تُعدّ التغطية الإعلامية للأطفال خلال فترات الحروب والنزاعات، واحدةً من أكثر القضايا الحسّاسة التي تثير الجدل، حيث تبرز مسألة مدى مراعاة الصحافة لآثار الحرب على نفسيّة الأطفال. فشهادات الأطفال اللبنانيين/ ات الذين نجوا من القصف الإسرائيلي أو "تفجيرات البيجر"، كانت، ولا تزال، من أبرز المواضيع التي هيمنت على العديد من التقارير الإعلامية خلال الحرب الأخيرة. وقد تم استخدام هذه الشهادات، أحياناً كثيرةً، كوسيلة لجذب المشاهدات وزيادة التفاعل الجماهيري، على الرغم من أنّ هذه المقابلات قد لا تأخذ في الحسبان التأثيرات النفسيّة العميقة التي قد تتركها على الأطفال.
في أحد التقارير الإعلامية التي بثّتها إحدى القنوات اللبنانية، والتي تناولت عملية الكوماندوز الإسرائيلية في البترون خلال فترة الحرب، سارعت إحدى المراسلات إلى مقابلة الطفل الذي ظهرت صورته في فيديو من كاميرات المراقبة. وقد قامت المراسلة بمحاولة "التحقيق معه"، حول توقيت مروره في مكان الحادث، برغم أنّ المقابلة لم تحمل أي بعد جوهري أو هدف صحافي واضح، وكان الهدف الأساسي منها على ما يبدو وكأنّه تسجيل سبق صحافي. وما لفت الانتباه هو قول الطفل في أثناء المقابلة: "فجأة شفت ع الأخبار إني موجود بالفيديو، فانصدمت"، لتردّ عليه الصحافية بعبارة: "انصدمت... بس الحمد لله عالسلامة"، قبل أن تواصل طرح أسئلة على طفل لم يتجاوز عمره الحادية عشرة. هذه الأسئلة كانت تبدو أقرب إلى استغلال مشاعر الطفل، بدلاً من مراعاة حالته النفسيّة واحترام مشاعره في تلك اللحظات الصعبة، والتي عبّر من خلالها عن حالة الصدمة التي أصابته.
وفي تقرير إخباري آخر، أُجريت مقابلة مع طفل ممدّد على سرير المستشفى بعد أن استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مكان سكنه، ما أسفر عن استشهاد أحد الأشخاص بجانبه، وبرغم هذا انهال عليه الصحافي بالأسئلة. وأمام هذه النماذج من المقابلات والتقارير، لا بدّ من التساؤل: هل يحقّ للصحافي/ ة إجراء مقابلة مع طفل لا يزال تحت وطأة الصدمة؟ وما هي مسؤولية الإعلام في التعامل مع الأسئلة المطروحة على الأطفال في مثل هذه الظروف؟ وهل يحقّ لنا كصحافيين/ ات اقتحام جراحهم النفسيّة دون أي اعتبار لما قد يعانونه من صدمات؟
هل يحقّ للصحافي/ ة إجراء مقابلة مع طفل عانى من صدمة؟ وما هي مسؤولية الإعلام في التعامل مع الأسئلة المطروحة على الأطفال في مثل هذه الظروف؟ وهل يحقّ لنا كصحافيين/ ات اقتحام جراحهم النفسيّة دون أي اعتبار لما قد يعانونه من صدمات؟
تجارب المراسلين/ ات في الميدان
يؤكد مراسل قناة الميادين، حسين السيد حسن، ومراسلة قناة الجديد، ريبيكا سمعان، اللذان غطّيا الحرب، أنهما لم يتلقّيا أي تدريبات متخصّصة حول التغطية الإعلامية للأطفال خلال النزاعات من قبل مؤسّساتهما الإعلامية. ويعزو الصحافيان ذلك إلى التطوّر المفاجئ للأحداث، حيث لم تكن هناك أي تحضيرات مسبقة لمثل هذا السيناريو.
