شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
نتنياهو بين بودابست وأثينا... حملة علاقات عامة للهروب من مذكرة التوقيف الدولية؟

نتنياهو بين بودابست وأثينا... حملة علاقات عامة للهروب من مذكرة التوقيف الدولية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الثلاثاء 8 أبريل 202501:49 م

في الوقت الذي عادت فيه إسرائيل لتستأنف حرب الإبادة في غزّة، وبالتزامن مع صور تدمير رفح بالكامل واحتلالها، شاهدنا صور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يحظى بترحيب حار في العاصمة المجرية بودابست، حيث أُقيمت له مراسم استقبال في ساحة الأسد في قلعة بودا المهيبة.

سار على السجادة وهو يُستقبل بحفاوة من قبل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، في أول زيارة له إلى بلد أوروبي منذ صدور مذكرة اعتقال ضده من المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزّة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. وقبل رحلته إلى بودابست، التقى نتنياهو، في القدس، رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكس.

بين الرحلة والزيارة، تظهر مؤشرات واضحة على حملة علاقة عامة ضخمة لنتنياهو في أوروبا، ويبدو أنّ لديه ما يقدّم وما يأخذ من الدول التي تستضيفه أو يستقبلها.

زيارة نتنياهو إلى المجر ومذكرات الاعتقال

زيارة نتنياهو إلى المجر لم تكن مفاجأةً، ففي اليوم الذي صدرت فيه مذكرة اعتقال ضده من المحكمة الجنائية الدولية، قام "أوربان" بدعوة نتنياهو، وتمّت الزيارة خلال الأسبوع الماضي. وقال أوربان، في كلمته عند ترحيبه بنتنياهو، إن حكومته قررت الانسحاب من المحكمة لأنها أصبحت "أداةً سياسيةً". وأشاد نتنياهو بالقرار ووصفه بأنه "جريء ومبدئي"، وتوقّع أن تكون المجر أول دولة، تنسحب من المحكمة، لا آخر دولة.

موقف المجر من إسرائيل، موقف واضح، فالمجر من أقوى حلفاء إسرائيل في أوروبا، ويكنّ العديد من المجريين مشاعر مؤيدةً لإسرائيل بشدّة، فلا تزال اللافتات التي تشيد بالحرب في بودابست، وهي العاصمة الأوروبية التي لم يُسمع فيه عن مظاهرات لوقف الحرب في غزة على غرار العواصم الأوروبية الأخرى

موقف المجر من الجنائية الدولية موقف غير واضح، فالمحكمة الجنائية الدولية لا تملك صلاحيات إنفاذ قانون خاصة بها، لذا تعتمد على دولها الأعضاء في اعتقال المشتبه بهم، ونقلهم إلى لاهاي. ولكون المجر دولةً موقّعةً على نظام روما الأساسي، الذي أُنشئت بموجبه المحكمة عام 2002، فإنّها نظرياً مُلزمة باعتقال نتنياهو. لكن برغم توقيع المجر على المعاهدة، إلا أن البرلمان لم يدمج شروطها في القانون المحلي للبلاد، وهو ما يعني أن المجر عملياً لا تلتزم بقرارات المحكمة.

تحدث عن هذا رئيس أركان رئيس الوزراء فيكتور أوربان، جيرجيلي جولياس، في محادثة مع وكالة الأنباء الرسمية "إم تي آي"، حيث أوضح أنه على عكس بعض الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، فإنّ البرلمان المجري لم يُعلن قط النظام الأساسي للمحكمة، وتالياً فهو ليس جزءاً من القانون المحلي. وأضاف أنه بناءً على ذلك، لا يُمكن بموجب القانون اعتقال أي شخص في المجر، بحسب ما نقلت صحيفة "جيروساليم بوست".

أما حول ما أشار إليه نتنياهو، بأنّ المجر لن تكون آخر دولة تستقبله من دون اعتقال، فيمكن فهم أن هناك ترتيبات لزيارة نتنياهو إلى ألمانيا، خاصةً مع قراءة التناقضات التي جاءت من الأخيرة بشأن إمكانية اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي.

فقد صرّح المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتس، أنه لا يتصور أن يتم تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق نتنياهو، في حال زيارته ألمانيا، فيما كانت الحكومة الألمانية قد أعلنت سابقاً أنها ستقوم بـ"فحص دقيق للإجراءات الداخلية" القانونية المتعلقة بمذكرة التوقيف، في حال تمت الزيارة.

أما المستشار الألماني المحتمل، فريدريش ميرتس، فقد عبّر عن موقف أكثر وضوحاً بعد فوزه في الانتخابات نهاية شباط/ فبراير الماضي، حيث قال زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي: "من غير المتصور بالنسبة لي ألا يتمكن رئيس وزراء إسرائيل المنتخب ديمقراطياً من زيارة ألمانيا"، وأضاف: "سنجد طرقاً متوافقةً مع القانون الدولي تتيح لنا الاستمرار في استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي في ألمانيا".

