السيناريو الأخطر والأسوأ… لماذا لم تستهدف إسرائيل مفاعل بوشهر؟

السيناريو الأخطر والأسوأ… لماذا لم تستهدف إسرائيل مفاعل بوشهر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

السبت 14 يونيو 202511:19 ص

شنّت إسرائيل ضربات واسعة النطاق على إيران، يوم الجمعة 13 حزيران/ يونيو الجاري. ووفقاً لما ذكرته وكالة "رويترز"، استهدفت الضربات على دفعات منشآت نوويةً ومصانع صواريخ باليستيةً وقادةً عسكريين. وأفادت وسائل إعلام إيرانية وشهود عيان بوقوع انفجارات في مواقع، من بينها منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، بينما أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ تحسّباً للردّ الإيراني الذي بدأ ليلاً بضربات صاروخية وطائرات مسيّرة.

في هذا التقرير، يستعرض رصيف22، الأثر البيئي المتوقع لهذه الضربات، وإلى أي مدى قد يتسع نطاقها زمنياً وجغرافياً، وما هي أفضل السبل لتلافي هذه المخاطر والتبعات البيئية؟

عبر الموقع الإلكتروني للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (ICAN) -وهي تحالفٌ يضمّ منظمات غير حكومية من 100 دولة تعمل على تعزيز الالتزام بمعاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية وتنفيذها- ترد الإجابة عن سؤال: ماذا يحدث إذا تعرّضت محطة طاقة نووية للقصف؟ بأنّ هناك عوامل عدة تجب مراعاتها، منها ما إذا كان الهجوم على المفاعل النووي أو حوض الوقود المستهلك المجاور له. كما أنّ حجم محطة الطاقة النووية وعمرها من العوامل المؤثرة.

ويرد أيضاً أنّ معظم المفاعلات النووية غير مصمّمة لحالات الطوارئ القصوى، كالقصف الجوي، أو الضربات الصاروخية، أو الاصطدام بطائرة. لذا، قد تؤدي هذه الأنشطة إلى هدم مبنى الاحتواء وتدمير المفاعل، ما يتسبب في انصهار قلب المفاعل. ومع ذلك، فإنّ معظم المفاعلات محميّة بهياكل احتواء سميكة من الخرسانة والفولاذ، ولكن المناطق المحيطة الضرورية، والتي قد تشمل أحواض الوقود المستهلك، ومعدّات التبريد، ومعدّات إخماد الحرائق، وغيرها، قد لا تكون محميّة.

"أضرار محدودة" جرّاء استهداف إسرائيل منشآت نوويةً إيرانيةً حتى الآن على الرغم من تدمير بعضها، كيف يُفسّر الخبراء ذلك؟ وإلى أيّ مدى تهدد هذه الاستهدافات بتسرّب إشعاعي؟ وما هي أكثر الدول العربية عرضةً للخطر في حال حدوث ذلك؟

إلى ذلك، يقول نائب رئيس هيئة المحطات النووية المصرية سابقاً، الدكتور علي عبد النبي، في تصريحات لرصيف22، إنّ الهجمات الإسرائيلية استهدفت -كما هو معلن- حتى الآن مواقع نوويةً خاصةً بالأبحاث النووية لتخصيب اليورانيوم، ويقال إنّ موقع نطنز حدث فيه تسرّب إشعاعي داخل الموقع، والخطورة تكمن في خروج هذه الإشعاعات إلى البيئة المحيطة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

جدير بالذكر أنّ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، صرّح في مجلس الأمن، أمس الجمعة، بأنّ "مستوى النشاط الإشعاعي خارج نطنز ظل دون تغيير وطبيعياً"، على الرغم من تدمير محطة التخصيب التجريبية فوق الأرض والبنية التحتية للكهرباء في المنشأة، ما يعني احتمالية تضرّر أجهزة الطرد المركزي.

