لم يكن إتقانه للتمثيل فقط هو سبب الأدوار الكبيرة التي حظي بها في بداية مشواره، لكن انطباق مواصفات "الجان الوسيم" عليه هي من عزّزت وجوده بكثافة في البداية. هكذا يُمكن النظر إلى محمود عبد العزيز قبل أن تلتقطه عين المخرج علي عبد الخالق في فيلم "العار" 1982، ويعيد اكتشاف موهبته التي انفجرت لاحقاً في 1985 بفيلم "الكيف"، ومن وقتها صار هو "غول التمثيل" الذي لا يضاهيه أحد.
أسترجع كل ذلك وأنا اتابع ابنه كريم محمود عبد العزيز، الذي اختار الفن طريقاً أيضاً، وبعيداً عن أن كريم من وسط أخوته هو من حمل جينات "بهجة الساحر"، وقد ظهر ذلك في مقاطع الفيديو التي يبثها دوماً على حساباته عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي جلبت له محبين كُثر وكشفت عن وجه آخر له، أقول بعيداً عن ذلك، كان التشابه أيضاً في البدايات.
فالابن لم يدخل عالم الفن من باب الإتقان، لقد شارك مع والده في فيلم "النمس" عام 2000، وانحصرت بداياته في أعمال اعتمد فيها على الحركات الراقصات والإفيهات المقولبة، لاستحضار روح أبيه الفنية، مثل أفلام "حصل خير" 2012، و"عش البلبل" 2013، وسواء كان ذلك قصر نظر من المخرجين الذين لم يُدركوا موهبته من البداية، أو أن هذه كانت إمكانياته، لكن هذا ما سار عليه حتى عام 2019.
تجربة أبناء النجوم، على مدار تاريخ السينما، لم تفلح تقريباً في إنتاج فنان حقيقي تستفيد منه الأجيال، وأبرز الأدلة ابن الزعيم عادل إمام وكذلك أحمد السعدني ابن الفنان صلاح السعدني
في هذا العام دخل كريم منافسة الموسم الرمضاني بمسلسله "شقة فيصل"، الذي قدّم فيه دور مطرب شعبي يبحث عن فرصة للانطلاق، وعلى عكس ما عُرف عن الفنان الشاب من أداء، قدّم هو صورة مختلفة تماماً، فتخلّى عن حركاته الراقصة، وجسّد تعبيرات الشاب الضائع الذي يريد تحقيق حلمه الصعب.
مساحات التمثيل في هذا العمل لم تكن مجرد طفرة أو استثناء، بل هو ما سار عليه كريم بعد ذلك، ففي عام 2021 أكمل الطريق بفيلم "موسى"، مجسّداً شخصية الشاب المهزوم الذي يتعرّض للتنمّر بسبب ضعف شخصيته، ثم يتحوّل بعد قتل والده أمامه إلى شخصية مختلفة، وفي العام الذي يليه، قدّم فيلم "من أجل زيكو" مع الفنانة منة شلبي، وفيه أدى كريم دوراً من أفضل أدواره حتى الآن، ويمكن اعتباره دليلاً كافياً على "نضجه"، إذ تمكّن من تجسيد دور الأب الفقير قليل الحيلة الذي يعمل على عربة لدفن الموتى، وفجأة يجد نفسه داخل حلم أن يصبح ابنه موهبة فذة في مسابقة مدرسية، وهذا ما تكرّر بشكل مختلف مع فيلم "شلبي" الذي عُرض في دور السينما منذ أيام.
مشوار كريم وأنواع الشخصيات التي يقدّمها، يمكن أن نقارنها بالشخصيات التي أداها والده، وإن كان الأخير أكثر جودة وجدارة، فالمتتبع لمشوار الأب، نجده لم يحترف الأكشن أو الكوميديا أو التراجيديا، بل ركّز على تجسيد الناس العاديين الذين يعيشون على الهامش، وفجأة يجدون أنفسهم وسط أحداث أكبر منهم، ومن خلال تلك الأحداث تحدث المواقف بكافة أنواعها "كوميدية وتراجيدية وأكشن"، دليل على ذلك أفلام مثل "الشقة من حق الزوجة" 1985، و"الدنيا على جناح يمامة" 1989، و"يا عزيزي كلنا لصوص"، والقائمة تطول.
مشوار كريم محمود عبد العزيز وأنواع الشخصيات التي يقدّمها يمكن أن نقارنها بالشخصيات التي أداها والده، من حيث تجسيد الناس العاديين الذين يعيشون على الهامش
كريم أيضاً تشابه مع أبيه، فلم يجسّد سوى الناس المهمّشة التي تحلم بغد أفضل ويتعرضّون لأحداث تغيّر مجرى حياتهم، ففي "زيكو" كان أباً فقيراً، وموسى شاب يجد أباه مقتولاً، وأخير عامل في السيرك بفيلمه الأخير "شلبي" المعروض حالياً.
ورغم أن تجربة أبناء النجوم، على مدار تاريخ السينما، لم تفلح تقريباً في إنتاج فنان حقيقي تستفيد منه الأجيال، وأبرز الأدلة أن ابن الزعيم عادل إمام، والذي تخطى مشواره ما يقرب عقدين من الزمان، لم يستطع خلالهم رغم كثرة البطولات، ترك بصمة حقيقية تميزّه أو حتى تقترب من أبيه، وهو ما جعله في رأيي بلا هوية، وكذلك أحمد السعدني ابن الفنان صلاح السعدني، والذي لم يستطع أن يقترب من موهبة أبيه، وربما من اختلف قليلاً كان أحمد الفيشاوي الذي تمتّع بصفات شخصية واختيارات فنية جعلته حالة خاصة وحده.
وسط ذلك جاء كريم محمود عبد العزيز، الذي تمكّن في سنوات قليلة ليس فقط من إثبات أنه موهبة جيدة تصقل مهاراتها باستمرار وتتقدم بخطى ثابتة نحو نجومية مختلفة، لكنه اختار الطريق الأصعب، بالاقتراب من منطقة أبيه الذي لم يضاهيه فيها أحد، بل وأثبت نجاحاً حتى الآن، وهذا لحسن الحظ بالنسبة إلينا كجماهير.
وأقصد بُحسن الحظ، أن تلك المنطقة الفنية التي قدّمها الساحر، لم يقترب منها أحد من الجيل الجديد الذين اختار معظمهم "القولبة" الفنية، إما الأكشن الواضح أو الكوميديا الصريحة وهكذا، حتى من اختار طرقاً مختلفة كانت طرقاً في الكوميديا، مثل أحمد مكي وشيكو وهشام ماجد، لذلك بوجود كريم على هذا النهج، يعني أننا سنرى من يتحدث عن الناس العادية لكن في 2023.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...