من

من "الكرباج" إلى ليلة الحنّاء فالرقص… كيف يودّع عرب "عزوبيّتهم"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الجمعة 9 مايو 202503:57 م

تزخر البلدان العربية بطقوس وتقاليد فريدة تسبق ليلة الزفاف. وتُعدّ فترة توديع العزوبية من أهم المحطات في رحلة الشاب والفتاة نحو الحياة الزوجية. هذه الاحتفالات لا تقتصر على كونها مجرد فعاليات ترفيهية، بل تمثّل موروثاً ثقافياً غنياً ومتنوعاً يعكس هوية كل منطقة وخصوصيتها التراثية. 

فبين نقوش الحنّاء وطقوس الحمامات التقليدية التي تكاد تندثر، مروراً بالرقصات الشعبية، تتعدد مظاهر احتفال الرجال بالعريس من بلد عربي إلى آخر، كيف يحتفل الرجال في الوطن العربي بتوديع العريس للعزوبية؟

استعدادات بالحنّاء والتزيين في مصر

ليلة الحنّاء في العادة، هي الليلة التي تسبق حفل الزفاف بيوم أو يومين، وبحسب عميد معهد الفنون الشعبية المصري السابق، الدكتور مصطفى جاد، فإنّ العريس يستعدّ في تلك الليلة بالحلاقة والتزيّن، ويرافقه في ذلك أصدقاؤه المقربون، ويشمل هذا الاستعداد "حمام العريس"، سواء أقيم في المنزل أو في حمام شعبي تقليدي، علماً بأنّ هذه الحمامات قد تطورت لتقدّم خدمات متكاملةً لتجهيز العريس.

ويضيف خبير التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، لرصيف22، إنّ يوم الحنّاء يرتبط تقليدياً بالعروس، ولم يكن من المعتاد في الماضي أن يحضره العريس، لكن في بعض البيئات والمجتمعات، يقيم العريس أيضاً حفل حنّاء خاصاً به يحضره أهله وأصدقاؤه، حيث تُنقش الحنّاء على يديه وقدميه وسط أجواء من الرقص والزغاريد.

وتُتوَّج هذه الاستعدادات بالاحتفالية الكبرى، وهي حفل الزفاف نفسه الذي يضمّ كل الاحتفالات السابقة، والتي قد يحتفل فيها العريس مع أصدقائه. قد تمتدّ احتفالات الزفاف لأيام، لكن اليوم المرتبط بمراسم الزفاف الفعلية هو الأهم، وأحياناً يتم عقد القران في اليوم ذاته، حيث يعلن المأذون الزواج رسمياً، وذلك بحسب جاد.

"الكرباج" يلازم العريس

يقول مختار عدلي، أحد أبناء النوبة في مصر: "قبل 24 ساعةً من يوم الحنّاء، تجتمع النساء لوضع الحنّاء (الحنّة) على يدَي العريس وقدمَيه، وفي تلك الليلة، يستقبل العريس أصدقاءه ويقيم لهم وليمة عشاء، ويبدأ الجميع بالغناء والاحتفال. ومن العادات اللافتة أن يحمل العريس كرباجاً أو سيفاً، كرمز للسيطرة والسلطة والقيادة في بيته الجديد، كما تُنصَب في بيت العريس مظلّة كبيرة تُعرف بـ'الكرة'، ليجلس تحتها المدعوون، وكأنهم جميعاً في كنفه وتحت رعايته".

ويشير عدلي، في حديثه إلى رصيف22، إلى خروج العريس بصحبة أصدقائه قبل أسبوع من موعد الزفاف تقريباً، حيث يستقلّون سيارةً مزوّدةً بمكبّرات صوت، ويتنقلون بين القرى لدعوة الأقارب والمعارف لحضور حفل الزفاف.

ويوضح عدلي، أنه في الماضي، كانت الأفراح تستمر لأكثر من أسبوع، لكن الأمر اقتصر في الوقت الحاضر على ثلاثة أيام، وظهرت "الحنّة الكدابة"، حيث يقف العريس بعد صلاة العشاء أمام منزله، فتعجن النساء الحنّاء وتنقشها له، ثم يقوم أهل بيته ومعارفه بوضع الحنّاء أيضاً تحت المظلّة. 

تُعدّ ليلة الحنّاء محطة أساسية لتوديع العزوبية، إذ يُشارك العريس أصدقاءه وأقاربه في طقوس تشمل الحلاقة، الاستحمام التقليدي، ونقش الحنّاء، في أجواء يغلب عليها الغناء والرقص. هذه الممارسات تُبرز الأبعاد الجماعية للتحضير النفسي والجسدي للزفاف، وترتبط بالموروث الشعبي والهوية المحلية

وتشترك مناطق عدة داخل مصر في تلك الاحتفالات، سواء في وجه بحري أو وجه قبلي، وكثيراً ما يكون الرقص تراثياً أو بالفرس للتعبير عن السعادة، لكن هناك مناطق تتميز بعادات خاصة، وتحديداً التي تسكنها قبائل مثل سيوة وسيناء ومطروح. 

