شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الأم الحاضنة في لبنان... رحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات

الأم الحاضنة في لبنان... رحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 25 أبريل 202501:47 م


لوغو مش ع الهامش

لم تكن رغيد (اسم مستعار)، التي تعيش في بيروت مع زوجها، تعلم أنّ الأمومة ستكون أصعب مما توقعت، وأنها ستواجه تحدّياً قاسياً يهدّد حلمها الأكبر.

تلك الشابة التي تبلغ من العمر 27 عاماً، كانت تعاني من عدم انتظامٍ في دورتها الشهرية في مراهقتها، ما دفعها إلى زيارة الطبيب لمعرفة سبب تأخُّرها.

الرحم الطفولي

اكتشفت رغيد، أنها تعاني من حالة "الرحم الطفولي" (or Infantile Uterus Hypoplastic Uterus)، وهي حالة خلقيّة يتّسم فيها الرحم بصغر الحجم ما يجعله غير قادر على احتضان الحمل.

وفقاً لموقع MedTripFinder الطبية، تؤدي هذه الحالة إلى صعوبة الحمل، وقد تكون سبباً في العقم أو الإجهاض المتكرر.

وبالحديث عن تجربتها إلى رصيف22، تقول رغيد: "كان مؤلماً بالنسبة لي أن أكتشف أنّ جسدي لا يستطيع تحقيق ما لطالما حلمت به. حاولت التكيّف مع الحقيقة، لكن الواقع كان قاسياً".

"اليوم، أصبح لطفلي والدتان بدلاً من واحدة، كل واحدة منّا تمنحه ما لا تستطيع الأخرى أن تمنحه إياه، ويعيش بين ذراعَي كل منا، مُحاطاً بحبنا ورعايتنا. هو الآن جزءٌ مني ومنها، يعيش في قلبينا معاً، ويشعر بحبنا الذي لن يتوقف"

عانت رغيد، كثيراً في مسار حياتها العاطفيّة قبل أن تتزوّج. كانت كلّما تعرّفت إلى شاب، يبتعد عنها فور اكتشافه أنها لا تستطيع الإنجاب، إلى حين قابلت "كمال" (اسم مستعار)، الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، ويعيش في بيروت، حيث يعمل في مؤسسة تجارية خاصة يمتلكها.

بعد سنوات من الانتظار والبحث عن أمل، تبرّعت قريبة رغيد، بأن تحمل جنينها في أحشائها. القريبة المتزوّجة التي لم تُرزق بأطفال بسبب عقم زوجها، كانت تتمتع برحمٍ صحي وقادر على الحمل، فقرّرت أن تكون "الأم الحاضنة" لجنين رغيد وكمال، وذلك بعد نقاش عائلي مطوّل حصل فيه توافق كامل من جميع أفراد العائلة، دون أي اعتراض.

تقول رغيد: "بعد أن تشاورنا أنا وزوجي، شعرنا بأن هذه الخطوة هي الأمل الحقيقي لحلمنا بالأمومة. وهنا بدأت الرحلة، حيث خضعتُ لعملية سحب البويضات، بينما قدّم زوجي حيواناته المنوية، وتم تلقيح الجنين وزرعه في رحم قريبتي بعد تهيئته. وقد أُجريت العملية قبل نحو سنتين ونصف، في أحد المراكز في بيروت ولم تتعدَّ كلفتها الـ3،000 دولار".

وفي حين عاشت قريبتها مشاعر الأمومة التي حُرمت منها، استطاعت رغيد، أن تحمل طفلها بين يديها: "اليوم، أصبح لطفلي والدتان بدلاً من واحدة، كل واحدة منّا تمنحه ما لا تستطيع الأخرى أن تمنحه إياه، ويعيش بين ذراعَي كل منا، مُحاطاً بحبنا ورعايتنا. هو الآن جزءٌ مني ومنها، يعيش في قلبينا معاً، ويشعر بحبنا الذي لن يتوقف".

