تعد الإعلانات من أهم العوامل التي يعتمد عليها المستثمر من أجل الترويج للمنتج، ولكل معلن طرقه الخاصة في الإعلان إن كان مرئياً أم مسموعاً أم مكتوباً، بينما ظهر مؤخراً نوع جديد من الإعلانات وهي الإعلانات غير المباشرة، فبدلاً من الفواصل المملة، باتت هناك طرق أخرى، وهي عرض المنتج داخل العمل الفني. فهل هذه الطريقة سوف تجعل المعلن يستغني عن الإعلانات بين الفواصل؟
من جهة أخرى، أكثر ما يزعج المشاهدين، كثرة الإعلانات، والتي تجعل المشاهد يشعر بالملل والضيق والتشتت من انقطاع العمل الفني. فهل يمكن أن تغني الإعلانات داخل العمل الفني عن الإعلانات المباشرة؟
إعلانات غير مباشرة
ظهر موخراً بشكل ملحوظ هذا النوع من الإعلانات، من بينها استخدام بطلة مسلسل "وتر حساس"، صبا مبارك لصابونة "سافانا"،في حمام فيلا، في أحد مشاهدالعمل، والذي أثار الجدل وقتها بسبب عدم المنطقية في استخدام صابونة عادية في حمام فيلا.
وانقسم البعض بين تأييد ظهور صابونة محلية، فيما اعتبروه دعماً للمنتجات المحلية، بينما يرى آخرون أن هذا الظهور غير موفق وأثر بطريقة سلبية على مسار.
تعد الإعلانات من أهم العوامل التي يعتمد عليها المستثمر من أجل الترويج للمنتج، ولكل معلن طرقه الخاصة في الإعلان إن كان مرئياً أم مسموعاً أم مكتوباً، بينما ظهر مؤخراً نوع جديد من الإعلانات وهي الإعلانات غير المباشرة،
وكان للفنان عمرو دياب تجربة ناجحة مع هذا النوع من الإعلانات غير المباشرة، في مطلع الألفية عندما ارتدى بلوفر شهير في أغنية "تملي معاك"، فأصبح الكثير في الوطن العربي يرتدونه.
ما هو الإعلان غير المباشر وفوائده؟
تقول شدى جودت، مديرة تسويقية للإعلانات في الأعمال الفنية، في حديثها لرصيف22 إن ما دفعها لاختيار هذا المجال هو أن التمويل في السينما والدراما يعد من أكبر التحديات التي تواجه المخرجين والمنتجين، خاصة عندما يكون الهدف هو تقديم عمل فني احترافي بمستوى عالمي دون التضحية بالقيمة الإبداعية أو الرسالة الفنية.
وتتابع أن هنا يأتي دور دمج العلامات التجارية (Brand Integration) كحل مبتكر يسمح للمُنتجين بزيادة ميزانياتهم دون الإضرار بجودة العمل، بل بالعكس، يمكن أن يكون هذا الدمج وسيلة لتعزيز الواقعية وتقديم تجربة أكثر إقناعاً للمُشاهد.
وتوضح جودت أن دمج العلامات التجارية هو استراتيجية تسويقية تعتمد على إدخال منتج معين أو علامة تجارية داخل سياق العمل الفني بطريقة طبيعية وغير مُفتعلة؛ على سبيل المثال، يمكن أن يظهر هاتف ذكي معين في مشهد لشخصية رئيسية، أو قد ترتدي الشخصية ملابس من ماركة مشهورة، أو حتى يتم تصوير مشهد في مقهى يحمل علامة تجارية عالمية.
فوائد الإعلانات غير المباشرة
تضيف جودت أنه بخلاف وجود فوائد مالية، بينما يمكن أيضا لهذا الدمج أن يُساهم في تحسين التجربة البصرية والسرد القصصي إذا تم استخدامه بشكل ذكي، من خلال إضفاء الواقعية على المشاهد ودعم الشخصيات والتطور الدرامي، وتقليل الحاجة إلى إعلانات مباشرة قد تشتت الانتباه.
وتشير إلى أن الإعلان غير المباشر يوفّر مصدرَ دخل مستدام يُمكّن المنتجين من تحسين جودة أعمالهم، تشمل الفوائد المالية والإنتاجية من خلال زيادة ميزانية الإنتاج وتقليل تكاليف الإنتاج وتوفير فرص تسويقية مشتركة.
كما توضح أن هناك العديد من الأمثلة الناجحة التي أثبتت أن دمج العلامات التجارية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لخدمة الفن وتحقيق الأرباح في آنٍ واحد، مثل James Bond وساعة Omega، وStranger Things وCoca-Cola، وIron Man وAudi.
