شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
نفوذ وصلاحيات واسعة لمستشاري الملك المغربي... هل هم

نفوذ وصلاحيات واسعة لمستشاري الملك المغربي... هل هم "حكومة الظلّ"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 28 أبريل 202302:57 م
Read in English:

A shadow government in Morocco? The reach and sway of the King's advisors

في عزّ انتشائه بحلول حزبه، أوّلاً في الانتخابات التشريعية التي تلت حركة 20 شباط/ فبراير، وتشكيل دستور جديد عام 2011، في المغرب، دخل حزب العدالة والتنمية المغربي في شنآن مع مستشاري الملك محمد السادس، ما اضطرّ رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، والأمين العام للحزب، إلى تقديم اعتذار لمستشاري الملك.

جاء الاعتذار، الذي أثار جدلاً واسعاً حينها في الأوساط السياسية والصحافية، بعد تلميحه تارةً، والتصريح تارةً أخرى، بصعوبة التواصل مع مستشاري الملك، خصوصاً على إثر مقال نشرته جريدة "الصباح" المغربية في عددها الصادر يوم الخميس 9 آب/ أغسطس 2012، تحت عنوان "بنكيران: لا تواصل بيني وبين محيط الملك".

في بيان صحافي، قال رئيس الحكومة آنذاك: "إنني لا أملك إلا أن أعتذر لجلالة الملك عن أي إساءة غير مقصودة أكون قد تسببت فيها ومن خلاله لمستشاريه المحترمين"؛ وهو البيان الذي عمّمته وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية في 10 آب/ أغسطس 2012.

مستشارو الملك... تزايد في النفوذ

جاء في كتاب "مستشارو الملك من ظل الحكم إلى ظل الحكومة"، لمُؤَلِّفِه محمد شقير، أنه "على الرغم من الحركية التي عرفها المغرب، والتي ترتب عنها التصويت على دستور تموز/يوليو 2011، الذي منح صلاحيات لرئيس الحكومة بما فيها توسيع مجال التعيين في بعض المؤسسات العمومية، وتعيين حكومة عبد الإله بنكيران، فإن هذا لم يمنع المتتبعين من تسجيل تزايد نفوذ مستشاري الملك في تسيير الشأن العام والتأثير على توجهاته ومعالمه".

بذلك، يُعدّ المستشار الملكي، وفق شقير، من "ضمن الشخصيات المقربة من دائرة أو محيط الملك سواء من خلال طبيعة العلاقة التي تجمع الملك ببعض مستشاريه (المستشار صديق الملك)، أو من خلال اعتباره كقناة للاتصال بالملك، أو من خلال عملية قربه من عملية صنع القرار الملكي".

في كتابه عن مستشاري الملك المغربي يقوم المؤلف محمد شقير بتتبّع السلوك السياسي الذي ينتجه المستشارون وأدوارهم في تنظيم الحياة السياسية

يورد الكتاب، في سياق تطرقه إلى قرب المستشارين من الملك، نموذج المستشار الراحل أحمد رضا كديرة، الذي كان قريباً جداً من الملك الراحل الحسن الثاني، وقد تجاوزت علاقتهما علاقة ملك بوزير أو مدير ديوان أو مستشار ملك، بل كانت علاقةً خاصةً قوتها أسرار خاصة لا يعلمها أحد.

اليوم، وفي ظل حكم الملك محمد السادس، يبرز اسم المستشار فؤاد عالي الهمة، الذي حظي دون غيره من أصدقاء الملك، باهتمام من طرف الفاعلين السياسيين، أو من طرف الصحافة؛ بالنظر إلى قربه من الملك.

يضيف شقير في كتابه: "تكتسي علاقة الملك بمستشاريه أبعاداً خاصةً نابعةً من استفراد الملك شخصياً باختيار مستشاريه، وكذا لاشتغالهم ضمن الدائرة المقربة من الملك، بالإضافة إلى طبيعة واختلاف شخصيات المستشارين. (...) فهذه العلاقة تتحدد وفق الطابع المزاجي لشخصية الملك، والأبعاد الشخصية التي تربط الملك بمختلف مستشاريه. وهكذا، فإن العلاقة التي تربط الملك بمستشاريه تكون ذات طابع شخصي لا تنظيمي".

