شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كراهية ممنهجة وتحريض… من يقف وراء حملة

كراهية ممنهجة وتحريض… من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف

الخميس 17 أبريل 202502:11 م

 *أعدّ هذا التقرير شريف مراد من مجتمع التحقّق العربي.

انطلقت على منصّة "إكس"، حملة إلكترونية سعودية تدعو إلى ترحيل المصريين الموجودين في السعودية، عبر وسم "#ترحيل_المصريين_مطلب_شعبي". لكن بجانب بروز سلوك غير أصيل في الحملة، تضمّن محتواها خطاب كراهية وتحريضاً.

وبدأ بعض السعوديين بالتفاعل مع الوسم المذكور، بالتزامن مع إطلاق حملة ضد المملكة، عبر وسم "#تدويل_الحرمين"، تفاعلت عليها حسابات غالبيتها مصرية.

هدف هذا التقرير هو تحليل الحملة الرقميّة الموجّهة ضد الجالية المصرية في السعودية، والتي استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً منصّة "إكس"، أداةً رئيسيةً لنقل رسائل تحريضية ممنهجة. يتناول التقرير مدى تنسيق هذه الحملة، ويحلّل أبعاد التفاعلات الرقميّة من خلال فحص الشبكات الاجتماعية، والكلمات المفتاحيّة، والنقاط المركزيّة المؤثّرة التي أسهمت في تعزيز انتشار الخطاب التحريضي وتشكيل توجه عام عدائي على المنصّة.

يرمي هذا التقرير إلى تحليل الحملة الرقميّة الموجّهة ضد الجالية المصرية في السعودية، والتي استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً منصّة "إكس"، أداةً رئيسيةً لنقل رسائل تحريضية ممنهجة

مؤشّرات الحملة المنسّقة

باستخدام أداة "Meltwater"، بدأت عملية جمع البيانات من خلال فحص وتحليل النشاط اليومي للمنشورات المرتبطة بالوسوم المتّصلة بالحملة ضد الجالية المصرية في السعودية، ومن أبرزها: وسم "#ترحيل_المصريين_مطلب_سعودي"، ووسم "#ترحيل_المصريين_مطلب_شعبي".

وأشارت النتائج الأوّلية إلى أنّ النشاط كان منخفضاً خلال بداية فترة الرصد في كانون الثاني/ يناير 2025، إذ لم تُسجّل أي منشورات تُذكر في تلك المرحلة.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

مع بداية شباط/ فبراير 2025، بدأ النشاط بالظهور بصورة تدريجيّة، إذ سجّلت بضع عشرات من المنشورات يومياً. لم يكن هذا النشاط ملحوظاً حتّى منتصف شباط/ فبراير 2025، حين بدأت أرقام المنشورات ترتفع بشكل ملحوظ، لتصل إلى مئات المنشورات يومياً في الأسبوعين الأخيرين من شباط/ فبراير 2025.

وسجّلت الأيام الأخيرة من شباط/ فبراير، وبداية آذار/ مارس 2025، زيادات ملحوظةً وصلت إلى ذروة مبكّرة في المنشورات اليوميّة التي بلغت نحو 1،000 منشور في بعض الأيام، ما يوحي ببداية مرحلة أكثر وضوحاً وتركيزاً في الحملة.

بدءاً من منتصف آذار/ مارس الماضي، شهدت البيانات تصاعداً حادّاً في حجم المنشورات، فظهر نمط واضح من النشاط المكثّف خلال أيام محدّدة، خاصةً يوم 19 آذار/ مارس الذي شهد 2،059 منشوراً في يوم واحد.

أبرز ما لفت النظر في هذه البيانات هو الارتفاع المفاجئ والكبير الذي حدث في أوائل نيسان/ أبريل 2025، تحديداً في الأول منه، عندما قفز عدد المنشورات بشكل غير مسبوق إلى ما يزيد على 6،800 منشور في يوم واحد فقط، مع نشاط مشابه، وإن كان أقل حدّةً في الأيام التي تلته، ليصل العدد إلى أكثر من 9،000 منشور في الخامس من نيسان/ أبريل 2025.

