"بعمر الـ24 عاماً، كنت قد أنجبت ثلاثة أولاد إذ تزوجت زواجاً مبكراً وأنجبت أول طفل في عمر الـ17. لكنني كانت لدي رغبة ملحة في إنجاب طفلة، فقررت أن أحمل وعمري 40 عاماً"، تقول السيدة اللبنانية رانيا مطر (46 عاماً) لرصيف22.
وتوضح أن موقف الأهل والمعارف كان معارضة هذه الخطوة إذ سمعت تعليقات "مؤلمة" و"مفزعة" على غرار: "شو صار عليكي بهالعمر يمكن يجيكي ولد مشوه" و"اعملي صورة تفصيلية، حتى تطمني".
مع ذلك، كانت الشخص الوحيد "المطمئن" بالنظر لقناعتها بـ"نمط الحياة الصحي" الذي تتبعه. تقول: "أتناول طعاماً صحياً - أبتلع فص ثوم على الريق و‘ترويقتي‘ جوز ولوز وأتناول زيت الزيتون - وأمارس الرياضة يومياً".
تضيف رانيا أن تجربتها في الحمل بعد الأربعين "كانت جيدة جداً. ربما أفضل من التجارب الثلاث الأولى" إذ "لم أحتَج إلى تناول حبة كالسيوم، ولم أعانِ نقص الحديد إلا شهراً واحداً. شعرت أن حملي الرابع أسهل تجربة حمل لأنني كنت أكثر وعياً وأهتم بصحتي الجسدية والنفسية. ابني الأخير أيضاً، رغم التخويف، هو الأقوى من حيث البنية الجسدية والذكاء مقارنةً بأشقائه".
تتذكر رانيا التي تعمل محاسبة ضاحكةً كيف أنها كانت تداوم في عملها بشكل يومي حتى آخر يوم حمل. وكيف استيقظت فجر اليوم المحدد للولادة وجهزت أبناءها الثلاثة للذهاب لدراستهم، قبل أن تعد حقيبتها وتتوجه للولادة وتلد بشكل طبيعي دون حاجة للجراحة القيصرية. وفي اليوم الثالث للولادة، ذهبت إلى السوبر ماركت تشتري احتياجات أسرتها.
تشعر رانيا بالامتنان لطبيبتها التي طمأنتها ودعمتها خلال الحمل، ثم "كرّست" لها فريق عملها بالكامل يوم الولادة وقالت له: "بدّي اهتمام زايد بهالإنسانة… اهتمام خاص من كل فريق المستشفى".
"بعد الأربعين، تقل فرص حمل المرأة بسبب تراجع جودة ومخزون البويضات، وترتفع مخاطر الإجهاض، واحتمالات إصابة الأجنة بالعيوب الخلقية والتشوهات بفعل العوامل الوراثية". لكن هذه التجربة يمكن أن تمر صحية وآمنة للأم والجنين، كيف؟
تحديات الحمل بعد الأربعين
يقول د. فيصل القاق، طبيب أمراض النساء والتوليد، إن الواقع المجتمعي المتمثل في الأوضاع الاقتصادية المأزومة وتأخر سن الزواج لا يمنح المرأة الفرصة في كثير من الأحيان لتلبية رغبتها الإنجابية في سن مبكرة، وهو ما يقترن بالمخاوف من "انخفاض خصوبة المرأة" وضعف فرصتها في الإنجاب.يرى الطبيب اللبناني أن "هذا المُركّب العاطفي النفسي الذي يضع المرأة أمام خيارات إنجابية قليلة ومحدودة" هو أبرز التحديات أمام الحمل بعد الأربعين، متابعاً بأن جزءاً كبيراً من هذا التوتر والعامل النفسي مرتبط بنظرة وتعليقات الناس غير الإيجابية في مجتمعاتنا الشرقية. وإن أقر بحدوث "تغيّر تدريجي" في النظرة للسيدة التي تتزوج و/ أو تنجب في سن متقدمة.
من جهتها، تشدد الدكتورة عبير عناب، أخصائية أمراض النساء والتوليد، على أن "السن المثالية للإنجاب لدى المرأة هي من عمر 25 حتى 35 عاماً" لأن "بعد الأربعين، تزداد بوجه عام صعوبة حمل المرأة بسبب تراجع جودة ومخزون البويضات، كما ترتفع مخاطر الإجهاض، واحتمالات إصابة الأجنة بالعيوب الخلقية والتشوهات بفعل العوامل الوراثية، وإصابة الحامل بارتفاع ضغط الدم وسكري الحمل".
وتستطرد: "أيضاً، تزداد احتمالات الحمل خارج الرحم، أو وفاة الأجنة داخل الرحم، وإنجاب أطفال أقل من الوزن الطبيعي، والولادة المبكرة، والولادة القيصرية"، لافتةً كذلك إلى ارتفاع احتمالات تعرض الأم إلى "مضاعفات الحمل"، وهو ما تقول إنه على الطبيب مصارحة المرأة به والاستعداد معاً بشكل جيد للتعامل معه وتفاديه.
