فرنسا تصف

فرنسا تصف "الإخوان المسلمين" بـ "الخطر على السلم الأهلي"... ماذا بعد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 10 يونيو 202502:36 م

تصاعدت المخاوف من تنامي حضور جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، بعد أن ترأس الرئيس الفرنسي ماكرون، اجتماع مجلس الدفاع في 21 أيار/ مايو 2025، في قصر الإليزيه في العاصمة باريس، لمناقشة تقرير أعدّته المؤسسة الأمنية والاستخباراتية الفرنسية تضمّن حقائق وبيانات مقلقةً حول نشاط جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، وُصفت بأنها تشكل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي و"للتلاحم الوطني" وقيم الجمهورية الفرنسية. وخلال الاجتماع، طالب ماكرون بضرورة أن تقوم الحكومة الفرنسية بوضع حدّ لنفوذ الجماعة وفق إجراءات وضوابط صارمة.

وبيّن التقرير أنّ هناك 139 مسجداً مرتبطاً بالإخوان المسلمين، و86 مكاناً يتبع للجماعة، ما يشكّل نحو 7% من أصل 2،800 مكان عبادة للمسلمين، وأنّ متوسط الحضور في المساجد التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو القريبة منها يبلغ نحو 91 ألف مسلم في يوم الجمعة، وأنّ 280 جمعيةً خيريةً مرتبطةً بالجماعة تنشط في المجالات الاجتماعية، خاصةً الدينية والخيرية والتعليمية والمهنية والثقافية.

وبحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، فقد صرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، بأنّ هدف جماعة الإخوان المسلمين هو إغراق المجتمع الفرنسي بالشريعة الإسلامية التي تهدد قيم الجمهورية، ونشر أحكام الشريعة تدريجياً من خلال المساجد والجمعيات والأنشطة الاجتماعية والرياضية، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية المسلمة والمهمّشة.

يُعتبر هذا التقرير إنذاراً سياسياً من قبل الحكومة الفرنسية بدعوة واضحة وصريحة إلى تحديث المرجعيات القانونية والأدوات التنفيذية لمواجهة حركة الإخوان المسلمين واختراقها للمجتمع الفرنسي، ما يستوجب إجراءات عاجلةً وتنسيقاً كبيراً بين المؤسسات الفرنسية ذات العلاقة، وتقديم تقارير بشكل مستمر عن نشاط الإخوان، للرئيس الفرنسي والبرلمان الفرنسي. في الوقت ذاته، يوصي التقرير "بضرورة إقرار برامج تعليمية ودمج اللغة العربية في المدارس الرسمية، واعتراف فرنسا بدولة فلسطين لتخفيف الإحباطات عند المسلمين الذين يأخذون على الدولة الفرنسية انحيازها لإسرائيل". 

الإخوان المسلمون في فرنسا… التأثير والتأسيس

وفقاً للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تأسس "اتحاد المنظمات الإسلامية" في عام 1983، لمتابعة أوضاع المسلمين في فرنسا، وفي عام 2017 عمل على تغيير اسمه إلى "مسلمي فرنسا" للتأكيد على أنه الممثل الشرعي للمسلمين الفرنسيين. ويضم نحو 250 جمعيةً، ويقوم بدور الوسيط بين المسلمين في فرنسا والمؤسسات الحكومية، لمنع التدخل الخارجي في تعيين أئمة المساجد في فرنسا وخطبائها.

وفي عام 2021، أسست الحكومة الفرنسية "مجلساً وطنياً لأئمة المساجد" بمشاركة تجمّع المسلمين في فرنسا واتحاد مسلمي فرنسا، وأجبرت الجمعيات والمؤسسات الإسلامية كافة في فرنسا على الكشف عن مصادر تمويلها. كما أسست "المجلس الفرنسي الإسلامي" لمنع التمويل الأجنبي للمساجد، إذ إنّ التمويل الخارجي لدور العبادة في فرنسا محظور بقانون 1905، وهي تعتمد في جمع الأموال على أنشطة المجلس الاقتصادية، والضريبة على المنتجات الحلال، وتبرعات الجالية الإسلامية في فرنسا.

