميع مكونات المجتمع السوري، مع دعم السلم الأهلي، وتشكيل لجنة مشتركة لتقصّي الحقائق والتحقيق في الجرائم والانتهاكات التي حصلت وتحديد مرتكبيها مع تعويض المتضررين، ورد الحقوق لأصحابها بسرعة قصوى، وإطلاق سراح المعتقلين، وكشف مصير المغيّبين في الأحداث الأخيرة.
وكانت المحافظة قد شهدت اشتباكات دمويةً مركّبةً بعد دخول القوات الحكومية لفضّ اشتباكات جارية بين عشائر البدو وفصائل محلية، والتي جاءت عقب اعتداء جسدي ومالي على تاجر خضروات درزي من قبل مسلّحين بدو على حاجز "المسيمة" المؤدي إلى دمشق، ما أدى إلى عمليات اختطاف انتقامية متبادلة. ولاحقاً استمرّ الاقتتال خارج مدينة السويداء، برغم إطلاق سراح الرهائن، حيث أصابت قذائف الهاون القرى والمدنيين.
من المسؤول؟
على إثر ذلك، رأى وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، أنّ "غياب مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية هو السبب الرئيس للتوترات المستمرة في السويداء". في المقابل، رفض الشيخ حكمت الهجري، أحد الزعماء الروحيين الثلاثة في السويداء، دخول "قوات الأمن العام إلى المحافظة"، مطالباً بـ"الحماية الدولية"، وذلك بعد ترحيبه السابق بدخولها. "برغم قبولنا بهذا البيان المذلّ من أجل سلامة أهلنا وأولادنا، قاموا بنكث العهد والوعد واستمر القصف العشوائي للمدنيين العُزّل"، قال الهجري في بيان مصوّر.
يُحمَّل البعض، الشيخ حكمت الهجري والمجلس العسكري في السويداء، مسؤولية تعقيد الموقف عبر ما وُصف بالمواقف المتناقضة والمطالب المتطرفة، ما أعطى ذريعة للحكومة السورية للتدخل العسكري، وساهم في تغذية الانقسام داخل الطائفة، وأتاح لإسرائيل استثمار الأزمة سياسياً لتهديد دمشق والتدخل بذريعة حماية الدروز
ويحمّل المحلل السياسي السوري عبد الكريم العمر، مسؤولية الأحداث الدامية الحالية، والسابقة أيضاً، للشيخ الهجري والمجلس العسكري في السويداء، من خلال رفض الهجري المبكر والمستمر للاعتراف بالإدارة السورية الجديدة، مع وضع شروط تعجيزية أو غير منطقية للتوصل إلى تفاهمات مع حكومة دمشق، وفي تعارض مع أغلب القيادات الدينية والمحلية في السويداء. وفي تقدير العمر، كان الهجري يعوّل كثيراً على غياب الدعم والاعتراف الدوليين بالحكم الجديد، لكنه تفاجأ، مع المجلس العسكري الذي ساهم في تأسيسه لاحقاً، بحجم الانفتاح الدولي على دمشق.
يضيف العمر، لرصيف22: "منذ تشكيله، منح المجلس العسكري في السويداء ذريعةً لإسرائيل للتدخل في الشأن السوري، من خلال طلب الحماية منها، على الرغم من أنّ الأخيرة لا تحتاج إلى ذرائع أو حجج للتدخل، بل تختلقها. لكن ذلك عمّق الانقسامات بين أبناء المحافظة وتياراتها المتباينة تبايناً لا يخرجها أبداً عن انتمائها الوطني والدولة السورية الجديدة. لكن مع ذلك، كثيراً ما تمّت إزالة رموز الدولة في المحافظة، أو تمّ التضييق عليها، من قبل تيار الهجري والمجلس العسكري، بجانب إفسادهما للتوافقات التي تبرمها باقي التيارات المحلية مع حكومة دمشق. لذا، كل ما يجري يتحمّل الشيخ الهجري مسؤوليته، بعد اختطاف المحافظة والطائفة الدرزية لحسابات وطموحات شخصية أو فئوية.
تل أبيب تستغل اللحظة
ووفقاً لصحيفة "الشرق الأوسط"، ظلّت القوى الدرزية الفاعلة منقسمةً في مواقفها من الحكم الجديد، ومستقبلها في كنفه، وهو ما سعت تل أبيب لاستغلاله وتوسيع أيّ شرخ بين الطائفة الدرزية والحكومة الانتقالية. وعليه، استغلّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاشتباكات السابقة بين قوات الأمن العام ومسلّحي جرمانا للتهديد بالتدخل العسكري في حال تعرّض الدروز لأيّ أذى. في المقابل، وظفّت دمشق علاقاتها مع القوى الدرزية في السويداء للوصول إلى اتفاق تهدئة مع وقف إطلاق النار بين الجانبين. كما أعلنت عن اعتقال اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس الأسبق للاستخبارات السورية، المتّهم باغتيال الزعيم الدرزيّ كمال جنبلاط عام 1977، في رسالة واضحة للطائفة الدرزية عموماً، ولزعامتها الرسمية المتمثلة في آل جنبلاط.
