شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف يدير المغرب ملف نفاياته ضمن استعدادته لاحتضان كأس العالم 2030؟

كيف يدير المغرب ملف نفاياته ضمن استعدادته لاحتضان كأس العالم 2030؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

السبت 25 يناير 202503:12 م

بعد نجاح المغرب في الفوز بفرصة استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030، بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، تبرز التحدّيات البيئية التي تفرض نفسها بقوّة، وعلى رأسها مسألة تدبير النفايات. ففي ظل نسبة إعادة تدوير لا تتجاوز 8%، يُصبح البحث عن حلول مبتكرة ومستدامة ضرورةً ملحةً.

المغرب يستعد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2030

ولا تمثل النفايات في المغرب مجرد مشكلة بيئية، بل مرآةً تعكس التحدّيات التنموية. ومع الاستعداد لاحتضان فعاليات هذا الحدث الرياضي العالمي، تتحوّل هذه المرآة إلى عدسة مكبرة تُبرز مدى الحاجة إلى إعادة النظر في التعامل مع النفايات، ليس كمجرد مخلفات بل كاستثمار.

البرنامج الوطني للنفايات المنزلية، الذي أُطلق بهدف تطوير عمليات الجمع ومعالجة وتدوير النفايات، كان خطوةً طموحةً تحمل في طياتها وعوداً بتغيير جذري. فقد تمكّن من رفع نسبة الجمع الاحترافي للنفايات إلى 96%، وتأهيل نحو 24 مطرحاً عشوائياً للنفايات، وهي إنجازات مهمة، لكنها لا تروي القصة كاملةً. فمنذ انطلاق البرنامج عام 2008، بميزانية تجاوزت 40 مليار درهم (نحو 4 مليارات دولار أمريكي)، الإنجازات التي تحقّقت ظلّت دون التوقعّات.

تقدّم لا يرقى إلى المستوى المأمول

كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، في أحدث نسخة منه والمنشورة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، عن فشل القطاع الوزاري المسؤول عن التنمية المستدامة في تنفيذ البرنامج الوطني لإدارة النفايات المنزلية والمماثلة لها، بسبب غياب آليات المراقبة الفعالة وآليات المتابعة الضرورية. وحسب معطيات نشرتها جريدة "ديتافور" المتخصّصة في الاقتصاد، لم يتمكّن البرنامج من تأهيل المطارح غير المراقبة وإنشاء مطارح مراقبة حديثة، أو تحسين عمليات فرز وتدوير النفايات.

لا تمثّل النفايات في المغرب مجرد مشكلة بيئية، بل مرآةً تعكس التحدّيات التنموية. ومع الاستعداد لاحتضان فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2030، تتحوّل هذه المرآة إلى عدسة مكبرة تُبرز الحاجة إلى إعادة النظر في التعامل مع النفايات، ليس كمجرد مخلّفات بل كاستثمار

وبرغم تحقيق تقدّم طفيف في جمع النفايات، إلا أنّ النقص في تقديم التقارير المرحلية حال دون تحقيق نتائج ملموسة، ما أدّى إلى توقّف أو تعثّر 24 مشروعاً مدعوماً مالياً بشكل جزئي أو كلي، نتيجة غياب التخطيط المالي والزمني الواضح، وغياب المعايير الدقيقة لتقييم الأثر البيئي والاجتماعي.

فضلاً عن ذلك، أشار التقرير إلى وجود اختلالات في إدارة المطارح العشوائية وممارسات غير شفّافة من بعض الشركات المهيمنة، التي تستغل نفوذها لتعديل شروط الصفقات بعد الفوز بها، بما يؤدي إلى تعطيل المشاريع وتراجع أدائها. ولفت التقرير إلى استجابة وزارة الداخلية، في إطلاق تحقيقات للكشف عن المخالفات داخل هذا القطاع.

