قد يكون العنوان الكبير الذي جمع موسم أفلام عيد الأضحى هذا العام هو "رغبة التواجد وتواضع التنفيذ" أكثر من أي شيء آخر. توقيت يضمن الحد الأدني من النجاح، استغله الصنّاع لضخ تنويعات متوقعة من الأفلام. تامر حسني في "ريستارت"، وكريم عبد العبد العزيز في "المشروع إكس"، والثنائي طه دسوقي وعصام عمر في "سيكو سيكو". حتى الإنتاجات غير العربية المعروضة إلى جانبهم ينطبق عليها ذلك. سواءً كان "ليلو وستيتش"، الذي يعرض حكاية الطفلة ليلو بعد عثورها على كائن فضائي سرعان ما سيصبح صديقها الأفضل، أو "المهمة المستحيلة: الحساب الأخير"، بطولة توم كروز، في الجزء الثامن من سلسلة بدأت عام 1996 وبات من الأفضل أن تنتهي. كل تلك الأفلام أوجدها الصنّاع لحصد رهان العيد قبل أي شيء، لكنها تحتاج إلى تسليط الضوء على خطاباتها.
يسبق هذا الموسم متواضع الجودة ضخم الإنتاج أفلام الصيف المنتظرة خلال الأشهر القادمة. ففي عدد متنوع من الأفلام هناك بطولات عائدة بعد سنوات طويلة: "الجواهرجي"، مثلت فيه منى زكي ومحمد هنيدي في أول تعاون ما بعد صعيدي في الجامعة الأمريكية، "أحمد وأحمد"، أول بطولة بين أحمد فهمي وأحمد السقا، والفيلم التاريخي الذي كتبه وأخرجه العائد من هوليوود محمد دياب، "أسد"، بطولة محمد رمضان.
حقق شباك التذاكر الإجمالي خلال موسم أفلام عيد الأضحى 2025 إيرادات بلغت 76.7 مليون جنيه (1.55 مليون دولار أمريكي)، خلال الفترة من الخميس 5 حزيران/يونيو حتى آخر أيام العيد. وهو ما يعد تراجعاً طفيفاً عن موسم عيد الأضحى السابق، لأسباب لا يهم ذكرها كثيراً. بينما يحتاج ذلك إلى الإجابة على تساؤل تأسيسي يستدعي الانتباه بعيداً عن الحسابات الاقتصادية المعتادة التي يهتم بها الإنتاج أكثر: هل هناك ما يجمع أفلام هذا الموسم أكثر من حماس صنّاعها ورغبتهم في التواجد؟ يحاول هذا المقال تتبع تلك الرحلة القصيرة، وإظهار نقاط القوة والضعف في ثلاثة أفلام.
"ريستارت"... رعب من السوشال ميديا
بعد موسم هادئ نسبياً قدّمه البطل تامر حسني، عاد إلى الساحة الفنية من خلال تعاونات غنائية متنوعة كماً وكيفاً؛ وعود بالظهور مع مغنين، مثل الشامي ورامي صبري وكزبرة وغيرهم، يُنهيها هنا في فيلم سينمائي مضمون في شباك التذاكر يحمل تعاوناً غنائياً أيضاً. ثمة فلسفة قد أثبتت نجاحها في مشروع تامر حسني عموماً تظهر في الاستمرار بالعمل دون النظر في ما سينجح الأمر أو لا. ينجح أحد الأشياء فقط ليساعد في نجاح الآخر، على الأقل جماهيرياً. المهم أنه يعمل دون توقّف أو اعتراض على المضمون كثيراً.
قد يكون العنوان الكبير الذي جمع موسم أفلام عيد الأضحى هذا العام هو "رغبة التواجد وتواضع التنفيذ" أكثر من أي شيء آخر. توقيت يضمن الحد الأدني من النجاح، استغله الصنّاع لضخ تنويعات متوقعة من الأفلام
يبدو سيناريو فيلم "ريستارت"، سكتش طويل أكثر من اعتباره سيناريو سينمائياً حقيقياً. قفزات سريعة في سيناريو ينقذه بعض الأغنيات الموزّعة على مدار الفيلم بين الرومانسي والهيب هوب والشعبي بالتعاون مع رضا البحراوي لتبدو أقوى عناصر العمل.