ولعلّ أحداث السويداء خرجت من رحم الاتفاق الذي أنهى أحداث جرمانا وأشرفية صحنايا، الموقّع بداية أيار/ مايو الماضي، حسب الإعلامية والناشطة المدنية في السويداء، لبنى الباسط. وقضى الاتفاق المذكور بتفعيل الضابطة العدلية وانخراط الفصائل الدرزية في وزارة الدفاع، وكان العمل والتنسيق يجريان بهذا الاتجاه، إلى جانب عقد مؤتمر للقوى المدنية في المحافظة تحت عنوان "سوريا الواحدة الموحدة" حضره ممثلو السلطات الروحية والفصائل المحلية.
رغم محاولات دمشق التهدئة، لم تحظَ قواتها بالقبول الشعبي بسبب انتهاكاتها ضد المدنيين، وتغاضيها عن تصرفات بعض الجماعات، ما فاقم فقدان الثقة بين الأهالي والدولة، ودفع كثيرين لتفضيل المواجهة المسلحة على الإهانة.
مع ذلك، استمرت المضايقات والانتهاكات والنهب بحق أبناء المحافظة من قبل حاجز "المسمية" القريب من المنطقة المطلة على الطريق الواصل بين دمشق والسويداء، وهو شريان حياة المحافظة، حيث تم تأخير عبور حافلة ركابها من مرضى السرطان، بحجة وجود إشارة نجمة على الحافلة (جون تفهم أ)، والإشارة عائدة إلى الصين، بلد المنشأ. "كنا نتقدّم بالشكوى من هذه التصرفات لكن دون جدوى"، تقول الباسط لرصيف22.
وتردف الباسط: "حادثة الاعتداء على تاجر الخضروات وسرقة سيارته، فجّرت الأوضاع الهشة أساساً، حيث قام أقاربه بخطف أشخاص من البدو القاطنين في حي المقوس في السويداء، وعبر أخطاء متبادلة، مثل الخطف والخطف المقابل، من قبل الجانبين المدنيين، اندلعت اشتباكات بين الفصائل المحلية وعشائر البدو، استجرّت تدخّلاً من القوات الحكومية صبيحة يوم الثلاثاء الفائت. ومع دخولهم، وقعت العديد من الانتهاكات، مثل تصفية مدنيين (مضافة آل رضوان)، وحرق ممتلكات، والإساءة إلى المدنيين والرموز المحلية، من خلال عناصر مجيّشة ضد المجتمع المحلي للسويداء، لكن دون إغفال وجود عناصر منضبطة تحترم صفتها الوظيفية كممثلة للدولة".
"لذا، على وزارتَي الداخلية والدفاع ألا ترسلا عناصرهما إلى أي بقعة في سوريا، ما لم تضمنا انضباطهم واحترامهم لصفتهم الحكومية، كممثلين للدولة، لكيلا تتفاقم الأزمات المراد حلّها"، تقول الباسط، وتضيف: "لو تم دخول القوات الحكومية بغير هذه الطريقة المترافقة مع انتهاكات، لكان الوضع مثالياً لنا، فالسويداء ليست الهجري والمجلس العسكري، السويداء بأهلها المنتمين إلى سوريا والسوريين".
بدوره، ومع إشارته إلى انتهاكات طالت حياة المدنيين وأموالهم وكراماتهم، يلفت الصحافي السوري، شادي الدبيسي، وهو من أبناء محافظة السويداء، خلال حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ هذه الانتهاكات قد تدفع أهالي السويداء لتفضيل الموت خلف السلاح، على الموت أو المذلة في بيوتهم وحياتهم المعيشية الاعتيادية.
استغلال فرص أو وقوع في فخ؟
ما بدأ كحادثة خطف تحوّل سريعاً إلى أزمة شاملة، استخدمتها حكومة دمشق لتبرير عملية عسكرية "واسعة النطاق"، أدت إلى دخول قواتها إلى محيط المحافظة وإحداث حالة من الاستياء وتخوف الأهالي، حسب موقع "يورو نيوز".
