شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الاشتباكات على الحدود اللبنانية السورية… عشائر وفصائل وأراضٍ وتهريب وثأر قديم

الاشتباكات على الحدود اللبنانية السورية… عشائر وفصائل وأراضٍ وتهريب وثأر قديم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 18 مارس 202504:45 م

قُتِل ما لا يقلّ عن أحد عشر عنصراً من القوات السورية و6 من أبناء العشائر اللبنانية، مع عودة الاشتباكات على الحدود اللبنانية السورية، بين الجيش السوري وعشائر لبنانية مسلّحة، بحسب المرصد السوري. وسرعان ما تطورت الأحداث إلى قصف واسع من الجانب السوري، ما انعكس على ردود أفعال البلدين، وأنتج توتّرات على مستوى طائفي ومناطقي.

وتشهد المواجهات هدوءاً حذراً الآن، بعدما توصلت السلطات اللبنانية ونظيرتها السورية، الإثنين 17 آذار/ مارس الجاري، إلى اتفاق ينصّ على "وقف إطلاق النار على الحدود وتعزيز التعاون" بين الجانبين، إلا أنّ القوات السورية لا تزال عند نقطة حاجز الجيش اللبناني في بلدة حوش السيد علي الحدودية، وفق ما يقول مختار البلدة، محمد نمر، لرصيف22.

ويشير نمر، إلى أنّ الوضع "سيزداد توتراً في حال لم يتدخّل الجيش اللبناني على الفور، فالعشائر 'مستعدّة لتحرير أراضيها'، وهذه الأراضي داخل سوريا لكنّ مالكيها لبنانيون، ولديهم صكوك ملكية منذ الانتداب الفرنسي".

وبينما يُرجع نمر، سبب الاشتباكات إلى خلافات على الأراضي وملكيتها، يحيلها آخرون إلى أسباب شتّى، من بينها استدعاء تدخّل حزب الله اللبناني في سوريا سابقاً دعماً لنظام الأسد السابق، وخطاب الكراهية والتحريض المذهبي والطائفي، واستمرار عمليات التهريب على الحدود.

روايات متضاربة

بدأت القصة بمقتل ثلاثة عناصر من الإدارة السورية الجديدة على أيدي مسلحين من العشائر اللبنانية عند محاولتهم دخول الأراضي اللبنانية، وفقاً لما قاله مصدر أمني لبناني لرويترز. اتهمت وزارة الدفاع السورية، حزب الله، بخطف ثلاثة جنود سوريين إلى الأراضي اللبنانية وقتلهم، فيما نفى الأخير في بيان له، أيّ علاقة له بالأمر برمّته.

وبعد تسليم الصليب الأحمر اللبناني، أمس، جثامين الضحايا الثلاثة، للجانب السوري، ردّ الأخير بقصف عشوائي على بلدة القصر، أدى إلى مقتل طفلَين لبنانيَين، وتسبّب في موجة نزوح كبيرة، فيما استقدم الجيش اللبناني تعزيزات عسكريةً، وردّ بالمثل.

روايات متضاربة واتهامات متبادلة وخطاب تحريضي وطائفي... ما الذي أجج الأحداث على الحدود السورية اللبنانية في الساعات الأخيرة؟ ومن المستفيد من تكرار التصعيد؟

ومنذ انطلاقة شرارة الاشتباكات، اختلفت الروايات بين الطرفين. فقالت وزارة الدفاع السورية، إنّ مسلّحين من حزب الله اللبناني عبروا الحدود في ريف حمص، وقتلوا 3 من أفراد الجيش السوري تارةً، وتارةً أخرى قالت إنّ حزب الله استدرجهم إلى الداخل اللبناني. في المقابل، خرجت رواية مغايرة من الجانب اللبناني، تفيد بأنّ العناصر السوريين تسلّلوا إلى الجانب اللبناني بغية سرقة أغنام، فتصدّت لهم العشائر اللبنانية المسلّحة.