ترى الدولة الفرنسية أنّ جماعة الإخوان المسلمين تهدد السلم الأهلي والتلاحم الوطني، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات على اعتبارها مشروعاً توسعياً يسعى لاختراق المؤسسات. إلا أن هذه الإجراءات تُثير جدلاً حول التضييق على الحريات الدينية واتهام المسلمين المعتدلين بالتطرف لمجرد نشاطهم الاجتماعي أو الثقافي

واستناداً إلى الدستور الفرنسي، فإنه لا يجوز تنفيذ إحصاءات سكانية بناءً على الدين أو العرق أو اللون، لأن ذلك يشكّل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان ونوعاً من التفرقة الدينية أو العرقية. لذلك فإنّ الإحصاءات السكانية كافة التي تنفّذها الحكومة الفرنسية لا تحتوي على أي بند أو سؤال حول الدين أو العرق، وتالياً فإنّ عدد المسلمين في فرنسا غير مثبت بشكل دقيق وفقاً لأيّ إحصاءات رسمية.

لقد "أصبحت هناك جالية إسلامية كبيرة في فرنسا تمثّل ما بين 10 إلى 15 مليون مسلم، ويوجد نحو 10 ملايين مواطن من مسلمي فرنسا يمتلكون حق الاقتراع. اليسار الفرنسي يعمل على الحصول على تلك الأصوات في جميع الانتخابات، وطبعاً الإخوان المسلمون يريدون استخدام الديمقراطية الفرنسية من أجل أن يفوزوا في الحكم في يوم من الأيام، كما حصل في مصر وإيران وبلاد إسلامية أخرى. وهناك اتحاد بين اليسار والإسلاميين كما حصل في إيران سابقاً. والحكومة مشكّلة أيضاً من الحزب الاشتراكي وبعض الأشخاص التقدميين، فهي لا تريد أن تُغضب اليساريين لكيلا تسقط، وتحاول أن توازن بين مكافحة الإخوان المسلمين والبقاء على علاقة جدية مع الأحزاب المتحالفة معها"، يقول المتحدث الرسمي باسم حزب الاستعادة الفرنسي، الدكتور جون مسيحة، في حديثه إلى رصيف22.

ويضيف: "الإخوان المسلمون في فرنسا يمثّلون مشروع تضليل، ويستخدمون أدوات تضليليةً لإخفاء طبيعتهم وفكرهم المتطرف، ويتسترون خلف الإسلام بأكمله، إلى درجة أنّ جمعية الإخوان المسلمين في فرنسا تسمّي نفسها رسمياً وقانونياً بـ'مسلمي فرنسا'، وبذلك يحتكرون تمثيل الجالية الإسلامية أمام الحكومة الفرنسية. هناك تلاعب بالمؤسسات والألقاب والقانون دون أن تدرك الحكومة الفرنسية تلك الألاعيب التي يستخدمها الإخوان للتغلغل في المؤسسات والمجتمع الفرنسي، وهذا موضوع خطير جداً، لأنّ مشروع الإخوان يتمثل في أسلمة كل البلاد غير الإسلامية، وتقاعس الحكومة الفرنسية عن اتخاذ إجراءات صارمة بحقهم سيؤدي إلى انتشارهم في المجتمع الفرنسي من خلال المدارس والمؤسسات، وهم يتطلعون الآن إلى الدخول إلى المؤسسات القضائية في فرنسا ليكون تأثيرهم كبيراً جداً".

ويردف: "إنهم يضلّلون المجتمع الفرنسي من خلال الادعاء بأنّ الخطر يتمثل في اليمين القومي المتطرف في فرنسا، ولكن الحقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه اليمين المتطرف، فكل من يوصف بأنه من اليمين المتطرف هو مواطن فرنسي يكافح من أجل هويته وثقافته وعاداته وتقاليده وقوميته".