توضح سمعان، أنّ الحرب اتّسعت بشكلٍ غير متوقّعٍ، قائلةً: "لم يكن أحد يتوقّع أن تكون بهذا الشكل أو بهذا الحجم، فهي لم تقتصر على الجنوب، بل امتدت إلى الضاحية والبقاع، وأصبحت معظم المناطق مهدّدة. حتّى لو كنا نرغب في الخضوع لتدريبات، لم يكن الوقت يسمح بذلك".
أما حسن، الذي بدأ تغطيته عندما كانت العمليات العسكرية محصورةً في الجنوب، فيشير إلى أنّ المراسلين/ ات اكتسبوا الكثير من الخبرات على الأرض نتيجة التحديات التي واجهوها، مضيفاً: "اكتسبنا خبرات ميدانيّةً عديدةً من خلال مواجهتنا مواقف صعبة وخطرة، من بينها تعرّضنا لاستهدافات مباشرة، كإطلاق النار على السيارة التي كنت أقودها. كمراسلين/ ات، وخاصّةً كفريق "الميادين"، كنّا في مرمى الاستهداف بشكل متكرّر. ومع تسارع وتيرة الأحداث، لم تكن هناك فرصة للخضوع لتدريبات مسبقة، بما في ذلك التغطية الإعلامية الخاصّةً بالأطفال".
وتشدّد سمعان، على أنّ تغطية الأطفال في النزاعات تتطلّب التزاماً صارماً بأخلاقيات المهنة، وليس مجرد اتباع تدريبات إعلامية، عادّةً أنه "حال وجود طفل في موقع الاستهداف، سواء كان مصاباً أو في حالة نفسيّة متأزّمة، يجب عدم تصويره أو الاقتراب منه إلا بعد موافقة ذويه".
وتستذكر إحدى تغطيّاتها في مستشفى دار الأمل، حيث التقت طفلتين إحداهما فقدت عائلتها بالكامل وعمرها ثلاث سنوات، والأخرى (11 عاماً)، أُصيبت بجروح خطيرة أفقدتها القدرة على الحركة، مشدّدةً على أنها لم تنقل قصصهنّ إلا بعد الحصول على موافقة ذويهنّ أو الوصيّين عليهنّ.
أما في التغطيّات الميدانية، فتشير سمعان، إلى أنه خلال الغارات والقصف، يسعى فريق العمل إلى تجنّب تركيز الكاميرا على الأطفال، لكن في بعض الأحيان قد يظهرون في المشهد دون قصد بسبب طبيعة التغطية. وتقول إنها لا تُظهر الأطفال من مواقع الغارات للحديث عبر الشاشة، ولا تستخدمهم/ نّ لاستدرار تعاطف الرأي العام، احتراماً لخصوصيتهم/ نّ والتزاماً بالقوانين التي تمنع استغلالهم/ نّ في الإعلام. كما تذكر أنه في بعض الحالات، قد يدفع الأهل أطفالهم/ نّ للتحدّث أمام الكاميرا، إلا أنّ بعضهم/ نّ يرفض ذلك، وفي هذه الحالات، تؤكد أنّ على الصحافي/ ة احترام رغبة الطفل والامتناع عن تصويره.
بدوره، يتابع حسن، عن تجربته في تغطية النزاعات وتأثير الحرب على الأطفال، موضحاً أنّ الطفولة تتأثّر بشكل كبير في هذه الظروف القاسية، مشيراً إلى أنه لمس خلال تغطيته أنّ "الأطفال يحاولون لعب دور الكبار؛ يتظاهرون بأنهم غير خائفين، لكن بطبيعة الحال، الغارات والانفجارات تترك أثراً عميقاً فيهم". ولهذا السبب، كان يتجنّب التركيز على مقابلتهم بشكل مباشر، وإن ظهروا في التغطية، كان يطرح عليهم أسئلةً عاديةً دون التعمق في التفاصيل، مكتفياً بأسئلة مثل: "هل حدث قصف قربكم؟"، دون أن يغوص في أحاديث قد تؤثّر على حالتهم النفسيّة.