بجانب تحليل نشاط المنشورات وعدد المتفاعلين على الوسوم، تم التدقيق في طبيعة التفاعل ذاته، إذ برزت مؤشّرات واضحة على وجود استخدام ممنهج لأشكال التفاعل المختلفة؛ مثل إعادة النشر، والردود، والمنشورات الأصليّة، والاقتباسات. فعلى سبيل المثال، شكّلت إعادة النشر النسبة الأكبر من التفاعل، إذ بلغت 57% من إجمالي المنشورات، تلتها التعليقات بنسبة 31%، في حين لم تتجاوز نسبة المنشورات الأصليّة 9% من إجمالي المحتوى المنشور. هذا التوزيع يشير إلى وجود إستراتيجية محتملة لتضخيم الرسائل وزيادة انتشارها عبر المنصّة، من خلال إعادة تداول محتوى محدّد أو تكراره بطرق مختلفة.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟


كما لوحظ في بعض الأيام، مثل الأول من نيسان/ أبريل 2025، ارتفاع كبير وغير معتاد في عدد المنشورات الأصليّة، ما قد يشير إلى وجود توجيه مركزي لإنشاء منشورات جديدة ومتزامنة تحمل مضموناً موحداً. وتزامن ذلك مع زيادة ملحوظة في عدد الردود، التي تُستخدم غالباً في الحملات الرقميّة كوسيلة لإبقاء النقاش نشطاً حول الوسم، وضمان استمراره ضمن المواضيع المتداولة على المنصّة. هذه الأنماط تعزز فرضية وجود تنسيق منظّم يرمي إلى إبقاء الحملة حيّةً ومرئيةً في فضاء النقاش الرقمي.

لم يقتصر الأمر على العدد فحسب، بل كان واضحاً من خلال حجم الوصول الهائل وعدد المشاهدات التي تجاوزت 14 مليون مشاهدة في الأول من نيسان/ أبريل 2025، أنّ الرسائل التي بُثّت في هذه الحملة قد لاقت طريقها إلى جمهور واسع، إذ وصلت المنشورات إلى أكثر من 33 مليون شخص مع مطلع نيسان/ أبريل 2025، ما يعني أنّ الحملة كانت ناجحةً في تحقيق أحد أهم أهدافها، وهو التأثير الواسع والانتشار الكبير بين المستخدمين.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

غلبة المشاعر السلبيّة

أظهر تحليل المشاعر، أنّ الحملة كانت تركّز على المشاعر السلبيّة بشكل كبير، إذ شكّلت المشاركات السلبيّة نحو 88% من مجموع المشاعر المُعبّر عنها. تتوزّع هذه المشاعر السلبيّة بين خطابات كراهية، وعنف لفظي، واتهامات بالعمالة أو الاستغلال. بينما المشاعر الإيجابية، التي تركّزت في نحو 11% من النشاط العاطفي، كانت متباينةً، ولم تشكّل قوّةً مؤثّرةً في اتجاه الحملة.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟


من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

في ما يتعلّق بالتوقيت الزمني للحملة، لوحظ أنّ المشاعر السلبيّة قد تضاعفت بشكل غير مسبوق في الفترة بين الأول والخامس من نيسان/ أبريل 2025، مع ظهور زيادة كبيرة في التصريحات العدائية. مثلاً، في الأوّل من نيسان/ أبريل 2025، وصل حجم المشاركات السلبيّة إلى 4،696 منشوراً.