يختلف مع هذا الرأي الباحث السياسي الفرنسي علاء الدين بونجار، المقيم في باريس، إذ يقول في حديثه إلى رصيف22: "عندما نسمع تصريحات المسؤولين الفرنسيين ونقرأ التقرير الأخير الذي جاء بعنوان 'الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا'، نتفاجأ بما جاء فيه، وكأن الإخوان يشكّلون خطراً كبيراً على المجتمع، شبيهاً بدورهم في مصر أو الأردن مثلاً، وهذه مبالغة كبيرة جداً. في التقرير الأخير تم إدخال مصطلح جديد هو 'التغلغل داخل المجتمع الفرنسي'، بمعنى أنّ هؤلاء الأشخاص يريدون أن يدخلوا ضمن قيم المجتمع الفرنسي. لكن في الواقع، هذا التقرير جاء بخلفيات سياسية واضحة، إذ يتحدث عن تراجع دور الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) في المجتمع الفرنسي، وهناك بالفعل تيارات تروّج لهذا الفكر لكنها أقلية، إذ تتواجد في نحو 30 مسجداً من بين 3،500 مسجد في فرنسا".

ويتابع: "نرى أنّ هناك أجندةً سياسيةً ورغبةً في خدمة بعض المشاريع من وراء هذا التقرير، خصوصاً أنّ الانتخابات الفرنسية على الأبواب في عام 2027. في فرنسا نحو 97% من المسلمين من مؤسسات وهيئات ومساجد، يريدون أن يعيشوا إسلامهم ضمن مبادئ الجمهورية الفرنسية العلمانية، ولكن هؤلاء لا يلقون رواجاً كبيراً ولا متابعة، ولا يتم الحديث عنهم، بل يُركّز الحديث على الأشخاص الذين يروّجون للفكر المتطرف فحسب، وهم أقلية نادرة لا تتجاوز 3% من المسلمين في فرنسا".

ويضيف: "في الحقيقة، إنّ المسلمين في فرنسا يريدون أن يعيشوا ضمن قوانين ومبادئ الجمهورية الفرنسية، وهم يتصرفون كمواطنين فرنسيين عاديين. والآن، بعد أن أصبحوا يعيشون ضمن قواعد المجتمع الفرنسي، يُتّهمون بأنهم يريدون التغلغل في المجتمع الفرنسي من أجل إفساده من الداخل. هذه المشكلة تكمن لدى النخبة الفرنسية. الشباب المسلمون استفادوا من مدارس الجمهورية الفرنسية، ويريدون أن يعملوا في الإعلام والهندسة والطب والذكاء الاصطناعي والشرطة ومؤسسات الدولة، ويشاركوا في الحياة السياسية، ولا يريدون أن يعملوا بمهن آبائهم في الزراعة والمناجم كما في السابق. وهذا ما يزعج نخبةً من المجتمع الفرنسي، لأنّ المسلمين لديهم الرغبة دائماً في أن تكون لديهم عائلات كبيرة، وأن يمنحوا أبناءهم أفضل تربية وأفضل تعليم، وتالياً من الطبيعي أن يكونوا فاعلين في المجتمع الفرنسي. ولكن اليمين المتطرف العنصري يرى أنّ هذا خطر يهددهم، ويقولون إنه بعد خمسين سنةً سيصبح الفرنسيون من الديانة الإسلامية بنسبة مؤثرة في المجتمع الفرنسي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً". 

التقرير يخدم أغراضاً سياسيةً وانتخابيةً

ويردف: "هذا التقرير أُعدّ ليخدم أغراضاً سياسيةً وانتخابيةً، لأنّ هناك الكثير من التقارير التي تقدمها الدوائر الأمنية عن المسلمين في فرنسا، وغالبيتها إيجابية، وتؤكد على أنّ هناك تراجعاً للفكر المتطرف وانحساراً لدور الإخوان المسلمين. ولكن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، من الواضح أنّ الإسلام والمهاجرين سيكونان الخزّان الذي سيوظّفه الشعبويون، وسيتنافس حوله اليمين المتطرف لجذب أصوات الناخبين".

