شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"عقيدة الصدمة"… كيف قد يستغل ترامب إبادة غزة في نهب ثرواتها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في نهاية صيف العام 2005، ضرب إعصار مدمّر مدينة "نيو أورلينز" في ولاية لويزيانا، جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم حالة الصدمة التي غمرت السكان جرّاء الكارثة التي حلّت بهم، مخلفةً مئات الضحايا، إلا أن السيناتور الجمهوري ريتشارد بايكر، رأى الأمر من زاوية أخرى، حين علّق آنذاك قائلاً: "حللنا مشكلة الإسكان الشعبي في نيو أورلينز".

وبعد أكثر من 20 عاماً على الإعصار، رأى جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكبير مستشاريه السابق، الأمر نفسه في حطام قطاع غزة الفلسطيني، الناتج عن حرب الإبادة الإسرائيلية، إذ يرى كوشنر أن "ممتلكات الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة".

 مواقف الرجلين اللذين ينحدران من مدرسة فكرية واحدة، تسميها الكاتبة الكندية ناعومي كلاين، في كتابها "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث"، أحد الأساليب السياسية التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الأخيرة. حيث عملت الإدارات الأمريكية المختلفة، على توظيف الأحداث السياسية والصراعات، وكذلك الكوارث الطبيعية، لتحقيق أكبر استفادة من ثروات الشعوب المنكوبة، مشيرة إلى أن هذه المدرسة، التي نظّر لها عالم الاقتصادي اليهودي الأمريكي ميلتون فريدمان، كرّرت التجربة في أكثر من مكان في العالم.

وقد تماهت هذه المواقف خير تماهٍ مع خطة ترامب التي كشف عنها الأربعاء، 5 كانون الثاني/ يناير 2025، خلال مؤتمر في البيت الأبيض جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال في أول تعليق على خطة ترامب، إن الأخير "يرى مستقبلاً مختلفاً لغزة"، وإنه "سيغيّر التاريخ".

وكان ترامب قد أتم خلال المؤتمر حديثه السابق عن ضرورة تهجير السكان الفلسطينيين في غزة إلى الأردن ومصر، بأن أعلن نية الولايات المتحدة السيطرة على القطاع، وتحويله إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط.

دعا فريدمان إلى استغلال الأزمات لفرض سياسات اقتصادية رأسمالية متطرّفة، حيث يمكن تنفيذ تغييرات جذرية بسرعة ودون معارضة شعبية، إذ إن السكان سيكونون مشغولين بالمصيبة واليأس الذي حلّ بهم، ولن يعارضوا المخططات التي تلتهم ثرواتهم

عقيدة الصدمة والأزمات الإنسانية

وتستعرض كلاين عدداً من النماذج التي تبرهن كيف وظّفت الإدارات الأمريكية بشقيها، الديمقراطي والجمهوري، أفكار "مدرسة شيكاغو" لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الكوارث التي تحلّ بالبشر، وذلك عبر تمرير سياسات اقتصادية تمكّن الشركات الدولية، والشركات متعدّدة الجنسيات، من تحقيق أكبر قدر من الأرباح، تحت ستار الخصخصة والإصلاح الاقتصادي، وربما تحت شعار "السلام"، كما هو الحال في غزة حالياً.

وتشير إلى أن فريدمان دعا إلى استغلال الأزمات لفرض سياسات اقتصادية رأسمالية متطرّفة، حيث يمكن تنفيذ تغييرات جذرية بسرعة ودون معارضة شعبية، إذ إن السكان سيكونون مشغولين بالمصيبة واليأس الذي حلّ بهم، ولن يعارضوا المخططات التي تلتهم ثرواتهم.

 وتكشف الكاتبة أن هذه الخطة طُبّقت، برعاية أمريكية، بعد انقلاب تشيلي عام 1973، عندما أطاح أوغستو بينوشيه، بالحكومة الاشتراكية المنتخبة ديمقراطياً بقيادة سلفادور أليندي، حيث استغلّ النظام الجديد حالة الفوضى، وفرض إصلاحات اقتصادية نيوليبرالية برعاية أمريكية، وهو نفسه ما حل في  بولندا عام 1989، من خلال التحول الرأسمالي السريع بعد سقوط الشيوعية. وفي كل الأحوال، كانت نتائج هذه السياسات كارثية  على السكان الذين لم يكونوا سوى فرص للربح السريع.

