شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أشهر النساء قبل الإسلام ممن خلّدتهن الأشعار وذكرتهنّ الأمثال

أشهر النساء قبل الإسلام ممن خلّدتهن الأشعار وذكرتهنّ الأمثال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء نحن والتاريخ

الأربعاء 30 أبريل 202512:33 م

مع بزوغ فجر الإسلام وبداية الرسالة المحمدية التي كانت بمثابة ثورة ضد الجهل والتخلف والعبودية والتبعية والانغلاق، اكتسبت المرأة العربية المزيد من الحقوق والحريّة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ المرأة في مرحلة ما قبل الإسلام كانت تعيش في الهامش بسبب تقسيم المجتمع الأنثوي إلى حرّات و إماء، كحال المجتمع الذكوري المقسّم إلى سادة وعبيد.

كانت المرأة قبل الإسلام، فاعلةً ومؤثّرةً، وكان لها حضور مجتمعي لا يمكن إهماله أو التقليل منه، إلى درجة أنها كانت تُذكر في الأشعار والأمثال، وليس المقصود هنا بالضرورة قصائد الغزل والنسيب التي تركّز على الجانب الخلقي، ولكن في جوانب أخرى متعلّقة بالجانب الأخلاقي مثل الشرف والكرامة والعزّة من مكارم الأخلاق.

يذكر الدكتور جواد علي (1907-1987)، في كتابه "المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، أنّ "للمرأة الشريفة ذات السؤدد حظّاً في المجتمع لا يدانيه حظ المرأة الحرّة الفقيرة. فسؤددها حماية لها ودرع يصونها من الغض من منزلتها ومكانتها. وأسرتها قوة لها، تمنع زوجها من إذلالها أو إلحاق أي أذى بها، وهي نفسها فخورة على غيرها لأنها من أسرة كريمة موازية لها في المنزلة والشرف. ومن ذلك قولهم: استنكح العقائل، إذا نكح النجيبات".

وهذا ما يسلط هذا المقالُ الضوءَ عليه في ما سيأتي من قصص حدثت مع شريفات الحجاز، كما سيأتي ذكر بعض الشخصيات النسائية البارزة في المجتمع العربي قبل الإسلام، ممن خلّدتهنّ الأشعار وذكرتهنّ الأمثال.

هند بنت عتبة، صاحبة الشرف الرفيع

يذكر الجاحظ (159-255 هـ)، في كتابه "المحاسن والأضداد"، قصة طلاق هند بنت عتبة من زوجها الأول الفاكه بن المغيرة المخزومي، وقد تزوّجته قبل أبي سفيان ولكنها لم تنجب منه.

كان الفاكه من فتيان قريش المعروفين والموسرين، حاله كحال كل المخزوميين والأمويين، المعروفين بالثراء والغنى. وامتلك الفاكه بيتاً للضيافة يرتاده الناس دون استئذان، وفي أحد الأيام، اضطجع الفاكه وزوجته هند في بيت الضيافة، ثمّ خرج الزوج لقضاء بعض حاجاته وترك زوجته فيه، وكالعادة أتى بعض روّاد بيت الضيافة ودخله بلا استئذان، ولكنّه حين رأى هند ولّى هارباً، فرآه الفاكه وهو خارج من البيت، فهرع نحو زوجته وضربها برجله وسألها عن الرجل الذي خرج من عندها، فأجابت: ما رأيت أحداً ولا انتبهت حتى نبّهتني، فقال لها الفاكه: الحقي بأهلكِ.

كانت المرأة قبل الإسلام، فاعلةً ومؤثّرةً، وكان لها حضور مجتمعي لا يمكن إهماله أو التقليل منه، إلى درجة أنها كانت تُذكر في الأشعار والأمثال