يتابع عبد النبي، بأنّ هذا إن حدث سيكون مجرد تسرّب مواد مشعّة وليس انفجار قنبلة نووية، والخطورة في خروجها إلى البيئة المحيطة أنها تحتوي على غاز سادس فلوريد اليورانيوم، ولتخصيبه يتم تحويل أكسيد اليورانيوم إلى أجهزة الطرد المركزي، والخوف من تدمير هذه الأجهزة والخزانات وفي خروجها إلى البيئة.

ويرى عبد النبي، أنه لا بد من وجود خطة طوارئ للتعامل مع الوضع حتى لا تنتشر هذه الغازات الضارّة خارج المحطة، ويُضطر إلى تهجير سكان المناطق المحيطة بالمنشأة، ويكون الدخول إلى المنطقة محظوراً إلى حين تنظيفها وتنقيتها من خلال فرق الطوارئ النووية، مبيّناً أنه لا يوجد خطورة كبيرة من وصول هذه الغازات الضارة إلى نطاق جغرافي أبعد، حيث أنها لن تتعدّى المنطقة إلا إذا كانت هناك رياح شديدة قادرة على نقلها بعيداً أو في حالة سقوط أمطار تنقلها إلى التربة.

السيناريو الأخطر

الخطورة الكبيرة في استهدافات المنشآت النووية الإيرانية، بحسب الدكتور علي عبد النبي، تكمن في حال ضرب مفاعل "بوشهر" لإنتاج الكهرباء، والموجود على ساحل الخليج والمواجه لدولتَي قطر والبحرين، إذ إنه في حال تعرضه لأي هجمات فإنّ الوقود الموجود فيه شديد الإشعاعية وهنا الخوف من انتشار هذه المواد، وفي حال انقطاع مياه تبريد المفاعل ستكون كارثة مماثلة لكارثتَي تشيرنوبل وفوكوشيما.

يضيف عبد النبي، أنّ في مثل هذه الظروف "قد تنتشر المواد المشعّة في الجو والمياه الجوفية وفي مياه الخليج التي تقوم دول السعودية والكويت والبحرين وقطر بتحليتها واستخدامها في الشرب، وحتى الآن لم تصل الهجمات إلى مفاعل 'بوشهر' لخطورته الشديدة".

كما يردف بأنّ السيناريو الأخير هو الأسوأ والأخطر و"يمكن تجنّبه في حال وقف إيران للمفاعل، وهذا من الخطوات المتبعة في خطط الطوارئ، والتي يتم تنفيذها مع وجود أي هجوم أو تهديد، وهي خطط معروفة في الدول التي لديها مفاعلات نووية".

يتوافق حديث عبد النبي، مع ما نشرته وكالة "رويترز"، نقلاً عن مجموعة من الخبراء، بأنّ الأضرار في البنية التحتية النووية لإيران كانت "محدودةً" إذ لم تُظهر صور الأقمار الصناعية "أي ضرر واضح" في موقع فوردو النووي أو المنشأة النووية في أصفهان، برغم الهجمات عليهما، فضلاً عن أنه برغم استهداف منشأة نطنز "لا دليل على أن الموقع تحت الأرض تعرّض للتدمير".

 المعدن القاتل

الخطورة في الهجمات على المنشآت النووية وثيقة الصلة بالمدى الزمني، حيث أن مرور الوقت، يؤدي انشطار الذرات في وقود المفاعل إلى تراكم نواتج ثانوية شديدة الإشعاع، ومن بين أخطر هذه النواتج على البيئة والصحة السيزيوم-137، والسترونشيوم-90، واليود-131، التي يسبب استنشاقها أنواعاً من السرطانات المميتة.