ويضيف حسن، أنّ بعض الأطفال كانوا يقتربون أحياناً من فريق التصوير برغبة منهم في الحديث أمام الكاميرا، مردفاً: "كنا نُفسح لهم المجال ليتحدّثوا بطريقتهم العفويّة، دون أن نوجههم أو ندفعهم إلى الإدلاء بتصريحات قد لا يدركون أبعادها". أما في ما يتعلّق بسياسة القناة، فيقول إنّ الميادين "ليست لديها سياسات تفصيلية حول هذا الأمر، لكننا نحرص دائماً على تقليل ظهور الأطفال في تقاريرنا خلال النزاعات، حفاظاً على خصوصيتهم/ نّ، واحتراماً لتأثير الحرب عليهم".
غياب الحساسية الإعلامية
غالباً ما تفتقر التغطيّات الإعلامية للأطفال خلال فترات الحروب والنزاعات، إلى الحساسية اللازمة تجاه الأطفال الذين يعانون من آثار العنف والحرب، ولا تُظهر احتراماً كافياً لسلامتهم النفسيّة وخصوصيتهم. في هذا السياق، تؤكد الأستاذة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية ورئيسة مركز الأبحاث فيها، وفاء أبو شقرا، أنّ الأطفال يشكلّون فئةً ضعيفةً ومهمشةً في المجتمع، وأنّ التعامل معهم يجب أن يتم بحذر شديد ودقة عالية، "إذ إنّ هذه الفئة من الأشخاص غالباً ما تكون غير قادرة على الدفاع عن نفسها في حال تعرّضها لسوء المعاملة، ما يجعل التعامل معها يتطلّب حساسيةً كبيرةً على جميع الأصعدة".
وحول الرأي العلمي للأكاديميين في تغطية قضايا الأطفال خلال المآسي، تشير أبو شقرا، إلى أنه لا توجد ضرورة لإجراء تغطية إعلامية للأطفال في كل حدث، مؤكدةً أنّ الكثير من الذين يتناولون قضايا الأطفال إعلامياً لا يمتلكون الوعي الكامل بما يعانيه الطفل، وما يمرّ به خلال فترات الحروب والكوارث. وتوضح أبو شقرا، أنّ معظم المقابلات مع الأطفال في هذه الظروف تكون مدفوعةً برغبة في جذب المشاهدات والتفاعل الجماهيري، خصوصاً أنّ موضوعات الأطفال تثير الشفقة والعاطفة، ما يجعلها أدوات فعّالةً لزيادة نسب المتابعة، برغم أنّ هذا الأسلوب لا يعكس احتراماً حقيقياً لحقوق الأطفال وسلامتهم النفسيّة.
الإعلام يعمّم سلوكيات قد تؤدّي إلى أن يكشف الأطفال قصصاً ومواقف قد يندمون عليها لاحقاً، وعلى الصحافيين/ ات أن يكونوا واعين بأن الأطفال يفتقرون إلى دفاعات نفسيّة، وتالياً يجب أن تكون مصلحتهم الفضلى هي الأولوية على حساب أي "سكوب" إعلامي
وتشكّل قضايا الأطفال تحدّياً كبيراً للصحافة، كما تشير الدكتورة وفاء أبو شقرا، التي ترى أنّ نقل هذه القضايا يتطلّب مهارةً خاصّةً في سردها، إلى جانب ضرورة مداراة خصوصيّة الأطفال واحترام هويتهم. وتؤكد أبو شقرا، أنّ "هوية الأطفال فريدة من نوعها، لذلك عند تغطية قصصهم يجب أخذ موافقة الأهل أو الأوصياء عليهم، كما يجب الاهتمام بالبيئة المحيطة بالطفل وتوفير مساحة آمنة تتّسم بالمواصفات المدروسة".