كل ما سبق يُبرز التحدّيات العميقة التي تواجه البرنامج الوطني لتدبير النفايات، والتي تستدعي تدخّلاً عاجلاً لإعادة صياغة السياسات وتحسين الأداء لضمان استدامة المشاريع وتحقيق الأهداف البيئية المنشودة.

جهود رسمية حثيثة للتغلّب على الأزمة

وفي سياق جهود تحسين إدارة تدبير النفايات في المغرب، كشف وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، خلال جلسة أسئلة شفوية في مجلس النواب، لمناقشة إستراتيجية الوزارة في هذا المجال، عن تحقيق تقدّم ملموس في جمع وكنس النفايات المنزلية. ووفقًا للمعلومات التي أوردتها وكالة المغرب العربي للأنباء في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، ارتفعت نسبة جمع النفايات إلى 96%، مقارنةً بـ44% فقط عام 2008، وذلك بفضل 122 عقداً للتدبير المفوّض شملت المدن الكبرى والمتوسطة.

عمليات إعادة تدوير النفايات في المغرب.

برغم هذه النتائج الإيجابية، أكد لفتيت، أنّ التحدّيات لا تزال قائمةً، لا سيما في ما يتعلق بإغلاق المطارح العشوائية وتحقيق تقدّم أكبر في إعادة تدوير النفايات. وأوضح أن أبرز العراقيل تشمل صعوبة توفير البنى التحتية اللازمة لإنشاء مراكز الطمر وإعادة التدوير، بالإضافة إلى اعتراضات السكان المجاورين لهذه المشاريع، وضعف الموارد المالية للجماعات المحلية.

وفي هذا السياق، تم توقيع بروتوكول جديد بين وزارة الداخلية، ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ووزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الاقتصاد والمالية، يهدف إلى تقليص كمية النفايات المطمورة بنسبة 45%، ورفع نسبة إعادة التدوير إلى 25% بحلول 2030. كما يسعى البروتوكول إلى تقليل الآثار البيئية للمطارح الحالية، والحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وكذا إنشاء وحدات إعادة تدوير حسب إمكانيات كل مطرح.

ويكشف الواقع البيئي، برغم التزام المغرب بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، سواء عبر التشريعات أو البرامج الوطنية، عن فجوة بين النصوص القانونية وتنفيذها على أرض الواقع. عن هذا، يقول الناشط الإيكولوجي وعضو المكتب التنفيذي في "الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية"، عمر الزيدي، إنّ المغرب خطا خطوات مبكراً في مجال التشريعات البيئية، بدءاً من مؤتمر الأرض في "ريو" عام 1992. كما يوضح أن القوانين البيئية بدأت تصدر منذ عام 1995، لكن التحوّل النوعي جاء مع الخطاب الملكي لعام 2009، الذي شدّد على ضرورة حماية البيئة، تلاه خطاب 2010 الذي أطلق عملية إعداد الميثاق الوطني للبيئة، ثم دستور 2011 الذي رسّخ الحق في بيئة سليمة.

ويضيف الزيدي لرصيف22، أنّ هذه الجهود تُوّجت بإصدار القانون الإطار 99.12 عام 2014، الذي يشكّل مرجعيّةً للتنمية المستدامة، إلى جانب إطلاق "الإستراتيجية الوطنية لتقليص وتثمين النفايات" وبرنامج لتثمين النفايات، الذي ساهم في إنشاء مشاريع لإعادة تدوير النفايات في مدن رئيسية مثل الرباط وفاس والدار البيضاء. ومع ذلك، أكّد أنّ هذه الجهود لا تزال محدودة النطاق.

يشير الزيدي، أيضاً، إلى وجود تحدّيات كبيرة في التنفيذ، لافتاً إلى ضعف الحوكمة والبطء في تطبيق القوانين. ويضرب مثالاً على ذلك، حملة "زيرو ميكا"، التي انطلقت عقب إصدار قوانين منع الأكياس البلاستيكية عامي 2015 و2016، حيث شارك الائتلاف في تعبئة أكثر من 5،000 متطوع وجمع 7،000 طن من البلاستيك، مردفاً أنّ "الوضع اليوم أكثر سوءاً"، حيث أصبحت أكياس البلاستيك منتشرةً بشكل أوسع، بما يهدّد البيئة.

