شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في مصر تتشابه مصائر السينمائيات والثورات

في مصر تتشابه مصائر السينمائيات والثورات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء

الأحد 16 فبراير 202512:26 م

 قدَر الثورات غير المكتملة أن تواجه دولة العواجيز. شيخوخة الأنظمة تؤدي أحياناً إلى شيخوخة معارضيها. في 11 شباط/فبراير 2011، بقوة الثورة المصرية، تنحّى حسني مبارك عن 83 سنة. ثم صعد الإخوان وانتهى حكمهم. التنظيم ومبارك، كلاهما ولد عام 1928. في آفاق الثورة ظهر شبح عواجيز دولة الرئيس المخلوع، الذي التصق به حكم قضائي نهائي باللصوصية. واجهَنا القلق بالأحلام، بالرهان على شباب يجدد المعنى ويخلقه. وطُرحتْ اقتراحات للوزارة. وفي 9 تموز/يوليو 2013، كتبت في صفحتي على الفيسبوك: "مطلوب وزير للثقافة صغير السن، غير مصاب بتصلب الشرايين، على يسار النظام بعيداً عن يمين (مبارك والإخوان والسلفيين)". أتبعتُ التعميم بتحديد أسماء خمس سيدات جديرات بتولي وزارة الثقافة، منهن ثلاث مخرجات، ثلاث هالات: هالة لطفي، هالة جلال، هالة خليل.

للوزارة حسابات وتعقيدات ربما أختم بها هذا المقال. أريد التعجيل بإدارة المخرجة هالة جلال لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، في دورته السادسة ولعشرين (5 ـ 11 شباط/فبراير 2025). هالة أول سيدة تتولى رئاسة المهرجان الذي تأسس عام 1991.

في مصر تتشابه مصائر السينمائيات والثورات. قبل نحو مئة سنة، بدأت السينما بالنساء. المرأة تخرج وتنتج وتمثل وتغني وتؤلف موسيقى الأفلام. في عام 1927 أخرجت عزيزة أمير (1901 ـ 1952) فيلم "ليلى" باكورة الإنتاج المصري. فيلم صامت حضر افتتاحه أمير الشعراء أحمد شوقي. ولظروف إنتاجية شارك استيفان روستي في إخراج فيلم "ليلى" وكانت بطلته عزيزة أمير التي أخرجت، عام 1929، فيلم "بنت النيل". وكانت فاطمة رشدي (1908 ـ 1996) مؤلفة وبطلة ومخرجة فيلم "الزواج" عام 1932.

بداية نسوية، قبل تأسيس ستوديو مصر، عام 1935، وهيمنة مؤسسة الرجال على صناعة السينما. ديكتاتورية المؤسسة نسفت الجهود التأسيسية الحالمة، احتوتها وابتلعتها. هكذا قطفوا ثماراً سهرت عليها وأنضجتها النساء.

في مصر تتشابه مصائر السينمائيات والثورات. قبل نحو مئة سنة، بدأت السينما بالنساء. المرأة تخرج وتنتج وتمثل وتغني وتؤلف موسيقى الأفلام

في افتتاح مهرجان الإسماعيلية، أشادت هالة جلال بجهود الرؤساء السابقين الذين أنجحوا 25 دورة سابقة. وصلت إلى الدورة التي تتولى رئاستها، فذكرت عدداً لا أستطيع الآن إحصاءه من فريق المهرجان والمساعدين والعاملين في المركز القومي للسينما. في حفل ختام المهرجان ذكرت أسماء آخرين، قدمت الشكر والتحية إلى كل من أسهم بجهد.

الامتنان المصحوب بالابتسامة لم يمنع هالة جلال أن تدعوهم إلى المسرح، لأخذ قسط من تحية الحضور. نفهم أن وراء هذا العدد عقلاً يدير، ينصت ويخطط ويوزع المسؤوليات، ولا يستأثر بالأضواء ونسبة كل شيء إلى نفسه. حتى في فرق كرة القدم، ينجح المدير الفني بقدرته على توظيف مهارات اللاعبين. الجمهور قد ينسى التفاصيل، من أسهم في صنع الهدف وربما من سجله، لكن الذاكرة تحتفظ بفوز الفريق. وقد فاز فريق هالة جلال.


ماذا جرى لي؟ سُحرتُ حتى اليوم الأخير، اكتشفت أنني للمرة الأولى في أي مهرجان أشاهد مسابقة الأفلام القصيرة كلها. دائماً أشاهد، بين فيلمين طويلين، فيلماً قصيراً أو بضعة أفلام. هذا العام سرقني حسنُ التنظيم، وأغراني بالمتابعة في برنامج محدد يبدأ الساعة الثالثة ونصف يومياً. الجديد في التنظيم، أو البرمجة، أن المخرجة ماجي مرجان مديرة مسابقة الأفلام القصيرة صنعت سياقاً لكل مجموعة من الأفلام، تحت خمسة عناوين: "آلام الطفولة"، و"ألبومات عائلية"، و"آباء وأبناء"، و"ذاكرة المكان"، و"رحيل وعودة". وفي الدليل المطبوع ثلاثة أفلام روائية قصيرة لا أعرف متى، وأين عرضت؟ هي: "المنطقة المنقسمة" من إسبانيا، ومن مصر "أحلى من الأرض" لشريف البنداري، و"إخراج مشترك مع شبح" لمحمد صلاح. والأخير فاز بجائزة أفضل فيلم روائي قصير.