وتشدّد الأكاديمية اللبنانية على ضرورة عدم تلقين الطفل ما يجب أن يقوله، بل تركه يعبّر عن نفسه بحرّية، حتّى لو استغرق ذلك وقتاً، لأن احترام هذه المساحة يُساهم في الحفاظ على كرامة الطفل وسلامته النفسيّة.
لعبة المشاهدات Vs سلامة الأطفال النفسيّة
يمكن عدّ برنامج "ميني مافيا"، الذي تم بثّه في فترة الحرب الأخيرة، نموذجاً واضحاً لاستغلال الإعلام للأطفال لزيادة نسب المشاهدات دون مراعاة لخصوصيتهم أو التأثيرات النفسيّة التي قد تترتّب على ذلك. وبرغم أن البرنامج يعكس واقعاً مأساوياً في تنشئة جيل متأثّر بالتطرّف السياسي والطائفي، فإنه يجب أن نأخذ في الاعتبار خطورة استخدام الأطفال في مثل هذه البرامج الإعلامية.
فالإعلام يعمّم سلوكيات قد تؤدّي إلى أن يكشف الأطفال عن قصص ومواقف قد يندمون عليها لاحقاً، وعلى الصحافيين/ ات أن يكونوا واعين بأن الأطفال يفتقرون إلى دفاعات نفسيّة، وتالياً يجب أن تكون مصلحتهم الفضلى هي الأولوية على حساب أي "سكوب" إعلامي.
في هذا السياق، تشير الأخصائية النفسيّة مارتينا نعمة، إلى أنّ الأطفال في فترات الحروب والأزمات يمرّون بمشاعر معقّدة مثل الخوف والقلق وفقدان السيطرة، ما يزيد من توتّرهم النفسيّ ويؤثّر على تطوّرهم العاطفي. فـ"الطفل يمرّ بمرحلة حسّاسة، ويشعر بالعجز تجاه ما يحدث حوله، وهذا يؤثّر على تطوّره النفسيّ"، حسب ما تقول. وتوضح أيضاً أنّ التغطيّات الإعلامية العنيفة أو مشاركتهم في برامج سياسية قد تشكّل مفاهيمهم مبكّراً، عادّةً أن فرض فكر معيّن على الطفل في هذه المرحلة يحدّ من قدرته على تقييم خياراته الفكرية.
كذلك، تؤكد نعمة، أنّ تعرّض الأطفال لمحتوى إعلامي في أوقات الأزمات يمكن أن يؤثّر سلباً على المدى القصير والطويل، إذ يمكن أن يؤدّي إلى تبنّي قضايا قد تغذّي التعصّب الديني أو السياسي أو الاجتماعي. لذلك، ترى أنه من الضروري أن تُتاح للطفل حرية التفكير النقدي بعيداً عن التأثيرات الخارجية، وأن يتأكد الأهل والإعلاميون من أنّ المحتوى لا يؤثّر سلباً على توازن الطفل النفسي. فـ"من الضروري أن تكون للطفل حرّية التعبير عن رأيه، دون أن نزرع فيه أفكاراً معيّنةً أو نُملي عليه وجهات نظرنا"، كما تشدّد نعمة على دور الأهل في مراقبة ما يشاهده الطفل وتعزيز تفكيره النقدي ليكون أكثر استقلاليةً في آرائه.
واقع الإعلام اللبناني بين تغييب حقوق الأطفال وانتهاكها
لتقييم سياسة وسائل الإعلام في لبنان تجاه الطفولة، من الضروري إعادة النظر في واقع هذه الوسائل وتركيبتها، مع التركيز على توزيعها المتأثر بالمحاصصات السياسية والطائفية. ففي ظلّ هيمنة الاحتكار السياسي والمصالح الخاصّةً، بالإضافة إلى ضعف النقابات وغياب المعايير المهنيّة، تؤثّر الأزمات والصراعات بشكلٍ سلبي على المحتوى الإعلامي والممارسات الصحافية. وقد أدّى غياب الأخلاقيات المهنية في العديد من المؤسّسات الإعلامية إلى تراجع دور الإعلام في خدمة المصلحة الوطنية واحترام حقوق الأفراد.