هذا السياق يعكس عمق التحدّيات المرتبطة بتدبير النفايات في المغرب، ويبرز الحاجة إلى تدخلات حازمة ومقاربات شاملة لضمان استدامة المشاريع البيئية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويبقى السؤال المهم: إلى أي مدى يمكن للمغرب تجاوز هذا التحدّي، خصوصاً في ظل تعثّر بعض المشاريع الكبرى؟

سياسة استيراد النفايات

بالإضافة إلى تحدّيات التدبير المحلي، يبرز ملف استيراد النفايات في المغرب، الذي يثير جدلاً واسعاً بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني، خصوصاً مع إعلان الحكومة المغربية استيراد كميات كبيرة من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من دول أوروبية لأهداف صناعية.

عمليات إعادة تدوير النفايات في المغرب.

وقوبلت سياسات استيراد النفايات، بانتقادات حادة من الجمعيات المدنية والناشطين البيئيين الذين يحذّرون من أنّ استيراد كميات ضخمة من النفايات قد يُحوّل المغرب إلى "مكبّ نفايات للدول الأوروبية"، ما يهدد البيئة المحلية. ويثير حرق العجلات المطاطية في معامل الإسمنت قلقاً خاصاً، نظراً إلى ما يترتب عليه من انبعاثات سامة تؤثر سلباً على صحة المواطنين والتنوع البيولوجي، فضلاً عن وجود شبهات فساد تتعلق بعمليات الاستيراد، إزاء غياب الشفافية في تقديم تفاصيل كافية عن طبيعة النفايات المستوردة ومدى سلامتها.

عُدّت هذه المخاوف مبررةً بالنظر إلى تقارير منها تقرير مجلس الاتحاد الأوروبي الذي أوضح أنّ صادرات النفايات الأوروبية إلى دول خارج الاتحاد، بما في ذلك المغرب، ازدادت بنسبة 75% منذ عام 2004.

هذا الجدل لا يقتصر على الجوانب البيئية والاقتصادية فحسب، بل يمتد ليشمل البعد الاجتماعي والسياسي. يرى ناشطو المجتمع المدني أنّ هذه السياسات تتعارض مع الالتزامات الدستورية التي تضمن حق المواطنين في العيش في بيئة نظيفة. وتجدر الإشارة إلى أنّ المغرب كان قد واجه أزمةً مشابهةً عام 2016، حين أثارت شحنة من النفايات الإيطالية غضباً شعبياً واسعاً، ما دفع الحكومة إلى إيقاف العملية آنذاك.

تشكّل استضافة كأس العالم 2030 فرصةً ذهبيةً للمغرب، لتقديم نموذج ريادي يجمع بين الرياضة والتنمية المستدامة. ومع الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، يمكن للرياضة أن تصبح أداةً فعّالةً لتغيير الممارسات البيئية، وتحقيق توازن مستدام بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة

وفي ردّها على هذا الجدل، أكدت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في بلاغ صحافي، أنّ استيراد النفايات غير الخطرة يخضع لمقتضيات قانونية وتنظيمية صارمة، منها اتفاقية بازل الأممية والقانون المغربي رقم 00-28 المتعلّق بتدبير النفايات والتخلّص منها. وأوضحت الوزارة أنّ النفايات المستوردة تُستخدم كمادة أولية أو تكميلية في الصناعات الوطنية، ويتم استيرادها أساساً من دول أوروبية تلتزم بأنظمة متطورة لمعالجة النفايات، وهو ما يضمن عدم الإضرار بالبيئة أو بالصحة العامة.