أحد أخطر نتائج استهداف المنشآت النووية هو السيزيوم، وهو معدن ليّن ومرن أبيض- فضّي اللون، يتحوّل إلى سائل في درجة حرارة الغرفة تقريباً، يتّحد بسهولة مع الكلوريدات مكوّناً مسحوقاً بلورياً. الشكل المشعّ الأكثر شيوعاً للسيزيوم هو Cs-137. يُنتَج السيزيوم-137 نووياً لاستخدامه في الأجهزة الطبية والمقاييس. وهو أيضاً أحد النواتج الثانوية لعمليات الانشطار النووي في المفاعلات النووية وتجارب الأسلحة النووية.

يصف عبد النبي استهداف مفاعل "بوشهر" بأنه "السيناريو الأخطر والأسوأ"، ويحذّر من أضرار كارثية على دول الخليج ولا سيّما البحرين وقطر. لماذا؟

ووفقاً لما تذكره وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA، عن أثر السيزيوم في البيئة، يتفاعل السيزيوم-137 مع الكلوريدات لتكوين مسحوق بلوري، ويتفاعل في البيئة مثل ملح الطعام (كلوريد الصوديوم) على الشكل التالي:

يمكن العثور على كميات صغيرة من السيزيوم-137 في البيئة، نتيجةً للأسلحة النووية وحوادث المفاعلات النووية. ويمكن أن يسبب التعرض للسيزيوم-137، حروقاً ومرضاً إشعاعياً حاداً وصولاً إلى الوفاة، وقد أشارت ورقة بحثية عن أثر مادة السيزيوم على الصحة العامة إلى أنّ تلوث النظم البيئية الأرضية بالنويدات المشعّة وصل إلى مستوى خطير في البشر والحيوانات والنباتات.

وبحسب الورقة البحثية، المنشورة في MPDI السويسرية، يتمركز السيزيوم بشكل رئيسي داخل الخلايا، ويفرز البنكرياس والغدد اللعابية السيزيوم في الأمعاء، بما يؤدي إلى التخلّص من نحو 14% من السيزيوم المبتلع مع البراز، بينما تتخلّص الكلى من النسبة المتبقية (86%) مع البول.

إلى ذلك، يمكن أن يسبب السيزيوم المشعّ المبتلع، لدى البشر أيضاً حالات عدة من التهاب البنكرياس المصحوب بداء السكري الثانوي؛ وكلاهما آخذان في الازدياد عالمياً. وشرح مؤلف الدراسة العلاقة بين الخريطة الجغرافيّة للوفيات الناجمة عن سرطان البنكرياس (PC) وخريطة حوادث المحطات النووية وتجارب القنابل الذرية والغبار الإشعاعي.

ماذا يحدث للسيزيوم عند دخوله البيئة؟

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC يتواجد السيزيوم الطبيعي في البيئة غالباً نتيجةً لتآكل الصخور والمعادن، كما يُمكن أن يُطلق تعدين وطحن بعض خامات السيزيوم في الهواء والماء والتربة. ينبعث السيزيوم المشعّ إلى البيئة في أثناء التشغيل العادي لمحطات الطاقة النووية، وانفجار الأسلحة النووية، والحوادث التي تشمل محطات الطاقة النووية أو الأقمار الصناعية أو الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.

لا يُمكن إنشاء السيزيوم غير المشعّ أو تدميره في الظروف البيئية العادية، ولكنه قد يتفاعل مع مركبات أخرى موجودة في البيئة ويتحول إلى مركبات سيزيوم مختلفة، ويمكن لمركبات السيزيوم أن تنتقل لمسافات طويلة في الهواء قبل أن تعود إلى الأرض بفعل هطول الأمطار والترسيب بفعل الجاذبية في الماء والتربة الرطبة، وتكون معظم مركبات السيزيوم شديدة الذوبان. يرتبط السيزيوم بقوة بمعظم أنواع التربة، ولا يتسرب بعيداً عن سطحها.

ونتيجةً لذلك، لا يمتصّ النبات السيزيوم بسهولة عبر الجذور. ومع ذلك، يمكن أن يدخل السيزيوم المشعّ إلى النباتات عند سقوطه على سطح الأوراق.