وفي هذا السياق، تؤكّد دراسة الدكتورة نهوند القادري، تحت عنوان "الطفولة والسياسات الإعلامية في لبنان" عام 2022، أنّ الصراعات السياسية والطائفية، جنباً إلى جنب مع الأزمات الاقتصادية، قد أسهمت في تغييب القضايا الحقوقية للأطفال. وتُبرز الدراسة كيف أن الإعلام يعالج قضايا العنف ضدّ الأطفال بشكل انتقائي، مستغلاً الأحداث لتحقيق سبق صحافي دون مراعاة الآثار النفسيّة والاجتماعية على الأطفال.
وقد أظهرت الدراسة أنّ نسبة الأخبار المتعلّقة بالطفل في نشرات الأخبار بلغت 16%، حيث برز الطفل في الأخبار الأمنية بنسبة كبيرة، تلتها أخبار العنف والنشاطات الرياضية، فيما كانت الموضوعات التربوية في المرتبة الأخيرة. كما تم تصوير الطفل كضحية بنسبة 61%، كموضوع رئيسي بنسبة 31%، وكخلفية للأخبار بنسبة 8%.
في الصحافة المكتوبة، تمّ رصد موضوعات عن الطفل بنسبة 69%، مع تنوّع في الموضوعات بين الأمن، والتشرّد، والعنف، والنشاطات الرياضية والفنية، وظهرت بشكل رئيسي في الصفحات الداخلية. بالإضافة إلى هذا، فقد كانت الأخبار المتعلّقة بالأطفال الإناث أكثر بثّلاث مرات من تلك المتعلّقة بالأطفال الذكور، مع التركيز على الأطفال اللبنانيين/ ات بنسبة أكبر، يليهم السوريون/ ات والفلسطينيون/ ات بعدهم.
مسؤولية مهنية وإنسانية
في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، شهدت الضاحية الجنوبية في بيروت تفجيرات إرهابيةً، وكالعادة تسابق الإعلاميون/ ات على السبق الصحافي الذي كانت ضحيته هذه المرة الطفل حيدر (ثلاث سنوات)، الذي كان قد فقد والديه. وفي أثناء بثّ مباشر لقناة "المنار"، دخل الصحافي إلى غرفة حيدر في المستشفى معرّفاً المشاهدين/ ات بالطفل وعلى مسمعه قال: "حيدر فقد والديه في التفجير"، لتنهمر الأسئلة على الطفل بعدها من الأقارب والمراسل: "قلّو شو صار معك، قلو مين عمل فيك هيك؟ شو كمان عمل الانفجار؟ وبابا وماما وينن؟". وبرغم الانتقادات العديدة التي طالت المراسل والقناة بعد هذا البثّ لعدم مراعاة مشاعر الطفل، إلا أنّ مراسلين/ ات آخرين كثراً ذهبوا إلى حيدر لاستجوابه.
يتحمّل الإعلاميون/ ات مسؤوليةً أخلاقيةً كبيرةً في حماية الأطفال من الاستغلال والأذى، ويجب عليهم الامتناع عن الزجّ بهم في برامج أو تقارير تتعارض مع مصلحة الطفل الفضلى. كما يتعيّن على المؤسّسات الإعلامية الالتزام بسياسات تحريرية واضحة لحماية الأطفال وتعزيز دور الرقابة لضمان الالتزام بالمعايير المهنيّة.