من الناحية الاقتصادية، تبرّر الحكومة المغربية استيراد النفايات بتأثيرها الإيجابي على تخفيض تكاليف الطاقة، إذ تُستخدم هذه النفايات كوقود في معامل الإسمنت، ما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات الكربونية. كما يُوفر هذا القطاع نحو 300 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بما يُسهم في دعم الاقتصاد المحلي. ثم إنّ هذه السياسة تعزّز قطاع التدوير على اعتبار أنها صناعة تقلّ نسبتها عن 10% في المغرب.

ويُرجع الزيدي، ذلك إلى عوامل عدة مترابطة، في مقدمتها "ضعف الوعي بأهمية التدوير وتأثيره الكبير على مواجهة ندرة المواد الأولية على الصعيد العالمي، سواء في مجال الطاقة أو المعادن"، وهو ما يشكّل، حسب الزيدي أيضاً، أحد الأسباب الكامنة وراء العديد من النزاعات الدولية.

ويضيف الزيدي، أنّ غياب عمليات الفرز أو ضعفها يشكّل تحدّياً أساسياً آخر، سواء كان ذلك على مستوى المنازل أو ورش الإنتاج، خاصةً في قطاعات مثل البناء والتعمير، مضيفاً أن النفايات في المغرب تمثّل ثروةً تشكّل استضافة كأس العالم 2030 فرصة ذهبية للمغرب لتقديم نموذج ريادي يجمع بين الرياضة والتنمية المستدامة. ومع الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، يمكن تحويل الرياضة إلى أداة فعّالة لتغيير الممارسات البيئية، وتحقيق توازن مستدام بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.

أزمة النفايات في المغرب بحاجة إلى حلول مبتكرة ومستدامة.

ويؤكد المصدر ذاته أن معالجة هذا الوضع تبدأ من تبنّي حلول مبتكرة ومستدامة، على رأسها تفعيل عمليات الفرز من المصدر، سواء في المنازل أو ورش الإنتاج، منبّهاً إلى أنّ هذه الخطوة يمكن أن تخفف العبء المالي عن المستثمرين، وهو ما يساهم في إطلاق مشاريع تدوير قادرة على استغلال هذه الثروة وتحقيق قيمة اقتصادية وبيئية ملموسة.

فرص الاستدامة البيئية في أفق كأس العالم 2030

يقف المغرب أمام فرصة ذهبية لتحويل تحدّياته البيئية إلى إنجازات تاريخية. فاستضافة كأس العالم ليست مجرد حدث رياضي، بل اختبار للقدرة على الجمع بين الطموحات الاقتصادية والرياضية وبين الالتزامات البيئية. ومع تزايد الاهتمام العالمي بدمج الاستدامة البيئية في الأحداث الرياضية الكبرى، تبرز تجارب دولية ملهمة تؤكد إمكانية تحويل الرياضة إلى منصة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الابتكار البيئي.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تجربة قطر في تنظيم كأس العالم 2022، كأول بطولة محايدة كربونياً في تاريخ المونديال. وقد اعتمدت عشر إستراتيجيات بارزة لتقليل البصمة الكربونية، من أبرزها: تقارب المسافات، والنقل المستدام عبر شبكة مترو كهربائي ومحطات شحن للسيارات الكهربائية وغيرهما، والاستادات المستدامة، وإعادة التدوير بنسبة 90% في بعض الإستادات، والتشجير والتخضير، ومحطة الطاقة الشمسية.

تجارب أخرى، مثل ألمانيا خلال تنظيم كأس العالم 2006، وأولمبياد لندن 2012، ركّزت على الطاقة المتجددة والنقل المستدام وإعادة استخدام المنشآت الرياضية. أما البرازيل، خلال استضافتها كأس العالم 2014، واليابان إبان أولمبياد طوكيو 2020، فقدّمتا حلولاً مبتكرةً، مثل ملاعب معتمدة بمعايير "LEED" واستخدام نفايات إلكترونية معاد تدويرها لصناعة الميداليات.