اللافت في هذه الحملة، هو التحوّل الواضح في لغة الخطاب بعد التاريخ المشار إليه في بداية نيسان/ أبريل 2025، إذ ارتفع مستوى العدائية ليشمل اتهامات ثقافيةً ودينيةً، بجانب نشر محتوى يشير إلى مخاوف اقتصاديّة من تواجد المصريين، وتهديدات بتغيير الهيكل السكاني.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟


على الرغم من هذا التصعيد في المشاعر السلبيّة، إلا أنّ المشاعر الإيجابيّة التي ظهرت بشكل محدود كانت تُستخدم لتوجيه رسائل الدعم والتضامن، في محاولة لموازنة الوضع. كان من بين أبرز العبارات الإيجابية التي وردت: "السعودية" و"عمرة"، ما قد يشير إلى التقاليد الدينية المشتركة بين الشعبين، خصوصاً في موسم رمضان وطقوس العمرة، بجانب تعبير "أفضل الدكاترة" الذي استُخدم في سياق الإشارة إلى السمعة الطيّبة للأطبّاء المصريين في القطاع الطبّي السعودي، لكن بصفة عامة كانت هذه الكلمات قليلةً مقارنةً بالهجوم الواسع الذي حملته المشاعر السلبيّة.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

حملة خليجية؟

شكّلت السعودية المركز الرئيس للحملة الرقميّة، إذ احتلّت المركز الأول من حيث عدد المنشورات التي بلغت أكثر من 14،700 منشور.

من خلال تحليل بنية التفاعل والروابط بين الحسابات المشاركة، أمكن الكشف عن مجموعة من الأنماط والمؤشّرات الدالة على طبيعة التنسيق داخل الحملة؛ مثل تمركز التفاعل حول عدد محدود من الحسابات المحوريّة، وتكرار نشر المحتوى ذاته عبر شبكات فرعية متّصلة، ما يعكس وجود توزيع منظّم للمهام الرقميّة وإستراتيجية ممنهجة في إدارة الحملة

على الجانب الآخر من البحر الأحمر، جاءت مصر في المرتبة الثانية من حيث عدد المشاركات، بنحو 742 مشاركةً، ما يعكس رد فعل المصريين على الخطاب الموجّه ضدهم من داخل المملكة. ومع أنّ التفاعل داخل مصر كان أقلّ من المملكة، إلا أنّ وجود عدد لا بأس به من المنشورات المصرية، يشير إلى استشعار الجالية المصرية سواء داخل السعودية أو المواطنين في مصر، بالتهديد أو القلق جرّاء الحملة، وقيامهم إما بالردّ على الادّعاءات أو محاولة مواجهة خطاب الكراهية بمشاركات مضادّة.

كما كشفت البيانات عن توسّع جغرافي لافت للحملة، إذ لم تقتصر المشاركات على السعودية ومصر فحسب، بل امتدت إلى دول أخرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي سجّلت 425 مشاركةً، وبريطانيا التي سجّلت 242 مشاركةً، وهو ما يشير إلى تفاعل واضح بين أبناء الجاليتين السعودية والمصرية في المهجر.

بجانب ذلك، ظهرت مشاركات ملحوظة من دول الخليج المجاورة، مثل الكويت بـ232 مشاركةً، واليمن بـ168 مشاركةً. من خلال هذه الأرقام، يمكن قراءة موقف تضامني أو تفاعلي مع الخطاب السعودي السائد ضد العمالة المصرية؛ وهو ما يسلّط الضوء على البعد الإقليمي الخليجي في الحملة. قد تكون هذه المشاركات تعبيراً عن شعور مشترك أو خطاب مشابه في دول الخليج في ما يتعلّق بقضايا العمالة الأجنبيّة.

تحليل البنية الخطابيّة للحملة الرقميّة وأبرز رسائلها

يكشف تحليل خطاب أكثر المنشورات تفاعلاً ضمن هذه الحملة الرقميّة ضد المصريين في السعودية، عن أساليب خطابية وإستراتيجيات واضحة، شكّلت الركائز الأساسيّة التي استند إليها الفاعلون الرئيسيون في إدارة ونشر هذه الحملة.