بين دعم الزوج ورفضه

بينما وجدت رغيد، في كمال، دعماً لا محدوداً لتحقيق حلم الأمومة، خاضت نادين (اسم مستعار)، التي تنحدر وزوجها من بلدة في جبل لبنان، تجربةً مختلفةً تماماً طغى عليها الخذلان.

في السابعة عشرة من عمرها، بدأت دورتها الشهرية بالاضطراب، قبل أن تكتشف من الفحوصات الطبية أنها تعاني من الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis)، وهي حالة ينمو فيها نسيج شبيه ببطانة الرحم خارج الرحم، ما يسبب آلاماً حادةً ومضاعفات في الخصوبة.

ووفقاً للجمعية الأميركية للطب التناسلي (ASRM)، يُعدّ هذا المرض من أسباب العقم الشائعة عند النساء.

"لبنان لم يشرّع أو يجرّم ‘تأجير الأرحام’، وتالياً لا يوجد نص قانوني صريح يمنع هذه الممارسة. وبما أنه لا عقوبة بدون نص قانوني، فإن غياب النص الواضح يؤدي إلى فراغٍ قانوني في هذا المجال، ما يجعل المسألة غير واضحة من الناحية القانونية"

وبعد سنوات، أخبرها الأطباء بأن فرص الحمل الطبيعي باتت شبه مستحيلة. ومع دخولها أواخر الثلاثينات، بدأت تشعر بأن الوقت يداهمها. وفي إحدى الليالي، وبينما كانت تبحث عن حلول بديلة عبر الإنترنت، قرأت عن "الأم الحاضنة". خفَق قلبها بالأمل مجدداً، وسرعان ما شاركت الفكرة مع زوجها، إلا أنّ ردة فعله كانت صادمةً، وفق ما تخبر رصيف22: "قال لي: لا يمكننا فعل ذلك. الناس سيتحدثون عنّا، والجيران سيرفضوننا. المجتمع لا يقبل هذا". كانت كلماته مثل الطعنة في قلبها. شعرت بأن زوجها لا يراعي مشاعرها بقدر ما يراعي نظرة المجتمع.

وتضيف: "حاولت إقناعه بكل الطرق الممكنة؛ عرضت عليه أن نسافر إلى الخارج، ونُعلن من هناك عن حملي وعندما نعود يكون معنا طفلنا، وهكذا لن يعلم أحد بسرّنا... ولكن محاولاتي كانت كلها تذهب سدى".

تقترب نادين، اليوم، من اللحظة التي قد تتوقّف فيها دورتها الشهرية، ومعها يُغلق آخر باب من أبواب الأمل.

لا تزال تعيش مع زوجها، لكن قلبها يحمل خيبةً كبيرةً، بعدما لم تعد هناك حلول يمكن اللجوء إليها.

ما هي الأم الحاضنة؟

بعد الاطلاع على تجارب سيدات مثل رغيد ونادين، تتجه الأنظار نحو خيار "الأم الحاضنة" كأحد الحلول البديلة التي تمنح الأمل للنساء اللواتي لا يستطعن الحمل لأسباب طبية.

بحسب الجمعية الأمريكية للطب التناسلي (ASRM)، تُعرّف الأم الحاضنة بأنها المرأة التي تحمل جنيناً في رحمها لصالح زوجين آخرين، في حال كانت المرأة البيولوجية غير قادرة على الحمل بسبب ظروف صحية، مثل غياب الرحم، أو أمراض مزمنة، أو فشل متكرر في عمليات التلقيح الصناعي.

وبرغم حساسية هذا الخيار في بعض المجتمعات، إلا أنّ العديد من النساء يخترن خوض هذه التجربة، ليس لأسباب مالية فحسب، بل أيضاً بدافع إنساني، لرغبتهنّ في مساعدة غيرهنّ في تحقيق حلم الأمومة.