تجارب للإعلانات غير المباشرة
تستشهد شدى جودت بإحدي تجاربها خلال مسرحية "علاء الدين" مع أحمد عز، قائلة: "عز كان متعاون للغاية، وكان هناك مشهد للجني بيقول تطلب إيه، وهنا اقترحت أن يرمي إفيه ويقول أبلكيشن "طلبات"، واتفقت مع الفنان والمعلن.
كما تؤكد إلى أن دمج العلامات التجارية في الأفلام والمسلسلات هو سلاح ذو حدين؛ إذا تم استخدامه بشكل غير مدروس، فقد يُفسد التجربة ويجعل العمل يبدو وكأنه إعلان طويل. ولكن عندما يتم التخطيط له بعناية وذكاء، فإنه يمكن أن يُثري القصة، ويوفّر دعماً مالياً للمنتجين، ويساعد في تقديم محتوى بجودة أعلى.
إعلانات في الأعمال الفنية في الوطن العربي
استخدم المخرج والمنتج طارق العريان، في فيلم "تيتو"، عام 2004، الدعايةَ لشركة "بيجو " للسيارات، خلال المشاهد، فبدلاً من استخدام ماركات سيارات عشوائية دون الاستفادة المادية، أعلن لشركة "بيجو"، داخل العمل الفني باستخدام أحمد السقا، وفقاً لتصريحات المخرج هشام الرشيدي، في تصريحه لرصيف22.
كما قال المخرج هشام الرشيدي، إنه هو نفسه قام بإعلان داخل العمل الفني، خلال مسلسل "حدث بالفعل" للفنانة غادة عبد الرازق، لصالح شركة "ماونتن فيو" العقارية، في عام 2023: "يمكن أن أقوم بإعلان داخل العمل الفني، من أجل ربح أكبر للجهات الإنتاجية، ولكن دون تأثير ذلك على عملي كمخرج، وعدم الخروج عن الإطار الدرامي الصحيح".
وعلق الرشيدي، على المشهد المتداول في "وتر حساس"، واستخدام صابونة عادية بدلاً من "هاند واش" في حمام فيلا فخمة، قائلاً: "أجد أن الأمر عادي ويمكن قبوله، بينما مواقع التواصل الاجتماعي جعلت الأمر يأخذ أكبر من حجمه ".
تعليق الإنتاج الفني بتجربة حية في "حق عرب"
كشف محمد سمير، مدير إنتاج بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، أنه تعاقد على الترويج لمنتج داخل العمل الفني، بما يتناسب مع الخط الدرامي للعمل، ولكن دون مقابل مادي، والأمر كان بمثابة مصالح متبادلة، حيث أن المنتج كان " بن عبد المعبود"، ووضعوا ملصقاً دعائياً للمنتج على باب مقهى شعبي.
وأكد سمير أنهم كشركة منتجة لم يتقاضوا أجراً من المنتج المعلن عنه، وذلك لأن القهوة الملصق عليها اسم المنتج لم تظهر في 30 حلقة، بل بمشاهد قليلة للغاية، موضحاً أن الأمر كان مطروحاً من شخص وسيط بينهم وبين الشركة المعلنة، وكان الاتفاق أن يتكفل المنتج بالـbreak لفريق العمل.
هل المعلن يستفيد من الإعلان المباشر أم الداخلي؟
كما كشف أحمد يوسف، المدير التسويقي لشركة "عبد المعبود" لرصيف22، عن وجهة نظره كمعلن، وإن كان سيختار الإعلان داخل العمل الفني أم إعلان مباشر والذي يسمى "إعلان الفواصل".
فقال يوسف إنه كمعلن يرى أن لكل منهما مميزات مختلفة، وعيوباً، ولكنه كمعلن يرى أن الإعلان المباشر لا يمكن الاستغناء عنه بكل المقاييس، موضحاً أن تجربته في الإعلان داخل العمل الفني في مسلسل" حق عرب "، كانت خطوة جيدة بالطبع، ولكن ليست كما لو كان إعلاناً مباشراً في فاصل إعلاني في المسلسل.
وأضاف يوسف، أنه يجد أن الأمر يتعلق في النهاية بميزانية المعلن، لأن الإعلان المباشر أجره أعلى بنسبة مائة بالمائة، عن الإعلان غير المباشر، لكن نفعه يجبر المعلن أن يختاره دائماً، وأن أي معلن لديه ميزانية تتحمل الطريقتين سوف يفعل ذلك، لأن لكل منهما فائدة.
