شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
وثائق الإخوان وملياراتهم في قبضة الدولة الأردنية... هل تشتعل المواجهة الآن؟

وثائق الإخوان وملياراتهم في قبضة الدولة الأردنية... هل تشتعل المواجهة الآن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 23 أبريل 202505:22 م

كما كان متوقعاً، أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، اليوم، عن حلّ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومصادرة أموالها، وحظر نشاطاتها. وبالإضافة إلى الحلّ، تم إعلانها "حزباً محظوراً"، ما يعني تجريم الانتساب إليها، أو التواصل معها، أو الترويج لأفكارها، سواء في داخل الأردن، أو في خارجه، ومن الآن فصاعداً أي تجاوز في هذا الشأن سيُعدّ جريمة أمن دولة، تتم المحاكمة عليها في المحاكم العسكرية، بحسب قانون مكافحة الإرهاب الأردني.

وقامت قوات الأمن من فورها اليوم بمصادرة جميع الوثائق والأوراق وتشميع مقرّها، كإجراء أولي، ومن المتوقع أن تتبعه إجراءات أخرى. 

حظر الإخوان في الأردن، كان دائماً خطوةً ترددت الدولة والقصر في اتخاذها، خوفاً مما قد يتبعها من عنف، أو غضب أهلي، لكن كثيراً من المقربين من القصر ألحّوا في النصيحة بأنّ حظرها لم يعد خياراً لطمأنة الحليف الأكبر في الإقليم (السعودية)، ولتوريث آمن للعرش لوليّ العهد الأردني بعد سنوات، وضمان بقاء الحكم هاشمياً. 

وإلى جانب ما سبق، رأى البعض أنّ مصادرة أموال جمعية المركز الإسلامي التي تقدَّر بما بين مليار إلى سبعة مليارات دولار (لا توجد تقديرات دقيقة)، ستؤمّن للأردن سيولةً يحتاجها مع تضييق التمويلات، وتحديداً الأمريكية.  

خلية صواريخ وأحاديث عن حظر الجماعة

وكان هذا التوقع بالحظر وارداً مؤخراً، ففي منتصف شهر نيسان/ أبريل 2025، أعلنت السلطات الأردنية عن إحباط مخططٍ أمني خطير واعتقال 16 شخصاً بتهمة تصنيع صواريخ ومسيّرات، وتخزين أسلحة ومتفجرات بهدف "إثارة الفوضى والتخريب داخل المملكة"​، وأثارت هذه القضية زوبعةً سياسيةً وإعلاميةً، خاصةً مع ربط المتهمين بـ"جماعة الإخوان المسلمين"، الحركة الإسلامية الأبرز في البلاد منذ عقود. 

وقد أكّدت دائرة المخابرات العامة حينها أنها كانت ترصد هذه "الخلية التخريبية" أمنياً منذ عام 2021، وعثرت على مصنع بدائي للصواريخ ومستودع لتجميع طائرات من دون طيار​، وبحسب بيان المخابرات، ضُبط صاروخٌ جاهز للإطلاق ضمن المخطط الذي "كان يهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإشاعة الفوضى وإلحاق دمار مادي داخل المملكة"، وقد أُحيل جميع الموقوفين إلى محكمة أمن الدولة بتهم مرتبطة بالإرهاب​.

قرار الحلّ جاء ضمن قراءة داخلية تعتبر أن وجود الإخوان خطر على "توريث آمن" لولي العهد، خاصة مع الضغوط السعودية والمصرية. الحظر إذاً سياسي كما هو أمني، ومرتبط بإعادة هيكلة النظام داخلياً.

الأصداء الرسمية جاءت سريعةً وحاسمةً، إذ وصف مسؤولون أردنيون المخطط بأنه تحوّل غير مسبوق في أساليب جماعة الإخوان المسلمين تجاه أمن الأردن​، وأشارت تصريحات رسمية إلى أنه في حال ثبوت تورّط الجماعة في هذه المؤامرة فسيُصار إلى حظرها وفق الدستور والقانون​، وهو ما حدث بالفعل، برغم تصريحات الجماعة بأنّ هذه الأفعال هي أفعال فردية من بعض أعضاء الجماعة وليست ضمن سياستها العامة التي لا يمكن أن تستهدف أمن الأردن.