"العرضة"… احتفاء بالرجولة في السعودية

تتمتع المملكة العربية السعودية، بتنوع ثقافي كبير ينعكس أيضاً على طرائق الاحتفال بالعريس قبل الزواج، وإن كانت بعض الطقوس التقليدية قد بدأت بالتغيّر مع الأجيال الجديدة، وذلك بحسب محمد الفزيع (35 عاماً)، من المنطقة الشرقية، الذي يقول إنّ حضور أصدقاء العريس ورقصة العرضة الشعبية يميّزان تلك الليلة.

ويلفت الفزيع، في حديثه إلى رصيف22، الانتباه إلى الاختلافات البارزة في الاحتفالات بين مناطق المملكة المختلفة، ويضيف: "على سبيل المثال، في المنطقة الجنوبية، تتميز طقوس الضيافة والترحيب بالضيوف، بأسلوب فريد يختلف عن بقية المناطق، كما أنّ رقصة العرضة لديهم تختلف في تفاصيلها وحركاتها عن مثيلتها في المنطقة الغربية، على الرغم من وجود قواسم مشتركة تجمع معظم الاحتفالات في المملكة". 

يحمل العريس في بعض مناطق السودام كرباجاً أو سيفاً خلال الاحتفالات، كرمز للرجولة والقيادة داخل البيت الزوجي. في السودان، تصل الرمزية ذروتها بضرب العريس لأصدقائه بالسوط.

ويكمل موضحاً: "كذلك تظهر اختلافات في أنماط الغناء والأهازيج المستخدمة في المناسبات، فكل منطقة تعكس طابعها الثقافي الخاص وهويتها الفريدة من خلال هذه الفنون الشعبية التي تصاحب الأفراح والاحتفالات".

طقوس يمنية أصيلة وموروثات غنيّة

تتباين العادات والتقاليد المتعلقة بالزواج في اليمن، وفي هذا الشأن يشرح الباحث اليمني في التراث والفولكلور، يوسف المجيدي، أنّ من العادات الراسخة أن يقيم العريس وليمةً كبيرةً يدعو إليها الأهل والأصدقاء والجيران. 

في ذلك اليوم، يرتدي العريس زيّاً مميزاً، ويوضح المجيدي، لرصيف22، أنّ "الزيّ اليمني التقليدي، يتكون غالباً من جزأين؛ الجزء العلوي ويسمّى الزنة، والجزء السفلي وهو المِعوّز، ويتمنطق العريس بالجنبية (الخنجر اليمني الشهير)، ويرتدي صدريةً مطرزةً، ويربط على رأسه مشدّةً أو غترةً أو شالاً، وعادةً ما يُخصَّص شخص لمساعدة العريس في ارتداء ملابسه والعناية بمظهره، كما يحمل العريس السيف أو البندقية كرمز للرجولة والمكانة، ويحتفل برفقة أصدقائه".

ويختتم المجيدي، حديثه بالإشارة إلى اختلاف توقيت بعض الطقوس. يقول: "في بعض المناطق، يُخصَّص يوم لالتقاط الصور التذكارية للعريس قبل يوم الزفاف، بينما في مناطق أخرى يتم الجمع بين التصوير والاحتفال وزفّة العروس في يوم واحد".

ومن جهة أخرى، يوضح الباحث في التراث اليمني، الدكتور رفيق العكوري، أنّ الاحتفال بليلة الحنّاء، من العادات المنتشرة في بعض مناطق اليمن، ولا سيما المناطق الساحلية مثل عدن والحديدة وحضرموت، وقد انتقلت هذه العادة في السنوات الأخيرة إلى معظم أنحاء اليمن.

ويقول لرصيف22: "في صنعاء، يُكتفى بتحنية باطن كفّ العريس أو إصبعه الصغير، أما في الحديدة وعدن، فتتّسم الليلة بطابع مرح واحتفالي، حيث يجتمع أصدقاء العريس ويرشّون الحنّاء على بعضهم بعضاً وسط أجواء غنائية راقصة. وفي حضرموت، يجلس العريس على فرشة باسطاً رجليه على وسادة، ويقوم اثنان بطلاء قدميه بالحنّاء ثم إزالتها بمنشفة، وبعد ذلك، يؤدي العريس رقصةً خفيفةً برفقة والده وإخوته وأصدقائه، مستعرضاً نفسه أمام أهل العروس الذين يحضرون السهرة".

ويضيف: "يتمّ إحياء هذه الليلة على أنغام طبول رقصات 'الزربادي'، أو من خلال حفل فنّي تحييه فرقة موسيقية ومطرب شهير يؤدي مجموعةً من أغانيه المعروفة، تتخللها أغانٍ محلية خاصة بطقس الحنّاء".