تشرح أخصائية الأمراض النسائية والتوليد، الدكتورة تغريد دياب، لرصيف22، المعايير الطبية التي ينبغي أن تتمتع بها المرأة التي تنوي أن تكون أماً حاضنةً، مشيرةً إلى أنّ "العمر المثالي يجب أن يتراوح بين 20 و41 سنةً، إذ يُعدّ هذا العمر الأكثر ملاءمةً من الناحية الصحية"، وتشدّد على أهمية أن تكون الحاضنة خاليةً من أي مشكلات صحية أو أمراض جنسية قد تُهدد سلامة الحمل أو الجنين.

بجانب المعايير الأساسية، تخضع الأم الحاضنة عادةً لسلسلة من الفحوصات الدقيقة التي تهدف إلى التأكد من جاهزيتها الصحيّة والنفسيّة لخوض هذه التجربة، إذ تُوصي الجمعية الأمريكيّة للطب التناسلي (ASRM)، بإجراء تقييم شامل يتضمن فحوصات للكشف عن أمراضٍ معدية مثل فيروس نقص المناعة البشريّة (HIV)، والتهاب الكبد الوبائي (B)، والزهري، والكلاميديا، والسيلان، والفيروس المضخم للخلايا (CMV)، فضلاً عن فحص دم شامل وتصوير للرحم للتأكد من سلامة البنية التناسلية.

أما على صعيد المخاطر الصحيّة، فتشبه إلى حدّ بعيد تلك التي تواجهها أي امرأة حامل، مثل ارتفاع ضغط الدم، سكري الحمل، أو خطر الولادة المبكرة، ما يتطلب متابعةً طبيةً دقيقةً طوال فترة الحمل.

وهذه العملية وفق حديث أخصائية علاج العقم وأطفال الأنابيب جيسيكا عازوري، مديرة مركز ومختبر أطفال الأنابيب في مركز عازوري في لبنان، تبدأ بالتحضير الطبي: "نبدأ أولاً بتحفيز المبيض لدى الأم البيولوجيّة باستخدام أدوية هرمونية لمساعدتها على إنتاج بويضات ناضجة، ثم بعدها نقوم بنقل البويضات بعنايةٍ باستخدام إبرة دقيقة موجهة بالموجات فوق الصوتية. في المختبر، تُخصّب هذه البويضات بحيواناتٍ منوية من الأب البيولوجي، ثم نراقب تطوّر الأجنّة أياماً عدة".

وتضيف لرصيف22: "بمجرّد اختيار أفضل الأجنّة، نقوم بنقلها الى رحم الأم الحاضنة، التي تم أيضاً تجهيزها بأدويةٍ هرمونية لجعل بطانة الرحم جاهزةً للانغراس. وبعد النقل، نتابع حالتها بانتظام لنتأكد من نجاح زرع الحمل بشكل صحي. وطوال فترة الحمل، تخضع الأم الحاضنة لفحوصاتٍ دورية لضمان نمو الجنين بشكلٍ سليم. وعند اكتمال الحمل، تتم الولادة طبيعيّاً أو قيصريّاً حسب الحاجة، وبعدها يُسلّم المولود إلى والديه البيولوجيين".

بين الحق الشخصي والفراغ القانوني

تروي المحامية موهانا إسحق، رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة في قسم مناهضة الإتجار بالبشر في منظمة "كفى"، لرصيف22، قصّةً حصلت قبل أكثر من ثماني سنوات وقد وثقتها الجمعية ضمن سجلاتها، يوم تلقّت إحدى العاملات الأجنبيات عرضاً مغرياً من زوجين تعمل لديهما. كان العرض يقضي بحمل طفلٍ لهما مقابل الحصول على معاشٍ إضافي وتأمين حياة كريمة لعائلتها في وطنها، لكن العاملة رفضت الفكرة بشدّة وقرّرت مغادرة المنزل خشية أن تجد نفسها في موقفٍ يفرض عليها القبول بهذا الأمر دون إرادتها.

