ربما لم يعد هناك من يتابع منافسات بطولة كأس العالم للأندية 2025 في الولايات المتحدة الأمريكية، من جماهير كرة القدم العربية، سوى الجمهور السعودي وربما جمهور نادي "الهلال" السعودي على وجه التحديد، بعد أن حقّق فريقه إنجازاً لم يكن أكثر المتفائلين يتوقّعه بإقصاء نادي "مانشستر سيتي" الإنكليزي العملاق من دور الـ16 (بالفوز عليه بأربعة أهداف مقابل ثلاثة)، والصعود إلى ربع نهائي البطولة التي تنظَّم لأول مرة من 32 فريقاً في بروفة كان يفترض أن تكون قويّةً وشيّقةً للجمهور قبل كأس العالم للمنتخبات المرتقبة في 2026.
كأس العالم للأندية، التي انطلقت يوم 14 حزيران/ يونيو الماضي، بمباراة "الأهلي" المصري في مواجهة صاحب الأرض "إنتر ميامي" الأمريكي وانتهت بالتعادل السلبي، وتختتم منافساتها بالمباراة النهائية يوم 13 تموز/ يوليو الجاري، توقّع منظموها نجاحاً باهراً، فتعهّدوا بدفع عوائد مادية عالية للفِرق لإغرائها للعب البطولة التي تزيد الموسم الكروي ازدحاماً، وتحرم عشرات اللاعبين من الراحة الصيفية المعتادة.
لذا، عقدت الكثير من الأندية -سواء الأوروبية أو الإفريقية أو الآسيوية- صفقات عديدةً واشترت لاعبين بارزين، وحتى غيّر البعض منها مدرّبيه طمعاً في تحقيق المزيد من المكاسب وحصد المزيد من ملايين الدولارات الأمريكية. فرحل كارلو أنشيلوتي عن تدريب "ريال مدريد"، وقدِم خلفاً له تشابي ألونسو، كما تعاقد "الهلال" السعودي مع مدرب "إنتر ميلان" السابق، سيموني إنزاغي، وأتى "الأهلي" المصري بمدرب جديد هو خوسيه ريفيرو.
أشعل الحماسة قبل بداية البطولة، فتْح فترة انتقالات استثنائية والسماح بتسجيل اللاعبين مع أنديتهم الجديدة خصيصاً لأجل البطولة. لكن، مع بداية البطولة، أصيب عشاق كرة القدم بالإحباط؛ حفل افتتاح باهت، ومباريات تتوقف بالساعات بسبب ظروف الطقس، وحضور جماهيري محدود، ما اضطر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى خفض أسعار التذاكر أكثر من مرة.
اقتصر الحضور الجماهيري في أول 16 مباراةً على 556،369 شخصاً من أصل 979،373 مقعداً، بمعدل إشغال عام لا يتجاوز 57% فقط، وبعض المباريات كان الحضور الجماهيري فيها أقلّ من 14%، وفق موقع "بي بي سي".
بخلاف الآمال العريضة والتوقعات بنسخة تاريخية ناجحة من كأس العالم للأندية في أمريكا، كان الإقبال الجماهيري محدوداً، والإثارة في غالبية المباريات مفقودة. إلى أي مدى أثّر طقس أمريكا وشعبية كرة القدم فيها على البطولة؟
كذلك، تكرّرت الشكاوى من صعوبة الحصول على تأشيرات دخول لبعض لاعبي وممثّلي الفرق، وظهرت إستادات غير مؤهلة لاستضافة حدث كروي تاريخي يحدث لأول مرة على أن يتكرّر كل أربعة أعوام… فلماذا لم تحقّق البطولة النجاح المأمول؟
توقيت المباريات خارج نطاق الخدمة
فرق التوقيت بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية كبير جداً، يتجاوز سبع ساعات. العديد من المباريات تُلعَب في الساعة الرابعة فجراً في الكثير من الدول العربية والأوروبية، وهذا ما جعل تسويق البطولة في الشرق الأوسط ضعيفاً، وتقريباً لم تكن هناك منافسة على شراء حقوق البث.
أُعلن عن فتح المناقصة لحقوق بث البطولة في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في 15 تموز/ يوليو 2024، بعد توقّف المفاوضات الأولية مع شركة "آبل" التي كانت تفاوض للحصول على صفقة عالمية بقيمة مليار دولار، لكن المفاوضات فشلت ولم تُبرم الصفقة في نهاية المطاف.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2024، فازت منصة "DAZN" بحقوق البث العالمية بمبلغ مليار دولار أمريكي تقريباً، وهو ما يشير إلى أنّ شبكة "BeIN" لم تقدّم عرضاً مغرياً للفوز بالعرض الحصري لمباريات البطولة كما اعتادت، برغم مشاركة فرق عربية عدة فيها بالفعل، وهو أمر لافت كونها حاملةً لحقوق كأس العالم للمنتخبات في المنطقة.
