شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"حرموني من شعور الأمومة"... لبنانيات يخترن تأجيل الحمل طوعاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 29 نوفمبر 202210:25 ص
Read in English:

"They deprived me of motherhood".. Lebanese women postponing parenthood due to crises


 يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"، 
 والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.


"حرموني من شعور الأمومة"، بهذه الكلمات اختزلت منال (28 عاماً) معاناتها في بلد سَلَبَ منها جميع حقوقها، ولم يتوانَ عن سلبها حقّ الشعور بأنقى وأدفئ ما يمكن للمرأة أن تختبره.

حال منال كحال الكثير من النساء اللبنانيات اللواتي تأثّرت حياتهنّ بالأزمة الاقتصادية والماليّة الخانقة، وضِقن ذرعاً بالأزمات، حتى سقط حقّ الإنجاب لديهنّ من تعداد الحقوق الإنسانيّة وصار ضرباً من ضروب المجازفة والتهوّر.

"لا إنجاب قبل عودة الحياة إلى مجاريها"

مرّت سبعة أشهر على زواج منال (اسم مستعار) التي كانت منذ البداية قد حسمت قرارها على مضض: "لا إنجاب قبل عودة الحياة إلى مجاريها"، ويوافقها زوجها الرأي، على اعتبار أن تأمين الحياة الكريمة للأطفال في لبنان بات أمراً في غاية الصعوبة.

وعن قرار عدم الإنجاب، قالت منال لرصيف22: "أفضّل البقاء دون أطفال على أن أنجب طفلاً أجد نفسي عاجزة عن تقديم أبسط الحقوق له، رغم أنني كنت أحلم دائماً أن أصبح أماً، أحمل طفلي بين ذراعي وأُغدق عليه حناناً".

أخذت منال نفساً عميقاً ثمّ تابعت: "تربّيت في دار للأيتام، ولا أسمح لنفسي بإنجاب طفل أتركه يعيش ما عشت..."

أخذت منال نفساً عميقاً ثمّ تابعت: "تربّيت في دار للأيتام، ولا أسمح لنفسي بإنجاب طفل أتركه يعيش ما عشت، فقد سمعت عن قصة لأمّ وضعت ابنها أمام إحدى دور الأطفال مع رسالة مفادها أنها عاجزة عن تركه بجانبها في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة"، وأنهت منال كلامها بغصّة ولوم قائلةً: "الله لا يسامحهم، حرموني من شعور الأمومة".

 علماً أنّ الإجهاض في لبنان يُعدّ جرماً قانونياً، حيث تواجه المرأة التي تلجأ إليه عقوبة بالحبس ما بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.

من جانبها، روت ميرنا (35 عاماً) وهي أمّ لولدين، أنّه دائماً ما تقول لها ابنتها: "ماما، بدّي أخت"، فتردّ عليها بالقول: "انشاء الله"، وهي تدرك في قرارة نفسها أنّ الإقدام على هذه الخطوة بات شبه مستحيل.

وأضافت ميرنا لرصيف22: "زوجي يعمل موظّفاً في القطاع العام حيث يتقاضى راتباً بالليرة اللبنانية و(يا دوب نلحّق) بين أعباء الطعام والمدارس وبعض الحاجيات الأساسية، فكيف سيكون بإمكاننا إنجاب طفل أصبح بحاجة لراتب كامل في لبنان ما بين اللقاحات والحليب والحفاضات، فضلاً عن أن الكثير من المستلزمات باتت تُفقد ولا يمكن العثور عليها إلا في السوق السوداء وبأسعار خيالية؟".

انخفاض ملحوظ في معدّل الولادات

في حديثها مع رصيف22، أشارت الطبيبة هُنيدة عبيد، متخصّصة في الولادة والأمراض النسائية، إلى أنّ عدد النساء اللواتي أنجَبن مؤخراً انخفض بنسبة كبيرة مقارنةً بالسنوات السابقة، لافتةً النظر إلى أننا أمام ظاهرة جديدة اليوم وهي سعي المتزوجين الجُدد لتأجيل الإنجاب، في حين أن هذا الأمر لم يكن سائداً في السابق.

في السياق نفسه، قال منسّق مختبر الديمغرافيا في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الدكتور شوقي عطيه، أنّ معدّل الولادات في لبنان شهد مساراً هابطاً في العامين الأخيرين (2020-2021) وفقاً لمعطيات إدارة الإحصاء المركزي.

أشارت الطبيبة هُنيدة عبيد إلى أنّ عدد النساء اللواتي أنجَبن مؤخراً انخفض بنسبة كبيرة مقارنةً بالسنوات السابقة، لافتةً النظر إلى أننا أمام ظاهرة جديدة اليوم وهي سعي المتزوجين الجُدد لتأجيل الإنجاب

وشرح عطيه أنّ لهذا الانخفاض الواضح أسباباً عدّة، يأتي في مقدمتها الوضع الاقتصادي السّيء الذي يدفع الزوجين لتأجيل الإنجاب أو إلغائه، إضافة إلى قلقهما حول إمكانية توفير المواد الضرورية للعناية الطبية بالمرأة أو مستلزمات الأطفال في لبنان: "لا يعني ذلك أنّ العامل الاقتصادي هو السبب الوحيد الذي أدّى إلى تراجع الولادات، وإنّما يرجع ذلك أيضاً إلى ارتفاع نسبة الوعي في لبنان الذي يدفع المتزوجين إلى التفكير ملياً قبل اتخاذ قرار الإنجاب، نظراً لما يعيشه البلد من عدم استقرار وغرق في المجهول"، بحسب قول عطيه، الذي ذكر على سبيل المثال ما عاشه اللبنانيون/ات من قلق هذا الصيف حول إذا ما كانت ستقع الحرب في شهر أيلول، أو التخوّف من الخضّات الأمنية التي قد تحصل في المستقبل القريب.