تروي عبير (28 عاماً)، شاهدة عيان من بلدة القصر في الهرمل، وفضّلت ذكر اسمها الأول فحسب، لرصيف22، ما حدث خلال الليلتين السابقتين: "لم نعرف كيف قُتِل العناصر، ولا سبب دخولهم، لكنّ الصليب الأحمر انتشلهم من الأراضي اللبنانية. أما قصة استدراجهم إلى الداخل اللبناني من قبل حزب الله، فأمر غير صحيح لأنّ الحدود معروفة للجميع، ومعابر التهريب طويلة، وتحتاج إلى وقت لعبورها ولا يوجد فيها حرس أو أي عناصر أمنية، بل بمجرد أن تعبر السواتر ومجرى النهر تصل إلى الجانب اللبناني".

وتضيف: "لا أعتقد أنهم أخطأوا الطريق، بل يقال إنّ الجيش السوري أرسلهم للضغط أكثر على منطقتنا، والأمر ليس متعلقاً بالعشائر السنّية. فالقول بأنّ الأخيرة هي من استدعتهم لمساندتها، غير صحيح. العشائر السنّية القاطنة في ريف القصير تأتي إلى الهرمل يومياً، حيث يعمل أبناؤها في مجالات عدة. دخول العناصر لا نعلم أسبابه المباشرة. هناك أسباب كثيرة لا يمكن تاكيدها، منها أنها لشدّ العصب لا أكثر".

استمرّت الاشتباكات، واستقدمت وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكريةً لضبط الحدود بعد مقتل 3 من عناصرها، ومنع عمليات التهريب. لكن عبير، التي نزحت برفقة عائلتها إلى بلدة مجاورة، هرباً من القصف السوري، ترى في حديثها إلى رصيف22، أنّ "التجارة مستمرّة بين العشائر اللبنانية والسورية منذ بدء سقوط نظام الأسد، خاصةً تجارة الأسلحة، حيث تبيع العشائر السورية مستودعات الأسلحة التابعة لحزب الله داخل الأراضي السورية في مدينة القصير وجوارها، للعشائر اللبنانية. صحيح أنها توقفت قبل فترة، إلا أنّ التهريب لا يزال مستمرّاً بين العشائر السورية واللبنانية، خاصةً تهريب المحروقات والغذاء والأدوية، وهي تجارات خفيفة وقديمة جداً عمرها عشرات السنين، وهناك تسهيلات بين الطرفين في ما يتعلّق بها".

احتلال لبنان؟

لم يقتصر الأمر على هاتين الروايتين، بل انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خطابات كراهية وتحريض طائفي بين الطرفين؛ ففي الجانب السوري فريق دعا إلى احتلال لبنان والوصول إلى ضاحية بيروت ومحاربة ميليشيا حزب الله، ما يعيد إلى الواجهة تجربة آل الأسد ولكن بهوية جديدة تحت راية الشرع، وآخرون هلّلوا للقصف العشوائي على لبنان، برغم مقتل مدنيين بينهم أطفال، قابلتهما دعوات من الجانب اللبناني لاستمرار قتل من وُصفوا بـ"سارقي الأغنام"، بصبغات طائفية متبادلة.

في الأثناء، يرى الكاتب والصحافي السوري فراس علاوي، أن هناك 3 احتمالات رئيسية للاشتباكات بين الطرفين: "الأول هو الدخول المتعمّد لعناصر الجيش السوري، لسبب ما وربما لمؤازرة شخص لبناني سنّي أو سوري داخل الأراضي اللبنانية في أمر مخالف للقانون، حيث وقعوا في كمين. أما الاحتمال الثاني، فتعرّضهم لعملية خطف وقتلهم داخل الأراضي اللبنانية، والاحتمال الأخير ربما يكون دخولهم قد تم عن طريق الخطأ ووقع الاشتباك".