ويمكن أن تشكّل هذه التجارب مصدر إلهام للمغرب بحيث يجعل بدوره كأس العالم 2030، نموذجاً عالمياً يجمع بين الرياضة والتنمية المستدامة، ويُظهر أن تنظيم الفعاليات الرياضية يمكن أن يكون فرصةً لتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة. فعلى الرغم من أنّ التجارب العالمية قدّمت حلولاً مبتكرةً، مثل الملاعب القابلة للتفكيك ووسائل النقل منخفضة الكربون، إلا أنّه يجب صياغة رؤية محلية تأخذ في الحسبان خصوصيات البلد وتحدّياته، بما يجعل الرياضة أداةً فعالةً للتغيير المستدام.

كأس العالم فرصة لـ"تجاوز التحدّيات البيئية"

يرى رشيد فاسح، الباحث المختص في البيئة والتنمية المستدامة، ورئيس جمعية بييزاج لحماية البيئة، أنّ استضافة المغرب لكأس العالم 2030، تمثل فرصةً لتجاوز التحدّيات البيئية، خاصة في مجال تدبير النفايات في المدن المستضيفة مثل الدار البيضاء، والرباط، ومراكش، وأكادير. ويؤكد في حديثه إلى رصيف22، ضرورة تسريع وتيرة الانتقال إلى ممارسات مستدامة تشمل الجمع، النقل، وفرز النفايات من المصدر، مشيراً إلى مشاريع جديدة لمعالجة المطارح المراقبة والقضاء على المطارح العشوائية.

"النفايات في المغرب تمثّل ثروة تشكّل استضافة كأس العالم 2030 فرصة ذهبية للبلاد لتقديم نموذج ريادي يجمع بين الرياضة والتنمية المستدامة. ومع الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، يمكن تحويل الرياضة إلى أداة فعّالة لتغيير الممارسات البيئية، وتحقيق توازن مستدام بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة"

يضيف فاسح، أنّ التجارب الدولية تقدّم دروساً مهمّةً، مثل تحسين صورة المدن وتعزيز علاقتها بالبيئة عبر إدارة النفايات بطرق مبتكرة وصديقة للبيئة. لكنه يشدد على أنّ التحدّي في الدول النامية، ومنها المغرب، لا يقتصر على البنية التحتية والتقنيات، بل يتطلّب بناء ثقافة بيئية جديدة تُعيد تعريف النفايات كموارد ثمينة.

كما يشير إلى أنّ من أبرز الدروس المستفادة من تجارب الدول التي نجحت في دمج الاستدامة البيئية في تنظيم البطولات الكبرى، "تقديم صورة إيجابية عن مدنها، تُظهر علاقةً متناغمةً مع البيئة المحيطة وطرق تدبير صديقة للبيئة"، عادّاً أنّ "هذه الجهود تُسهم لا محالة في التخلّص من المظاهر السلبية، مثل انتشار النفايات في الفضاء العام، التي لا تتماشى مع القيم الإنسانية والكونية". ويضيف الخبير البيئي المغربي، أنّ دولاً مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا أظهرت تقدّماً كبيراً في هذا المجال، حيث اعتمدت سلوكيات حضاريةً تهتم بالمشهد العام وتعكس تطوراً حضارياً يُعدّ معياراً مهماً في تنظيم الفعاليات الكبرى. ومع ذلك، يشير فاسح، إلى أنّ الدول النامية لا تزال تواجه تحدّيات كبيرةً بسبب التعامل العشوائي مع البيئة، ما يستدعي مضاعفة الجهود التربوية والتوعوية، سواء في المدارس أو المجتمع المدني، مع تفعيل دور الإعلام وأصحاب القرار في نشر سلوكيات صديقة للبيئة، خصوصاً مع الطبيعة المنتجة للنفايات لمثل هذه الأحداث، التي تتطلّب معالجتها بطرق إيكولوجية مستدامة.