أولاً، كان العنصر الأبرز في هذه البنية الخطابية هو الاستخدام المكثّف للمشاعر القوميّة الوطنيّة والتأكيد على مفهوم السيادة. وقد تجلّى هذا بوضوح في منشور نُشر بتاريخ 31 آذار/ مارس 2025، من حساب @ksa882034ksa، وقد استُخدمت استعارة "عرين الأسود" فيه للإشارة إلى السعودية، بهدف إثارة مشاعر الفخر الوطني والكرامة المحلية، وتصوير المصريين كدخلاء يشكلون تهديداً لهذه السيادة. وقد وُظّفت هذه الاستعارات لتغذية خطاب "نحن مقابل هم"، الذي يستهدف استثارة الغضب وتحفيز التفاعل العاطفي لدى الجمهور، وهو ما يُفسر التفاعل الواسع مع هذا المنشور، الذي تجاوز حاجز الخمسة آلاف تفاعل.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

في سياق متّصل، برز استخدام لغة التعميم والتشويه كإحدى الإستراتيجيات الخطابية الأساسية ضمن الحملة. ويتجلى ذلك في تغريدة نُشرت بتاريخ 1 نيسان/ أبريل 2025، من حساب "@urvnr2"، والتي سجّلت أعلى نسبة تفاعل، متجاوزةً 14 ألف تفاعل. وقد استُخدم في المنشور مقطع فيديو يُزعم أنه لسيدة مصرية مقيمة في الرياض، قُدّم بطريقة هدفها التعميم والتنميط السلبيّ، إذ تم تصوير سلوك فردي على أنه نموذج يُمثّل الجالية المصرية بأكملها. ونظراً إلى طبيعة الخطاب العنيف الذي تضمّنه المنشور، قامت إدارة منصّة "إكس" لاحقاً بحذفه.

بالإضافة إلى ذلك، برز خطاب الكراهية والعنصرية بشكل واضح في بعض المنشورات؛ مثل منشور بتاريخ 18 آذار/ مارس 2025، من حساب "@ff5q5q"، وقد احتوى على لغة مسيئة وخطاب تحقيري مباشر.

ومن الإستراتيجيات المهمة التي تم استخدامها أيضاً في الخطاب الرقمي، إستراتيجية "استحضار القضايا الحساسة"؛ مثل قضية الحج والعمرة، كما تجلّى في تغريدة بتاريخ 4 نيسان/ أبريل 2025، من حساب "@sniorah1409"، التي اتهمت مصريةً بالمطالبة بأموال الحج وتدويله.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

كما برزت إستراتيجية "المقاطعة الاقتصادية"، وهي خطاب يدعو إلى اتخاذ خطوات عملية ضد المجتمع المصري عبر مقاطعة المحال المصرية والمنتجات التي يبيعها المصريون، كما ظهر في تغريدة من حساب "@ctyalz"، بتاريخ 4 نيسان/ أبريل 2025.

كذلك، استُخدم أسلوب "الكشف عن مخالفات مزعومة" كجزء من البنية الخطابية للحملة، من خلال التلميح إلى وجود فساد أو سوء استغلال للقانون من قِبل أفراد الجالية المصرية. وقد تجلّى ذلك في تغريدة نشرها حساب "@ALRmm9090"، بتاريخ 29 آذار/ مارس 2025، والتي سعت إلى تصوير المصريين كمجتمع لا يحترم القوانين والأنظمة المحلية، في محاولة لتأطيرهم كعنصر مهدد للنظام العام، وتعزيز المبررات الأخلاقية للمطالبة بترحيلهم.