إلى اليوم لا تزال أسباب بدء الاشتباكات بين الطرفين غير مؤكدة، لكن ما حدث لم يكن إلا مرحلة أولى تخللها هدوء حذر، ليتطور الأمر في جولة ثانية إلى معارك تقدّم خلالها الجيش السوري نحو بلدة حوش السيد علي، من الجانب السوري، مع قصف مكثف باتجاه لبنان، الأمر الذي قوبل بتدخل مباشر من رئيس الجمهورية جوزيف عون، الذي رفض ما يحصل على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية، وأمر الجيش اللبناني بالردّ على مصادر النيران.

وينفي علاوي، أن يكون سبب تجدد هذه الاشتباكات تجارياً يتعلق بأمور التهريب، فـ"من يعدّ نفسه منهزماً لا يفتعل المشكلات كبيئة اجتماعية، بل أعتقد أنّ الموضوع له علاقة باستمرارية مشكلات قديمة يمكن أن تتجدد كل فترة، وهي مشكلات غير جديدةً، حتى أنها كانت موجودةً أيام النظام السابق حيث كان الطرفان الأقوى فيها، أما حالياً فاختلاف موازين القوى من الممكن أن يسبب ما رأيناه توسّع الاشتباكات وردود الأفعال".

ويرى علاوي، أنّ من يحاول أن يستجرّ الأمور إلى هذا الحدّ عند الحدود، هو حزب الله، لأنه خسر معركته الأخيرة مع إسرائيل، بالإضافة إلى القرار 1701 الذي يلزمه بترك سلاحه، لذلك يحاول جرّ الحكومة اللبنانية إلى الصدام مع سوريا، لأنه غير قادر على حماية حاضنته، على الأقل داخلياً، ولديه مشكلات مع السلطة اللبنانية، وقد حاول تحريك الأمور في الساحل السوري عبر أنصار له وعبر إدخال شحنات سلاح بسيطة ولو من خلال عمليات التهريب".

ويضيف: "أي أنّ حزب الله يريد إما أن يكون شريكاً داخل الحكومة اللبنانية، أو أن يُدخل الأخيرة إلى مناطق معيّنة لحماية حاضنته التي لم يعد قادراً على حمايتها، لذا يحاول جرّها، خاصةً أن هذه المنطقة لا يوجد فيها حرس حدود، أي هو يورّط الجيش اللبناني في مواجهة الجيش السوري، لحماية حاضنته، وإشغال الطرفين السوري واللبناني بالنسبة له أفضل من اتفاقهما، فالاتفاق بينهما ينهيه".

ويختم كلامه: "أما بخصوص خطاب الكراهية المتبادل بين الطرفين، فيعود إلى البيئة الحاضنة لكلّ منهما، والتي تلعب دوراً مهماً في ذلك، وبما أنّ كل طرف يرى نفسه حامياً لبيئته، فغالباً ما يكون هو المتورط بشكل أو بآخر". وعن دخول الجيش السوري إلى لبنان، يقول علاوي: "لا أحد يدعو إلى ذلك، وواقعياً الجيش السوري ليست لديه القدرة ولا الرغبة في الدخول إلى لبنان، بل من يردد هذه العبارات هم صحافيون يتقربون من السلطة السورية الجديدة فحسب".

هذه الاشتباكات ليست الأولى بين العشائر والإدارة السورية الجديدة. فمنذ سقوط نظام الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، وقعت اشتباكات بين الطرفين نتج عنها تهجير الآلاف من أبناء هذه المناطق إلى قرى البقاع الشمالي، وكان هدفها استعادة الجانب السوري الأراضي المتداخلة مع لبنان، والتي يعدّها ضمن ملكيته

ليست بسبب الأراضي؟

هذه الاشتباكات ليست الأولى بين العشائر والإدارة السورية الجديدة. فمنذ سقوط نظام الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، وقعت اشتباكات بين الطرفين نتج عنها تهجير الآلاف من أبناء هذه المناطق إلى قرى البقاع الشمالي، وكان هدفها استعادة الجانب السوري الأراضي المتداخلة مع لبنان، والتي يعدّها ضمن ملكيته.