إنجاب الرجل في سن متأخرة
وتشير د. عبير إلى أن الرجال أيضاً تنخفض قدرتهم على الإنجاب بعد التقدم في السن "لكن بدرجة أقل/ أبطأ من النساء" إذ وجدت دراسات أن احتمالات إجهاض المرأة تزيد حين يكون الزوج متقدماً بالعمر.تستدرك د. عبير بأن "أثر عمر المرأة يظل أكبر في حدوث الإجهاض"، متابعةً بأن دراسات أخرى رجحت احتمالات حدوث تشوهات الأجنة بالنظر للسن المتقدمة للأب. لكنها تنبّه إلى أمر هام وهو أن الدراسات التي تقيس أو تحلل أثر عمر الرجل على الحمل والإجهاض "جديدة نسبياً" لأن التركيز كان منصباً فقط على ربط مشكلات الحمل بالعوامل المتصلة بالمرأة. وتتوقع أن تكون هناك "نتائج أخرى مختلفة في المستقبل تستحق أن نتناولها".
"شعرت أن حملي الرابع - في سن الأربعين - أسهل تجربة حمل لأنني كنت أكثر وعياً وأهتم بصحتي الجسدية والنفسية. ابني الأخير أيضاً، هو الأقوى من حيث البنية الجسدية والذكاء مقارنةً بأشقائه"
يتفق مع هذا الرأي د. فيصل الذي يشرح: "لما تولد الأنثى، تولد معها بويضاتها وبالتالي عمر البويضات من عمر المرأة. بعكس السائل المنوي الذي يتجدد عند الرجل كل 24 أو 48 ساعة". وهو يفسر بذلك ارتباط عمر البويضة، في حالة الحمل بعد الأربعين، بارتفاع احتمالات حدوث "أخطاء كروموسومية، وأخطاء تكاثر وانقسام الخلايا" وبالتالي مخاطر إصابة الأجنة بالتشوهات ومن أبرزها متلازمة داون (التثلث الصبغي 21 و13 و18).
إلى ذلك، يصر د. فيصل على أن هناك "تدخلات طبية متقدمة" للكشف عن أي تشوهات محتملة، وبالتالي "لا ينبغي أن يكون الخوف من حدوثها مانعاً لحق المرأة في الحمل والإنجاب طالما تمتلك القدرة على والرغبة في الإباضة".
ويردف: "العمر لا يمنع الناس من الإنجاب. لكن ينبغي إدراك الأعباء المرضية والمشكلات التي قد ترتبط بالحمل في سن متقدمة، وبالتالي اللجوء إلى الرعاية الطبية والتدخلات الطبية والمشورات التي تخدم حق الناس في الحمل والإنجاب في أي عمر".
تدابير الحمل "الصحي الآمن" بعد الأربعين
تقول د. عبير إن معظم الأطباء يدركون أن الحمل بعد الأربعين هو "حمل عالي الخطورة"، لذا يتطلب متابعة مكثّفة من الطبيب.ولتجربة حمل آمنة وصحيّة بعد الأربعين، للأم وللجنين، توصي د. عبير الأطباء بـ"الكشف المبكر عن تشوهات الأجنة والكروموسومات الوراثية، وإجراء فحوص الدم بانتظام، والكشف المبكر على السكري وارتفاع ضغط الدم، وعمل فحوص من أجل التأكد سلامة الجنين في الشهر الثالث والخامس من الحمل، ومتابعة نمو الطفل داخل الرحم وحركته اليومية، المتابعة المكثّفة للحمل بعد الشهر الثامن عن طريق تخطيط القلب للطفل مرتين في الأسبوع".
وتنصح بأن تحدث الولادة في الأسبوع الـ39 من الحمل أو قبل إتمام أربعين أسبوعاً لتفادي مخاطر وفاة الجنين في الرحم.
الدراسات التي تقيس أو تحلل أثر عمر الرجل على الحمل والإجهاض "جديدة نسبياً" لأن التركيز كان منصباً فقط على ربط مشكلات الحمل بالعوامل المرتبطة بالمرأة. قد تكون هناك "نتائج أخرى مختلفة في المستقبل"
كما توصي النساء الراغبات في الحمل في هذه السن بـ"التخطيط المسبق للحمل" مع الطبيب وتلقي "مشورة ما قبل الحمل"، وتناول حبوب الفوليك أسيد قبل شهرين من الحمل، ثم خلال فترة الحمل "عليهن إتباع نظام غذائي وحمية صحية، والتوقف عن تناول المشروبات الكحولية والتدخين، وتفادي الزيادة غير الصحية للوزن، وممارسة الرياضة، والمتابعة الدورية خلال الحمل، وعمل الفحوصات اللازمة للاطمئنان على صحتها وصحة الجنين".
أما د. فيصل، فيوصي مقدمي الرعاية الطبية، بـ"تقديم مشورة شاملة لكافة الجوانب والاحتمالات للمرأة، ومتابعة أي أمراض مزمنة لدى الأم قبل الحمل والسيطرة عليها بالعلاج والأدوية التي لا تؤذي الحمل".
ويختم: "لمعالجة التوقعات النفسية، يجب توصيل رسالة للمرأة مفادها أن الحمل في هذا العمر ليس بالأمر الخاطىء وأن لها الحق في اختيار الوقت المناسب لها، وأنه لا داع للفزع وتغيير نمط حياتها بحيث تستمر في ممارسة مهامها الحياتية والمهنية كالمعتاد. والتعاون مع مقدم/ة الرعاية والاستفادة من دعم زوجها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.