شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
خرائط الولاء تتغير... من يجلس على موائد الإفطار السياسية في مصر؟

خرائط الولاء تتغير... من يجلس على موائد الإفطار السياسية في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحرية

الاثنين 24 مارس 202511:56 ص

"هو مش في جامعات فيها أساتذة علم نفس واجتماع يقولوا لنا إيه الخلطة تبقى عاملة إزاي؟ والكلام ده يتاخد للمؤسسات الإعلامية المطلوبة، والناس اللي بتعمل دراما عشان تشتغل عليه؟ ولا إحنا الأمور مش كده؟ دي بلدنا وده ولادنا وده مجتمعنا ودي أسرنا ودي قيمنا ودي أخلاقياتنا". من كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل إفطار القوات المسلحة عارضاً خطة هرمية لتوجيه السلطة للدراما حفاظاً على الأخلاقيات والأسرة حسب وصفه.

رغم تضييق المجال السياسي في مصر، لا تزال هناك هوامش محدودة للحركة، تُمرَّر عبرها توجيهات السلطة، وتتبلور الولاءات، وتتضح الحدود بين المقرّبين من السلطة والمهمشين عنها. في هذا المشهد، تصبح موائد الإفطار والسحور في رمضان بمثابة بوصلة سياسية غير معلنة، حيث تعكس قوائم المدعوين وترتيب مقاعدهم خريطة التحالفات والتوازنات بين الموالين والمعارضين وأصحاب المواقف الرمادية.

موائد السلطة… منصات تكشف التوجهات

تحمل موائد الإفطار التي تنظمها الدولة رسائل سياسية واضحة. ففي عام 2022، وفي سياق تصاعد الانتقادات الغربية للنظام المصري، عقب خسارة دونالد ترامب الانتخابات الأمريكية وصعود إدارة ديمقراطية أكثر تحفظًا في تعاملها مع القاهرة، حضر الرئيس السيسي إفطار "الأسرة المصرية"، الذي جمع قادة أحزاب معارضة، وممثلين عن المجتمع المدني، وسجناء رأي سابقين، في مشهد نادر الحدوث خلال عهده. 

في رمضان الحالي، عادت الموائد الرمضانية الرئاسية إلى طابعها التقليدي الذي يعكس رؤية السلطة لطبيعة تحالفها الأساسي، القائم على تعزيز سيطرة الأجهزة العسكرية والأمنية على المشهد السياسي. كان الحضور الرئاسي الأبرز في إفطار أكاديمية الشرطة وإفطار القوات المسلحة، ما يعكس تراجع دور الظهير المدني لصالح تحالف أكثر انغلاقًا بين السلطة وأجهزتها

بدا الحدث آنذاك محاولة لإطلاق مصالحة وطنية تعيد فتح المجال أمام المعارضة بعد سنوات من الصمت الإجباري. وخلال الحفل، وعد الرئيس بإطلاق حوار سياسي يشمل جميع الأطراف، ووعد بحضور جلساته النهائية (الوعد الذي لم يتحقق الى الآن).

كان الإفطار مواكبًا لحملات إعادة تسويق النظام عالمياً ومحلياً. غير أن هذه الحالة لم تدم طويلاً، إذ ضاق الرئيس سريعاً بمداخلات المعارضين في الإعلام، فحُذفت بعض هذه المداخلات، ومُنع معارضون من الظهور الإعلامي. وسرعان ما انقلبت السلطة على مبادرتها.

في رمضان الحالي، عادت الموائد الرمضانية الرئاسية إلى طابعها التقليدي الذي يعكس رؤية السلطة لطبيعة تحالفها الأساسي، القائم على تعزيز سيطرة الأجهزة العسكرية والأمنية على المشهد السياسي. كان الحضور الرئاسي الأبرز في إفطار أكاديمية الشرطة وإفطار القوات المسلحة، ما يعكس تراجع دور الظهير المدني لصالح تحالف أكثر انغلاقًا بين السلطة وأجهزتها الأمنية والعسكرية.

يتماشى هذا النهج مع سياسة الرئيس المستمرة في تعزيز علاقته العضوية مع المؤسسات العسكرية والأمنية، وهو ما يتجلى في زياراته المتكررة للأكاديمية العسكرية وأكاديمية الشرطة، مقابل غيابه الملحوظ عن الجامعات والمؤسسات الأكاديمية المدنية.