الإعلان المباشر، لا يمكن الاستغناء عنه
بينما يوضح الخبيرالإقتصادي وليد جاب الله، لرصيف22، أن الإعلان مباشراً كان أم غير مباشر، أو حتى بأي وسيلة، هو أمر مهم ولا يمكن الاستغناء عن أي وسيلة للمعلن، والتسويق له ميزانية محددة تختلف وفقاً لاستراتيجية الوسيلة للتسويق.
أشار الخبير الاقتصادي وليد جاب الله إلى أن هناك عدداً من الدول العربية اتجهت للترويج السياحي داخل الأعمال الفنية، من بينها الإمارات، والمغرب، عكس ما نجد في دول عربية أخرى على رأسها مصر، التي تمتلك أماكن سياحية مهمة خاصة المقاصد السياحية الجديدة
وقال: "المنتج متطور وقياس تأثيره إعلانه يشعر به المعلن، فالإعلانات من خلال الفواصل أو وسيلة أخرى، تحددها متطلبات المنتج المعلن عنه. لذا يتعاقد المعلنون مع شركات متخصصة في مجال الإعلان لرسم خطة كاملة للإعلان عن المنتج بطرق مختلفة، وبعد انتهاء الحملة الإعلانية، يقوم المعلن بدراسة الجدوى، ليقرر مدى قوة تأثير الإعلان، ويقارن الفارق بين المبيعات قبل وبعد الإعلان. والمعيار يتوقف على المعلن ذاته ليختار الوسيلة الأفضل للمنتج الذي يروج له".
عمرو دياب أول من نجح في الترويج للإعلانات غير المباشرة
وتابع جاب الله: "عمرو دياب، في التسعينيات، قدم ترويجاً دام لسنوات لبلوفر معين خلال أغنية 'تملي معاك'، وتم استغلال هذا البلوفر من براند شهير مؤخراً بإعادة إصداره، لكن النجاح نسبي ولا يتوافق مع كل المنتجات. لذا لا يمكن أن يستغني المعلن عن إعلان الفواصل، بل هو يزيد ويعلن بشكل مكثف من خلال طرق وسبل أخرى لتحقيق ترويج إضافي يحقق مبيعات بشكل أكبر مستغلاً تطورات العصر".
وأوضح أن الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، باتت بشكل مباشر وغير مباشر من خلال الإعلان بين الفواصل في الفيديوهات بمختلف أنواعها، وهذا ما يؤكد أيضاً أن نجاح الإعلانات الداخلية داخل العمل الفني تطورت وانتقل استخدامها في الفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا أكبر الأدلة على أهمية الإعلانات الداخلية وغير المباشرة داخل العمل الفني.
وأكد أن تركيا هي من أهم الدول التي تجيد استخدام الإعلان غير المباشر داخل الأعمال الفنية، وأن انتشار الدراما التركية، أدى إلى انتشار الحجاب التركى والماركات التركية، وصيحات تركيا انتقلت من الشاشات الصغيرة إلى البلدان العربية والشرق الأوسط، مستشهداً أن مصر في الأعوام الأخيرة أصبحت تقوم بذلك وتسير على مسار تركيا.
وشدد جاب الله على ضرورة أن يكون المنتج المعلن عنه، يناسب الإطار الدرامي، مؤكداً على أهمية الترويج السياحي للمناطق السياحية داخل الأعمال الفنية، قائلاً إنها أصبحت قليلة للغاية، بسبب ارتفاع تكاليف التصوير بها، خاصة في الدول العربية، مشيراً إلى أهميتها مستشهداً بالأفلام الهندية.
وأشار وليد جاب الله إلى أن هناك عدداً من الدول العربية اتجهت للترويج السياحي داخل الأعمال الفنية، من بينها الإمارات، والمغرب، عكس ما نجد في دول عربية أخرى على رأسها مصر، التي تمتلك أماكن سياحية مهمة خاصة المقاصد السياحية الجديدة مثل العلمين والمتحف المصري الجديد، وغيرها.
كما حث جاب الله على ضرورة أن يتعامل المعلن بحنكة مع تكاليف الإعلان، فبدلاً من التعاقد مع عمرو دياب على إعلان بمبلغ ضخم، يمكن أن يوفر الميزانية في تحسين المنتج، معلقاً أنه وجد أن تكلفة إعلانات البريد المصري، كان يمكن توفيرها في تحسين الخدمات بالقرى.
وعن حقوق المستهلك، أوضح وليد جاب الله أن حقوق المستهلك، تكون محفوظة للمواطنين خلال الإعلان، سواءً كان مباشراً أو غير مباشر، لأنها تخضع لجودة المنتج ذاته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.