فيلم "ريستارت" يجمع تامر حسني مع مؤلف الأغاني أيمن بهجت قمر في تعاون سينمائي نادر، إلى جانب المخرجة سارة وفيق، التي تعمل حصرياً مع تامر حسني في مشروعاته الأخيرة: "تاج" و"مش أنا". كما يجتمع فيه الثنائي الذي يفضّله قطاع كبير من جمهور الشباب: تامر حسني وهنا الزاهد. تعاون يحكي قصة تبدو كوميدية؛ محمد (تامر حسني) فني صيانة هواتف بسيط، يُجاهد للزواج من عفاف (هنا الزاهد) التي تبيع ملابس نسائية أونلاين، يجدان السبيل الوحيد لتحقيق حلمهما في المال، فيقرران التعاون مع عائلتيهما لملاحقة الشهرة بأي وسيلة.
يحكي الفيلم حكاية رجل لديه مبادئه التي تجعله يرفض "شيطان الإنترنت" الذي يدمّر الأخلاق والمبادئ والحياة الجميلة. يقف إلى جانب أعمال كثيراً تشيطن مواقع التواصل في ذاتها. تلك الأعمال التي تحمل خطابات شعبوية لخلق تخوفات من العوالم الرقمية بإظهار مساوئ استخدامها فقط، وما قد يحمله ذلك من دعم غير مباشر لخطابات السلطات التي كان الإنترنت عموماً أكبر أعدائها على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي.
هنا ثمة خلطة معتادة يكررها تامر حسني كل مرة: شاب خفيف الظل يناضل للزواج، تمنعه مبادؤه من التحايل والحماقة، ينتصر في النهاية ويحمل حبيبته إلى بر الأمان بعدما يحارب بكل قوته "لقطع الإنترنت عن العالم" في حبكة وسياق يذكّر فرط سذاجتهم بما جاء في عدد "السينما والفكاهة" في مجلة الهلال، الذي طرح تصوّراً بأن الصنّاع يعتبرون أن الجمهور المصري متخلف يحب الأسهل والأكثر تناسياً من وضعه البائس الفقير الهارب إلى خيالات المصادفات والأقدار التي تتعدل فجأة دون مقدمات. ربما يستمر الاعتماد على هذا التصور بوعي أو غير وعي من قبل المنتجين. أشياء تجعل الجميع أميل إلى تصديق ذلك وأكثر تأثراً مع الحزن والكآبة دون سياق. وقصص الحب الممطوطة التي تحمل كل شيء من سطحه.
في إحدى المشاهد يصرخ البطل في المارة بالشوارع "بقينا عبيد الشاشات". تتكرر الجملة مراراً بشكل كاريكاتوري. تبدو خلاصة تخوّف البطل ومأزقه المستمر. كيف ننجو من الإنترنت؟ بينما لا تبدو تصرفاته ذاتها مخالفة للقطيع: يوافق على العمل مع صانع الترندات (باسم سمرة). كما يوافق على بيع مخدرات لإنقاذ قريبته. لا يملك بطل "ريستارت" مبدأ. مجرد شبه بطل يصرخ دون سياق. لديه بعض التشنجات العاطفية التي تستدعي الفرح والحزن دون منطق كبير. ينجح نجم الجيل في كل مرة بصناعة عمل جديد يشبه سابقه.
"المشروع إكس"… الإبهار البصري لا يصنع الأفلام وحده
بات المخرج والمؤلف بيتر ميمي من بين صنّاع قليلين كضمانة للعمل على المشروعات الفنية الأضخم تكلفة إنتاجية. نجح الرجل جماهيرياً في مسلسلات مثل "الحشاشين" و"كلبش" وسلسلة "الاختيار" وغيرها. كما نجح في شباك التذاكر كذلك. لديه بعض التكنيك الذي تطور بشكل يسترعي الإعجاب والإشادة. لكن يبدو أنه في أغلب الأحيان يخونه هوسه الشديد بالتوفيق بين قصص شديدة التعقيد تاريخياً ودرامياً وبين صناعتها شعبوياً، مما يجعله يُسقط منطق صناعتها الذي يحتاجه الجمهور للتورط في القصة.
