المحاولات الروسية لاختراق سوق السلاح الخليجي… ورقة ضغط أو استغناء عن واشنطن؟

المحاولات الروسية لاختراق سوق السلاح الخليجي… ورقة ضغط أو استغناء عن واشنطن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الثلاثاء 13 مايو 202503:31 م

لم تكن روسيا يوماً مورّداً رئيسياً لسوق السلاح الخليجي، وذلك لأسباب عديدة، منها ارتباط القوات المسلحة الخليجية بمورّدين تقليديين على رأسهم الولايات المتحدة وإنكلترا وفرنسا. لكن يبدو أنّ روسيا تحاول تغيير ذلك الوضع خلال الفترة المقبلة، حيث تشير تقارير إلى محاولات روسية جدّية لاختراق سوق الأسلحة الخليجي.

لم تخرج هذه التكهنات من فراغ، وإنما وقف وراءها عدد من المعطيات السياسية التي يتناولها الباحث جان لوب سمعان، في تقريره المنشور على موقع المجلس الأطلسي بعنوان: "هل يتمكّن قطاع الدفاع الروسي من تحقيق اختراق في الخليج؟". ووفق المصدر نفسه، عرضت شركات الدفاع الروسية، في شباط/ فبراير 2025، أحدث منتجاتها في معرض "آيدكس" للأسلحة، والذي تنظّمه الإمارات كل عامَين.

ومن بين منتجاتها، عرضت شركة "روستيخ"، وهي تكتل حكومي روسي، طائرتها المسيّرة متعدّدة المهام من طراز "سوبركام إس-350"، والتي أفادت التقارير بأنها أسقطت العديد من الأنظمة الغربية المسيّرة التي نُشرت في ساحات القتال الأوكرانية منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022.

وبحسب سمعان، أثار الحضور القوي لمُصنّعي الأسلحة الروس في معرض أبو ظبي، تكهّنات بين خبراء السياسة ومراقبي الصناعة بأن صناعة الدفاع الروسيّة قد تكون على وشك تحقيق اختراق في شبه الجزيرة العربية، ولا سيّما أن المشهد الجيو-سياسي ربما يبدو للوهلة الأولى مواتياً، بالنظر إلى جهود واشنطن بقيادة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتالياً الرفع المحتمل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الاقتصاد الروسي.

"أحياناً تتعثّر مفاوضات دول الخليج والدول الغربية لشراء أسلحة متقدّمة وحديثة، وبعض الصفقات تقابَل بـ"فيتو" من بعض الأطراف الدولية غالباً بسبب إسرائيل والحرص على إبقائها متفوقةً عسكرياً على دول المنطقة، ومن ثم تُسرّب أنباء عن صفقات أسلحة محتملة مع روسيا بهدف تسريع وتيرة المفاوضات مع أمريكا و/ أو الغرب"

محاولات سابقة لم تكتمل

اللافت أنّ الحديث عن اختراق روسيا سوق الدفاع الخليجي ليس وليد الظروف الراهنة، وإنما يعود إلى بداية العقد الجاري، عندما اتجهت السعودية والإمارات إلى التعاون العسكري والدفاعي والأمني مع روسيا. وبحسب الباحث جوكهان إيريلي، في تقرير منشور حديثاً عبر موقع "Politics Today"، كان شراء السعودية نظام الدفاع الجوي "S-400"، وأنظمة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وغيرها من المعدّات العسكرية من روسيا، على جدول الأعمال.

كما وقّع البلدان اتفاقية تعاون عسكري في آب/ أغسطس 2021، وفُسرت هذه الخطوة في ذلك الوقت باعتبارها مرحلةً ضمن إستراتيجية سعودية لبناء علاقات مع جهات فاعلة دولية مؤثرة وتحقيق استقلال نسبي من خلال الشراكات، بدلاً من الاعتماد كلياً على أمريكا في سياسة الأمن والدفاع.

