عام 1985، قدّم محمود عبد العزيز، فيلمَين بالغَي الأثر في مسيرته، وفي السينما المصرية، ليس لجودتهما الفنية فحسب، ولكن لما طرحاه من قضايا وإشارات إلى عوارٍ في القوانين التي تحتاج إلى النظر فيها من جديد.
الفيلم الأول هو فيلم "عفواً أيها القانون"، للمخرجة إيناس الدغيدي، والذي قام ببطولته بجانب نجلاء فتحي، وتدور أحداثه حول أستاذة الجامعة "هدى" التي تتزوج من الدكتور "علي"، المصاب بعقدة نفسية نتيجة عجزه الجنسي. ومع مساعدتها إياه في تخطّي تلك الأزمة وعلاجه نفسياً، يتمكن من الشفاء ثم ينخرط في علاقات نسائية متعددة، وفي إحدى المرات تكتشف "هدى" خيانته فتقتله رمياً بالرصاص، ويتم الحكم عليها بالسجن 15 عاماً.
الفيلم سلَّط الضوء على قانون العقوبات، وتحديداً المواد الخاصة بقضية الزنا، حيث يصدُر الحكم على المرأة بالسجن 15 عاماً مع الشغل والنفاذ، باعتبارها جنايةً في حالة قتلها لزوجها الخائن، بينما يكون الحكم في القضية نفسها على الرجل بالسجن شهراً واحداً مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جنحةً!
أما الفيلم الثاني، فهو فيلم "الشقّة من حقّ الزوجة"، الذي قدّمه محمود عبد العزيز، برفقة الفنانة الراحلة معالي زايد، وأخرجه عمر عبد العزيز، ونوقشت خلاله إشكالية مهمة حول الوضع القانوني لمسكن الزوجية عقب انفصال الزوجين، خاصة أنّ القانون ينصّ على بقاء الزوجة في الشقّة حتى انتهاء فترة الحضانة التي تصل إلى 15 عاماً، ويُقال إنّ هذا الفيلم نجح في جعل أحد أهم البنود الممكن إضافتها إلى عقد الزواج -حديثاً- لتحديد من سيكون له حق الانتفاع وحده بمنزل الزوجية في حالة الطلاق، وفقاً لما نشره موقع "برلماني".
المفارقة أنّ هذين الفيلم صدرا في عام ميلاد "كريم"، الابن الثاني لمحمود عبد العزيز، وكان عمر محمد، ابنه الأكبر وقتها، أربع سنوات فقط. الآن صار محمد منتجاً، وبات كريم نجماً سينمائياً وتلفزيونياً.
السؤال هنا: هل سيُجازف محمد بإنتاج الفيلم ويقوم كريم ببطولته، على أمل أن يُساهما في تسليط الضوء على أزمة تعاني منها سيدات كثيرات في مصر، مثلما فعل الأب الساحر سابقاً؟ أو أنّ قصةً مثل هذه ستُقلّب عليهما المواجع، فيضطران إلى إلقاء ورق السيناريو في وجه كاتبه طاردين إيّاه شرّ طردة؟!
ولأنّ الفنّ قائم على لعبة الاحتمالات وسؤال "ماذا لو؟"، دعنا نضع ولَدَيِ الساحر أمام التخيّل الآتي: ماذا لو جاء سيناريست إلى شركة "فنون مصر" التي يملكها محمد، وعرض عليه فكرة فيلم يحكي مأساة سيدة عاشقة لزوجها، وفي خضم عراكٍ ما أو لأيّ سبب آخر ليس بالضرورة أن يكون خلافاً، وقع الطلاق بينهما، لكن بعد أشهر قليلة، عادت المياه إلى مجاريها، ولم يهتما بتوثيق الرجعة. وبعد وفاة الزوج، خرج أبناؤه من زوجته الأولى ليؤكدوا أنه لم يُرجعها إلى عصمته، وبعدها تدور الأرملة المكلومة في المحاكم "كعب داير"، بحثاً عما يُعيد إليها اعتبارها ويَحمي سُمعتها، خاصةً أنّ ولدَي الزوج شخصان ذائعا الصيت في المجتمع، وبسببهما انتشرت الأزمة إعلامياً وعلى مواقع التواصل.
السؤال هنا: هل سيُجازف محمد بإنتاج الفيلم ويقوم كريم ببطولته، على أمل أن يُساهما في تسليط الضوء على أزمة تعاني منها سيدات كثيرات في مصر، مثلما فعل الأب الساحر سابقاً؟ أو أنّ قصةً مثل هذه ستُقلّب عليهما المواجع، فيضطران إلى إلقاء ورق السيناريو في وجه كاتبه طاردين إيّاه شرّ طردة؟!
الأزمة ليست في إثبات زواج بوسي من محمود، بل في خروج قضية عائلية حساسة مثل هذه إلى العلن.
عبث البحث عن حقّ بوسي!
قبل كتابة هذه السطور، ذهبت لتصفّح كل ما يخص اللحظات الأخيرة في حياة الفنان الراحل محمود عبد العزيز، علّني أجد فيها ما يومئ، ولو من بعيد، بأنّ الساحر كان قد طلّق بوسي شلبي، ولم يُعِدها إلى عصمته مُجدداً كما يزعم ولداه محمد وكريم.
قادني البحث نحو كتاب عنوانه "حكاية نور الشريف بين الحرمان والحب والسينما والسياسة والمؤامرات"، للكاتب السيد الحراني. خلال تصفّحي الكتاب، وجدت في داخله صورةً ملتقطةً من آخر حفل عيد ميلاد لنور الشريف (28 نيسان/ أبريل 2015). الصورة ضمّت نور وزوجته بوسي، ومحمود عبد العزيز وزوجته بوسي شلبي، وهو نفسه العنوان التعريفي الذي وضعه الكاتب تحت الصورة.