أيمن الصفدي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، أكّد بدوره وقوف المجتمع الدولي مع الأردن، موضحاً تلقّيه اتصالات تضامن من دول شقيقة وصديقة ضد محاولة استهداف أمن المملكة​، وشكر الصفدي تلك الدول على مواقفها التي "عكست علاقات الأخوّة التاريخية والقناعة الراسخة بأنّ أمن الدول واحد"​، وبينما لم يتحدث الصفدي صراحةً عن حظر الجماعة في تصريحاته خلال الفترة السابقة، إلا أنّ أوساطاً حكوميةً ألمحت إلى أنّ الحظر بات احتمالاً وارداً.

على الصعيد الداخلي، مجلس النواب الأردني دخل على الخط بقوّة. ففي أول جلسة له عقب كشف الخليّة، تبنّى النواب قراراً بالإجماع لإدانة مخطط "خلية الصواريخ"، ودعوا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من تسوّل إليه نفسه العبث بالأمن الوطني. 

ونقلت مصادر برلمانية سابقاً، أنّ بعض النواب طالبوا علناً بحظر جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها تنظيماً إرهابياً بحكم القانون، بل ذهبوا إلى اقتراح تجميد أموالها وحلّ حزبها السياسي (جبهة العمل الإسلامي). هذه المواقف النيابية عكست مزاجاً عاماً متشدداً تجاه الجماعة في أروقة الدولة، وزادت من سخونة الجدل حول مستقبل الإخوان في الأردن.

حظر برغم النفي 

حظر الجماعة، جاء برغم مسارعة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى نفي أي علاقة لها بالقضية جملةً وتفصيلاً. وأصدرت الجماعة بياناً رسمياً شددت فيه على منهجها السلمي والتزامها العمل القانوني منذ عقود، نافيةً "بشكل قاطع" أي صلة تنظيمية أو تنسيق مسبق مع المتهمين. 

وجاء في البيان أنّ "كل التطورات والأحداث التي يتم الحديث عنها هي تصرفات فردية تحت ذريعة دعم المقاومة، ولا علاقة لجماعة الإخوان المسلمين بها"​، كما أكد التحالف الوطني للإصلاح (واجهة سياسية يقودها الإسلاميون)، أنّ حزب جبهة العمل الإسلامي -الذراع السياسية للإخوان- يعمل بشكل مستقلّ وفق القانون ولا يتحمل مسؤولية أي تصرفات خارجة عنه. 

هذا النفي ترافق مع تأكيد الجماعة حرصها على أمن الأردن واستقراره، وتذكيرها بأنها شاركت في الحياة السياسية الأردنية لعشرات السنين بشكل سلمي​.

هل استفز تصريح "حماس" الدولة؟  

بعض المراقبين رأوا أنّ ردود الفعل الخارجية المتضامنة مع الجماعة، لم تخدم قضيتهم، إذ لم تقتصر ردود الفعل المعارضة للرواية الرسمية على الإخوان أنفسهم؛ أو المؤيدين لهم داخل المملكة، فقد أصدرت حركة "حماس" الفلسطينية بياناً تنفي فيه أي صلة لها بأيّ أعمال تستهدف الأردن​. ودعت "حماس"، السلطات الأردنية إلى الإفراج عن المعتقلين الـ16، مؤكدةً أنهم لم يخططوا لاستهداف أمن الأردن وأنّ نشاط الحركة يتركز حصرياً ضد الاحتلال.

هذه الدعوة تسببت في ردود فعل سلبية وغاضبة داخل الأردن، في ما عُدّ تدخلاً في الشأن المحلي، ومحاولةً للدفاع عن الإرهابيين، لكن في المقابل، عرض التلفزيون الأردني الرسمي ومحطات مقرّبة من الحكومة اعترافات مصوّرةً لبعض أفراد الخليّة، يُقرّون فيها بانتمائهم إلى جماعة الإخوان وانخراطهم في المخطط، إحدى هذه الاعترافات كشفت عن تمويل خارجي تلقته الخليّة من شخص يُدعى "عبد الله" يُعتقد أنه أحد قيادات الإخوان في الخارج، كما أوضحت اعترافات أخرى أنّ بعض المتهمين تلقّوا تدريباً عسكرياً في جنوب لبنان على أيدي خبراء تابعين لتنظيمات إقليمية. 