وتوضح موهانا، أن قضية "الأم الحاضنة" موجودة في لبنان بشكل سرّي، وفيها الكثير من الغموض: "لبنان لم يشرّع أو يجرّم ‘تأجير الأرحام’، وتالياً لا يوجد نص قانوني صريح يمنع هذه الممارسة. وبما أنه لا عقوبة بدون نص قانوني، فإن غياب النص الواضح يؤدي إلى فراغٍ قانوني في هذا المجال، ما يجعل المسألة غير واضحة من الناحية القانونية. وفي حال عدم وجود نص قانوني يجرّم فعلاً معيّناً ويحدّد عقوبةً له، لا يمكننا تصنيفه كجريمة".

أما بالنسبة إلى "استئجار الرحم"، وفق قولها، فإنّ غياب النص القانوني المحدّد يعني أن هذه العملية قد لا تُصّنف بشكل مباشر كجريمة، لكن يمكن أن تندرج تحت جرائم أخرى، مثل "الإتجار بالبشر"، إذا توافرت عناصر الجريمة، كما أن المادة 30 من قانون الآداب الطبيّة في لبنان تتناول التلقيح الصناعي في إطار العلاقة الزوجية فحسب، دون أن تشير إلى حالات خارج هذه العلاقة، ما يضع المسؤولية على الأطباء الذين يمارسون هذه الأعمال، ويتوجب عليهم الالتزام بالقوانين واللوائح التي تحددها هذه المادة.

تزايد الوعي والدعم الطبي

على الرغم من معارضة بعض الأوساط المجتمعية، أصبح الوعي بمفهوم الأم الحاضنة في تزايدٍ ملحوظ، خاصةً عبر منصات السوشال ميديا، حيث أصبح العديد من الأشخاص يتحدثون عن تجاربهم ودعواتهم للتغيير.

كل امرأة مهما كانت الظروف، تملك الحق في أن يكون لديها طفل حتى لو لم يكن من صلبها، ففي نهاية المطاف، الأم ليست من تُنجب فحسب، بل هي من تُربّي أيضاً

في هذا السياق، قدّمت بعض المراكز الطبية، كمركز عازوري الطبي في لبنان، خدمات متخصصةً في هذا المجال، حيث يقوم المركز بإجراء عمليات نقل الأجنّة للأم الحاضنة، والتي تشمل تحضير البويضات وتخصيبها في المختبر، ولكن يجدر بالذكر أنّ كلفة عملية نقل الأجنّة للأم الحاضنة وفق ما تكشفه مديرة المركز لرصيف22، تتراوح بين 2،000 و2،500 دولار، وهي كلفة عمليات أطفال الأنابيب نفسها، لكنها تختلف في كون الأم البيولوجية هي التي تقدّم الجنين بينما الأمّ الحاضنة هي التي تحمل الطفل. لكن المركز نفسه لا يوفر أمّاً حاضنةً، بل يتمثل دوره في إجراء عملية نقل الأجنّة، بينما يتعيّن على العائلة البيولوجية ترتيب الاتفاق مع الأم الحاضنة بشكل مستقل.

هكذا تظلّ رحلة الأمومة واحدةً من أعظم التحديات التي قد تواجهها المرأة في حياتها، وتبقى الأحلام معلّقةً بهذا الهدف، وإن تبدّلت الطرق والمفاهيم.

في هذا العالم، حيث يتلاقى الأمل مع الألم، وتظهر التضحيات الحقيقيّة، تظلّ الأمومة برغم كل شيء الأمل الذي لا يموت. وكل امرأة مهما كانت الظروف، تملك الحق في أن يكون لديها طفل حتى لو لم يكن من صلبها، ففي نهاية المطاف، الأم ليست من تُنجب فحسب، بل هي من تُربّي أيضاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image