يُشير باحثون إلى أنّ التقرير عن "تغلغل الإخوان" جاء في توقيت انتخابي، ويخدم أجندات وزراء طامحين بالزعامة الحزبية. فاستثمار "الخطر الإسلامي" يهدف إلى جذب أصوات اليمين المتطرف.

ويتابع: "هناك ملايين من الفرنسيين ما زالوا يؤمنون بقيم الجمهورية الفرنسية: الحرية، والمساواة، والعدالة، ويصوّتون لسياسيين مثل الزعيم اليساري الفرنسي جان لوك ميلانشون، الذي يدافع عن القضايا العادلة، ويرى أنّ المسلمين يتعرضون لهجمات عنصرية، وأنّ العنصرية السياسية باتت تقتل المسلمين، ولكن هذا ليس محل اهتمام من قبل الحكومة. ما يهمّ الحكومة هي كيفية الاستحواذ على أصوات اليمين المتطرف تحسّباً للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا أمر مؤسف في فرنسا".

"المسلمون في فرنسا يريدون العيش ضمن مبادئ الجمهورية وهم يحترمونها، ولكن من الواضح أن هناك من بات يتخوّف من تواجدهم، ويستغلّ حجة 'الإسلام السياسي' للتضييق عليهم. هناك مشكلة حقيقية تواجه فرنسا في الانقسام حول هذا الموضوع، والحديث عن تغلغل الإسلام السياسي ما هو سوى حجج واهية لإبداء هذا الانزعاج من المسلمين".

من جانب آخر، يقول الخبير في الشأن الفرنسي والمقيم في فرنسا، طارق وهبي، في حديثه إلى رصيف22: "منذ بداية حقبة الرئيس ساركوزي، بدأت فرنسا بتشكيل ملف يتعاطى مع الإسلام السياسي كمفهوم دخيل على فرنسا، والسبب في ذلك أنّ الحكومة لا ترغب في اتخاذ إجراءات قد تُفهم وكأنها معادية للإسلام. وفي المجمل، الأمور الأمنية الفرنسية متماسكة جداً، ولكن توقيت هذا التقرير قد يكون نوعاً من الإضاءة على ملف لنسيان ملف آخر. وهنا أرى أنّ هناك ارتباطاً مهماً مع ما يحصل في غزة وفلسطين بشكل عام. بعد التعاطف الكبير في الرأي العام الفرنسي مع القضية الفلسطينية ورفضه لما يحدث من جرائم حرب في قطاع غزة، جهات عدة تريد أن تحرف البوصلة الفرنسية والمزاج العام إلى قضايا أخرى".

التعارض مع قيم الجمهورية الفرنسية

ويضيف وهبي: "على الرغم من ترسيخ حرية التعبير في المجتمع الفرنسي، إلا أنّ هناك أموراً قد تسير خلافاً للمبادئ الأساسية والدستورية، وأولها العلمانية (laïcité). وفي هذا الإطار بالتحديد، يرى البعض أنّ هناك تجاوزاً في ممارسات حياتية أو اجتماعية دخيلة على المجتمع الفرنسي، ويجب العمل على محاربتها دائماً، مع الأخذ في الاعتبار ألا تُفهم وكأنها معادية للمسلمين عامةً. فالمسلمون في فرنسا عرضة لابتزاز سياسي على مستوى عالٍ، خصوصاً قبل الانتخابات".

ويتابع: "أصبح لدى الرئيس ماكرون وعي قوي من خلال علاقاته العربية والإسلامية بأن هناك حركة إسلاموية ناشطة داخل أوطان الإسلام والعالم، تعمل على نشر مفاهيم وتقاليد وفتاوى تُشكّل تحدياً للديمقراطيات في أوروبا والغرب عامةً".