ضبط خلية مسلحة مرتبطة بالجماعة، تضم صواريخ ومسيّرات، منح الحكومة مبررًا شعبيًا وأمنيًا للحظر، وسمح بتسويق القرار دوليًا على أنه "وقائي لا سياسي". فالإخوان في الأردن كانوا ضمن النظام السياسي منذ 1946، وشاركوا في البرلمان والحكومة، لكن تحولات ما بعد الربيع العربي، وصعود المجلس العسكري في مصر، قلبت المعادلة، وحوّلتهم إلى تهديد محتمل يجب عزله

هذه التفاصيل عززت سرديّة الجهات الرسمية بأنّ المخطط له امتدادات إقليمية ويتجاوز كونه تصرفاً معزولاً، الأمر الذي وضع الجماعة في موقف دفاعي حرج برغم نفيها.

وسط سيل المعلومات هذا، ظهر تصريح لافت من سميح المعايطة وزير الإعلام الأردني السابق. فقد كتب المعايطة، عبر منصة "إكس": "أي تنظيم أو حزب تُثبت علاقته بالتنظيم الإرهابي يجب أن يُعاقب قانونياً بالحلّ والتصنيف كتنظيم إرهابي محظور"​. ما أعطى مؤشراً قوياً باقتراب الحظر.

هكذا وجدت جماعة الإخوان الأردنية نفسها خلال أسابيع قليلة في عين العاصفة؛ بين اتهامات أمنية خطيرة تصل إلى مستوى الإرهاب المسلّح واستهداف الدولة، ونفي قاطع ومحاولات للتأكيد على سلمية منهجها.  وفيما ازداد ترقب الشارع الأردني عما ستسفر عنه تحقيقات محكمة أمن الدولة في الأسابيع الماضية، كانت الأحجيات والتنبؤات في الأوساط السياسية والإعلامية تدور عمّا إذا كانت المملكة سوف تتجه فعلاً إلى اتخاذ القرار غير المسبوق بحظر جماعة الإخوان المسلمين بشكل نهائي، وكيف سيكون شكل الأردن من دون هذا المكون الذي ظلّ حاضراً في المشهد لعقود؟.

المشهد القانوني… جماعة "غير مرخصة" وانقسامات وأموال على المحكّ

لجماعة الإخوان المسلمين تاريخ طويل في الأردن، فهي موجودة رسمياً منذ عام 1946، حين مُنحت ترخيصاً كجمعية دينية واجتماعية. وخلال العقود اللاحقة، نسجت الجماعة علاقةً معقدةً مع الدولة هي مزيج من التعاون والصدام الحذر. 

فعلى الرغم من السماح لها بالنشاط والدعوة وتأسيس ذراع سياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي منذ 1992)، حرصت السلطات على إبقاء رقابة قانونية وتنظيمية عليها. وقد بلغت هذه العلاقة نقطة تحول مفصلية في السنوات التي تلت الربيع العربي 2011، وما تلاه من تغييرات إقليمية (حقبة حكم مرسي في مصر ثم سقوطه عام 2013).

فمنذ عام 2014، باتت جماعة الإخوان في الأردن بحكم الأمر الواقع "غير قانونية" أو "غير مرخصة" من منظور الدولة. فمع صعود نجم الإخوان في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، غيّرت عمّان نهجها التقليدي المتسامح. 

في ذلك العام، اعتبرت السلطات أنّ الترخيص القديم للجماعة لم يعد صالحاً في ظل قانون الأحزاب والجمعيات الجديد، وطالبتها بتصويب أوضاعها القانونية وفك ارتباطها بالتنظيم الأم في مصر. رفضت قيادة الإخوان آنذاك هذه الشروط، فبدأت إجراءات التضييق القانوني على الجماعة. 

وفي 2015، ظهر إلى العلن انشقاق داخلي غير مسبوق: تقدّم المراقب العام الأسبق للجماعة عبد المجيد ذنيبات مع عدد من القياديين بطلب ترخيص جمعية جديدة باسم "جمعية الإخوان المسلمين" ككيان أردني مستقلّ. 

وافقت الحكومة على الفور، ومنحت الترخيص لهذه الجمعية بقيادة الذنيبات، الذي أعلن ولاءه الكامل للدولة الأردنية وانفصاله عن إخوان مصر. أما قيادة الجماعة "الأم" (بقيادة المراقب آنذاك همام سعيد)، فاعتبرت الخطوة خيانةً وانقلاباً من الداخل، ورفضت الاعتراف بالجمعية الجديدة​.

هكذا أصبحت في الأردن جماعتا إخوان بحكم الأمر الواقع: الجماعة التاريخية التي تصرّ أنها شرعية برغم عدم تجديد ترخيصها، والجمعية المرخصة حديثاً التي تبنّت اسم الإخوان لكنها موالية للحكومة. 