وعلى غرار السعوديّة، انخرطت دولة الإمارات في شراكة تعاون عسكري ودفاعي وأمني مع روسيا، إلى درجة أنّ روسيا أجرت مفاوضات مع الإمارات والهند بشأن الإنتاج المشترك لطائرة "سو-57" المقاتلة من الجيل الخامس، كما يذكر إيريلي.

معطيات سياسية مهّدت لتعاون عسكري

ولم يكن لهذه الرغبة في التعاون العسكري أن تظهر من دون تطوّر فرض نفسه على العلاقات الروسية الخليجية خلال السنوات الأخيرة. يشرح إيريلي، أنه مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية رفضت السعودية والإمارات المشاركة في العقوبات التي فرضتها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا.

بيد أنّ هذه العقوبات مكّنت روسيا ودول الخليج من استخدام منصّة "أوبك بلس" بفعالية في العلاقات الدولية. وبرغم الانتقادات اللاذعة والتهديدات المُبطّنة أحياناً من واشنطن إذ اتخذت روسيا والسعودية، أكبر منتجَين للنفط، قرارات بخفض إنتاج النفط ضمن هذه المنصّة مرات عدة، ما أدى إلى استقرار أسعار النفط في السوق.

وفي الوقت نفسه، سعى مستثمرون روس إلى حماية أموالهم بعيداً عن العقوبات، فاتجهوا بها إلى دول الشرق الأوسط، خاصّةً إمارة دبي، وهناك تصدّروا قائمة شراء المنازل، وهو مؤشر يُفسّر العلاقات الإستراتيجية لروسيا مع دول الخليج وفق الباحث.

تزامنت تلك المعطيات مع توتّر علاقات دول الخليج مع الولايات المتحدة بسبب تصريحاتها بشأن الانسحاب من المنطقة، وما لبثت أن دخلت العلاقات في أزمة ثقة بعد استعادة حركة طالبان السلطة في أفغانستان، يقول إيريلي.

بالإضافة إلى ذلك، اندلعت خلافات بين الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، بسبب سياسة إنتاج النفط، كما توتّرت علاقات واشنطن وأبو ظبي بسبب العلاقات الروسية الإماراتية، وبسبب علاقات الإمارات مع نظام بشار الأسد في سوريا قبل سقوطه، وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه المعطيات جميعها على تطور العلاقات الروسية الخليجية والرغبة في التعاون العسكري.

ويتفق سمعان، مع أنّ دولاً مثل السعودية والإمارات تجنّبت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، وحافظت على موقف محايد، وقد دفع هذا عدداً من الشركات الروسية إلى الانتقال إلى دبي هرباً من العقوبات الدوليّة، كما سمح هذا الموقف للرياض بعقد مفاوضات عدة بين واشنطن وكييف وموسكو، مستنتجاً أنه في ظلّ هذه الظروف، ومع تزايد احتمالات خفض التصعيد، لا يُستبعد أن تلجأ الرياض وأبو ظبي أيضاً إلى الشركات الروسية لنقل الأسلحة.

ضغوط خليجية على أمريكا والغرب؟

ظهور الأنباء والتكهنات الخاصة بتعاون عسكري محتمل بين دول الخليج وروسيا، مرتبط بضغوط تمارسها دول الخليج على الجانب الأمريكي على وجه الخصوص، والغرب على وجه العموم، عندما تتعثّر صفقات التسليح، يقول رئيس مركز الدراسات العربية الأوراسية، أحمد دهشان، لرصيف22.

يذكر دهشان، أنّ دول الخليج تتبع سياسةً براغماتيةً بحتةً، لذا إذا وجدت مصالحها في التسليح الروسي فيمكن أن تحصل عليه، خاصةً أنّ لديها من القدرة ومن هامش المناورة ما يمكّنها من التعامل مع "الغضب الأمريكي"

يشرح دهشان أنه أحياناً تتعثّر مفاوضات دول الخليج والدول الغربية لشراء أسلحة متقدمة وحديثة، وبعض الصفقات تقابَل بـ"فيتو" من بعض الأطراف الدولية غالباً بسبب إسرائيل والحرص على إبقائها متفوقةً عسكرياً على دول المنطقة، ومن ثم تُسرّب أنباء عن صفقات أسلحة محتملة مع روسيا بهدف تسريع وتيرة المفاوضات مع أمريكا و/ أو الغرب، وبمعنى آخر تحمل هذه الأنباء رسالةً من دول الخليج للغرب مفادها: "إن لم تقدّموا لنا هذا الطراز من الأسلحة فيمكننا الحصول على البديل الروسي".