وذكرت وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA، أنه ثبت من حادثة محطة فوكوشيما للطاقة النووية في اليابان، أنّ السيزيوم يتحرك في البيئة الطبيعية بمرور الوقت، ما يؤثر على عمليات التنظيف وإعادة الإشغال. على سبيل المثال، يمكن أن يترسب السيزيوم على الأسطح النباتية (مثل العشب والتربة)، وينتقل إلى طبقة النفايات (مثل الأوراق الميتة والحطام فوق التربة)، نتيجةً للأنشطة الطبيعية كالرياح وهطول الأمطار وتساقط النباتات. قد يختلف عمق ومدة اختراق السيزيوم للتربة تبعاً لعوامل مختلفة، بما في ذلك محتوى طين التربة، ومعدل تحلل النفايات، والطقس، وهطول الأمطار. كما يُعدّ الجريان السطحي من مصادر التلوث إلى المياه السطحية مساراً مهماً للمساعدة في نقل الملوثات.

ومن المعروف أنّ الغابات تُقلل بشكل كبير من حركة النويدات المشعّة. تُمثّل الغابات (بما في ذلك النباتات والأشجار)، أحواضاً بيئيةً حيث تتركز غالبية السيزيوم في السنتيمترات الأولى من التربة. على الرغم من فعالية الغابات في الحدّ من انتشار التلوث، إلا أنّ تطهيرها صعب. لذلك، قد يؤثر وجود الغابات القريبة على القرارات المتعلقة بتطهير المناطق غير الحرجية، خاصةً عند تجاورها مع المناطق المأهولة بالسكان أو المناطق الترفيهية. وفي حين تمثّل الغابات حوضاً للنويدات المشعة، إلا أنها قد تكون أيضاً مصدراً لانبعاثات أخرى منها، كما يحدث في أثناء حرائق الغابات.

يُنذر استهداف مفاعل "بوشهر" بتكرار كارثتَي تشيرنوبيل وفوكوشيما. لكن الخبراء يرون أن الضربات الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية حتى الآن تبدو محدودة العواقب

أبرز حوادث استهداف محطات الطاقة النووية عبر التاريخ: 

  • وقع أحد أول حوادث محطات الطاقة النووية في العالم في ويندسكيل (سيلافيلد حالياً)، في المملكة المتحدة، عندما اشتعلت النيران في أحد مفاعلَي الغرافيت عام 1957. نتج عن الحادث إطلاق اليود-131، والبولونيوم-210، وانتشر الغبار النووي في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا.
  • حادثتا تشيرنوبيل عام 1986، وفوكوشيما عام 2011، أجبرتا على إجلاء أكثر من 100،000 شخص في أوكرانيا، و160،000 في اليابان، على الترتيب.
  • كذلك تعرّضت محطات طاقة قيد الإنشاء في إيران للقصف الجوي بشكل متكرّر من قبل العراق في الفترة بين عامَي 1984 و1987، إبّان "حرب الخليج الأولى".
  • حلّقت مقاتلات القوات الجوية اليوغوسلافية فوق محطة كرسكو النووية في سلوفينيا -التي كانت تعمل آنذاك- بعد أيام قليلة من إعلان سلوفينيا استقلالها عام 1991. 
  • دُمّر ما يُسمى بـ"مفاعلات الأبحاث" في العراق بقصف جوي شنّته إسرائيل عام 1981، ثم الولايات المتحدة عام 1991. 
  • ألحقت القنابل أضراراً بمفاعلات قيد الإنشاء في إسبانيا عام 1977. 
  • تم ضرب مفاعلات قيد الإنشاء في جنوب إفريقيا عام 1982. 
  • ضربت صواريخ مضادة للدبابات محطةً نوويةً قيد الإنشاء في فرنسا عام 1982.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image