وبدأ الصراع على الإرث والأموال والمقارّ. ففي ربيع 2016، أغلقت الأجهزة الأمنية مقرّ جماعة الإخوان في عمّان وفروعاً عدة، ووضعت اليد على ممتلكاتها، ثم نقلت ملكية تلك المقار إلى جمعية الإخوان المرخصة بقيادة ذنيبات. 

اعتبرت الجماعة الأمّ ذلك إجراء سياسياً تعسفياً، لكنه مكّن الجمعية الجديدة من السيطرة على أصول مالية وعقارية مهمة كانت بيد الجماعة لعشرات السنين​.

صدر قرار المحكمة عام 2020، بتحويل أموال الجماعة المنحلة إلى الدولة لتكون تحت إدارتها. وتقدّر قيمتها بين مليار وسبعة مليارات دولار، ومع مصادرتها اليوم، فهناك اتهامات بأن هذه الأموال كانت الغاية من الحظر.

واستمرت المعركة القانونية حتى وصلت إلى محطتها قبل الأخيرة عام 2020. ففي تموز/ يوليو 2020، صدر قرار محكمة التمييز الأردنية (أعلى هيئة قضائية) بحلّ جماعة الإخوان المسلمين القانونية القديمة بشكل نهائي، لتصبح الجماعة "منحلةً بحكم القانون"​. 

وجاء في حيثيات القرار، أنّ الجماعة فشلت في تصويب أوضاعها وفق القانون، وتالياً فقدت شرعيتها القانونية. أكّد هذا القرار ما كانت تعلنه الحكومة منذ 2014، وهو أنّ جمعية الإخوان الجديدة هي الممثل القانوني الوحيد لفكر الإخوان في الأردن​، أما الجماعة الأم ومكاتبها ولجانها فقد أصبحت محظورة النشاط، وتعامَل كوحدة غير قانونية. 

وبرغم ذلك استمرّ قادة الإخوان (الجماعة الأم)، في العمل تحت يافطة "جماعة الإخوان المسلمين – الأردن" بشكل شبه سرّي أو من خلال واجهات سياسية كحزب جبهة العمل، رافضين الاعتراف بقرار الحلّ النهائي.

هذا المشهد القانوني المرتبك انعكس أيضاً على الشقّين المالي والتنظيمي. فبعد قرار المحكمة حلّ الجماعة عام 2020، ثار تساؤل كبير: أين ستذهب أموال وممتلكات الإخوان المنحلة؟ 

تشير المصادر الرسمية إلى أنّ الأملاك والأصول كافة ستؤول إلى خزينة الدولة باعتبارها أموال جمعية منحلّة بحكم القانون​. وبالفعل، منع الإخوان (الطرف غير المرخص) من الوصول إلى مقارّ ومدارس ومراكز إسلامية كانت تتبع لهم، وأُنهيت أنشطتهم الاجتماعية العلنية. 

في حين ذكرت تقارير صحافية، أن حجم ثروة الإخوان في الأردن كبير جداً. ويقدّر محللون أن الحديث يدور عن مليار دينار أردني تقريباً (1.4 مليار دولار) إلى سبعة مليارات، كقيمة تقديرية لإجمالي الأموال والممتلكات التابعة للجماعة، بين سيولة نقدية وعقارات وشركات ومستشفيات وبنوك ومدارس ومحال تجارية وغيرها وتحديداً محلات الزي الشرعي، وبرغم صعوبة التأكد من الرقم، إلا أنّ المؤكد، بحسب الخبير منذر الحوارات، أنّ الجماعة ستفقد أهم مواردها المالية بعد حجب تلك الثروة عنها وتحويلها إلى الدولة أو إلى مؤسسات خيرية عامة​.

المفارقة أنّ جمعية الإخوان المرخصة نفسها لم تتمكن من استقطاب قاعدة شعبية واسعة أو ملء فراغ الجماعة الأمّ. فبرغم أنها ورثت بعض الأملاك​، بقيت معظم قواعد الإخوان وتعاطف الشارع مع التنظيم التاريخي الذي يعدّه كثيرون "الإخوان الشرعيين" في البلاد.  وهذا ما أبقى الدولة في موقف حذر؛ فالجماعة المحظورة قانونياً لا تزال حاضرةً اجتماعياً وسياسياً عبر واجهات مختلفة، وأبرزها حزب جبهة العمل الإسلامي. الحزب، الذي يمثل الذراع السياسية للإخوان، حافظ على ترخيصه القانوني ويشارك في الانتخابات النيابية والبلدية بصورة طبيعية. 