إلى ذلك، فازت شبكة "إم بي سي" السعودية بحقوق بث بعض المباريات بما في ذلك مباريات "الأهلي" المصري و"الهلال" السعودي، وقد عرضتها مجاناً للجمهور.
الطقس الأمريكي غير مناسب لكرة القدم
فضلاً عن توقيت المباريات غير المناسب، وعدم حرص شبكات القنوات المتخصصة على عرض جميع مبارياتها للجمهور في المنطقة، رافقت العديد من المباريات حالة من الملل حين توقفت منافسات عدة لأسباب تتعلق بالطقس، على غرار الرياح القوية والعواصف الرعدية. على سبيل المثال، توقّفت مباراة "تشلسي" و"بنفيكا"، ضمن منافسات دور الـ16، لنحو ساعتين بسبب سوء الأحوال الجوية، بينما كان الوقت المتبقي من المباراة لا يزيد عن 10 دقائق. هذا الأمر أثار غضب مدرب "تشلسي"، إنزو ماريسكا، حتّى أنه صرّح -برغم فوز فريقه في المباراة- بأنّ الولايات المتحدة "ليست مؤهلةً" لاستضافة البطولة، مردفاً: "هذه ليست كرة قدم، لقد أُوقفت بالفعل سبع أو ثماني أو تسع مباريات… هذه مزحة".
وفي حين تكرّرت السخرية والانتقادات اللاذعة لتوقّف المباريات في البطولة، بسبب الطقس وسوء الأحوال الجوية، فسّر الكاتب الرياضي محمد عواد ذلك عبر برنامجه "سيلفي سبورت" على يوتيوب، بأنه "في أمريكا، تغيّرت قوانين اللعب تحت ظروف طقس معيّنة عام 2000، وأصبحت هذه القوانين ملزمةً لمعظم الرياضات الشعبية في أمريكا، وينصّ القانون على عدم اللعب في حالة وجود تحذير وإلا تتم المعاقبة بتهمة الإهمال". وشدد عواد على أنّ الفيفا مجبرة على الالتزام بالقوانين الأمريكية وإلا تعرّضت لعقوبات وتعويضات مالية باهظة كما ينص القانون الأمريكي.
لم تتوقّف المباريات بسبب الرياح والعواصف الرعدية فقط، لكن درجة الحرارة الشديدة كانت عاملاً في المظهر غير القوي الذي ظهرت به العديد من الفريق. كما أجبرت بعض اللاعبين البدلاء على حضور المباريات من داخل غرف الملابس، فيما جلس آخرون مباشرةً أمام مكيّفات الهواء داخل أرضية الملعب.
أسعار فلكيّة
أما أسعار التذاكر، فكانت في البداية مرتفعةً للغاية، حتّى أنها كانت أغلى من تذاكر كأس العالم للمنتخبات وبطولة أمم أوروبا، ومع عدم وجود إقبال جماهيري، اضطر المنظمون إلى خفضها مرات عدة. على سبيل المثال، تحدّد سعر تذكرة حضور المباراة النهائية بـ2،200 دولار أمريكي، ويعود ذلك أساساً إلى استخدام نظام التسعير الديناميكي. ومع ذلك، في 10 شباط/ فبراير 2025، أعلن الفيفا عن خفض الأسعار استجابةً لانخفاض الطلب. وخُفِّضت تذاكر نصف النهائي والنهائي إلى نحو 140 دولاراً أمريكياً و300 دولار أمريكي على الترتيب. وبرغم هذا، فرض الاتحاد الدولي لكرة القدم رسوم إلغاء بنسبة 10% على المشجعين الراغبين في استبدال تذاكرهم.
بين أسعار التذاكر الفلكية وتوقيت المباريات غير الملائم والتوقفات المتكررة والحرارة غير المحتملة… هكذا فقد الجمهور العربي الاهتمام بمتابعة منافسات كأس العالم للأندية 2025 في أمريكا
وقبل أيام قليلة من بدء البطولة، واجه الاتحاد الدولي لكرة القدم مشكلات مع انخفاض الاهتمام والإقبال على حضور المباريات. في ملعب "هارد روك"، الذي يتسع لـ65،000 شخص وكان مقرراً أن يستضيف المباراة الافتتاحية، بيع ما يزيد قليلاً عن 20،000 تذكرة. وكان السعر الأوّلي للمباراة بين "إنتر ميامي" و"الأهلي" المصري، أكثر من 400 دولار. خُفّض المبلغ إلى نحو 100 دولار.
وكان أرخص سعر للتذاكر في مرحلة المجموعات في مباراة المجموعة الخامسة بين الفريق الأرجنتيني "ريفر بلايت" والفريق الياباني "أوراوا ريد دايموندز"، حيث تمكّنت الجماهير من دخول الملعب مقابل نحو 24 دولاراً. الاتحاد الدولي لكرة القدم عقد شراكةً مع كلية "ميامي ديد"، وورد أنّ الهدف من الشراكة هو حثّ الطلاب وذويهم على حضور المباريات بأسعار مخفّضة.