"المشروع إكس" يحكي عن عالم آثار يعمل على مشروع متعلق بالطاقة في غرفة سرية بالهرم الأكبر. لديه شعور باطني أن الهرم قد بُني لأسباب أكبر من كونه مقبرةً. وسرعان ما يدخل بعدها في صراع مع منظمة دولية غامضة تحاول إخفاء المعلومات التي يبحث عنها. يتابع بيتر في قصته التي أخرجها صناعة شرير مجهول لا يفهم الجمهور تماماً منطقه أو سياقه أمام بطل (كريم عبد العزيز) لا يصدقه أحد.
مشهد قصير يظهر فيه الشرير الأكبر ماجد الكدواني، يحكي عن جماعته السرية كان يريده كأحد أعضائها بينما تمرد البطل من أجل وطنه. يحمل إلى الذهن مشهد شديد التشابه في فيلم "الأصليين"؛ البطلان هنا يواجها أشرار لا يراهم الجمهور ولا يعرف عنهم البطل شيئاً. أشرار يحيطهم الغموض يتمنى الجميع الانتصار على قوتهم المطلقة تلك لحماية البلد. تتوازى هنا حماية البطل لأسرته مع حماية المدينة كلها ممن يراقبها من فوق لتدميرها.
خطاب "المشروع إكس" هو حكاية تتغزّل في بلد عريق يحارب كيانات غامضة لا يعلم الجمهور عنها شيئاً. الضمانة الوحيدة هي تصديق بطلنا أو مجرد التعاطف معه. هنا بطل مستعار صالح للجميع. ينتصر في كل معاركه لقوة إيمانه ليس لمنطق القصة. يهرب من مافيا خفية تفوق قوته. يذهب إلى السلفادور ويخدع عصاباتها هناك لسرقتهم. يغطس في أعماق المحيط الهادي للحصول على بردية مدفونة قبل عشرات السنوات. لدى بيتر ميمي إمكانات بصرية هائلة يحسن استغلالها كل مرة أفضل من سابقتها، لكنه لا يهتم كثيراً بمنطق ذلك خطابياً. يسرح مثلنا في تخيّل بطلٍ يمكنه تحقيق تلك الأمنيات على الشاشة.
الملاحظة الفنية التي يصعب كتمانها في "المشروع إكس" تبدو في تفوق مثالي للأدوار الثانية في العمل على الأبطال، إذ قدّم الثلاثي أحمد غزي ومصطفى غريب وكريم محمود عبد العزيز، أداءاتٍ مذهلة رغم قلة ظهورهم مقارنة بالأداءات المتواضعة من أبطال العمل (ياسمين صبري وإياد نصار).
دون اهتمام بواقعية الأحداث. يخوض الأبطال حرباً أرضية: فوقها وتحتها، وتحت الماء وفوق بالجو. كل ذلك من أجل التاريخ. التاريخ الذي يمكنه إنقاذ المستقبل. ومثلما يحارب بطل "ريستارت" شريراً ضبابياً مثل الإنترنت، يحارب البطل هنا ضباباً دون منطق يقنع الجمهور بانتصاره بالرغم من إيمانه بالقصة التي كانت تحتاج أن يكتبها آخر ليصنع منها ملحمية متوقّعة وأصيلة. يبدو أن مخرجي اللحظة لم يعد لديهم ثقة كبيرة في كتّاب آخرين.
"سيكو سيكو"... قصة تصلح للضحك والبكاء معاً
المقارنات كلها من البداية كانت ترجّح كفّة فيلم "سيكو سيكو" على منافسيه في الموسم لأسباب متعددة؛ أولها الرهان على كاتب شاب مثل محمد الدباح الذي نجح في تجاربه القليلة الجيدة السابقة مثل "بيت الروبي". كذلك تراهن على صورة مخرج شاب مثل عمر المهندس الذي يبدو وجوده مبشّراً من خلال عمله الأول مع عصام عمر في مسلسل "بالطو"، فاتحة الخير عليهما الذي اختصر سنوات طويلة من تواجد عصام عمر. وبالطبع تستدعي الانتباه عموماً إلى البطولة الشبابية التي تضخ دماءً جديدة إلى شاشة السينما. وهو شيء قد لا يحدث لمجرد نجاحهم في التلفزيون، لأنه فيه بعض الحسابات الأخرى. وأخيراً لأنه العمل الأفضل مونتاجياً هذا الموسم بتوقيع المونتير كمال الملاخ الذي خلق إيقاعاً انسيابياً ذكياً رغم بساطته.
