عيد ميلاد ملك الغد في المغرب... شموع وحلوى وآمال سياسيّة

عيد ميلاد ملك الغد في المغرب... شموع وحلوى وآمال سياسيّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

قبل 22 عاماً، أبصرَ النور من اختاره القدر ليكون ملكاً في قادم الأيام. ففي صباح يوم الخميس 8 أيار/ مايو 2003، استيقظت العاصمة المغربية الرباط على وقع لحظة استثنائية، حين دوّت 101 طلقة مدفعيّة، في سماء المدينة، مُعلنةً للعالم قدوم مولود ملكيّ عمّت البهجة بقدومه أرجاء القصر.

لم تكن تلك الطلقات مجرد بروتوكول تقليدي، بل كانت ترنيمة فرح امتدّ صداها إلى خارج أسوار البلاط، إيذاناً ببداية فصل جديد من حكاية أسرة تعاقبت على حكم المغاربة لمئات السنين.

سيجد الملك المستقبلي أمامه سجلّاً حافلاً بثلاث تجارب كبرى، يمكن أن تشكّل له دليلاً في البحث عن المسار الأسلم لرسوّ القارب المغربي على شاطئ الأمان الديمقراطي.

لم يعد الأمير طفلاً صغيراً، بل أصبح شاباً يافعاً يحمل على عاتقه إرثاً تاريخياً وثقلاً ملكياً يمتد إلى أربعة قرون. لقد تجاوز وليّ العهد المغربي مولاي الحسن بن محمد، مرحلة الطفولة الذهبية التي ينعم بها كل من اختاره الله ليكون أميراً، ليقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من حياته، يواجه فيها تحديات المستقبل وأعباء القيادة التي تنتظره، بعد عمر مديد لوالده الملك.

مثل كل الدول التي تعيش في ظلّ نظام ملكي، تحظى أخبار الملك وأبنائه وإخوته باهتمام واسع من الجمهور الذي يترقّب كل جديد يتعلّق بالعائلة الملكية، سواء في الشؤون الرسمية أو في حياتهم الشخصية. وعلى الرغم من أنّ الاقتراب من أخبار الأسرة الملكية ظلّ تمريناً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للصحافة المغربية، إلا أنّ ذلك لم يمنع وسائل الإعلام والمواطنين من متابعة تفاصيل حياة أفرادها باهتمام بالغ.

وعلى مدار 22 عاماً من الحياة الأميرية، أبدت السلطة نوعاً من المرونة في التعاطي مع أخبار وريث محمد السادس، حيث واكب جزء من الصحافة المستقلة أهم محطات حياته، منذ أول ظهور رسمي له بجانب والده. بل إنّ القصر الملكي كان أول من ساهم في تحويل الأمير الصغير إلى شخصية عامة، من خلال نشر صور عائلية متحرّرة من قيود البروتوكول، تُظهره في حضن والدَيه وهو يُطفئ شموع حلوى عيد ميلاده.

المثير في تعاطي المغاربة مع أخبار أميرهم، هو أنّ كثراً منهم لا يُخفون، عند متابعتهم تحرّكاته، تشابهاً لافتاً بين وبينه جدِّه، الملك الراحل الحسن الثاني، دفع الكثيرين إلى تأكيد أنّ من سيحمل لقب "الحسن الثالث" في المستقبل يُعدّ نسخةً متجدّدةً من الحسن الثاني

لكن نقطة التحول في حياة الأمير، بدأت بحصوله على شهادة البكالوريا صيف 2020، وظهوره لأول مرة بجانب والده الملك في مجلس للوزراء انعقد في ذروة فترة الحجر الصحي إبّان جائحة فيروس كورونا. ولم تمضِ سوى بضعة أشهر حتّى وجد الأمير الشاب نفسه وليّاً للعهد بشكل كامل، بعد بلوغه ربيعه الثامن عشر، الذي يُعدّ السنّ القانونية لتولّي الحكم في المغرب.

إلا أنّ المثير في تعاطي المغاربة مع أخبار أميرهم، هو أنّ كثراً منهم لا يُخفون، عند متابعتهم تحرّكاته، تشابهاً لافتاً بينه وبين جدِّه، الملك الراحل الحسن الثاني، دفع الكثيرين إلى تأكيد وجود نقاط شبه قويّة بين الحفيد والجدّ، عادّين أنّ من سيحمل لقب "الحسن الثالث" في المستقبل، يُعدّ نسخةً متجدّدةً من الحسن الثاني.

هذا الأمير، الذي احتفل هذا الأسبوع كأيّ شاب في عُمره بعيد ميلاده، قَدَرهُ أن يصبح حاكماً في مرحلة مفصليّة من التاريخ الإنساني، في زمن يتطلّب حكمةً ودهاء كبيرين يتجاوزان حدود المألوف.