"تاريخياً، تعود ملكية هذه الأراضي المتداخلة منذ الاحتلال العثماني إلى آل حمادة، كما هو متعارف بين أبناء المنطقتين، حيث كان سعدون حمادة، والد جدّي صبري حمادة، مدير ناحية القصير أيام الاحتلال العثماني، ثم كلّفت السلطات العثمانية الحماديين بحماية حمص وحماة من غزوات المراعبة (آل المرعب)، وأصبح هناك تعايش بين سوريا لبنان"، يقول المهندس الزراعي راشد حمادة، لرصيف22.

ويضيف حمادة، أنّ ملكية الأراضي تعود لعائلته، والأمر ليس فقط ملكية أراضٍ بل كان هناك تداخل لبناني في السياسة السورية، ووالدي صبري كانت لديه صداقة مع حسني الأتاسي ومحسن الأتاسي، أي كانت هناك وحدة حال قبل عام 1958 بين لبنان وسوريا، وما زلنا نملك هذه الأراضي بسندات ملكية رسمية، وكان يقال عن سكان تلك الأراضي، خاصةً القصر، وسلطان رحال، عرب صبري حمادة، أي حماديّين، ثم تم تقسيمها في اتفاقية سايس بيكو، وأراضينا في سوريا ولبنان لا تزال ملكيتها باسمنا إلى اليوم، وحتى الإصلاح الزراعي في سوريا لم يسرِ على اللبناني".

وينفي حمادة، أن تكون استعادة تلك الأراضي سبب الاشتباكات الأخيرة التي يرى أن أهدافها طائفية، كي يستمر الأمر على هذا النحو بين الطرفين. فوفق ما يقول، مفهوم العشائر يختلف عن المفهوم الطائفي، إذ إنّ العشيرة الواحدة يكون فيها مذهبَان سنّي وشيعي، كعشيرة شمر والكثير من العشائر الأخرى، والخلاف المذهبي ضمن العشيرة الواحدة مستحيل الحدوث، لسبب أنهم يتعاملون وفق قاعدة ابن العشيرة وليس على أساس مذهبي، والإنكليز والفرنسيون خلال الحرب العالمية الأولى، عملوا على تفكيك العشائر وأعطوا السلطة لرجل دين هاشمي، وكان يتقاضى مبلغاً قدره 3،000 جنيه إسترليني شهرياً، كما عملوا على ضرب العشائر بالدين، ثم ضربوا العائلات البقاعية بالمشروع اليساري الاشتراكي الشيوعي، ولو حافظ العرب على أخلاقهم العشائرية لما وصلنا إلى ما نحن فيه".

ويرى أنّ مشكلة خلاف العشائر على مستوى سوريا ولبنان، تعود في البداية إلى ضرب العشائر في سوريا من قبل حافظ الأسد، وهي تمثّل 40 في المئة من الشعب السوري، حيث أقصى الرئيس الأسبق حافظ الأسد، شيوخ القبائل العربية الأصيلة التي تتمسك بقيم وأخلاق مفهوم العشيرة، ونصّب عليها أشخاصاً يبايعونه، أي أنّه نجح في ضرب 40 في المئة من الشعب السوري".

"أما في لبنان، فتنتشر ثقافة عليّ بن أبي طالب عند العشائر، وهذا أمر مختلف عن الثقافة الحسينية في الجنوب، حتى على مستوى الطقوس الدينية، لذلك كان التأثير الإيراني عن طريق المال في البقاع فحسب ولم يكن عبر النفوذ، لذلك لا يوجد خلاف في البقاع بين السنّي والشيعي والمسيحي، فالسنّي جارنا في سوريا، ابن زيتا والحمام ومطربا والفاروقية، ويتعامل مع العشائر الشيعية اللبنانية كوحدة حال، والراعي السوري يتاجر في لبنان دون أي فرق بين الطرفين، أي أنّ النعرات الطائفية غير موجودة"، يتابع حمادة.