 لجنة التحكيم منحت جائزتها الخاصة للفيلم التشيلي "يوم استقلالي" للمخرجة كوستانزا ماجلوف. وأشادت اللجنة بالفيلم الصيني "الطفل الثاني" إخراج لوو رنشيواو. بطلة فيلم "يوم استقلالي" الطفلة "مانويلا"، سبع سنوات، تحلم بالفوز في يوم الاستقلال بجائزة أفضل زي فولكلوري في المدرسة. يتزامن إصرارها مع انضمام شقيقها "جابو" لمتظاهرين يريدون إنهاء ديكتاتورية بينوشيه. الحكم العسكري يقضي على براءة الطفولة. أما فيلم "الطفل الثاني" فتراجيديا مدتها عشرون دقيقة. أمٌّ ترعى ابنها المصاب بمرض نادر، متعلثم وعاجز عن الحركة والتنفس. ومع إعادة النظر في سياسة الطفل الواحد يتجدد شوقها إلى الأمومة، وتحذرها الطبيبة من توقع إصابة الطفل الثاني بالمرض الوراثي، هكذا يقول العلم. والحنين يغلب على الأم، فتغري ابنها بأنها سوف تلد شقيقاً يرعاه. تخرج الحروف بصعوبة من الصبي المريض أنه سيرعى نفسه. هنا أمٌّ تصارع الرغبة في الإنجاب، وابن يفضّل الانتحار.

في مسابقة أفلام التحريك نال فيلم "حيث يزهر الياسمين دائماً" للسوري حسين بستوني جائزة أفضل فيلم. وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى الفيلم الفرنسي الروماني "لمسة إلهية" إخرج ميلودي بوليسيير وبوجدان ستاماتين.


وفي مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة نوّهت لجنة التحكيم بفيلم "الخروج عبر عش الوقواق" للصربي إخراج نيكولا إيليك. في الفيلم يحضر شبح الصراع المسلح في دولة كان اسمها يوغوسلافيا، انقسمت إلى عدة دويلات نهضت على نهر الدم في البوسنة والهرسك. هنا يجد رجل نفسه في حرب لم يخترها، ولا يؤمن بها. وفي الصراع بين ضميره وما تسميه السلطة "الواجب العسكري" ينحاز إلى إنسانيته، ويرفض القتل.


 حروب المنطقة العربية ومنطقة البلقان وأوربا الشرقية تلقي بظلالها على الأفلام. في فيلم الرسوم المتحركة "لمسة إلهية" قصة حب بين فتاة وجندي، عام 1939، في اضطرابات ما قبل الحرب الأوروبية العظمى التي منحوها اسم "الحرب العالمية الثانية". يُستدعى الشاب إلى الجيش، وعلى مذبح الحرب يتهدد مستقبل الحب. حرف "الراء" فاصل بين الموت والحياة.

قد لا تكون الحرب بين بلدين، الحرب حيث يفقد الإنسان الأمان، ويضطر إلى الفرار لإنقاذ حياته. في 31 دقيقة يقع الفيلم الوثائقي "احترقت بلادي"، الإنتاج بلجيكي وفريق العمل من الأجانب باستثناء المخرج السوري عبد الرحمن الشويكي. صوّر في بلدة عرسال في شمال شرقي لبنان، وفيه معلمة تمثل الروح الإنسانية النبيلة، وتراهن على تعليم الأطفال وتأهيلهم لتجاوز محنة لا ذنب لهم فيها، لا تفرق بين تلميذ لبناني وآخر اضطر إلى اللجوء، لا تتكلم في السياسة ولا تميل إلى لوم أحد. من المحظوظين بهذه المعلمة "عمر الخطيب"، الصبي الذي صار أباً لأبيه القعيد.


الحرب الأهلية في سوريا أدت إلى تبادل الأدوار بين الابن وأبيه حسين. والأم تدبر شؤون المسكن وتحكي بكبرياء، وتعاند دمعة تكشف ضعفها. الأب المشلول يريد أن يصير ابنه طبيباً، ويكرر: "عمر بطل". وفي جملة عابرة يحكي عن قناص أصابه برصاصة في العمود الفقري. فيلم إنساني هامس يلخص المأساة السورية. ومن دون ذكر اسم بشار الأسد يدينه الفيلم، بل يوجب محاكمته وليس فقط إجباره على الهروب من البلاد.