قلت لنفسي: إذاً هذا دليل دامغ على الرجعة، لأنّ الصورة سبقت وفاة محمود عبد العزيز بأشهر عدة (توفي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016). ثم في لحظةٍ، توقفتُ عن هذا الهراء، وعددتني مسيئاً من جملة المسيئين إلى بوسي شلبي. فأنا وأيّ متابع للوسط الفني أو لمحمود عبد العزيز، وحتى ولداه، جميعنا يعلم جيداً أنها كانت زوجته حتى آخر يوم في حياته.
الأزمة ليست في إثبات زواج بوسي من محمود، بل في خروج قضية عائلية حساسة مثل هذه إلى العلن. فما مِن عاقل إلا أكّد أن مثل تلك المشكلات لا تُحلّ بهذه الطريقة. المقرّبون نصحوهم علناً بالجلوس معاً والوصول إلى حلّ. فعلها عمرو أديب في برنامجه، وكتبها لهم محمود سعد في صفحته؛ لكن لا نصيحة عمرو ولا نداء محمود لقيا استجابةً!
في المقابل، تُرِكَت القصة لمواقع التواصل الاجتماعي تلوكها بالتلسين تارةً، وبالسخرية ووضع "الكوميكس" تارةً أخرى، بالإضافة إلى الاتهامات الخسيسة التي مسّت عرض بوسي شلبي، من الغوغاء، ناهيك بكارهي الفن وأهله، ممن أهالوا التراب على الوسط الفني بأكمله، حين انتهزوها فرصةً لاستخراج أحقادهم وصبّ جام غضبهم على مهنة لو كان محمود عبد العزيز حيّاً، لفطن مبكراً إلى تلك الثغرة فيها.
ماذا لو كان الساحر حيّاً؟
بالطبع ستقول لي: ما كانت الأزمة ستحدث بالأساس. نعم، لكني سأكون أكثر منكَ قسوةً، وأسألك: ماذا لو كان العكس؟ أي أنّ بوسي شلبي، أمدَّ الله في عمرها، هي من سبقت الساحر نحو الدار الآخرة، وافترضنا جدلاً أنّ قطعة الأرض التي قيل إن الصراع عليها هي سبب كل ما جرى، وكانت ملكاً لبوسي شلبي. هل سيخرج علينا من يتهم محمود عبد العزيز بأنه لم يكن زوجها، وأنّ الطلاق الذي تم في عام 1998، لم تعقبه رجعة، وعليه، ليس من حقه اعتبار نفسه "أرملاً"، ومن ثم لا يحقّ له أي نصيب من تَرِكَتها؟!
أكاد أجزم أنّ في ظلّ هذا التخيّل لن تصدر أي إدانة للساحر ولا لولديه، فغالبية الناس ستقول: الفنان وولداه ليسا بحاجة إلى الأموال كي يفتعلا أمراً كهذا، بل بالعكس، قد يُضرَب بمحمود عبد العزيز المثل، كزوجٍ وفيّ لزوجته يريد أن يقترن اسمه باسمها حتى بعد وفاتها!
وكيف لا، فكثير من الناس الآن يلومون سيدةً أحبّت رجلاً وتزوجته بمحض إرادته، ويتهمونها بأنها "خطفته من زوجته"، متناسين أنّ الرجل نفسه في مجتمعاتنا، غالباً، هو من يسعى إلى الزواج بأخرى فيعرِض ويتودد، ولو كان في القصة خائن، إن وُجِد في هذه الحالة، فالخائن هو الزوج نفسه لا سواه، أو كما نقول في مصر "محدش ضربه على إيده"!
لكني سأكون أكثر منكَ قسوةً، وأسألك: ماذا لو كان العكس؟ أي أنّ بوسي شلبي، أمدَّ الله في عمرها، هي من سبقت الساحر نحو الدار الآخرة، وافترضنا جدلاً أنّ قطعة الأرض التي قيل إن الصراع عليها هي سبب كل ما جرى، وكانت ملكاً لبوسي شلبي.
خذوا الحكم من أهل السندريلا
في منشور بديع ولافت، كتب الباحث والمؤرخ الفني محمد دياب، قصةً تبدو ملهمةً ومتسقةً تماماً مع ما نحن في صدده، حكى خلالها أنّ شقيقات الراحلة سعاد حسني، ذهبن إلى المحكمة للشهادة بأنّ السيناريست ماهر عواد، يحقّ له الانضمام إلى ورثة السندريلا، كونه كان آخر أزواجها، برغم أنّ تلك الزيجة تمّت بعقدٍ عرفي، بما يعني أنه لولا تلك الشهادة ما كان عواد سيحصل على جنيه واحد من الميراث، الذي ويا للعجب كان عبارةً عن مجرد شقّة وحيدة في منطقة الزمالك، لكن شقيقات السندريلا أردن أن يضربن مثلاً بأنّ الحق أحقّ بأن يُتبع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ ساعتينيا بختك يا عم شريف
مستخدم مجهول -
منذ يوممحاوله انقاذ انجلترا من انها تكون اول خلافه اسلاميه في اوروبا
Aisha Bushra -
منذ يومينA nice article,I loved it..
رزان عبدالله -
منذ 5 أيامشكرأ
حكيم القضياوي المسيوي -
منذ 6 أيامترامب يحلب أبقار العرب، وهذه الأبقار للأسف تتسابق للعق حذاء المعتوه ومجرم الحرب ترامب!
Naci Georgopoulos -
منذ 6 أيامOrangeofferis a convenient platform for finding the latest promo...