حقق شباك التذاكر الإجمالي خلال موسم أفلام عيد الأضحى 2025 إيرادات بلغت 76.7 مليون جنيه (1.55 مليون دولار أمريكي)، خلال الفترة من الخميس 5 حزيران/يونيو حتى آخر أيام العيد. وهو ما يعد تراجعاً طفيفاً عن موسم عيد الأضحى السابق
الرحلتان السابقتان في "المشروع إكس" و"ريستارت" قد حملا الكثير من الخيال وانعدام المنطق. هنا بعض المنطق والخيال الذي يجعل الحدث قابل للتصديق والتفاوض وهي إحدى نقاط قوته الخطابية. سرعان ما قد يتعاطف المشاهد مع البطلين اللذين يحتاجا لبعض المال لتعديل حياتهما، ويتناسا المبدأ في المال غير المشروع الذي قد ينقذهما.
يحكي الفيلم قصة سليم وابن عمه يحيى اللذين يجدان نصيباً في ميراث من عمهما المتوفى. سرعان ما يكتشفا أن الميراث عبارة عن شحنة مخدرات، فيحاولان التصرف فيها وبيعها من خلال ابتكار لعبة إلكترونية وبمساعدة مجموعة من الأشخاص، لكن حياتهما تنقلب رأساً على عقب بعد ظهور زعيم عصابةٍ خطير يدّعي أنه المالك الحقيقي للسلع.
سؤال يطرحه "سيكو سيكو" على المستوى الخطابي الذي يتتبع هذا المقال تواجده في كل الأعمال المذكوره: ما مدى استعداد أحدنا للتضحية بإيمانه داخل لحظة مضطربة المعايير أمام التحقق المادي؟ تمر القصة البسيطة سريعاً من التساؤل بالرغم من فهمه ضمنياً. لا يملك أيّ من الأبطال إيماناً حقيقياً تجاه أي شيء باستثناء المال. تبدو قصة قريبة تماماً من عدد غير قليل من شباب اللحظة الذين يحيطهم القلق وتجبرهم الأشياء حولهم لانعدام أهمية كل شيء في وجود المال. قصة مضمونة التعاطف فيها بعض الكوميدي والقليل من المنطق والحاجة إلى سؤال أصيل. فيلم خفيف يناسب أجواء العيد لكنه سرعان ما ينسى.
أخيراً قد يبدو أنه هناك لحظة فارغة نوعاً ما نعيشها جميعاً على المستوى الواقعي والسينمائي بالتبعية. يحتكم فيها الجميع إلى المضمون. لا وجود للمقامرة بالأفكار والنجوم. يعلم تامر حسني مدى شعبية جمهوره الغنائي. كما يلجأ فيها بيتر ميمي على صناعة قصص يساعد الوضع العام في منطقتها أكثر من العمل على كتابتها الشكل المثالي، وأيضاً تحتاج لبعض الفهلوة الطيبة التي تبدو مثالية في وجه مثل عصام عمر وطه الدسوقي الأطيب من اعتبارهم أشراراً.
كل ذلك قد يجعل الاحتكام إلى النجومية والشكل العام دون تفاصيل أو سياقات. يربح رهانه، ويبقى غضب الحقيقة التي تنتظر أن يتغير كل ذلك. كل هؤلاء أبطال أو ربما أشباه أبطال. جميعهم خارقون. جميعهم حمقى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Alamir -
منذ يومالوقت في الحرب م طبيعي اليوم يساوي سنة بنكبر بقدر الأحداث البنعيشها قصف و انسحاب و مجاعة و حصار...
Mohammed Alamir -
منذ يومالوقت في الحرب م طبيعي اليوم يساوي سنة
Tayma shreet -
منذ يوميالله يا رماح !!
Gmal -
منذ يوم?
Gmal -
منذ يوم?
Gmal -
منذ يوم? هلا بالقلب