المستشار وصلاحيات الملك

يرتبط الدافع في أن يحيط الملك نفسه بمجموعة من المستشارين، بتصدّره للنظام بصلاحياته الواسعة، التي تكاد تكون شبه مطلقة، ما يجعل منه الشخصية المحورية في اتخاذ أهم القرارات الإستراتيجية، سواء على الصعيدين السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي، ما يتطلب وجود مستشارين للملك يُكلّفون بتهيئة مجموعة من الملفات الحساسة التي تُعرض على عاهل البلاد للبت فيها، وفق كتاب "مستشارو الملك...".

في المُؤَلَّف نفسه، يحدد شقير "الخبرة والولاء، كأهم شروط إدماج هذه الشخصيات ضمن الدائرة المقربة من الملك"، لافتاً إلى أن "النظام المخزني بالمغرب، تميز بمهارة فائقة في اقتناص الكفاءات التي يمكن الاعتماد عليها في تسيير دواليب الدول؛ إذ يتم عادةً استقطاب مجموعة من الشخصيات السياسية والتقنوقراطية لتعيينها ضمن مستشاري الملك".

اليوم، وفي ظل حكم الملك محمد السادس، يبرز اسم المستشار فؤاد عالي الهمة، الذي حظي دون غيره من أصدقاء الملك، باهتمام من طرف الفاعلين السياسيين، أو من طرف الصحافة

لكن يتبيّن، وفق الكاتب نفسه، "أنه من الصعب جداً تحديد الدور السياسي الذي يلعبه مستشارو الملك في نظام سياسي كالنظام المغربي. فخاصية هذا النظام تقوم بالأساس على الاستشارة بامتياز نظراً للاعتبارات الدينية والمخزنية التي يستند عليها، وأيضاً للمرجعية التيوقراطية التي يتمأسس عليها، وكذلك للطابع الشخصي الذي يميزه".

الاستشارة وممارسة الملك للسلطة

يوضح شقير، أنه "إذا رجعنا إلى التصور الذي يحكم ممارسة السلطة بالمغرب، نجد أن المؤسسة الملكية هي التي تتحكم في اتخاذ القرار السياسي، بل حتى في تنفيذه. إذ بدون الطابع الشريف؛ تبقى كل القرارات السياسية بدون تنفيذ. وبالتالي فإن احتكار القرار السياسي يبقى السمة الغالبة التي تطبع الدينامية الداخلية للنظام المغربي".

ويشير كتاب "مستشارو الملك"، إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني، حدّد "هذه الدينامية من خلال عدة خطب وإشارات عبّر فيها عن تصوره لممارسة السلطة والتي يجب أن تتم في نظره من خلال الاستشارة. (...) بحيث أن الديمقراطية في نظر العاهل المغربي هي نوع من الاستشارة والتشاور".

لهذا، يذهب شقير في كتابه، إلى "أن الاستشارة هي التي تحكم ممارسة الملك للسلطة؛ فكل النواب والوزراء وكبار الموظفين السامين، وزعماء الأحزاب والنقابات وباقي رؤساء الهيئات السياسية الأخرى هم قبل كل رجال الاستشارة يمكن أن يستشيرهم الملك في كل قرار يتخذه".

تؤكد هذا التصور، "المنظومة المؤسساتية المحيطة بالملك؛ فكل المجالس التي يتم خلقها تحمل هذا الطابع الاستشاري، خاصةً تلك التي تكتسي صبغةً سياسيةً خاصةً. (...) وبالتالي فإن تعيين مجموعة من الشخصيات كمستشارين للملك لا يخرج عن الإطار العام الذي تتحرك فيه الممارسة الملكية للسلطة"، يضيف الكاتب.

الدستور وصلاحيات المستشارين

إذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن تحديد صلاحيات مستشاري الملك في غياب نصوص دستورية أو تنظيمية تحدد وظائفهم وصلاحيتهم؟

يرى شقير في كتابه أنه يمكن من خلال تتبّع النشاط الرسمي لهؤلاء المستشارين توزيع مهامهم وتحديد طبيعتها"، مضيفاً أن "طبيعة الملفات وظرفيتها التحيينيّة تلعب دوراً كبيراً في تحديد طبيعة المهام الموكلة لهؤلاء المستشارين".