وقد تمكن الحزب فعلاً من الفوز بأكبر كتلة معارضة في البرلمان مرات عدة، وكان له 16 نائباً في مجلس النواب عام 2016​، كما حقق نتائج جيدةً في انتخابات لاحقة (حصل تحالف الإصلاح على نحو 10 مقاعد في انتخابات 2020 برغم المقاطعة الواسعة آنذاك). 

عقد التدهور الإخواني

هذا الواقع خلق ثنائيةً غريبةً: جماعة الإخوان ممنوعة قانونياً ومنحلّة، لكن حزبها السياسي مشرّع الأبواب يعمل تحت قبة البرلمان!

بيد أنّ قضية خلية الصواريخ الأخيرة تهدد بقلب هذه المعادلة رأساً على عقب. فالأجهزة الأمنية أشارت صراحةً إلى وجود انتماءات سياسية لبعض المتهمين "لجماعة غير مرخصة ومنحلة بموجب القانون" في إشارة واضحة إلى الإخوان. ومعنى ذلك ضمنياً أن جبهة العمل الإسلامي مرتبطة بتنظيم غير شرعي متورط بالإرهاب، وفق الاتهامات. 

لذا ارتفعت أصوات تطالب بـمراجعة قانونية شاملة لوضع الحزب وعلاقته بالجماعة​، حتى أنّ محلّلين مقربين من الدولة -مثل الكاتب محمد خير الرواشدة- رأوا أنّ ارتباط حزب سياسي مرخّص بجماعة غير مرخصة متورطة في مخطط إرهابي يوجب تحرّكاً حاسماً​، ونادى آخرون بالفصل الواضح بين العمل الحزبي المشروع وأي تنظيم سرّي يتبنّى العنف، عملياً، قد يجد حزب جبهة العمل نفسه في دائرة الاستهداف إذا مضت الحكومة في خيار الحظر، إما عبر تجميد أنشطته أو حتى حلّه قضائياً لو ثبتت علاقاته التنظيمية بالجماعة المتهمة.

من منظور أشمل، يمكن القول إنّ نفوذ الإخوان في الأردن تراجع تدريجياً خلال العقد الأخير تحت وطأة التضييق الرسمي والمتغيرات الإقليمية. 

فبعد ذروة حضورهم في الشارع خلال ربيع 2011 (عندما قادوا اعتصامات مطالبة بالإصلاح السياسي)، وجدوا أنفسهم أمام ارتداد السلطة بقوة مع تغير المزاج الإقليمي ضد الإسلاميين. 

ففوز الإخوان في مصر (رئاسة محمد مرسي 2012)، ثم الإطاحة بهم عام 2013، على يد الجيش المصري، ألقيا بظلالهما على وضع إخوان الأردن. 

في البداية شعرت الجماعة بنشوة صعود حلفائها في القاهرة، ورفضت عروضاً قدّمتها لها السلطات الأردنية آنذاك للمشاركة في الحكومات أو تقديم تنازلات، ربما على أمل تغيّر موازين القوى إقليمياً لصالحها. 

تصريح حركة "حماس" الذي دعت فيه الأردن للإفراج عن المعتقلين الـ16، وادعت أنهم لم يخططوا لاستهداف أمن المملكة، كان بمثابة صبّ الزيت على النار. بالنسبة لأجهزة الدولة، بدا التصريح تحدياً مباشراً للسيادة الأردنية، وتدخلاً فجّاً في مسار قضائي حساس، بل محاولة للعب دور الحامي السياسي لجماعةٍ متهمة بمخططات إرهابية

لكن عقب سقوط مرسي، وصعود الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي صنّف الإخوان تنظيماً إرهابياً، مارست القاهرة ومعها الرياض وأبو ظبي ضغوطاً إقليميةً لعزل الإخوان في كل الساحات​، عندها تبنّى الأردن نهجاً أكثر تشدداً: أوقف أنشطة الجماعة تدريجياً، وسحب ترخيصها، ودعم انشقاق ذنيبات وزمزم (مبادرة إصلاحية داخل الجماعة)، وجمّدت مواردها المالية كما أسلفنا.