لكن عليك أن "تسأل نفسك كيف يُفترض أن تستمر الأمور إذا لم تسيطر الحكومة على الجهات العنيفة المحلية وبعض قواتها"، حسب الخبير في الشأن السوري في معهد "غيغا" لدراسات الشرق الأوسط، أندريه بانك، في حديثه إلى وكالة "DW"، فصحيح أنّ حكومة دمشق ليست كلها متعاطفةً مع الجهاديين لكنها "ببساطة ذات تعددية"، مشيراً إلى أنّه عند وجود أجزاء من الحكومة تتغاضى عن العنف أو حتى تدعو إليه "سيكون من المرجح حينها استمرار الاشتباكات الضخمة بين الطوائف".
أما عن أحداث السويداء، فلعلّ أحد مسبباتها هو تضارب المصالح بين مختلف المجموعات السكانية، حسب الخبيرة في الشأن السوري في مؤسسة "هاينريش بول"، بينته شيلر، وذلك لأنّ العديد من المجموعات السورية لا ترى أنّ مخاوفها أو حقوقها تؤخذ بعين الاعتبار بشكل كافٍ. في المقابل، تشعر مجموعات أخرى باستغلالها، ما يؤدي إلى العنف لاحقاً. وفي السويداء، تتمثّل المشكلات الرئيسية في النزاعات حول إثبات الذات والتوزيع، إلى جانب الجريمة العنيفة المرتبطة بتهريب المخدرات، والتي ازدهرت سابقاً.
التدخلات الإسرائيلية المعلنة في أحداث السويداء تكشف عن استثمار ممنهج للشرخ السوري الداخلي، وتهدف لتأجيج الانقسامات الطائفية ومنع استقرار سوريا الجديدة. في المقابل، بدت دمشق وكأنها أخطأت التقدير أو سقطت في فخ تفاوضي، ضمن لعبة إقليمية تتجاوز حدود المحافظة لتطال مستقبل الشرق الأوسط بأكمله
لا يوجد حلّ في السويداء، وسواها أيضاً، من دون حوار حقيقي وطني جامع، يقول ناشط سياسي سوري، فضّل عدم ذكر اسمه، تجنباً للتخوين والمضايقات التي يتعرض لها من مجتمعه المحلي ومحيطه حين التحدث "بحيادية"، حسب وصفه، عن واقع السويداء، مشيراً إلى صعوبة فرض أيّ شيء بالقوة على المحافظة، حسب معرفته بالمجتمع المحلي وتياراته المدنية والسياسية، حتى مع دخول الأمن والجيش، فالسيطرة الدائمة من دون حاضنة شعبية، أو أشخاص وتيارات متعاونة مع الحكومة، لن تكون ممكنةً، منبّهاً إلى خطورة معاداة أشخاص وتيارات رافقوا السوريين في ثورتهم ضد نظام الأسد البائد.
"الأخطر من ذلك، معاداة مكوّن سوري كامل، عبر انتهاكات تمسّ الرموز المحلية (حلق الشاربين)"؛ يقول الناشط الذي فضّل عدم ذكر اسمه لرصيف22، مضيفاً: "أكثر ما يزعج أهالي المحافظة، خصوصاً أصدقاء ثورتنا، هو السلاح المتوفر لعشائر البدو، ومساندة الحكومة لهم، بل أصبح كثرٌ منهم ضمن صفوف الأمن العام حالياً، وهم من كانوا أداة الأسد لقمع ثورتنا في المنطقة، وتابعين لميليشيا الدفاع الوطني بقيادة شخص يُدعى مفلح"، معتبراً التحريض والتجييش الحاصلين على وسائل التواصل الاجتماعي سبباً رئيساً لما حدث.
لكن يبقى اللافت في أحداث السويداء، الاستثمار الإسرائيلي المفرط للحدث السوري، ضمن جهود تل أبيب الحثيثة والمستمرة لإضعاف سوريا الجديدة، وتعميق انقساماتها المجتمعية، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي قوات الحكومة السورية في مناسبات عدة، بما فيها قصف مدخل مجمع وزارة الدفاع السورية في دمشق. ووفقاً لبيان مشترك لنتنياهو ووزير دفاعه، يسرائيل كاتس، تسعى إسرائيل إلى منع الحكومة السورية من "إلحاق الضرر بالأقلية الدرزية"، فيما دعا وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، أميخاي شيكلي، إلى "القضاء على الرئيس السوري أحمد الشرع دون تأخير".
في المقابل، يبدو أنّ حكومة دمشق قد أخطأت قراءة الموقف الإسرائيلي، خلال جلساتها التفاوضية المباشر وغير المباشرة مع تل أبيب، أو أنها وقعت في فخّ نصبته لها الحكومة الإسرائيلية الساعية بجهد لإبقاء حالة الصراع العسكري الإقليمي مفتوحةً، لتلافي تفكك ائتلافها الحكومي، بجانب طموحات نتنياهو إلى خلق شرق أوسط جديد تحت الهيمنة الإسرائيلية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.