وبدلاً من التركيز فقط على بناء ملاعب أو تحسين البنية التحتية، يمكن أن يكون التحضّر لكأس العالم منصةً لمبادرات بيئية جريئة. على سبيل المثال، تخضير المدن المستضيفة ليس مجرد تحسين بصري، بل خطوة فعلية لامتصاص الكربون، وتحسين جودة الحياة للسكان، وإرسال رسالة بأنّ الرياضة والبيئة يمكن أن تتكاملا بفعالية.

هل تكفي المشاريع الخضراء لتغيير الواقع البيئي في المغرب؟

بلورة سياسات مستدامة صارمة، وإعادة النظر في التشريعات المتعلقة بتدبير النفايات من الأمور الضرورية لضمان أن تكون الاستدامة منهجيةً دائمةً وليست شعارات عابرةً. من المنظور الاجتماعي، يبدو من الضروري في حدث بحجم كأس العالم، إشراك المواطنين في مسيرة التغيير. إذ يمكن أن تتحوّل مدرجات الملاعب إلى مساحات توعوية بأهمية الحفاظ على البيئة، من خلال فعاليات موازية تمكّن الجمهور من عيش تجربة رياضية بنفسٍ مستدام.

أزمة النفايات في المغرب بحاجة إلى حلول مبتكرة ومستدامة.

ويوضح رشيد فاسح، أنّ للجمعيات البيئية دوراً أساسياً في دعم الجهود الوطنية لتحقيق تنظيم بيئي مستدام. ويشير إلى أنّ المجتمع المدني يساهم بشكل كبير في نشر التوعية والتحسيس بأهمية الحفاظ على البيئة، سواء عبر حماية الفضاءات الخضراء، والسواحل، والشواطئ، والغابات، أو من خلال تعزيز السلوكيات الصديقة للبيئة في المحيط الخاص والعام. ويؤكد أنّ هذه الجمعيات تُعدّ فاعلاً حقيقياً في تحسين الوعي البيئي ونشر ثقافة التنمية المستدامة بين أفراد المجتمع. كما يشدد على أنّ التطوع في هذه الجمعيات يمكن أن يسهم في تجاوز العديد من التحدّيات المرتبطة بسلوكيات غير متناسبة مع تطور المجتمع المغربي، خصوصاً مع الجهود المبذولة على مستوى المدن الكبرى في تطوير البطاقات الخضراء، وتحسين الشوارع والإنارة، وتنفيذ مشاريع إستراتيجية.

وفي سياق الحديث عن استضافة كأس العالم 2030، أطلق المجتمع المدني البيئي، بقيادة الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة (AMCDD)، نداءً يهدف إلى تحويل هذا الحدث إلى فرصة وطنية لتحقيق التنمية المستدامة. ودعا الائتلاف إلى دمج معايير الاستدامة في مراحل الإعداد كافة، مبرزاً ضرورة تحدّيث البنية التحتية، وتعزيز شبكة النقل المستدام مثل القطار فائق السرعة "البراق"، وتشجيع المركبات الكهربائية والدراجات الهوائية. وكذا اعتماد تخطيط عمراني يحترم معايير الكفاءة الطاقية والمائية، وزيادة الغابات الحضرية والزراعة المستدامة، مع إطلاق أيام خالية من السيارات في المدن المستضيفة.

وأشار الائتلاف، إلى أهمية خفض انبعاثات الكربون بنسبة 50% بحلول 2030، تماشياً مع رؤية المغرب للحياد الكربوني بحلول 2050، والالتزامات التي حدّدها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). كذلك، توقّع أن يستقطب الحدث 1.5 ملايين زائر، ويحقق إيرادات سياحيةً تُقدر بـ2 إلى 3 مليارات دولار، مع تعزيز صورة المغرب كوجهة عالمية مستدامة.