ترامب وصدمة غزة 

وبالنظر إلى توافق خطاب ترامب مع ما تُقدّمه كلاين، يمكن العودة إلى مسألة "حلّ الدولتين"، إذ غاب الحديث عن هذا الحلّ الذي كان متضمناً في خطة ترامب للسلام، والتي طرحها في رئاسته الأولى عام 2020، وبناءً عليها، طبّع عدد من الدول العربية علاقاته مع إسرائيل. في المقابل، تبدّت الرؤية الجديدة القائمة على "تنظيف قطاع غزة من سكانه"، على حدّ وصف الرئيس الأمريكي وعدد من مسؤوليه، الطامحين إلى إنشاء منتجع سياحي على أنقاض غزة المطلة على البحر المتوسط، والقريب في الوقت ذاته من منابع النفط، وطرق التجارة الاستراتيجية في الشرق. 

 ولم تبعد هذه الأفكار عن التصريحات التي أدلى بها المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي يُعدّ مطوراً عقارياً أيضاً، والذي أكّد أن إعادة بناء غزة قد تستغرق من 10 إلى 15 عاماً، مؤكداً "أنه لم يتبق من غزة شيء"، وأن ما شاهده خلال زيارته إلى هناك يؤكد على أنها "لم تعد صالحة للسكن"، في إشارة إلى استحالة العيش فيها. كما طالب مصر والأردن، في تصريحات مماثلة، بالبحث عن حلول بديلة لفكرة تهجير الغزيين إلى أراضيهم، بعدما عبروا عن رفضهم لهذا المقترح.

وفي المقابل، لقيت مقترحات ترامب ومستشاريه رواجاً كبيراً في الدوائر الإسرائيلية التي وصفتها بأنها "مقترحات عقلانية لإنهاء الصراع"، على حدّ قول صحيفة "إسرائيل اليوم"، التي أكّدت أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يمثل ركيزة أساسية في استراتيجية واشنطن المستقبلية في المنطقة.

لقيت مقترحات ترامب ومستشاريه رواجاً كبيراً في الدوائر الإسرائيلية التي وصفتها بأنها "مقترحات عقلانية لإنهاء الصراع"، على حدّ قول صحيفة "إسرائيل اليوم"، التي أكّدت أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يمثل ركيزة أساسية في استراتيجية واشنطن المستقبلية في المنطقة

وأشارت الصحيفة إلى أن عملية ترحيل سكان القطاع تمّت صياغتها قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو ما يشير إلى أن عودة طرح الفكرة في هذا التوقيت، وبعد الكارثة الإنسانية في القطاع، هي تطبيق عملي "لعقيدة الصدمة". 

إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية ومخطط التهجير ليسا زلّة لسان 

ومن بين الإشارات والتصريحات العلنية التي تخطط لـ "مصير غزة" في اليوم التالي، ما أدلى به صهر الرئيس الأمريكي كوشنر، خلال مقابلة في جامعة هارفارد، نُشرت على قناة يوتيوب لمبادرة الشرق الأوسط (وهو برنامج لمدرسة كينيدي للحكومة في هارفارد)، حيث يرفض عرّاب صفقة السلام السابق بين الدول العربية وإسرائيل، قيام دولة للفلسطينيين، واصفاً الأمر بأنه "فكرة سيئة للغاية"، وأنها "ستكون مكافأة لعمل إرهابي".

وفي المقابلة التي جرت قبل أشهر من فوز ترامب بالرئاسة، اقترح "الصهر" نقل الغزيين إلى جزء ما في صحراء النقب، قائلاً إنه "إذا كان مسؤولاً عن إسرائيل فإن أولويته الأولى ستكون إخراج المدنيين من مدينة رفح الجنوبية"، وإنه "يمكن، بالطرق الدبلوماسية، أن يتم نقلهم إلى مصر، أو إلى مكان ما في النقب، حتى تتمكن إسرائيل من الدخول وإنهاء المهمة".