وفي هذا السياق، لم يكن حضوره إفطار القوات المسلحة مجرد إجراء بروتوكولي، بل تأكيدًا على هيمنة المؤسسة العسكرية في إدارة المشهد السياسي، في ظل تلاشي أي محاولات لإعادة التوازن مع القطاعات المدنية.

على مدار هذه الموائد، حوّل الرئيس حفلات الإفطار المؤسسية إلى منصات لتوجيه رسائل سياسية واضحة. ففي إفطاره بأكاديمية الشرطة، شدد على تحصين جهاز الأمن الداخلي ضد أي محاسبة مجتمعية، معتبرًا أن أي انتهاكات للشرطة ليست إلا شائعات يروجها المغرضون. 

في إفطار القوات المسلحة، أعاد الرئيس التأكيد على رؤيته للإعلام والدراما كأدوات للدولة في تشكيل المجتمع، وسريعًا، تحولت التوجيهات إلى قرارات. 

أما في إفطار القوات المسلحة، فقد أعاد التأكيد على رؤيته للإعلام والدراما كأدوات للدولة في تشكيل المجتمع، متحدثًا عن خطط لتحويل الإنتاج الدرامي إلى أداة دعائية تخضع بالكامل لسيطرة الدولة.

سريعًا، تحولت توجيهات الرئيس إلى قرارات، إذ قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إعادة تشكيل لجنة الدراما.

كما أعلنت الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" عن تشكيل لجنة متخصصة للمحتوى، بالتزامن مع إعلان "الهيئة الوطنية للإعلام" عن عقد مؤتمر حول مستقبل الدراما المصرية في نيسان/أبريل مما يؤكد تجاوز مائدة الإفطار دورها البروتوكولي وتحولها لأداة توجيه سياسي لصالح الرئيس.

موائد رمضانية حزبية… مساحة مناورة نادرة في مشهد سياسي محكم

في ظل المناخ السياسي المغلق، تمثل الموائد الرمضانية واحدة من الفرص القليلة التي تتيح للأحزاب مساحة للتفاعل، سواء داخل دوائرها الداخلية، أو مع السلطة، أو حتى مع أطراف أخرى. لذا، أصبحت هذه المناسبات حدثًا سياسيًا سنويًا هامًا، حيث يدرك الفاعلون السياسيون أن تفويتها يعني خسارة إحدى الفرص النادرة للحركة والمناورة في بيئة متحفزة ضد أي تحرك خارج الإطار الأمني المرسوم.

على جانب أحزاب الموالاة السياسية استعرض حزب مستقبل وطن قدراته المالية الكبيرة في تنظيم مائدة إفطار لـ 10 آلاف مشارك في محافظة القليوبية القريبة من العاصمة، في استعراض يتماشى مع نهج الحزب في الحشد السياسي والانتخابي القائم على تقديم المساعدات عينية والسلع غذائية بأعداد كبيرة.

وفي مائدة الإفطار الرئيسية للحزب في 17 آذار/مارس وزع الحزب 300 رحلة عمرة في حفل كان ضيف الشرف فيه الفريق كامل الوزير، وزير النقل المقرب من الرئيس السيسي، بحكم عمله السابق كرئيس السابق للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وعدد من النواب، في استعراض قوة ونفوذ وإنفاق لا تخطئه العين.

لم تكن تحركات الأحزاب "المعارضة" بمنأى عن المشهد الرمضاني الذي بات ساحة لإعادة ترسيم الاصطفافات السياسية، وتعزيز البناءات التنظيمية، أو حتى التكيف مع متغيرات السلطة والاقتراب منها. 

استعرض حزب مستقبل وطن قدراته المالية الكبيرة في تنظيم مائدة إفطار لـ 10 آلاف مشارك في محافظة القليوبية، في تمظهر يتماشى مع نهج الحزب في الحشد السياسي والانتخابي القائم على تقديم المساعدات عينية والسلع غذائية، أما في مائدة الإفطار الرئيسية للحزب، فقد وُزّعت 300 رحلة عمرة

فشكّل سحور حزب العدل مثالًا واضحًا على هذا التفاعل، حيث كان فرصة لإعادة تقديم صورة الحزب ككيان يختار موقع المعارضة ضمن حدود رضا أجهزة الدولة ومباركتها. فالحزب، الذي يشارك نوابه في البرلمان تحت مظلة "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" المدعومة من الأجهزة الرسمية، أقام سحوره في أحد الفنادق الفاخرة، في دلالة على تمويل جيد لا يتوفر لمعظم الأحزاب المعارضة.