وتلفت أبو شقرا، إلى أهمية مراعاة نفسية الطفل في أثناء المقابلات الإعلامية، وتجنّب الأسئلة أو التعليقات التي قد تعرّضه لخطر نفسيّ، مبنّهةً: "لا يحق لنا إهانة طفل أو تذكيره بألم معين، ويجب أخذ إذن الأهل أو الوصيين قبل إجراء المقابلة". كما تؤكد على ضرورة عدم التمييز بين الأطفال، على أساس العرق أو الطائفة أو الدين، مع ضرورة توفير بيئة آمنة لهم في أثناء المقابلات.
من جهتها، تشدّد الأخصائية نعمة، على أهمية الالتزام بالقواعد المهنية، خصوصاً عند التعامل مع الأطفال خلال فترات الحروب، "فمن المهم الحصول على موافقة الأهل أولاً، لكن الأهم هو التأكّد من راحة الطفل. إذا شعر الطفل بالضغط أو عدم الرغبة في التحدث، يجب التوقّف عن إتمام المقابلة".
وتتابع أنه في حال كان هناك ضغط من الأهل، يجب على الصحافي/ ة وقف أي مقابلة إذا شعر بوجود ضغط على الطفل/ ة. من الضروري التفكير في تأثير المقابلة على الطفل/ ة كما المشاهدين/ ات، لذا، يجب تجنّب طرح أسئلة قد تزيد معاناة الطفل أو تؤذي مشاعره. وتؤكّد تالياً على المسؤولية الإنسانيّة التي تقع على عاتق الصحافي/ ة، "إذ إنّ الهدف من المقابلة ليس جذب المشاهدات أو تسليط الضوء على حالة معيّنة، بل نقل رسالة تؤثّر إيجابياً وتسلّط الضوء على معاناة الأطفال في الأزمات".
سياسات حماية الطفل في الإعلام
ويشترط دفتر الشروط لتنظيم الإعلام المرئي، الالتزام بعدم بثّ محتوى يثير النعرات الطائفية أو المذهبية، أو يحرّض على العنف أو الإرهاب، وفقاً للمادة التاسعة التي تحظر نشر محتوى يعزّز العنف أو التفرقة العنصرية، خاصّةً بالنسبة إلى الأطفال. كما تنصّ المادة السابعة من الفصل الثالث على تخصيص 146 ساعةً سنوياً لبرامج الأطفال والناشئة مع مراعاة الجوانب الأخلاقيّة والنفسيّة. وتحظر الفقرة الثانية من الفصل نفسه بثّ برامج العنف أو التشويق الجنسي قبل الساعة العاشرة والنصف ليلاً.
سياسة حماية الطفل في الإعلام
تؤكّد المسؤولة الإعلامية والمتحدّثة الرسمية باسم اليونيسف في لبنان، بلانش باز، أنّ منظّمة اليونيسف تعمل في لبنان منذ أكثر من 80 عاماً بشكل وثيق مع الإعلام المحلّي، مشيرةً إلى تعاون مع وزارة الإعلام و"التخطيط حالياً لورش عمل ودلائل إرشادية لمساعدة الإعلاميين على التعرّف على سياسة حماية الطفل في الإعلام
في المقابل، تضع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، مبادئ لحماية حقوق الأطفال إعلامياً، منها ضمان الخصوصية، والاستماع إليهم باحترام، وتجنّب استغلال معاناتهم، مع التركيز على التغطية الدقيقة والحلول الإيجابيّة بدلاً من تضخيم المآسي.
وتؤكد اليونيسف على الدور المحوري للإعلام في تشكيل الرأي العام، مشيدةً بجهود الإعلام اللبناني في تسليط الضوء على قضايا الأطفال ونقل معاناتهم. ومع ذلك، تحذّر من أنه قد يتم أحياناً، ومن دون قصد، نشر صور أو معلومات تُعرّض الأطفال للخطر أو تؤثّر على صحتهم النفسيّة، كما أنّ هناك تغطيّات تركّز بشكل مفرط على المآسي دون إبراز الجهود المبذولة لحمايتهم وتحسين أوضاعهم.
