"كده يا قلبي؟".
يحقّ لشيرين، في أغنياتها، أن تُحبّ، أن تنكسر، أن تُحدّث قلبها، أن تُصغي إليه، أن تبكيه، أن تبكي ثقله، وأن تبكي تغيّر هيئته وسُكّانه وناسه ومشاعره. لكن على المسرح، لا يُنتظَر منها سوى أن تؤدّي هذه الكلمات. أمّا أن تشعر بها، فذلك ليس حقاً مُعترفاً به.
رافقت أغنيات شيرين كثيرين ممن أحبّوا، فطاروا معها وهم يُغنّون: "يا دي المشاعر"، وتمنّوا معها "باب مقفول علينا"، واعترفوا بأنّ "حبه جنّة"، وبكوا قلوبهم معها: "كده يا قلبي؟"، وتمنّوا نسيان العلاقة كلّها في أحيان أخرى: "بتمنّى أنساك".
لا يُعجب جمهور شيرين أنها مثلنا؛ تُحبّ حبّاً مجنوناً، تملأ الدنيا بحبّها، تُحدّثنا عنه، وتُدخله إلى بيوتنا وهي تحكيه باندفاعٍ واضح، تماماً كما تُحبّ.
شيرين مثلي، مثل صديقاتي، مثل قريباتي، مثلكنّ؛ امرأة عادية، أحبّت كثيراً، ثم انكسرت. ببساطة، انكسرت ولم تتعافَ بعد، بغضّ النظر عن تفاصيل علاقتها بحسام حبيب الذي انفصلت عنه، ثم عادت إليه، ثم انفصلا مجدداً.
شيرين مثلي، مثل صديقاتي، مثل قريباتي، مثلكنّ؛ امرأة عادية، أحبّت كثيراً، ثم انكسرت. ببساطة، انكسرت ولم تتعافَ بعد، بغضّ النظر عن تفاصيل علاقتها بحسام حبيب الذي انفصلت عنه، ثم عادت إليه، ثم انفصلا مجدداً.
شيرين مثلنا. ربما تلجأ إلى العلاج النفسي، وربما تلتزم بأدوية مضادة للاكتئاب. قد تلجأ إلى الطعام، وتعاني من الأكل العاطفي، لتُسكت حزنها، تُسايره، وتُطبطب عليه. وربما طلب منها طبيبها النفسي أن تفعل أكثر ما تُحبّ في رحلة العلاج هذه، فاختارت الوقوف على المسرح من جديد، ووافقت على المشاركة في مهرجان "موازين" المغربي، ولكنها لم تكن تعرف أنه مرحّبٌ بها في هيئةٍ واحدة فقط.
ردّ الفعل لم يكن متوقّعاً. كان الغضب يملأ المكان حتى امتدّ إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وظهرت تساؤلات من نوع: "لماذا لم يكن الحفل مجانياً إذا كان جزءاً من علاجها؟". لكن، كيف يغضب أحد من فنان يحبّه؟ كيف يغضب من شيرين، كتلة الحبّ التي رافقت أيامنا طوال هذه السنوات، حتى لو قدّمت في "موازين" بعض الأغاني "بلاي باك"، وحتى لو طلبت استراحات متكرّرةً؟ شخص متعب يحاول الوقوف، كيف يُتوقّع منه أن يؤدي كعادته؟
كان حفل شيرين في "موازين" ليكون درساً في الرحمة، لو احتضنها الجمهور بحبّ. بحضن جماعيّ كبير يمتدّ دفؤه من الرباط إلى القاهرة. فأكثر من غنّت المشاعر والحب، تستحق منّا قدراً من هذه المشاعر وهذا الحب. لو كان هذا ما حدث، لكانت العناوين التي تناولت حفل شيرين في "موازين" أكثر اتساقاً مع الواقع المعقّد الذي نعيشه، حيث يبحث كل منّا عن أشخاص آمنين نكون برفقتهم "نحن" التي نعرفها، نضع لهم مشاعرنا على الطاولة، ونحاول أن نحكيها كلها بلا قيود أو تجميل.
غير قادرة على الغناء؟ ربما كان عليهم هم أن يغنّوا بدلاً منها، أن يفعلوا شيئاً ما يعبّرون فيه عن الحب الذي جاء بهم إلى هنا.
يتجاهل كثيرون أنّ من البديهي أن يكون لشيرين حقّ في أن تزعل، أن تحزن، وأن ينعكس حزنها على شكلها، وعلى صوتها، وعلى طاقتها، وعلى حضورها. من حقها أن تلعن الحبّ ومن أحبّوا يوماً. هي ليست ملكاً للجمهور ولا لبلادها، وربما حمّلها لقب "صوت مصر" مسؤوليةً أكبر من طاقتها، خاصةً في هذه الفترة ولغاية أجل غير مسمّى.
يتجاهل كثيرون أنّ من البديهي أن يكون لشيرين حقّ في أن تزعل، أن تحزن، وأن ينعكس حزنها على شكلها، وعلى صوتها، وعلى طاقتها، وعلى حضورها. من حقها أن تلعن الحبّ ومن أحبّوا يوماً.
الدفاع عن شيرين لا ينبغي أن يكون مجرد رد فعل على "Trend" متكرر، بل يجب أن يكون موقفاً مستمراً. فمع كل ظهور لها، تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة محاكمة جماعية. وما يحدث اليوم من تجريح سبق أن حدث عندما ظهرت في كانون الأول/ ديسمبر 2021، بشعر قصير على المسرح، عقب شهر من انفصالها الأول عن حسام حبيب، وهو حقّ طبيعي لأيّ امرأة، سواء كان لتغيير المظهر أو لـ"تجديد" النفسية. آنذاك، واجهت اتهامات بالتقصير في حق نفسها، وبالعجز عن انتشال ذاتها من الاكتئاب ومن حبّها السامّ.
كثيرون قالوا إنهم "استحملوها" كثيراً، و"دعموها" بعد انفصالها الأول، وبعد الانفصال الثاني أيضاً، ودافعوا عنها في أزماتها. لكنهم اليوم يرون أنّ "عدوّتها هي شيرين نفسها". وهنا يكمن السؤال الأساسي ربما: في زمن يمكن فيه للمرء أن يكون أي شيء، لماذا أو كيف يصرّ كثيرون على أن يكونوا قساةً؟
قد يبرّر البعض كلّ ذلك بالقول إنّ شيرين هي من أقحمت الناس في حياتها الخاصة. لكنها في المقابل، تستحق تعاطفاً حقيقياً، لا يخضع لشرط "صلاحية" أو انتهاء زمن.
شيرين مُتعبة ومن حقّها أن تُحاول، ومحاولتها لا تحتاج إلى أن تتماشى مع تعريفنا الشخصي للمحاولة أو التعافي أو للنجاة. كلٌّ يحاول أن ينجو. وهناك دائماً شعرة رفيعة بين أن نتمنى لشخص أن ينجو/ يتعافى، وبين أن نجلده لأنه لم يستطع ذلك بعد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.