وجمعت المائدة بين شخصيات تمثل السلطة وأجهزتها، بمن فيهم وزير الشباب أِشرف صبحي، ووزير الشؤون البرلمانية والقانونية محمود فوزي، ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني، ونواب لمحافظين ونواب برلمانيون، إلى جانب معارضين يتحركون في المساحات الرمادية التي ترسمها الدولة، وهي المساحة التي يسعى الحزب إلى تصدرها.

في المقابل، سلك الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي نهجًا مختلفًا، حيث ركز على موائد إفطار ذات طابع تنظيمي، إذ حرص قادة الحزب على حضور إفطارات رمضانية في المحافظات لتعزيز التواصل بين المركز في القاهرة وقواعده التنظيمية في المحافظات.

أما مائدة السحور الأساسية للحزب، فجاءت بحضور محدود من الوزراء، ممثلاً في وزير الشؤون البرلمانية محمود فوزي، إلى جانب عدد من البرلمانيين وقيادات نقابية وحزبية.

ويتنافس حزبا العدل والمصري الديمقراطي على تصدّر المساحة نفسها من المعارضة المتحالفة مع أدوات السلطة والقوائم الانتخابية المدعومة حكوميًا. وقد استغل كلاهما فعالية السحور لتعزيز موقعه في هذا التنافس، مع تفوق بدرجة لحزب العدل في حجم الإنفاق والحضور الحكومي. فهل يعكس ذلك تفضيلًا نسبيًا له؟ الإجابة ستكشفها الانتخابات البرلمانية المقبلة.

موائد بلا تقارب… أحزاب خارج هوامش السلطة

على الجانب الآخر، اكتفى حزب الدستور بمشاركة رئيسته جميلة إسماعيل في الفاعليات الرمضانية للأحزاب ولم يعلن الحزب حتى كتابة السطور عن فاعلية للسحور أو الإفطار، بما يعكس ربما أزمة الحزب التنظيمية التي تنعكس على فاعليته وتمويله بشكل عام. 

في المجمل، عكست موائد الإفطار والسحور الفروقات بين الأحزاب التي تسعى إلى التحرك داخل الهوامش المتاحة من النظام، وتلك التي لم تخترق حجب الرضا الحكومي. 

كما جاء إفطار حزب الوسط بعيدًا عن هذا المشهد، حيث لم يحمل أي إشارات للتقارب مع السلطة أو محاولات التموضع داخل المساحات التي تتيحها الدولة. أقيم الإفطار في مقر الحزب، بعيدًا عن مظاهر الإنفاق السخي، التي ميزت فاعليات أحزاب أخرى وبحضور شخصيات محسوبة على المعارضة غير الممثلة برلمانيًا، مثل السفير معصوم مرزوق، ومحمد سيف الدولة، وهشام جعفر، وعمار علي حسن، وزكي سالم، ومحمد عبد القدوس. في غياب تام لممثلي السلطة، أو الأحزاب الأكثر قربا من جنتها. بدا المشهد تعبيرًا واضحًا عن استبعاد الحزب من أي مساحات تقارب مع النظام، أو ربما عن اختياره البقاء خارج هذه الاصطفافات.

لم يكن هذا التباين في طبيعة الموائد الرمضانية عشوائيًا، بل عكس الفروقات بين الأحزاب التي تسعى إلى التحرك داخل الهوامش المتاحة من النظام، وتلك التي لم تخترق حجب الرضا الحكومي.

كما تجاوزت موائد الإفطار والسحور دورها البروتوكولي والاجتماعي إلى منصات تفاعلية تكشف طبيعة التوازنات السياسية، وترسم ملامح المشهد السياسي والحزبي وتحركات السلطة وتوجهاتها وأفكارها.

وأيضاً تكشف تموضعات الأحزاب قرباً أو بعداً من قلب السلطة الصلب. كما تصبح موائد رمضان مساحة غير معلنة لتوجيه الرسائل السياسية، حيث يتحدث المشهد بصوت أعلى من الكلمات، كاشفًا خطوط التماس بين السلطة ومعارضيها، والمواقع المتباينة للأحزاب بين التقارب والتهميش.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image