ولأن لا شيء في مسار الملوك يحدث صدفةً، فالملك المغربيّ المستقبليّ سيجد نفسه في مواجهة تحديّات لا تنبع بالضرورة من لحظتها الراهنة، بل تمتد جذورها في عمق التاريخ، وتتغذّى من سياقات اجتماعية واقتصادية معقّدة، تتطلّب رؤيةً بعيدة المدى، وقدرةً على إقامة توازن سليم بين ثوابت المجتمع وتحولات العصر.

ولعلّ التحدّي الأبرز الذي سيُوضع على عاتق الحسن الثالث، يتمثّل في رسم مسار يُفضي بالمملكة المغربيّة إلى انتزاع بطاقة عضوية ضمن نادي الديمقراطيات الحديثة، لا كمجرد تابع، بل كصوت وازن يفرض حضوره برصيد من الشرعية الشعبية والتاريخية.

سيجد الملك المستقبلي أمامه سجلّاً حافلاً بثلاث تجارب كبرى، يمكن أن تشكّل له دليلاً في البحث عن المسار الأسلم لرسوّ القارب المغربي على شاطئ الأمان الديمقراطي: تجربة جدّه الأكبر، السلطان محمد الخامس، الذي لم يُسعفه الوقت لإيجاد أرضية توافقية مع قيادات الحركة الوطنية التي ساهمت في عودته إلى العرش بعد أن قام الاستعمار الفرنسي بنفيه إلى مدغشقر، وتجربة جدّه، الملك الحسن الثاني، الذي استلم الحكم في سياق تاريخي بالغ التعقيد، كاد أن يعصف بالبلد في أكثر من محطة، لكنه نجح في ترسيخ أسس الدولة الحديثة وسط بحر من الأمواج المتلاطمة، ثم إرث والده، الملك محمد السادس، الذي لم يُخفِ، منذ اعتلائه العرش، نيته الديمقراطية ورغبته في جعل المغرب نموذجاً للإصلاح التدريجي الهادئ، فبادر إلى إطلاق ورشات كبرى في مجالات العدالة الانتقالية، والبنية التحتيّة، وتمكين المرأة، غير أنّ مسار التحديث لم يَخلُ من عراقيل بنيوية وتحديات سياسية واجتماعية عميقة، جعلت الوصول إلى ديمقراطية فعلية أمراً مؤجّلاً أكثر منه منجزاً.

الملكيّة، كي تظلّ نبضاً حيّاً في قلب المغاربة، يلزمها أن تدخل، بإرادة متجدّدة، زمن الإصلاح والانفتاح على رهانات العصر، حتى تبقى حاضرةً في الزمن، وفاعلةً في التاريخ. هذا هو التحدّي الذي ينتظر ملك المغرب المقبل

خلال استضافته في منتصف تسعينيات القرن العشرين، في برنامج "7/7"، الذي كانت تقدّمه نجمة التلفزيون الفرنسي آن سان كلير، والتي كادت أن تصبح السيدة الأولى لفرنسا عام 2012، لولا جريمة زوجها دومينيك ستروس كان، في فندق "سوفيتيل" في نيويورك، قال الحسن الثاني، ردّاً على سؤال كلير، حول ما إذا كانت الأمور ستكون أسهل بالنسبة لولي عهده محمد السادس لدى وصوله إلى سُدّة الحكم:

"لا أتمنى أن تكون الأمور سهلةً عليه، لأنّ في سهولتها إشارةً إلى أنّنا لم نعد في حاجة إليه. أرجو أن تكون صعبةً، لأن ذلك سيُثبت أنّنا ما زلنا في حاجة إلى الملكيّة لتؤدّي دورها كخادم أول للمملكة".

لقد أثبَتت السنوات أنّ الحسن الثاني كان على حقّ، وما لحظة ربيع العام 2011، الذي تحوّل إلى خريف، سوى شاهد ناطق على صدق رغبته ودقّة تقديره للرهانات القادمة. فالحاجة إلى الملكيّة لم تنتقص، بل تعاظمت في زمن تتقاطع فيه الأزمات وتتسارع فيه التحوّلات، والمغاربة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يستندون إلى هذه المؤسسة كركن للاستقرار وضامن لـ"التماسك الوطني". غير أنّ هذه الملكيّة، كي تظلّ نبضاً حيّاً في قلب الأمة، يلزمها أن تدخل، بإرادة متجدّدة، زمن الإصلاح والانفتاح على رهانات العصر، حتى تبقى حاضرةً في الزمن، وفاعلةً في التاريخ. هذا هو التحدّي الذي ينتظر ملك المغرب المقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image