خطاب موحّد وشبكة متماسكة

بعد ذلك انتقلنا إلى التحليل الشبكي للحسابات المشاركة في الحملة، ومن خلال تحليل بنية التفاعل والروابط بين الحسابات المشاركة، أمكن الكشف عن مجموعة من الأنماط والمؤشّرات الدالّة على طبيعة التنسيق داخل الحملة؛ مثل تمركز التفاعل حول عدد محدود من الحسابات المحوريّة، وتكرار نشر المحتوى ذاته عبر شبكات فرعية متّصلة، ما يعكس وجود توزيع منظّم للمهام الرقميّة وإستراتيجية ممنهجة في إدارة الحملة.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟



من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

بدايةً، تُظهر الشبكة بوضوح نمطاً مركزياً شديد التماسك، يتمثل في وجود مجموعة من الحسابات التي تُشكّل نواةً صلبةً ومركزيةً للحملة الرقميّة. وقد برز هذا النمط من خلال حسابات بارزة؛ مثل @KSA2200Ksa88 و@Ksa882034Ksa، إذ كشفت التحليلات عن ارتباطات كثيفة وتفاعلات متكررة لهذه الحسابات مع عدد كبير من الحسابات الأخرى.

ويعكس هذا، الدور المحوري الذي تلعبه في توجيه الخطاب الرقمي، وتحديد نغمة الحملة ومسارها. كما أظهر تحليل الشبكة، من خلال حجم العقد (nodes) الكبير لهذه الحسابات، أنها تمثّل مراكز ثقل عالية التأثير، مسؤولة بشكل مباشر عن تضخيم الرسائل وضمان انتشارها داخل الشبكة.

ويضع حساب @KSA2200Ksa88، صورة ملك السعودية ووليّ العهد غلافاً له، كما يضع في الصورة الشخصية كلمة "سعوديّة وأفتخر"، ولا توجد أي بيانات تشير إلى هويّة صاحبة الحساب.

واتضح من خلال بنية شبكة الحسابات، وجود شكّل دائري متماسك يتمركز حول الحسابات الرئيسية، وهذا ما يُعرف في تحليل الشبكات الرقميّة بنموذج "المحور والأذرع" (hub-and-spoke model). في هذا النموذج، تشكّل الحسابات المركزية نقطة انطلاق رئيسية للرسائل التي تُبثّ إلى نطاق أوسع عبر حسابات طرفية ذات ارتباط ضعيف نسبياً في ما بينها، ولكنها ترتبط كلها بهذه النقاط المركزية. هذا النموذج يشير بوضوح إلى حملة رقميّة منسّقة ومخطط لها بعناية، وليس تفاعلاً عضوياً أو طبيعياً بين المستخدمين.

فضلاً عن ذلك، أظهر تحليل المجتمعات الشبكية باستخدام خوارزمية "Louvain"، وجود تجمعات فرعية واضحة، تميزت بألوان مختلفة في الشبكة. هذه المجتمعات الفرعية تُشير إلى وجود مجموعات مختلفة داخل الحملة، لكل منها دور محدّد، وتقوم بنشر وتعزيز روايات خاصة بها ضمن الحملة الكبرى.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

من أبرز الملاحظات التي ظهرت في التحليل هي وجود عدد كبير من الحسابات الطرفية التي تشارك بشكل محدود، وغالباً ما تقتصر وظيفتها على إعادة نشر الرسائل التي تصدر من الحسابات المركزيّة. هذه الحسابات تشير إلى احتمال استخدام شبكات من الروبوتات الرقميّة (bot networks)، أو حسابات مخصّصة لغرض التضخيم المصطنع.

أخيراً، بنية الشبكة لا تحتوي نقاشات مضادةً أو تفاعلات عميقةً أو حوارات متعددة الاتجاهات، بل اتّسمت بالتوجّه الأحادي المركّز والرسالة، ما يعكس طابع الحملة، من حيث كونها خطاباً منسقاً ذا هدف واضح ومحدّد.

عنصريّة وتحريض

وفي إطار التحليل المعمّق للبنية الخطابية التي قامت عليها الحملة ضد الجالية المصرية في السعودية، تم تحديد مجموعة من الحسابات المركزيّة التي لعبت أدواراً رئيسيّةً في توجيه الخطاب، وتضخيم الرسائل، وتعزيز الانتشار. يظهر في مقدّمة هذه الحسابات حساب "السعودية?KSA?العظمى 2034???"، والمعرّف بالاسم "@20399_ksa"، إلى جانب الحساب الآخر المعروف بالاسم "xXx" والمعرّف بـ"@CtyAlz". يقدّم هذا التحليل صورةً مفصّلةً واضحةً عن طبيعة هذه الحسابات، والخطابات التي استخدمتها، والتوجّهات التي تعكسها في إطار الحملة.