فانتشر الخبر في قريش، وخاض العرب في شرف هند وسمعتها، فسألها والدها أن تصدقه القول، فإن كان ما يقول الفاكه صحيحاً "سبّبت له من يقتله حتى تنقطع عنك القالة"، وإن كان كاذباً فتقرر أن يحتكموا إلى بعض كهّان اليمن. فأغلظت هند لوالدها اليمين، وأقسمت له بما كانوا يقسمون به بالجاهلية بأنّه كاذب، وهنا ارتاح عتبة والد هند، وهو سيد من سادات قريش ووجهائها، وأسرع نحو الفاكه يقول له أمام النّاس: يا هذا، إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهّان اليمن. وبالفعل، انطلق الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وأخرجوا معهم هنداً ونسوةً معها، وفي المقابل انطلق عتبة في جماعة من بني عبد مناف، ولمّا اقتربوا من محل سكن الكاهن بدا القلق على هند، وتغيّر لون وجهها، فسألها والدها عن السبب، فأجابت: إننا سنأتي بشراً يخطئ ويصيب، فلا نأمن أن يسومني مما يكون فيه سبّة عليّ باقي عمري، فقال لها والدها لكي يطمئنها: سأختبره قبل أن ينظر في أمركِ".

وقام عتبة بوضع حبّة من حنطة داخل إحليل فرسه، ولما دخلوا على الكاهن بادره عتبة بالسؤال عمّا كان منه في الطريق، فأجاب الكاهن: "حبّة برّ في إحليل مهر".

فقال له عتبة: صدقت، ثم سأله عن حال النسوة، فجعل يدنو من إحداهنّ فيضرب بمنكبها حتى أتى إلى هند، فضرب منكبها، وقال لها: انهضي غير رسحاء ولا فاحشة ولتلدين ملكاً يقال له معاوية. فوثب إليها الفاكه، يأخذ بيدها ليستسمحها عسى أن تتجاوز عن فعلته، ولكن هنداً رفضت رفضاً قاطعاً، وقالت له أمام الملأ: إليك عنّي والله لأجهدنّ أن يكون ذلك من غيرك. وتتجلى لنا من ردة فعل هند عزّتها و اعتدادها بنفسها وقوّة شخصيتها، وهي تأبى العودة إلى زوجها وتجبره على تطليقها، انتقاماً لشرفها وكرامتها التي حاول الفاكه المساس بهما لسوء ظنّه بها، ثمّ تزوجت من أبي سفيان بن حرب، وولدت منه معاوية، أوّل خلفاء بني أمية.

الفارعة بنت همام، أمّ الحجاج بن يوسف الثقفي

يورد ابن كثير، في الجزء التاسع من "البداية والنهاية"، قصة طلاق الفارعة بنت همام الثقفي، من الصحابي الجليل وأحد دهاة العرب، المغيرة بن شعبة.

رأى المغيرة، زوجته الفارعة تتخلل بكرةً، "فقال لها: أنت طالق. والله لئن كان هذا من غداء فقد شرهتِ، وإن كان من عشاء أمسكِ لقد أتنتِ".

لا يمكن إنكار دور المرأة العربية الفاعل في حقبة ما قبل الإسلام، ودورها البارز في المجتمع، ومنهنّ من تُوّجن ملكات على قومهنّ كزنوبيا في تدمر، وبلقيس في سبأ

"فقالت له: لا يبعد الله غيرك، والله ما هو إلا من السِّواك، بقيت شظية في فمي فحاولت إخراجها". وكانت الفارعة قد تزوجت طبيب العرب الحارث بن كلدة الثقفي، وهو من نصحها بالدوام على استخدام السواك لفوائده الجمّة. وقد ذكرت كتب كثيرة أنّ المغيرة ندم ندماً شديداً بعد تطليقه زوجته، حاله كحال الفاكه المخزومي، وأنّه نصح يوسف والد الحجاج أن يتزوجها من بعده، لأنها ستلد ابناً "يسود القوم".

وكتب يوسف الثقفي، في زوجته الفارعة الكثير من الأشعار، منها:

"أَهاجَتكَ الظَعائِنُ يَومَ بانوا... بِذي الزيِّ الجَميلِ مِنَ الأَثاثِ

ظَعائِنُ اسلَكَت نَقبَ المُنقّى... تَحُثُّ إِذا وَنَت أَيَّ احتِثاثِ

تُؤَمِّلُ أَن تُلاقي أَهلَ بُصرى... فَيا لَكَ مِن لِقاءٍ مُستَراثِ

سمية، زوجة شدّاد العبسيّ

ويذكر الجاحظ (159-255 هـ)، في كتابه "المحاسن والأضداد"، قصة عنترة العبسي وزوجة أبيه سميّة، إذ اشتكت الأخيرة عنترةَ لوالده شدّاد العبسي، لأنّه كان يراودها عن نفسها، فضربه أبوه ضرباً مبرحاً كاد أن يودي بحياته، فألقت سمية بنفسها على عنترة لتقيه ضربات والده القاتلة، وراحت تبكي عليه، وهنا يظهر بجلاء حنان سمية، التي تجاوزت وعفت عن عنترة، برغم ما بدر منه تجاهها، وفيها يقول عنترة العبسي، فارس بني عبس، وشاعرها:

أَمِن سُميَّةَ دَمعُ العَينِ مذروفُ... لَو كان ذا مِنكِ قَبلَ اليَومِ مَعروفُ

كَأَنَّها يَومَ صَدَّت ما تُكَلِّمُنا... ظَبيٌ بِعُسفانَ ساجي الطَرفِ مَطروفُ

قامت تَجَلَّلَنِيَ لمّا هوى قِبَلي... كَأَنَّها صَنَمٌ يُعتادُ مَعكوفُ

المالُ مالكمُ والعبدُ عبدكمُ... فهل عذابكِ عني اليومَ مصروفُ؟

نساء خلّدتهن الأمثال والأشعار

يورد الثعالبي (350-429 هـ) في كتابه "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب"، العديد من القصص التي تروي حكايات النساء اللواتي خلّدتهنّ الأمثال، وأضحين كما يقول العرب مضرباً للمثل.

فهناك مثل عربي جاهلي يقول: "مالي ذنب إلا ذنب صحر "، وصحر هي ابنة لقمان بن عاد. كان أبوها لقمان، وأخوها لقيم، قد خرجا مغيرين، فأصابا إبلاً كثيرةً فسبق لقيم إلى منزله، وعمدت صحر إلى بعض ما جاء به لقيم، فصنعت منه طعاماً يكون معدّاً لأبيها لقمان إذا قدم، وكان لقمان قد حسد لقيماً في تبريزه عليه، فلما وضعت صحر الطعام لوالدها، وعلم أنه من غنيمة لقيم، لطمها لطمةً قضت عليها، فصارت عقوبتها مثلاً لكل من يعاقَب بلا ذنب.

كما يذكر الثعالبي، قصة مثل آخر يقول: "أشأم من رغيف الخولاء". والخولاء كانت تعمل خبّازةً في بني سعد بن زيد مناة، فمرّت وعلى رأسها كارة خبز، فتناول رجل عن رأسها رغيفاً، فاشتكت إلى أحد جيرانها من الرجال. فثار وثار معه قومه إلى الرجل الذي أخذ الرغيف، وقد استنصر سارق الرغيف قومه، فاشتعلت الحرب ودارت رحاها حتى انتهت بألف قتيل من الطرفين، وأصبح رغيف الخولاء مثلاً يعبّر عن الشيء اليسير الذي يأتي بالخطب الكبير.

وأتى في "ثمار القلوب"، قصة مثلٍ قديمٍ طريف يقول: "أسرع من نكاح أم خارجة"، وأم خارجة امرأة كانت بصريح العبارة مزواجة مطلاقة، تزوجت أكثر من عشرين رجلاً، كان الخاطب يقول لها: "خطب"، فتردّ عليه: "نكح"، وكانت إذا لم يعجبها زوجها، تتركه في اليوم التالي، وإن أعجبها أقامت في منزله، وعلامة رضاها أن تصنع له طعاماً في الصباح.

ويذكر ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ)، في كتابه ذائع الصيت "المعارف"، قصة "عطر منشم"، التي ذكرها الشاعر المعروف النابغة الذبياني، في أحد أشعاره بقوله:

"تداركتم عبساً وذبيان بعدما… تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم".

ومنشم امرأة كانت تعمل عطارةً تبيع الطيب، وكان العرب إذا قصدوا الحرب غمسوا أكفّهم في طيبها، وتعاهدوا بأن يستميتوا في الحرب حتى آخر شهقة نفس، ولا يولوا الأدبار حتى يموتوا أو ينتصروا.

وفي الختام، لا يمكن إنكار دور المرأة العربية الفاعل في حقبة ما قبل الإسلام، ودورها البارز في المجتمع، ومنهنّ من تُوّجن ملكات على قومهنّ كزنوبيا في تدمر، وبلقيس في سبأ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image