ويردف: "كما بدأ الرئيس ساركوزي سابقاً بعملية فرز وضمّ الجمعيات الإسلامية في فرنسا لتشكيل مجلس تمثيلي واحد يأخذ بعين الاعتبار كل التشكيلات الجغرافية الإسلامية، استكمل الرئيس ماكرون هذا المسار الذي تعدّه النخبة الفرنسية قادراً على إنتاج 'إسلام فرنسي' غير قابل للاختراق من مفاهيم وفلسفات خاضعة لنظريات قادمة من الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية المتطرفة. ولكن الصراع الفكري لا يزال قائماً، خصوصاً مع نمو الفكر اليميني المتطرف، الذي أصبح عنصراً مهماً في الخيار الديمقراطي، والذي لا يُميّز بين المسلمين المسالمين والحركات الدينية التي تدفع نحو معاداة الإسلام". 

سباق تحت شعار "من يحمي الفرنسيين أكثر؟"

ويضيف وهبي: "اليمين الفرنسي المعتدل أصبح هامشياً في بحر سياسي جديد من حركات اليمين المتطرف بأشكاله المختلفة. ولذلك، هناك سباق تحت شعار: من يريد أن يحمي الفرنسيين أكثر؟ برفع سقف الخطاب والتحدي ضد المسلمين عامةً. وهذا يزيد من تعقيد عملية التأقلم، لكيلا نذهب بعيداً في عملية الانصهار الوطني، الذي لا يزال بعيد المنال".

ويتابع: "في النهاية، مواقف الحكومة الفرنسية الحالية في بداياتها، وعلينا أن ننتظر تقريراً آخر يحدّد مخرجات عملية أكثر للحدّ من التدخل الإخواني في الحياة العامة الفرنسية".

يُحذّر البعض من دخول المسلمين إلى الإعلام، والذكاء الاصطناعي، والقضاء، معتبرين ذلك "تغلغلاً خطيراً"، في حين يرى آخرون أنّ هذه الاتهامات تخفي قلقاً فرنسياً من اندماج جيل مسلم جديد يسعى لتغيير موقعه في المجتمع، من الهامش إلى صلب الحياة السياسية والاقتصادية

من جانب آخر، يقول الناشط السياسي اليساري الفرنسي غوليوم غوبين، في حديثه إلى رصيف22: "لا أعتقد أنّ للإخوان المسلمين حضوراً يُذكر في فرنسا بشكل يهدّد الأمن أو قيم الجمهورية الفرنسية. أنا أتابع هذه القضية منذ عام 2009، والتقيت بعدد من الشخصيات الإسلامية في فرنسا، ولكني أرى أنّ هذه القضية مجرد حيلة سياسية من وزير الداخلية لتشتيت النقاش العام، وإبعاده عن القضية الصهيونية وتأثير اللوبي الصهيوني في الضغط على الحكومة الفرنسية، ولحشد أصوات اليمين المتطرف وحرف الأنظار عن التعاطف الشعبي الفرنسي مع القضية الفلسطينية".

ويضيف: "التهديد الحقيقي الذي قد يواجه المجتمع الفرنسي قد يأتي من تنظيمات إرهابية مثل داعش. لكن هناك مراقبة قوية ومتابعة مستمرة من وزارة الأمن والداخلية الفرنسية لهذا التنظيم".

هل تأخّرت الحكومة الفرنسية في مواجهة الإخوان المسلمين؟

استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن تنتشر بشكل واضح في العديد من المؤسسات الحكومية، وأقنعت بعض الجهات بأنها مظلومة، وأنّ هدفها هو المشاركة في الحياة مع الآخرين وليس إلغاء الطرف الآخر، على عكس الحقيقة. وتمكنت الجماعة من إقناع البعض بمفاهيم مغلوطة ومعاكسة للواقع.

فعلى سبيل المثال، هناك قسم كبير من المجتمع الأوروبي اقتنع بأنّ الحجاب حرية شخصية، ويُعبّر عن رمز للتقدم ومقاومة الحداثة الرأسمالية، وليس أداةً لاضطهاد المرأة ورمزاً للسيطرة الذكورية على المجتمع. فالإسلام، وليس المسلمون، من يُهدد المبادئ الأساسية للمجتمعات الأوروبية، وعلى أوروبا أن تدافع عن نفسها بطريقة صحيحة، بعيداً عن الحسابات السياسية الأنانية للأحزاب والجماعات.