شعبية كرة القدم في أمريكا
يبدو أنّ هناك اتفاقاً على أنّ الولايات المتحدة لم تكن المكان الأمثل لهذه النسخة التاريخية من كأس العالم للأندية، وفضلاً عن كل الأسباب السابقة، تبقى الشعبية غير الواسعة لرياضة كرة القدم في البلاد من أبرز أسباب انحسار الاهتمام الجماهيري بها داخل أمريكا لصالح كرة القدم الأمريكية وكرة السلة وهوكي الجليد.
وبرغم وجود نجوم كبار في الدوري الأمريكي، على رأسهم ليونيل ميسي معشوق جماهير كرة القدم حول العالم، ووجود مالك نادي "أنتر ميامي"، أسطورة كرة القدم الإنكليزية، ديفيد بيكهام، إلا أنّ كرة القدم ليست من ضمن Top 5 الرياضات الأكثر شعبيةً في أمريكا، إذ تحتلّ المرتبة الأولى رياضة كرة القدم الأمريكية حيث إنّ نحو 74.5% من الشعب الأمريكي يتابعون مباريات دوري كرة القدم الأمريكية (NFL) بشكل منتظم. وفي المركز الثاني تأتي كرة السلة بنسبة متابعة تبلغ 56.6% لـ"NBA & NCAA". بينما في المركز الثالث، تأتي رياضة البيسبول (MLB) بنسبة متابعة 50.5% ويطلَق عليها "رياضة أمريكا الوطنية"، ولديها حضور قوي بين جماهير موسم الصيف. وفي المركز الرابع الملاكمة والمصارعة المختلطة (Boxing & MMA) بنسبة 23.4%. في حين يحلّ هوكي الجليد (NHL) في المركز الخامس، ويحظى بنسبة متابعة 22.1%.
وأخيراً، تأتي كرة القدم "Soccer" في المركز السادس بنسبة متابعة تبلغ نحو 21.6% من الجمهور الأمريكي، ويرى البعض أنّ شعبيتها ازدادت في الآونة الأخيرة.
السياسة الأمريكية والرياضة
على الصعيد العربي، يمكن القول إنّ من سوء حظ هذه البطولة تزامنها مع اشتعال العالم بالعديد من الأحداث والصراعات السياسية والتي كانت أمريكا تتصدر فيها المشهد السياسي، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية الإيرانية. تخوّف كثيرون من أن تؤثر هذه المواجهة وانخراط الولايات المتحدة الأمريكية فيها بشكل مباشر على استمرار البطولة.
قرارات سياسية أخرى كان لها تأثير مباشر على البطولة، في مقدمتها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تطبيق قوانين الضرائب الأمريكية على جوائز البطولة، حيث وجدت الفرق نفسها في مواجهة محاولة لاقتسام المكاسب المحتملة معها.
منغّصات سياسية وظروف جوية غير مواتية وبنية تحتية غير مؤهلة… هل كان إسناد تنظيم بطولة كأس العالم للأندية لكرة القدم 2025 إلى الولايات المتحدة الأمريكية قراراً خطأ؟
صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول الأمريكية كانت من المنغصات أيضاً حيث عانى المدافع الاساسي لنادي "بوكا جونيورز"، أيرتون كوستا، للحصول على تأشيرة الدخول إلى أمريكا بسبب وجود شكوى جنائية ضده في بلده الأرجنتين. في نهاية المطاف، مُنح اللاعب "تأشيرة دخول خاصة" خلال فترة البطولة.
ولا يتطلب الأمر الكثير من الحديث عن مشهد الرئيس الأمريكي، إذ ظهر متحدثاً عن الحرب بين إسرائيل وإيران ومن خلفه لاعبو فريق "يوفنتوس" الإيطالي.
انتقادات واسعة
في ظل هذه الملابسات، تكرّرت انتقادات اللاعبين السابقين والمدربين المشاركين في البطولة وحتى غير المشاركين فيها، ومن بينهم المدرب السابق لنادي "ليفربول" يورغن كلوب، الذي قال إنّ النسخة الحالية من البطولة هي "أسوأ فكرة تم تنفيذها على الإطلاق في كرة القدم"، متسائلاً: "كيف لأشخاص ليس لديهم أي شيء يفعلونه في حياتهم اليومية أن يطرحوا أفكاراً جديدةً كهذه؟ أخشى أن يتعرّض اللاعبون في الموسم المقبل لإصابات غير مسبوقة. إن لم يحدث ذلك خلال الموسم فقد يكون في بطولة كأس العالم للمنتخبات".
أما المعلّق الرياضي حسن العيدروس، معلّق قنوات "Bein Sport"، فقال عبر "إكس" إنّ "أمريكا تعامل كرة القدم على أنها بيسبول".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.