 آثار الحروب حظيت بالنصيب الأكبر من اهتمام صناع الأفلام. في الفيلم الوثائقي الطويل "خط التماس"، سيناريو فداء بزري وإخراج الفرنسية سيلفي باليو، تستعيد فداء نشأتها في مدينة بيروت الممزقة بالحرب. تتأمل ذلك الرماد والغبار العابر للزمن، تمهيداً لطرح أسئلة عن عبث الصراعات، ومعنى الحياة، في عمل نال جائزة أفضل فيلم في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة. وفي المسابقة نفسها تنافس فيلم "ليل لم يزل يعبق برائحة البارود" للمخرج إيناديلسو كوسا. في الفيلم يعود المخرج إلى ذكريات طفولته، خلال الحرب الأهلية في بلاده موزمبيق. يستعيد المأساة على ألسنة الجدة والناجين من الموت. يستعيدها لا ليعيدها، وإنما للتذكّر والاعتبار.

التذكّر والقبض على لحظة توشك أن تتبدد إحدى سمات عدة أفلام، منها "ما بعد بيروت" للبناني بيار مُزنّر. و"برسار" للبحريني محمد جاسم عن سباق فكاهي غريب في البحرين. و"وراء الشمس" للجزائري رايان مكردّي. و"بوعلام سمع كلش" للجزائريين عزيز بوكروني وخالد بوناب عن العامل بوعلام بوخوفان، عاشق أرشيف السينما في الجزائر، وارتباطه الروحي بالأفلام ذات العلب والأشرطة التقليدية، حتى بعد التقاعد.


أما فيلم "منثور بيروت"، الفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير، فتتبع مخرجته فرح ف نابلسي مراحل زهرة المنثور، المنتشرة في سواحل البحر المتوسط، لكن منثور بيروت نوعه فريد، لا يوجد إلا في ساحل بيروت. واستناداً إلى خصوصية الزهرة المعرّضة للانقراض يتناول الفيلم جانباً من التحولات والمصائر في لبنان.

تبقى سمة العنف عنواناً لبعض الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة.

 قدَر الثورات غير المكتملة أن تواجه دولة العواجيز. شيخوخة الأنظمة تؤدي أحياناً إلى شيخوخة معارضيها. في 11 شباط/فبراير 2011، بقوة الثورة المصرية، تنحّى حسني مبارك عن 83 سنة. ثم صعد الإخوان وانتهى حكمهم. التنظيم ومبارك، كلاهما ولد عام 1928

ففي الفيلم الوثائقي القصير "روز"، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، تستعيد المخرجة الألمانية أنيكا ماير مع جدتها "روز"، بروح فكاهية أحياناً، مرارة الحياة مع زوج عنيف يستسهل أساليب خشنة في التعامل مع زوجته. وفي الفيلم الروائي القصير "سكون" تتبع المخرجة الأردنية دينا ناصر تحولات لاعبة الكاراتيه "هند". الصبية، التي لا تمنعها الإعاقة السمعية من مواصلة التدريبات بحماسة، تتعرض لتحرش مدربها العجوز، فتصيبها صدمة نفسية تجعلها أسيرة صراع لا تستطيع البوح به.

 أخذتني عروض الأفلام القصيرة من أنشطة المهرجان المتعددة. هالة جلال أضافت إلى المهرجان ثراء. ما حيلة الذي لا يملك في يومه إلا 24 ساعة؟ هنا أمنع نفسي من الاسترسال، وقد ظلمتُ الندوات، وورش العمل، وعروض أفلام المكرمين، وبرنامج أفلام العالم بإدارة المخرجة حنان راضي، ومسابقة النجوم الجديدة بإدارة أحمد نبيل. أتوقف للرجوع إلى ما بدأت به، عن اقتراح كتبته عام 2013 بخصوص الوزارة.


في الدقائق الأولى لاعتصام المثقفين في مقر وزارة الثقافة، عام 2013، كنا في فورة الحماسة، نظنّ أنفسنا قد انتصرنا، ونفرض إرادتنا بالتصويت على اسم جدير بتولي وزارة الثقافة. المخرج جلال الشرقاوي (79 عاما آنذاك)، قال: "الأستاذ جابر عصفور"، فاعترضنا. أتبع الشرقاوي: "طيب، الأستاذ صابر عرب".

 رأينا الاقتراح مضاداً للثورة، وتم إرجاء الأمر. كنا نريد ممثلاً للثورة، وكان عصفور آخر وزير للثقافة في عهد مبارك، واستبق المنصب بالإشادة بخطاب مبارك في جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير 2011، وأنه مطمئن على الوطن في ظل الرئيس، "وخطاب السيد الرئيس فيه إيجابيات ينبغي أن يرد عليها الشباب بإيجابيات". وبعد يومين قال في التلفزيون: "لسنا ضد الرئيس مبارك... لا يوجد مصري عاقل ضد الرئيس مبارك". هذا منشور في كتابي "الثورة الآن"، وفي مقال "جابر عصفور موظف يمارس التنوير الانتقائي" في "العرب" اللندنية في حزيران/يونيو 2014.

وتقضي فذلكة التاريخ أن يتولى الدكتور محمد صابر عرب وزارة الثقافة في الشهر التالي، تموز/يوليو 2013. وفي حزيران/يونيو 2014 يخلفه الدكتور جابر عصفور. ولا عزاء للهالات الثلاث.

   فاتتنا الوزارة، وكسبنا رئيسة مهرجان ناجحة.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image