ويجب إخراج هذا الموضوع من كونه صراعاً سياسياً بين اليسار واليمين، أو صراعاً دينياً بين المسلمين والمسيحيين واليهود. إنه صراع بين ثقافة الحياة وثقافة الموت، بين العبودية والديمقراطية، تماماً كما حارب الشعب الكردستاني بأكمله تنظيم داعش دون أي تمييز، "وأتمنى أن يكون السيد ماكرون قد فهم هذه النقطة"، يقول الباحث السياسي المقيم في باريس، الدكتور إبراهيم مسلم، في حديثه إلى رصيف22.

يتهم معارضو الإخوان الحركة بتوظيف الديمقراطية لهدمها من الداخل، بينما يعتبر آخرون أن الخطاب الرسمي يخفي صراعاً أعمق بين العلمانية الفرنسية وواقع تعددي جديد تشكله أجيال فرنسية من أصول مسلمة.

ويضيف: "تيارات الإسلام السياسي هي أيديولوجيا حُكم، لكنها تختبئ بمهارة خلف قدسية الدين، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لاستمرارها، إلى جانب جهل أغلبية الناس -من المسلمين وغير المسلمين- بهذه الحقيقة. هذه الأيديولوجيا تُعدّ من أخطر التحديات التي تواجهها المجتمعات المدنية. وحركة الإخوان المسلمين من أخطر الحركات الإسلامية في العالم، وهي المفرخة الرئيسية لجماعات الإسلام العنيف في مختلف أنحاء العالم. تحاول الجماعة توظيف الدول والأحزاب السياسية في خدمتها، خصوصاً في أوروبا، وهي لا تريد المواجهة المباشرة مع الحكومات الأوروبية، بل تعمل بطرق ملتوية وتستخدم القوانين الديمقراطية والحريات للوصول إلى أهدافها 'التي هي ضد الديمقراطية والحرية'".

توظيف سياسي وموقف مرتبك 

يقول مستشار مؤسس حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي، الدكتور إيلي حاتم، في حديثه إلى رصيف22: "ليس هناك اقتناع حقيقي من الحكومة الفرنسية بأنّ الإخوان يشكّلون خطراً على الدولة الفرنسية. بل هناك الآن دعاية حول الإخوان المسلمين تُستخدم بطريقة ديماغوجية من قبل بعض الوزراء، وعلى رأسهم وزير الداخلية. وهذه الموجة لن تطول، فهي قصيرة الأمد".

ويتابع: "يوجد في فرنسا خلط بين فكر الإخوان المسلمين، وما يشاهده الفرنسيون في الشوارع من مظاهر ثقافية للمسلمين تُنسب إلى الإخوان وتُميّزهم عن غيرهم من التنظيمات التكفيرية المرتبطة بأفكار ابن تيمية المتشددة. وللأسف، تُوظّف هذه القضية لإثارة الرأي العام وخلق نوع من الكراهية تشمل جميع المسلمين في فرنسا، بل حتى العرب بصفة عامة، بما في ذلك المسيحيين وغيرهم من الطوائف والأديان الذين لا علاقة لهم بالإسلام".

ويردف: "وزير الداخلية الفرنسي كان مرشّحاً لرئاسة حزب الجمهوريين، ولديه مشروع سياسي، هو الوصول إلى زعامة الحزب. وقد استخدم موقعه كوزير للداخلية لإثارة هذه القضية وتصويرها بشكل مضخّم، على أساس أن فرنسا مهددة بأن تصبح ذات أغلبية مسلمة وتُطبّق فيها الشريعة. كل ذلك لعب دوراً في تشكيل رأي عام يخدم طموحه الشخصي. وقد نجح في ذلك بالفعل، وأصبح رئيساً للحزب، وتزامن ذلك مع نشر هذا التقرير عن الإسلام السياسي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image