مصالح مشتركة بين نتنياهو وأوربان

موقف المجر من إسرائيل، موقف واضح، فالمجر من أقوى حلفاء إسرائيل في أوروبا، ويكنّ العديد من المجريين مشاعر مؤيدةً لإسرائيل بشدّة، فلا تزال اللافتات التي تشيد بالحرب في بودابست، وهي العاصمة الأوروبية التي لم يُسمع فيه عن مظاهرات لوقف الحرب في غزة على غرار العواصم الأوروبية الأخرى.

أما من الناحية الأيديولوجية، فإنّ المجر ترى في إسرائيل حليفاً لها في الحرب ضد الإسلام المتطرف، وهي جزء من جبهة مسيحية يهودية، وكان أوربان سريعاً في دعم خطة دونالد ترامب، لترحيل سكان غزّة من القطاع (شرط، بطبيعة الحال، ألا يتم ترحيلهم إلى المجر)، بحسب "يديعوت أحرونوت".

كما أنّ علاقة نتنياهو بأوربان، علاقة وطيدة ومعلنة، فرئيس الوزراء المجري يعدّ نتنياهو حليفاً، ودائماً ما يصرح الطرفان بذلك، كما يتفق أوربان ونتنياهو في العديد من الأمور، فكلاهما يحبّان ترامب، ويهاجمان قوانين بلديهما، وكلاهما يدّعيان أنّ "الدولة العميقة" تحاول الإطاحة بهما، ويواجه كل منهما حملةً انتخابيةً صعبةً في العام المقبل، كما يواجهان معركةً صعبةً للحفاظ على منصبيهما. وعلى عكس الاتحاد الأوروبي، فإنّ المجر دولة موالية لروسيا، ومتهمة بتقويض الديمقراطية والنظام القضائي.

وليست العلاقة القوية والتماهي الأيديولوجي فقط، هما ما يقف خلف الزيارة المثيرة للجدل، إذ لدى أوربان قائمة من المطالب والأهداف التي ستحققها له الزيارة؛ فمن ناحية، لطالما اتّهم أوربان بمعاداته للسامية، في المجر التي يعيش فيها نحو 100 ألف يهودي. حيث شنت آلة الدعاية المجرية حملات لتشويه سمعة جورج سوروس، المموّل الأمريكي المجري المولد واليهودي، صوّرته على أنه محرّك الدمى الشرير في مؤامرة عالمية واسعة النطاق مدعومة من جهات مالية رفيعة المستوى وقوى عالمية خفية، ضد المجر، وهي القضية التي جعلت أوربان، في مركز اتهام بمعاداة السامية، بحسب "نيويورك تايمز". فزيارة نتنياهو، والعلاقة بين الزعيمين، تسمح لأوربان ضمناً بأن ينكر اتهامات معاداة السامية التي تطارده، كما ستساعده في دحض المؤامرات التي يديرها حول "سوروس".

من الناحية السياسية، فإنّ المجر تعيش في عزلة سياسية في البرلمان الأوروبي بسبب موقفها المؤيد لروسيا، وزيارة نتنياهو أيضاً هي أداة دعائية لأوربان، وذلك بعد أن دعا الرئيس الصيني شي جين بينج، لزيارته في أيار/ مايو 2024، وبعد أن زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بودابست في وقت سابق من هذا العام. الزيارة الحالية لنتنياهو -على الرغم من مذكرة الاعتقال- تجعله يثبت للمجريين أنّ خلافات الاتحاد الأوروبي لم تمنعه من الاتصال بباقي العالم، وأنّ المجر لديها القدرة على الوجود بشكل مستقل.

كما لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ أوربان، يريد أن يحقق بعض المكاسب من خلال الإيحاء بأن علاقته بنتنياهو، ستفيده في تواصله مع البيت الأبيض وترامب. أما نتنياهو، فيحاول من خلال زيارته، الحصول على الشرعية الدولية بزيارة إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وينقل أيضاً، على الأقل إلى قاعدته في إسرائيل، أنّ الأمور تسير كالمعتاد، في وقت تتزايد فيه المعارضة لقيادته داخل إسرائيل.

كذلك، يقول نتنياهو للعالم إنه لا يزال في منأى عن مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة، على الرغم من إدانة العديد من الحكومات الأوروبية لسلوك إسرائيل في الحرب على غزّة، وإنه لا يزال محتفظاً بعلاقاته الدولية.

زيارة ميتسوتاكس إلى إسرائيل

قبل يومين من زيارة نتنياهو إلى المجر، زار رئيس الوزراء اليوناني الزائر كيرياكوس ميتسوتاكيس، إسرائيل، حيث التقى بنتنياهو، وذكرت تقارير إعلامية أنّ الطرفين ناقشا "التحديات الأمنية والفرص الاقتصادية والسبل التي يمكننا من خلالها خلق فرص السلام الدائم في المنطقة".

لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ أوربان، يريد أن يحقق بعض المكاسب من خلال الإيحاء بأن علاقته بنتنياهو، ستفيده في تواصله مع البيت الأبيض وترامب. أما نتنياهو، فيحاول من خلال زيارته، الحصول على الشرعية الدولية بزيارة إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وينقل أيضاً، على الأقل إلى قاعدته في إسرائيل، أنّ الأمور تسير كالمعتاد

وجدير بالذكر، أنه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، شكك المتحدث باسم الحكومة اليونانية بافلوس ماريناكيس، في فعالية مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال حينها إنه "قرار لن يحلّ أيّ مشكلة". ولتجنّب الانتقاد من الاتحاد الأوروبي، قرر "يتسوتاكس، زيارة نتنياهو في إسرائيل وليس استقباله.

بحسب التقارير المحلية في أثينا، فقد أجرى ميتسوتاكيس، محادثات مع بنيامين نتنياهو، والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، بالإضافة إلى شخصيات بارزة في قطاع الدفاع الإسرائيلي، وركزت المناقشات على مشاريع الدفاع المشتركة، والابتكار التكنولوجي، والتعاون الإستراتيجي، والاهتمام المشترك بمشروع الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل، وهو المشروع الذي تعارضه تركيا عادّةً إياه تحدياً جيو-سياسياً لنفوذها في المنطقة. كما تم التفاوض حول فرص الإنتاج الدفاعي المشترك، حيث أبدت شركات الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) و"رافائيل" و"إلبيت"، اهتمامها بالتعاون مع الصناعات اليونانية، وبالأخص التطوير المشترك للطائرات المسيّرة وأنظمة الصواريخ، حيث تسعى أثينا إلى نقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، ومن شأن الاتفاقيات المحتملة أن تُمكّن إسرائيل من إنتاج أنظمة دفاعية بكميات كبيرة في السوق الأوروبية، بحسب الصحيفة اليونانية.

وسبق الزيارة، خطاب ميتسوتاكيس البرلماني حول إستراتيجية اليونان طويلة الأمد للمشتريات الدفاعية، حيث من المتوقع أن تلعب الشركات الإسرائيلية دوراً مهماً، ولا سيّما في نظام الدفاع الصاروخي اليوناني متعدد الطبقات والمضاد للطائرات المسيّرة، "درع أخيل".

تقارب اليونان وإسرائيل

في الوقت الذي تكافح فيه إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، لجأت في الفترة الأخيرة إلى التقارب مع حلفائها الإقليميين، مثل اليونان وقبرص، من أجل المزيد من التعاون، مستغلّةً بذلك التطورات الأخيرة.

فأثينا تحرص على الاستثمار في دفاعاتها لمواكبة غريمتها في حلف شمال الأطلسي ومنافستها التاريخية تركيا، التي تعمل أيضاً على تطوير دفاعاتها الجوية الخاصة. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، أفادت التقارير أنّ أثينا تجري محادثات مع الحكومة الإسرائيلية لتطوير نظام دفاعي مضاد للطائرات والصواريخ بقيمة 2 مليار يورو (2.17 مليار دولار)، مماثل لنظام القبة الحديدية، وقيل إنّ الصفقة جزء من خطة طموحة مدّتها عشر سنوات لتحديث القدرات العسكرية لليونان.

لا يمكن تجاهل التوقيت الذي تمت فيه زيارة ميتسوتاكس، إلى إسرائيل، إذ جاءت في الوقت الذي يُعزز فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موقف أنقرة الحازم في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث قامت تركيا بنشر سفينتها الاستخباراتية "أفق" جنوبي جزيرة كريت، لمراقبة التطورات الإقليمية

وبحسب جورج فيليس، الدكتور في الجغرافيا السياسية وأستاذ الجيو-إستراتيجيا، فإنّ الديناميكية الجديدة التي نشأت بعد الاجتماع بين رئيس الوزراء اليوناني ونظيره الإسرائيلي، تعكس رغبةً في إعادة تشغيل العلاقات اليونانية الإسرائيلية، مع التركيز الآن على المزيد من التعاون العملياتي والقتالي.

ويشير البروفيسور "فيليس"، إلى أن اليونان تواجه فرصةً إستراتيجيةً لتعزيز دورها في شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​​​وترقية موقعها الجيو-سياسي من خلال تحالف أوثق مع إسرائيل، خاصةً في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا.

لا يمكن تجاهل التوقيت الذي تمت فيه زيارة ميتسوتاكس، إلى إسرائيل، إذ جاءت في الوقت الذي يُعزز فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موقف أنقرة الحازم في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث قامت تركيا بنشر سفينتها الاستخباراتية "أفق" جنوبي جزيرة كريت، لمراقبة التطورات الإقليمية. وبرغم أن السفينة لا تزال خارج مناطق الاستكشاف اليونانية المباشرة، إلا أن وجودها يُشير إلى استمرار اهتمام أنقرة بديناميكيات الطاقة والدفاع في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، توسعت إسرائيل في هجماتها على سوريا، والتي تم تفسيرها بأن هدفها إرسال رسائل لتركيا حول اعتزام إسرائيل إحباط أي محاولة للتواجد العسكري التركي هناك، فيما جاءت زيارة ميتسوتاكس لتعكس تقارباً إسرائيلياً يونانياً يجعل مواجهة تركيا هدفاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image