وكان مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية، بشراكة مع الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، قد نظّم في كانون الأول/ ديسمبر 2024، مائدةً مستديرةً في طنجة تحت عنوان "كأس العالم وأسئلة الاستدامة". اللقاء، الذي شهد مشاركة مسؤولين ومنتخبين وفاعلين مدنيين، تناول رؤية المجتمع المدني لتحويل هذا الحدث إلى فرصة إستراتيجية لتحقيق انتقال بيئي وطاقي يضمن استدامة المدن المغربية. وتم التأكيد على أهمية الانخراط الجماعي والمقاربة التشاركية في تنفيذ برامج تتعلق بالبنية التحتية والنقل المستدام، مع استلهام التوجيهات الملكية لضمان تحقيق تحوّلات كبرى تدعم التنمية المستدامة والصمود أمام التغيرات المناخية.

شراكات إستراتيجية بين جميع الأطراف الفاعلة

وعن هذا، ينبّه رئيس الفيدرالية، بلحاج الشهيبي، في حديث إلى رصيف22، إلى أهمية بناء شراكات إستراتيجية بين جميع الأطراف الفاعلة، سواء من القطاع العام أو الخاص، على المستويين الوطني والدولي، لافتاً إلى أنّ هذه الشراكات تُعدّ عنصراً أساسياً لتحقيق إدارة فعالة للنفايات وتنفيذ مشاريع بيئية مستدامة على المدى الطويل، بما يتماشى مع طموحات المغرب البيئية والتنموية.

ويرى الشهيبي، أنّ هذه الفعالية تشكّل فرصةً محوريةً لتعزيز السياسات البيئية وزيادة وعي المجتمع بممارسات مستدامة، مؤكداً أنّ استدامة الموارد الطبيعية تتطلّب إعادة تدوير النفايات، صلبةً كانت أو سائلةً، بما يضمن احترام حقوق الأجيال القادمة في العيش في بيئة سليمة ومستدامة.

برغم التزام المغرب بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، سواء عبر التشريعات أو البرامج الوطنية، إلا أنّ الواقع البيئي يكشف عن فجوة بين النصوص القانونية وتنفيذها على أرض الواقع.

ويشير الشهيبي، في الوقت نفسه، إلى أنّ الفيدرالية تعمل على مشروع طموح يتمثل في إنشاء منصة رقمية متخصّصة في جمع وفرز النفايات إذ يُعدّ فرز النفايات عند المصدر من أبرز أولويات الفيدرالية، حيث يتيح هذا النهج الحفاظ على جودة النفايات وتقليل التكاليف المرتبطة بعملية التثمين أي إعادة التدوير.

وعليه، فإن رؤية المجتمع المدني تذهب إلى أنّ البطولة يجب أن تكون أكثر من مجرد حدث رياضي، بل نموذجاً عالمياً يدمج بين الرياضة، والبيئة، والعدالة الاجتماعية، مع تعزيز دور الشباب والمجتمع المدني في صياغة مستقبل مستدام للمغرب.

إلى ذلك، تبقى استضافة المغرب كأس العالم 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، فرصةً ذهبيةً لاختبار قدرة المملكة على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والتزاماتها البيئية. وبرغم التحدّيات التي تواجه تدبير النفايات في البلاد، بدءاً من ضعف البنية التحتية وغياب آليات فعّالة للفرز والتدوير، وصولاً إلى تعثّر مشاريع سابقة، فإن هذا الحدث العالمي قد يكون نقطة انطلاق نحو تغييرات جوهرية تعيد صياغة السياسات البيئية في المغرب.

ويبقى السؤال الأهم: هل يتمكّن المغرب من استغلال هذه الفرصة التاريخية لإحداث نقلة نوعية في إدارة النفايات وتحقيق تنمية بيئية مستدامة؟ الإجابة عن هذا السؤال تتوقّف على مدى نجاحه في التغلب على التحدّيات الراهنة، وتبنّي رؤية بيئية شاملة تعيد تعريف العلاقة بين التنمية والبيئة، قبل انطلاق البطولة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image