هكذا، بنهاية العقد الثاني من الألفية، كانت جماعة الإخوان الأردنية قد خسرت وضعها القانوني ومقداراً كبيراً من قوّتها المؤسسية، برغم استمرار حضورها الشعبي. وأصبح مصير ما تبقّى من نفوذها مرتبطاً بحسابات أمنية إلى حدّ بعيد. وبروز اتهامات بالإرهاب وتصنيع الصواريخ الآن يضعها في أضعف حالاتها: فإما تثبت براءتها التنظيمية وتنأى بنفسها عن أي عنف (وهذا يتطلب تعاوناً كبيراً مع أجهزة الدولة وتقديم تنازلات ربما)، أو تواجه الحلّ الكامل والحظر وخسارة ما تبقّى من حضورها العلني.

الأردن والمحور الإقليمي… ضغوط سعودية ومصرية أو ضرورة أمنية؟

يأتي التشدد الأردني الأخير تجاه الإخوان في سياق إقليمي لطالما أثّر في وضع الجماعة داخل المملكة. فالأردن وجد نفسه منذ 2013، في معسكر حلفاء إقليميين (خليجياً: السعودية والإمارات، وعربياً: مصر تحت حكم السيسي)، الذين يرون في الإخوان المسلمين خطراً وجودياً على استقرار أنظمتهم. 

​هذه الدول صنّفت الإخوان منظمةً إرهابيةً (السعودية والإمارات عام 2014، ومصر 2013)، وتوقعت من شركائها أن يحذوا حذوها. ولأنّ الأردن يعتمد اقتصادياً وسياسياً على دعم السعودية والخليج تاريخياً، فقد كان من الصعب عليه تجاهل تلك الدعوات. 

برز ذلك بوضوح خلال الأزمة الخليجية 2017، عندما قادت الرياض وأبو ظبي مقاطعةً ضد قطر جزئياً بسبب دعمها للإخوان؛ إذ خفّض الأردن تمثيله الدبلوماسي مع قطر آنذاك مسايرةً لحلفائه الخليجيين، في رسالة ضمنية بأنه على الخط نفسه في ملف محاربة الإخوان. 

ومع أنّ عمان أعادت لاحقاً تطبيع علاقاتها مع الدوحة عام 2019، بعد اتضاح أفق المصالحة الخليجية، إلا أنّ سياستها الداخلية تجاه الإخوان استمرت متأثرةً بنهج الحلفاء التقليديين أكثر من تقاربها المستجدّ مع قطر.

الموقفان السعودي والمصري تحديداً تركا بصمتيهما على كل المنعطفات الرئيسية لعلاقة الأردن وإخوانه. 

فبعد سقوط مرسي في مصر 2013، حرصت عمّان على طمأنة القاهرة بأنها لن تسمح للإخوان (الذين فرّ بعض قادتهم إلى خارج مصر)، بأن يتخذوا من الأردن مقراً لأي نشاط معادٍ للنظام المصري. وبالتزامن، تلقت الأردن دعماً اقتصادياً سخياً من الخليج (مساعدات ومنح بمليارات الدولارات خلال العقد الماضي)، أسهم في تجاوزها أزمات ماليةً. 

ويرى مراقبون أنّ هذا الدعم لم يكن بلا ثمن سياسي؛ فقد كان ملف الإخوان ورقة من أوراق المقايضة الضمنية لضمان استمرار تدفق المساعدات الخليجية، بمعنى أنّ الأردن وجد مصلحةً في تحجيم الإخوان إرضاءً لحلفائه وضماناً لاستقراره الداخلي أيضاً، خاصةً بعد ما شهدته المنطقة من صدامات دامية بين الأنظمة والإسلاميين (كما في مصر وليبيا وسوريا).

على الجانب الآخر، قطر وتركيا شكّلتا ملاذاً وحاضنةً إقليميةً للإخوان المسلمين. فالدوحة استقبلت قيادات إخوانيةً من مصر وغيرها، ووفرت منابر إعلاميةً قويةً (شبكة الجزيرة) لطالما تبنّت رواية الإسلاميين أو دافعت عن حقهم في المشاركة السياسية​، وتركيا بدورها، في ظلّ حكم حزب العدالة والتنمية، احتضنت العديد من كوادر الإخوان (المصريين والسوريين واليمنيين...) ووفرت لهم منصات تلفزيونيةً معارضةً لأنظمتهم. 

هذا الانقسام الإقليمي بين محور معادٍ للإخوان (سعودية/ إمارات/ مصر)، ومحور داعم أو متعاطف معهم (قطر/ تركيا)، انعكس بشكل مباشر على وضع إخوان الأردن. 