وعطفاً على ذلك تؤكد صحيفة الاتحاد الناطقة باسم الحزب الشيوعي في الداخل الفلسطيني، أن تصريحات ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة، لم تكن مجرد زلّة لسان، بل هي "جزء من مخطط مدروس، يجري تداوله بجدية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية".

ونقلت الصحيفة، لسان حال حزب يؤمن بحلّ الدولتين، أن تقارير عبرية تشير إلى أن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى أكدوا علمهم بهذه الأفكار، وأنهم سيعملون خلال الفترة المقبلة من أجل تطبيقها.

التربّح من الكوارث

يبدو أن الطموحات الأمريكية التي يقودها مسؤولون بارزون هم في الأصل مطوّرون عقاريون، بدءاً من ترامب، مروراً بصهره، وصولاً إلى مستشاره للشرق الأوسط، تتصالب مع إعلانات سابقة روّجت لها شركات عقارات إسرائيلية، أعلنت عن عزمها تنفيذ عقارات فاخرة على سواحل غزة، إلا أنها سرعان ما تراجعت عن إعلاناتها بعد أن أثارت الجدل، مؤكدة أنها كانت "مجرد مزحة".

المزحة السابقة لم تكن الأولى من نوعها، ولم تكن حتى مجرد مزحة، فوفق ما كتبه الكاتب الأسترالي أنتوني لوينشتاين، في كتابه "رأسمالية الكوارث: كيف تبني الحكومات والشركات أرباحاً طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية"، دأبت الشركات الدولية، التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي مقرّاً لها، على استغلال مثل هذه الظروف لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح.

ويستعرض الكاتب عدداً من النماذج التي وقعت في كل من باكستان وأفغانستان واليونان وهايتي وبابوا غينيا الجديدة وسوريا وليبيا، حيث كانت الشركات الدولية حاضرة في كل مأساة عانتها هذه البلدان.

رصدت تقارير أممية تآمراً بين الشركات متعدّدة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية، وقوات الأمم المتحدة المسلحة، وجماعات المعونة، في عدد من المواقع التي تشهد نزاعات في العالم، ومن بينها سوريا، والتي عمل الجميع على إطالة أمد الحرب فيها، طمعاً في تحقيق أكبر قدر من المكاسب

 ويشير لوينشتاين في مقدمة كتابه، إلى أنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر،  وما تبعها من عمليات عسكرية تحت مسمى "الحرب على الإرهاب"، حققت الشركات الدولية أرباحاً طائلة، مستشهداً بالثروات الضخمة التي حققتها شركة "سي أيه سي آي CACI" الأمريكية، التي تخصّصت في توفير المحققين لسجن أبو غريب في العراق، والتي كانت متواطئة في ممارسات تعذيب العراقيين، على حد وصفه، وكذلك شركة "بوينغ Boeing"، عملاق الطيران الأمريكي، التي سيّرت رحلات استثنائية لنقل أشخاص مشتبه بهم من أجل تعذيبهم في السجون التي تشرف عليها الإدارة الأمريكية.

ويرصد الكاتب ما قاله وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند، عام 2011، وبينما كانت طائرات حلف "الناتو" تدكّ المواقع المدنية في ليبيا، التفت المسؤول البريطاني إلى الشركات الدولية في بلاده قائلاً: "على الشركات أن تحزم حقائبها"، استعداداً لحيازة عقود البناء الناتجة عن إعاد الإعمار، بعد أن ينهي الحلف حملاته ضد نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.

ويقول لوينشتاين إن المكاسب لم تتوقف هنا، بل كانت الشركات الدولية العاملة في مجالات الأمن الخاص، وتوريد المرتزقة، وإعادة الإعمار، تبحث عن نصيبها من الغنائم، في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن حربها الدولية على تنظيم داعش في العراق وسوريا، لافتاً إلى أن تقارير أممية رصدت تآمراً بين الشركات متعدّدة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية، وقوات الأمم المتحدة المسلحة، وجماعات المعونة، في عدد من المواقع التي تشهد نزاعات في العالم، ومن بينها سوريا، والتي عمل الجميع على إطالة أمد الحرب فيها، طمعاً في تحقيق أكبر قدر من المكاسب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image