الاحتفال بضرب السوط في السودان

في السودان، تتخذ احتفالات ما قبل الزفاف طابعاً خاصاً يعكس التنوع الثقافي الهائل للبلاد، وذلك بحسب شرح الباحثة في التراث الشعبي السوداني، تماضر مبارك، التي تقول: "احتفالات ليلة الحنّة قد تستمرّ ثلاثة أيام، ومن الممكن أن يتبرع الأخ أو الأخت أو الخال أو الخالة بتكاليف ليلة حنّاء كاملة، بما في ذلك مصاريف الفنان والولائم، وقد تُخصَّص ليلة للأهل والأقارب، وأخرى للأصدقاء".

وتضيف الباحثة في التراث والفلكلور السوداني، لرصيف22: "في كل ليلة من ليالي الحنّاء، يرتدي العريس زيّاً جديداً ومختلفاً، ويكون له شخص مقرب يقوم بدور 'الوزير'، أي الذي يساعده في اختيار ملابسه وتجهيزه، مثل ارتداء الثوب السوداني المعروف بـ'الثرتي'، والطاقية المزيّنة بالهلال، وأحياناً يرتدي العريس خرزةً كبيرةً كنوع من التميمة. ومن الضروري أن يحمل العريس سيفاً، وغالباً ما يكون سيفاً أثرياً متوارثاً، كرمز للشجاعة والمكانة". كما تُذبح في هذه الليلة الخراف والعجول لإقامة الولائم، ويعتمد عدد الذبائح على القدرة المالية للعائلة.

تختلف العادات والتقاليد والرقصات والأغنيات بشكل كبير بين مناطق السودان المختلفة في ليلة الحنّاء، فبحسب تماضر، يبرز الرقص بالسيوف في شرق السودان، كجزء أساسي من الاحتفالات، وفي هذه الرقصة تحديداً، يشترك الرجال والنساء بحركات انسيابية متناغمة، أما في غرب السودان، فيتميّزون بضرب الأرض بالأقدام بقوة في أثناء الغناء والرقص، تعبيراً عن الحماسة والفرح.

وتذكر الباحثة في التراث الشعبي، عادةً فريدة في منطقة الجعليين، إذ تقول: "يجلس أصدقاء العريس على ركبهم وأيديهم خلف ظهورهم، أو يقفون، ويقوم العريس بضربهم بالسوط (الكرباج)، على ظهورهم، ويُنظر إلى هذه العادة على أنها تعبير عن الشجاعة والرجولة والقدرة على التحمّل والافتخار بالعريس، وقد رأيت بنفسي رجلاً مسنّاً يُصرّ على الوقوف بجوار الشباب لتلقّي ضربات السوط، وبعد انتهاء الضرب، يقف الجميع في دوائر ويرقصون احتفالاً بالعريس".

يشكّل الحمّام الشعبي في دمشق طقساً محورياً في ليلة العريس، يُرافقه الأصدقاء وتتخلله مدائح نبوية، في حين تُقام في درعا وسائر مناطق الجنوب ولائم ضخمة قد تشمل ذبح عشرات الخراف. تؤكّد هذه الطقوس على البعد الجمعي والكرم كمكونين أساسيين في العرس الشامي والسوداني

من جهته، يؤكد خالد الجيلي، وهو مواطن سوداني، أهمية مرحلة الحنّاء، قائلاً: "يتم فيها وضع خليط الحنّاء الأخضر على يدَي العريس ورجلَيه، كما تُزيّن العروس بالحنّاء أيضاً، ويشارك في احتفالية كبرى أصدقاء العريس بالرقصات الشعبية الجماعية وتقديم الهدايا له". 

ويضيف لرصيف22، أنّ مراسم الزفّة الفعلية تبدأ في صباح يوم الزفاف بإقامة وليمة كبيرة يُدعى إليها الأهل والأقارب، وتتضمن المراسم طقس "الجرتق"، وهو عبارة عن صينية مزيّنة باللون الأحمر ومليئة بالعطور السودانية التقليدية.

العرس الشامي

يقول عامر الصوامعي، وهو سوري الجنسية، إنّ العرس الشامي في موطنه دمشق، لا يكتمل دون أن يذهب العريس مع أصدقائه إلى الحمّام الشعبي، ويُعدّ هذا طقساً تقليدياً ضرورياً. ومن العادات الطريفة أن يقدّم الأصدقاء للعريس "ليفةً ناشفةً" كتذكار حتى لا ينسى تلك الليلة.

ويضيف لرصيف22: "بعد الحمّام، يُستكمل الاحتفال بالأغاني والأناشيد والمدائح النبوية، أما في منطقة درعا وجنوب سوريا، فتُقام الولائم الكبيرة، ويُشترط ذبح نحو أربعين خروفاً لإحياء الليلة والاحتفال بها على أكمل وجه".




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image