فعمان تاريخياً تحاول الحفاظ على علاقات متوازنة مع الجميع، لكن حين يحتدم الصراع، تميل الكفة نحو من يضمن بقاء الأردن واقفاً اقتصادياً وسياسياً. لذا، في أوج الأزمة الخليجية 2017 مثلاً، تجنّب الإعلام الرسمي الأردني انتقاد الإخوان بشدّة ربما حتى لا يبدو منحازاً كلياً ضد المحور القطري التركي. 

أما الآن، في ظل التقارب الخليجي-التركي الأخير بعد مصالحة 2021، يجد الأردن هامشاً أوسع للتحرك دون خشية إغضاب طرف معيّن. ومع ذلك، تبقى بوصلة القرار الأردني في موضوع الإخوان محليةً بالدرجة الأولى وتتعلق بأمن المملكة الداخلي.

ومن المهم أيضاً مقارنة تطورات الأردن مع مواقف دول الجوار تجاه الإخوان. في مصر، التجربة مع الإخوان بلغت ذروة الصدام العنيف: عزل الرئيس المنتخب المنتمي إلى الإخوان عام 2013، حظر الجماعة واعتقال الآلاف من أعضائها ومناصريها، وإصدار أحكام بالإعدام والمؤبد على قياداتها، بحيث تحولت فعلياً إلى جماعة سرّية مطاردة على أرض مصر. هذا النموذج المصري كان له تأثير نفسي وسياسي عميق على إخوان الأردن؛ فمن جهة ولّد تعاطفاً شعبياً معهم في أوساط قواعدهم بسبب ما عُدّ "انقلاباً دموياً" على شرعيتهم في القاهرة، ومن جهة أخرى أرعبهم من احتمال تكرار السيناريو في عمّان إذا ما تجاوزوا خطوطاً حمراء. 

وربما لهذا السبب حرص إخوان الأردن بعد 2013، على النأي بأنفسهم عن أي مواجهة مباشرة مع النظام، وتجنّبوا التصعيد العنيف برغم كل ما تعرضوا له من تضييق.

في السعودية والإمارات، وبرغم عدم وجود فروع علنية للإخوان، شهد البلدان حملةً شرسةً ضد أي نفوذ فكري أو سياسي يُشتبه بارتباطه بالإخوان. السعودية صنفت الجماعة إرهابية عام 2014، وأعادت ذلك التأكيد في 2020 عبر هيئة كبار العلماء التي عدّتها جماعةً منحرفةً ضالّةً. والإمارات شنّت منذ 2012، حملةً على جمعية "الإصلاح" (وهي ذات توجه إخواني)، واعتقلت عشرات من أعضائها بتهم التآمر على الدولة. 

هذا التشدد الخليجي جعل فكرة الإخوان كخطر أمني راسخةً في ذهن كثير من النخب الأردنية المقربة من تلك الدول. وعليه، الموقف الأردني المتشدد مؤخراً يبدو متناغماً مع رؤية الرياض وأبوظبي، بأن لا مكان للإخوان في المشهد السياسي. حتى أنّ محللاً مثل منير أديب (وهو مصري مختص في شؤون الجماعات المتطرفة)، ربط مباشرةً بين ما جرى في الأردن وبين *"تخادم بين الإخوان وحزب الله بدعم إيراني"، على حد وصفه، عادّاً أنّ المخطط المكتشف هو نتاج تنسيق بين إخوان الأردن وجهات إيرانية عبر تدريب الخلية في جنوب لبنان​. 

اختيار الأردن الذهاب حتى النهاية في حظر جماعة الإخوان لا يمكن فصله عن الانحياز الواضح لمحور السعودية ومصر، الحليفين الإقليميين اللذين لا يخفون اعتبار الجماعة خطراً وجودياً. فبعد سنوات من التردد، قدّمت عمّان هذا القرار كرسالة طمأنة سياسية لهذين الحليفين، في لحظة إقليمية حساسة، تتقاطع فيها ملفات العرش، والأمن، والتمويل

هذا الربط بين الإخوان وإيران/ حزب الله يتقاطع مع سردية تتبناها بعض وسائل الإعلام الخليجية والمصرية، التي تصوّر الإخوان كجزء من محور إقليمي معادٍ يضم إيران وتركيا وقطر يرمي إلى زعزعة استقرار الدول العربية المعتدلة.