كما لفت النظر إلى ظاهرتَي تراجع الزواج وارتفاع نسبة الطلاق في السنوات الأخيرة، والذين يمكن اعتبارهما عاملَين أساسين في تراجع عدد الولادات.

إقبال لافت على الإجهاض

كشف أحمد، وهو صاحب إحدى الصيدليات في بيروت، أن نسبة الاقبال على وسائل منع الحمل ارتفعت مقارنةً بالسنوات السابقة، الاّ أن ما بدا لافتاً بشكل أكبر في العامين الأخيرين كان طلب النساء الكبير على حبوب الإجهاض من دون وصفة طبيب، مرجعاً السبب إلى الوضع الاقتصادي والخوف من المجهول.

ويُتابع: "تشهد أسعار الأدوية ارتفاعاً كبيراً وسط الانهيار المستمر لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، الاّ أن الطلب على أدوية إيقاف الحمل لم يشهد أيّ انخفاض".

وعلى الرغم من أن موانع الحمل مرخّصة من وزارة الصحة اللبنانية، الاّ أن الحصول على وصفة طبية يُعدّ أمراً ضرورياً لتبرير الشراء.

من هنا، فإنّ بعض الصيادلة يقعون في حيرة من أمرهم أمام مشكلة باتت تشكّل نوعاً من المعاناة الإنسانية في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة من جهة، وعمليّة إجهاض غير آمنة قد تعرّض حياة النساء للخطر من جهة أخرى.

وفي تقرير تحت عنوان "التحرّك لمواجهة أزمة الحمل غير المقصود المُهملة"، أفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنّ هناك قيوداً قانونيّة ما زالت تضع حواجزاً أمام الوصول إلى الإجهاض الآمن، علماً بأنّ أثرها محدود في تقييد الممارسة، بل إنّها تزيد من نسبة الإجهاض غير الآمن والوفيات الناجمة عنه.

ويُشير التقرير إلى أنّ الإجهاض غير الآمن يتسبّب في دخول 7 ملايين امرأة إلى المستشفى كلّ سنة في البلدان النامية، ويُسفر عمّا يُقدّر بـ 193000 حالة وفاة من وفيّات الأمهات بين العامين 2003 و2009.

ربّما لم يكن في الحسبان أن المصائب في لبنان ستواصل تمدّدها لتطال "أرحام" النساء، تسطو عليها فارضة تأجيل الأمومة في الوقت الراهن... 

في هذا السياق، قالت الدكتورة هُنيدة عبيد أن هناك ارتفاعاً كبيراً على طلب وسائل منع الحمل في العيادات الطبيّة أيضاً، خصوصاً "جهاز اللّولب الرحمي"IUD ، ونوّهت بأنّها لمست جرأة أكبر في طلب الإجهاض عمّا كان عليه الوضع سابقاً.

علماً أنّ الإجهاض في لبنان يُعدّ جرماً قانونياً، حيث تواجه المرأة التي تلجأ إليه عقوبة بالحبس ما بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وهذا يشمل المرأة التي تتناول الدواء بقصد الإجهاض بدون أي مبرر، كما يواجه من يقوم بإجهاض امرأة برضاها عقوبة السجن ما بين سنة وثلاث سنوات.

قالت الدكتورة هُنيدة عبيد أن هناك ارتفاعاً كبيراً على طلب وسائل منع الحمل في العيادات الطبيّة أيضاً، خصوصاً "جهاز اللّولب الرحمي"IUD ، ونوّهت بأنّها لمست جرأة أكبر في طلب الإجهاض عمّا كان عليه الوضع سابقاً

ماذا بعد؟

أوضح الدكتور شوقي عطيه أنّه في حال استقرّ الوضع في لبنان في السنوات القادمة وشهد ارتياحاً من حيث توافر المسلتزمات الضرورية للأطفال، كالحليب والحفاضات والأدوية وغيرها من الموادّ الطبية التي لا بدّ من تواجدها، فمن الممكن أن نشهد ما يُسمّى بـ "التعويض"، أي ارتفاع الولادات بشكل مفاجئ لمدة سنة أو سنتين في حال عمِد الأزواج إلى تأجيل الإنجاب فحسب، أمّا إذا لم نشهد ارتفاعاً يُذكر فسيدلّ المشهد على أنّ معظمهم قد اتّخذوا قراراً بإلغاء الإنجاب.

وأعرب عطيه عن خشيته من بقاء لبنان على المستوى نفسه في معدل الولادات، خصوصاً وأنّ لبنان اليوم يُعدّ أكثر دولة معمّرة في العالم العربي بنسبة كبار السنّ الذين يتجاوزون الخامسة والستين، إذ تصل إلى 13% تقريباً، وهذه النسبة إلى ارتفاع نتيجة الانخفاض الحادّ بالولادات، إضافة إلى ازدياد الهجرة، ما سيولّد بالتالي عبئاً كبيراً على الأشخاص الأقلّ سنّاً لإعالة الكبار.

ربّما لم يكن في الحسبان أن المصائب في لبنان ستواصل تمدّدها لتطال "أرحام" النساء، تسطو عليها فارضة تأجيل الأمومة في الوقت الراهن... متى سنشهد ولادة قادمة من مخاض الأزمات؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image