على هذا الأساس، فإن "أعضاء الديوان الملكي، بمن فيهم من مستشارين، عادةً ما يقومون بإبداء آرائهم حول جميع القضايا التقنية ويعطون انطباعاتهم حول الاقتراحات الحكومية متسلحين في هذا بالثقة الملكية التي يحظون بها وبالكفاءات التي يتمتعون بها سواء على المستوى التقني أو على المستوى القانوني"، بحسب ما جاء في الكتاب نفسه.

حرص المُؤَلِّف على تبيان دور الديوان الملكي، الذي يعدّه "من أهم الأجهزة الحسّاسة داخل النظام السياسي المغربي. فهو بمثابة حكومة ظلّ تقوم برسم معالم السياسة العامة للبلاد والإشراف على سير الدواليب الحكومية والإدارية للدولة. فعادةً ما تُبعث كل قرارات الوزارات التي تحتاج لقرار ملكي إلى الديوان الملكي".

يعطون آراءهم حول جميع القضايا التقنية ويعطون انطباعاتهم حول الاقتراحات الحكومية متسلحين في هذا بالثقة الملكية

أكثر من هذا، يسجل شقير أن "مهام المستشارين لا تقتصر على تهييئ الملفات والإشراف عليها، بل كان يتجاوز ذلك إلى تحديد لوائح التعيينات الوزارية"؛ ولهذا حدث أن فرض بعض المستشارين في العديد من المرات وزراء غير حزبيين على أحزاب معينة!

كما أن مستشاري الملك يمكنهم أيضاً أن "يساهموا في تدبيج بعض المكاتبات الملكية كوثيقة البيعة ومشاريع الدساتير الملكية، والرسائل التي يوجهها الملك إلى مختلف الملتقيات والمنتديات والمناظرات التي تُنظَّم تحت الرعاية الملكية، والظهائر الملكية بالإضافة إلى الخطب الملكية التي تعتبر من أهم الأشكال والصيغ التي تعلن من خلالها القرارات التي تحدد السياسية العامة للدولة"، يردف المصدر نفسه.

ويبرز كتاب "مستشارو الملك..."، أن المستشار الملكي كان كذلك، "بمثابة قناة اتصال سياسي يقدم من خلالها الملك بعض مقترحاته وعروضه السياسية على مكونات المعارضة سواء بتشكيل حكومة، أو تقديم مبادرة"، لافتاً إلى الدور الكبير الذي لعبه مستشار الملك الراحل إدريس السلاوي، في عرض مبادرة التناوب التي أسفرت عن تشكيل حكومة ترأسها حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري الذي كان على رأسه الراحل عبد الرحمن اليوسفي.

المستشارون... "حكومة ظل"

يبدو من خلال ذلك كله، أن "الهالة التقديسية" التي يحاط بها شخص الملك في المغرب، "تسمح بضرورة أن تكون للملك مجموعة من الشخصيات المحيطة به تعتبر كنوابض سياسية تخفف من أية مواجهة مباشرة أو تعرض مباشر لسياسة الملك أو لشخصه. (...) هي بمثابة واقية سياسية توجه لها كل سهام النقد والتجريح التي تكون بالأساس موجهةً إلى السياسة الملكية أو لشخص الملك مباشرةً"، يورد المُؤَلِّف في كتابه.

وخلص محمد شقير، في كتابه "مستشارو الملك من ظل الحكم إلى ظل الحكومة"، أنه "في نظام ما زال محافظاً على استمرارية الملك في احتكار كل السلطات والصلاحيات، وفي نظام ملكي مشخصن، فإنه من الضروري أن يحيط الملك نفسه بمجموعة من الشخصيات المقربة التي تجسد سلطته وتنفذ تعليماته، وتعكس إرادته (...)، مما أدى إلى حدوث مجموعة من الاحتكاكات بين مستشاري الملك وبعض مكونات المشهد السياسي، مما جعل هؤلاء المستشارين بمثابة حكومة ظل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image