على الجانب الآخر، يمكن رصد نبرة مختلفة في إعلام المحور المقابل. الجزيرة مثلاً اكتفت بعرض تفاصيل القضية ونفي الإخوان لمسؤوليتهم دون الغوص كثيراً في التحريض ضد الدولة الأردنية، لكنها في الوقت ذاته أبرزت تساؤلات حول دوافع توقيت كشف الخلية وما إذا كان يحمل حسابات سياسيةً داخليةً في الأردن​.

كما أنّ منصات إعلاميةً مموّلة قطرياً أو قريبةً من الإخوان، مثل "عربي21" أو "المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط"، والجزيرة، ركزت على إنكار التهم وعدّها ربما ذريعةً رسميةً لتصفية الجماعة سياسياً بعد عقود من التعايش. 

هذا التباين الإعلامي يعكس إلى حدّ بعيد الانقسام الإقليمي في النظر إلى ملف الإخوان: بين من يراه ملفاً أمنياً بحتاً مرتبطاً بالإرهاب يجب استئصاله، ومن يراه ملفاً سياسياً/ حقوقياً يتّصل بالحريات العامة وإشراك الإسلاميين في الحكم.

ماذا الآن؟

بالنتيجة، وجد الأردن نفسه اليوم أمام قرار مصيري بشأن جماعة الإخوان المسلمين. هل يمضي في حظر الجماعة نهائياً وحلّ ما تبقّى من هياكلها وشبكاتها الاجتماعية، انسجاماً مع التوجه الإقليمي السائد بمكافحة الإسلام السياسي، وقطعاً للطريق أمام أي تهديد أمني محتمل قد تنطوي عليه خلايا "مسلحة" مرتبطة بها؟ أم تراه سيترك هامشاً ضيقاً لبقاء الجماعة -ولو شكلياً- تحت عيون الدولة، تفادياً لدفعها للعمل في الخفاء تماماً واحتمال تطرّف بعض عناصرها إذا سُدّت كل المنافذ؟

الواضح أنّ الأردن اختار الذهاب حتى النهاية في اختيار أمنه الداخلي، والانحياز للحلف السعودي الإماراتي المصري ضد الإخوان، وعدم الرضوح لمحاولات الجماعة امتصاص الضربة مؤقتاً في انتظار انقشاع غبار هذه القضية. ومع إصرار الدولة على الحظر، لا يستبعد محللون أنّ يلجأ الإخوان إلى القضاء أردنياً ودولياً للطعن في القرار، برغم معرفتهم بصعوبة ذلك في ظلّ المناخ العام.

في المحصلة، يقف الأردن اليوم أمام معادلة حساسة: كيف يحافظ على أمنه واستقراره في وجه أي تنظيم قد ينحرف نحو العنف، وفي الوقت ذاته يتفادى خسارة جزء من نسيجه الاجتماعي والسياسي المتمثل في تيار الإخوان المعتدل تاريخياً؟ الإجابة ستتبلور في الأشهر القليلة المقبلة.  لكن الأكيد أنّ الربيع العربي وطوفان الأقصى وما تلاهما من ارتدادات، تركت أثراً عميقاً على موقع الإخوان في الأردن. فبعد أن كانوا لاعباً رئيسياً في المشهد الإصلاحي قبل عقد، أصبح وجودهم نفسه الآن موضع شكّ وتساؤل. 

ولعلّ الأردن ينظر أيضاً بتوجس إلى ما يجري إقليمياً: فالتشدد مع الإخوان بلغ ذروته في تونس مؤخراً (اعتقالات لقادة حركة النهضة)، وفي المقابل شهد المغرب تراجعاً سلساً لتجربة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإخوانية عبر صناديق الاقتراع دون حاجة إلى الحظر. بين هذا وذاك، اختار صانع القرار الأردني أنّ الثمن إنهاء حقبة الإخوان في الأردن، ولو مؤقتاً.

في بلد عُرف تاريخياً بقدرته على استيعاب مختلف التيارات تحت سقف الولاء للوطن والعرش، يأمل البعض في ألا يؤدي حظر الإخوان إلى إقصائهم تماماً، وأن يكون إعادة ضبط للعلاقة وفق قوانين الدولة، بحيث يبقى المجال مفتوحاً لعودتهم إلى العمل العلني إن التزموا فعلياً بثوابت السلمية والشرعية، وربما تحت مسميات أخرى، وعناوين أقرب إلى تفكير الحمائم من الأعضاء من تفكير الصقور.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image