أولاً… حساب "السعودية?KSA?العظمى 2034???" (@20399_ksa)

ويتابعه أكثر من 5،500 متابع. تم إنشاؤه في آذار/ مارس 2020، ويظهر كأحد الحسابات ذات التأثير العالي في الحملة. من خلال رصد وتحليل خطاباته، تتضح مجموعة من السمات الأساسية التي تميزه، أولاها: النزعة القومية الحادة إذ يعتمد الحساب بشكل واضح على استثارة النزعة القوميّة والوطنيّة السعودية لتعزيز تفاعل متابعيه، مستخدماً لغةً حادّةً ومباشرة. يظهر ذلك بشكل جلي في حديثه المستمر عن "السيادة الوطنية" و"التهديدات القادمة من الآخر"، إذ يُستخدم الخطاب لتصوير المصريين كعنصر تهديدي قد يُسهم في تهديد الهوية الوطنية السعودية.

من يقف وراء حملة "ترحيل المصريين من السعودية"؟

واستخدم الحساب في العديد من المنشورات لغةً عدائيةً صريحةً وتعميمات مسيئةً؛ مثل وصف المصريين بالخيانة واتهامهم بشكل مستمر بالتآمر، مع تضمين ألفاظ ساخرة وهجوميّة مثل: "الخيانة تجري في دمكم"، وهو ما أسهم في زيادة حدّة المشاعر العدائية بين المشاركين.

أظهر تحليل المشاعر أنّ الحملة كانت تركّز على المشاعر السلبيّة بشكل كبير، إذ شكّلت المشاركات السلبيّة نحو 88% من مجموع المشاعر المُعبّر عنها. تتوزّع هذه المشاعر السلبيّة بين خطابات كراهية، وعنف لفظي، واتهامات بالعمالة أو الاستغلال. بينما كانت المشاعر الإيجابية (نحو 11% من النشاط العاطفي)، متباينةً، ولم تشكّل قوّةً مؤثّرةً في اتجاه الحملة

كما لجأ الحساب إلى التهديد والتحريض ضد المصريين، إذ وجّه عبارات تحذيريةً شديدة اللهجة تستهدف التخويف والإهانة، إلى جانب محاولات عزل الخطاب المضاد أو المعتدل، عبر التشكيك في دوافعه وربطه بأجندات خارجية؛ مثل اتهامه حسابات مصريةً بمحاولة زرع الفتنة مع الإمارات.

ثانياً… حساب "xXx" (@CtyAlz)

إلى ذلك، يعكس حساب "@CtyAlz"، نمطاً مغايراً لكنه يخدم الهدف ذاته؛ وهو الترويج لخطاب الكراهية والتمييز بشكل ممنهج وموجّه. على الرغم من أنّ الحساب مجهّل، ويبدو أنّ تفاعله محدود ظاهرياً (أقل من 300 متابع)، إلا أنّ محتوى مشاركاته يكشف عن دوره في إعادة نشر وتكثيف الرسائل التحريضية ضد المصريين. يعتمد هذا الحساب بشكل رئيس على خطاب تحريضي ضد الأجانب، مع التركيز على المصريين والسوريين، ما يعزز من خطاب الكراهية الذي يروج له، ويُسهم في نشره عبر شبكات متعددة.

ويشكّل هذا الحساب نقطة تضخيم وإعادة نشر لرسائل التحريض التي تظهر في الحسابات الأكثر تأثيراً، ما يجعله جزءاً فعالاً في توسيع دائرة الكراهية، وإعادة تأكيد الخطاب العدائي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image