وفي هذا السياق، تؤكّد المسؤولة الإعلامية والمتحدّثة الرسمية باسم اليونيسف في لبنان، بلانش باز، أنّ منظّمة اليونيسف تعمل في لبنان منذ أكثر من 80 عاماً بشكل وثيق مع الإعلام المحلّي، مشيرةً إلى تعاون اليونيسف المباشر مع وزارة الإعلام "إذ يتمّ التخطيط حالياً لورش عمل ودلائل إرشادية لمساعدة الإعلاميين على التعرّف على 'سياسة حماية الطفل في الإعلام، والمبادئ الأخلاقية لضمان مصالح الأطفال الفضلى'، والعمل يداً بيد على ثلاثة مجالات رئيسية".
تحدّد باز، هذه المجالات الرئيسية التي تسلّط اتفاقية حقوق الطفل الضوء عليها، وتتعلّق بـ"دور الإعلام المحوري في تحسين صورة الأطفال في وسائل الإعلام، وتشجيع مشاركة الأطفال في الأنشطة الإعلامية، بالإضافة إلى حمايتهم من التأثيرات الضارّة".
كما تلخّص الوثيقة الخاصّةً بمنظمة اليونيسيف، التي نُشرت في عام 2019، أهمية دور الإعلام في حماية حقوق الأطفال، مع التأكيد على ضرورة أن يكون الإعلام مسؤولاً في تغطيته أوضاع الأطفال، خاصّةً في النزاعات المسلحة. كما تؤكّد الوثيقة على أنّ الإعلام يجب أن يتجنّب تصوير الأطفال على أنهم مجرد ضحايا، وأن يُمنح الأطفال الفرصة للتعبير عن آرائهم حول الأوضاع التي يعيشونها. وتشير إلى ضرورة أن يتم التعامل مع الأطفال المتضررين/ ات من الحروب بحذر، مع مراعاة حالتهم النفسيّة والعاطفية، وتجنّب استغلالهم إعلامياً لتحقيق مكاسب أو إثارة العواطف.
تؤكّد باز، أيضاً أنّ تحقيق التوازن بين تسليط الضوء على معاناة الأطفال وحمايتهم من الاستغلال الإعلامي لا يزال تحدّياً عالمياً، وتشير إلى أنّ بعض وسائل الإعلام تلتزم بالمبادئ الأخلاقية، بينما يسعى البعض الآخر إلى تحقيق السبق الإعلامي على حساب مصلحة الطفل. لكنها تلفت إلى مبادرات إيجابية، كالتعاون بين اليونيسف ووزارة الإعلام اللبنانية ومنظّمات حماية الطفولة، وتنظيم لقاء عام 2023، لتعزيز حماية الأطفال في الإعلام.
وتضيف أنه "تمّ التوقيع على تعهّد من قبل عدد من وسائل الإعلام بالالتزام بالمصلحة الفضلى للأطفال في التغطية الإعلامية"، وأنّ منظّمة "اليونيسف تسعى إلى دعم الإعلاميين/ ات عبر توفير المعلومات والتوجيهات لضمان تحقيق هذا التوازن".
*تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير، وتقع المسؤولية عن محتواه حصرياً على عاتق مؤسّسة "مهارات"، وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومعجبني الموضوع والفكرة
Ahmed Alaa -
منذ يومينلا حول ولا قوة إلا بالله
Hossam Sami -
منذ 6 أيامالدراما المصرية فـ السبعينات الثمانينات و التسعينات كانت كارثة بمعنى الكلمة، النسبة الأغلبية...
diala alghadhban -
منذ أسبوعو انتي احلى سمرة
حاولت صور مثلك بس كان هدفي مو توثيق الاشياء يمكن كان هدفي كون جزء من حدث .....
ssznotes -
منذ أسبوعشكرًا لمشاركتك هذا المحتوى القيم. Sarfegp هو منصة رائعة للحصول...
saeed nahhas -
منذ أسبوعجميل وعميق