لكن دهشان، لا ينفي أنّ دول الخليج تبدي اهتماماً بين الحين والآخر بالحصول على السلاح الروسي، خاصةً أنظمة الدفاع الجوي، والتي تُعدّ نقطة ضعف في الجانب الدفاعي الخليجي، خصوصاً مع التطوّر التكنولوجي الخاص بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية لدى أطراف مناوئة مثل إيران، أو القوى والجماعات مثل الحوثيين.

وقد تدفع الكلفة العالية لأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية مثل "باتريوت" أو "ثاد"، دول الخليج العربي في المستقبل إلى الحصول على منظومات روسية أرخص وغير مكلفة مثل "شاهد"، وفق رئيس مركز الدراسات العربية الأوراسية. لكن من غير المتوقع أن تحصل دول الخليج على طائرات روسية، لأنّ الأمر في هذه الحالة يتطلّب تدريب الطيّارين على هذا النوع من الطائرات، وإنشاء منظومة رادار جديدة وترتيبها مع الدفاعات الجوية، وإقامة بينة تحتية عسكرية كاملة، وهذا التحول تكلفته كبيرة جداً وبحاجة إلى وقت طويل، على حد قوله. 

استيعاب الغضب الأمريكي

ويذكر دهشان، أنّ دول الخليج تتبع سياسةً براغماتيةً بحتةً، لذا إذا وجدت مصالحها في التسليح الروسي، فيمكن أن تحصل عليه، خاصةً أنّ لديها من القدرة ومن هامش المناورة ما يمكّنها من التعامل مع "الغضب الأمريكي"، وتوصيل رسالة لواشنطن مفادها أنّ الحصول على أسلحة من موسكو لن يكسر العلاقات الإستراتيجية والتاريخية مع الولايات المتحدة.

في المقابل، وفي حال اختراق سوق التسليح الخليجي، ستجني موسكو -برأيه- مكاسب كبيرةً، منها رفع تصنيف السلاح الروسي وسمعته، باعتباره يوازي السلاح الغربي ولا يقلّ عنه إن لم يتفوّق عليه، وهذا يمنح روسيا نفوذاً جديداً ومركزاً جيو-سياسياً وقدرةً على اقتحام بلدان حليفة للغرب، مثلما حدث من قبل مع تركيا عضو الناتو التي حصلت على أسلحة روسية، وكل هذه العوامل قد تُترجم إلى مزيد من الجرأة لدى الدول الحليفة للغرب في الحصول على سلاح روسي.

الحرب الأوكرانية وتقويض سمعة السلاح الروسي

برغم ذلك، يطرح سمعان، في دراسته المذكورة آنفا، أسباباً قد تقلل من احتمالية الاختراق الروسي لسوق السلاح الخليجي، منها حرب أوكرانيا التي قوضت الصورة الإيجابية التي كانت تتمتع بها شركات الدفاع الروسية. 

وبحسب سمعان، أدى الأداء الضعيف للقوات المسلحة الروسية في ساحة المعركة إلى تلاشي الهيبة التي اكتسبتها في شبه جزيرة القرم عام 2014، أو الحملة الجوية في سوريا عام 2015، ضد القوات المعارضة لنظام بشار الأسد، ولا سيّما في ثلاثة مجالات يراقبها صنّاع القرار الخليجيون عن كثب، وهي القوة النارية، والعمليات الجوية، والدفاع السيبراني.

وبحلول خريف عام 2022، أي بعد ستة أشهر من بدء الصراع، استنفدت روسيا %60 من ترسانتها من الصواريخ الدقيقة. وبحسب سمعان، لم تكن النتيجة في ساحة المعركة غير حاسمة فحسب، بل واجهت الصناعة الروسية أيضاً صعوبةً في إعادة إمداد القوات المسلحة، فقد أظهر سلاح الجو الروسي عجزاً عن دعم القوات البرية بشكل حاسم في تحقيق اختراقات ضد الجنود الأوكرانيين. 

ويستند سمعان، إلى تقرير التوازن العسكري الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية لعام 2025، والذي أشار إلى أنه بحلول نهاية عام 2024، كانت روسيا قد خسرت ما لا يقلّ عن 31 طائرةً هجوميةً برّيةً من طراز "سوخوي سو-34 فولباك"، من أصل 124 طائرةً قبل الحرب.

حتى أنّ نظام إس-400 الروسي الذي يُعدّ أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في العالم، تضررت هيبته، بعدما تمكنت أوكرانيا مرات عدة من تدميره باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة.

وبرغم أنّ القوات الروسية تكيّفت مع النكسات الأولية في ساحة المعركة، لكن قدرتها على التحمّل نتجت عن العدد الهائل للقوات الروسية أكثر من براعتها التكتيكية. فضلاً عن ذلك، عوّضت روسيا عن نقص قوتها النارية باللجوء إلى إيران للإمدادات. 

ونتيجةً لذلك، استخدمت روسيا في هجماتها الجوية على أوكرانيا خلال العامين الماضيين صواريخ باليستيةً وطائرات مسيّرةً إيرانيةً، ما يشير إلى تراجع مكانة الصناعات الدفاعية الروسية، لذا لا يرجّح سمعان أن تقتنع دول الخليج باللجوء إلى موسكو في هذا القطاع.

تقول الباحثة في شؤون الخليج العربي وإيران ميرفت زكريا، لرصيف22، إنّ هناك عوامل عديدةً قد تدفع دول الخليج العربي إلى شراء أسلحة من روسيا خلال الفترة المقبلة، منها انتفاء أي مشروطية سياسية كما هو الحال مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والتي تشترط بعض الأمور للموافقة على مثل هذه الصفقات

انتفاء المشروطية السياسية

وعلى النقيض مما سبق، تقول الباحثة في شؤون الخليج العربي وإيران ميرفت زكريا، لرصيف22، إنّ هناك عوامل عديدةً قد تدفع دول الخليج العربي إلى شراء أسلحة من روسيا خلال الفترة المقبلة، منها انتفاء أي مشروطية سياسية كما هو الحال مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والتي تشترط بعض الأمور للموافقة على مثل هذه الصفقات.

يضاف إلى ذلك، أنّ الطائرات المسيّرة المتعددة الأغراض، والتي عُرضت في الجناح الروسي في معرض "آيدسك"، تعدّها دول الخليج السلاح الأنسب لمواجهة التهديدات التي تتلقاها من وكلاء إيران في المنطقة، خاصةً بعد عملية طوفان الأقصى، حيث هددت هذه الجماعات المسلحة دول الخليج بشنّ هجمات عسكرية على أبرز المواقع الاقتصادية الحيوية، وذلك على خلفية علاقات دولة الإمارات مع إسرائيل، وكذلك الاتهامات الموجهة إلى السعودية بتزويد بعض المقاتلات البريطانية التي كانت تخوض الحرب إلى جانب نظيرتها الأمريكية على الحوثيين، تذكر زكريا.

وترى زكريا، أنّ السعودية والإمارات وقّعتا من قبل اتفاقيات للتعاون العسكري مع روسيا، لكنها لم تُنفّذ ربما لرغبتهما في الحفاظ على علاقاتهما المتميزة بأمريكا في ذلك الوقت، لكن الظروف السياسية أصبحت مناسبةً لعقد صفقات مع روسيا، مرجحةً أن يحدث ذلك عقب إنهاء الحرب في أوكرانيا ورفع العقوبات الاقتصادية على موسكو.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image