ويضيف: "لكن دخول حزب الله مؤخراً إلى سوريا، أنتج هذا الشحن الطائفي بسبب القتلى بين الطرفين، حيث خاض معركة غزّة الأخيرة لمساندة أهل السنّة لتخفيف هذه النعرة، ومن ذهب من العشائر البقاعية للقتال في سوريا مختلف تماماً عن العشائر المعروفة في الهرمل، فالتربية العشائرية لا تسمح بالاعتداء على ناس لم يعتدوا علينا".

"وضعية الحدود الشمالية اللبنانية كانت غير مضبوطة، وللأسف اللبنانيين كان لهم دور كبير، سواء حزب الله أو العشائر، في هذه الوضعية، ما تسبب لهم بأضرار هائلة".

يعود حمادة، إلى بداية التهريب الذي كان أساسه في الستينيات، مع بداية تجارة نبات دوار الشمس، لأنّ سعره كان مدعوماً من الدولة السورية، وكان رخيصاً في سوريا، لذا كان يباع للدولة اللبنانية في الستينيات ، مقابل ذلك أقرّت الدولة اللبنانية المشروع الأخضر، ورئيسه مالك بصبوص، في العهد الشهابي لتشجيع زراعات في البقاع حتى لا تتم زراعة الحشيشة، فتم دعم زراعة دوار الشمس ثم القمح، وكان يُعطى لهما سعر تشجيعي، بالاضافة إلى أسعار الأغنام الرخيصة في سوريا، والأدوية أيضاً التي فتحت باب التهريب بين البلدين. أمـا تهريب الكبتاغون، الذي نشط في عهد النظام السابق، ففيه ربح هائل وطالما توقفت هذه التجارة في سوريا أصبح التهريب بلا أي أهمية، ولا أعتقد أنّ ما حدث مؤخراً على الحدود سببه التهريب، لكن الناس تُرجع السبب إلى التهريب لأنّ العشائر تخوض الاشتباكات، وهدفها ترويج سمعة سيئة عن العشائر".

ويرى أنّ دخول المسلحين الخمسة إلى الأراضي اللبنانية، لجسّ النبض ومعرفة مدى قوة الطرف اللبناني، تمهيداً لعمل عسكري، طالما أنّ حزب الله انكفأ عن القتال ولم يعد قادراً عليه، بحجة سرقة الغنم، وتمّ التصدي لهم من قبل العشائر اللبنانية.

ويختم حمادة، بأنّ حلّ المشكلة بين البلدين يكون عبر حصول اللبناني الذي يريد أن يعمل في أرضه داخل الأراضي السورية على إقامة من سوريا، ويعامل السوري داخل لبنان بالمثل".

اللادولة على الجانبين

بين من يرى أن العشائر اللبنانية خاضت معركتها بدعم من حزب الله، ومن يرى أن ما حصل رد فعل من قبل العشائر دفاعاً عن أرضهم من منطلق عشائري بحت، يقول الكاتب وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، وجيه قانصو، إنّ "ما حدث على الحدود اللبنانية السورية، جزء منه من مخلّفات وضعية سابقة لم يتم حلّها، وهي حدود مفتوحة غير شرعية وغير منضبطة، ولم يبادر الجانبان السوري واللبناني، إلى معالجة هذا الموضوع وفق الأصول القانونية والدولية لضبطها. هذه المخلّفات استمرت، وحصول متغيرات جديدة أدى إلى تناقضات لأنّ الوضعية السابقة كانت مغطاةً من قبل النظام السوري والجانب اللبناني، وما لم تتم معالجتها ستؤدي إلى انفجارات".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "الجانب الثاني، هناك نوع من رفض للمتغيرات الجديدة، أي هناك محاولات تحدث لعدم الاستسلام للمتغيّرات، خاصةً حكم الشرع وحكم الجماعات الإسلامية، لكن في الوقت الذي تفاءلنا فيه بسقوط نظام الأسد، وبفتح باب الأمل مجدداً بأنّ الشعب السوري سيتمتع بالحرية، بتنا فجأةً نرى سلوكيات من النظام الجديد، خاصةً فصائله العسكرية، لا تتناسب مع خطاب الشرع واقعياً، أي أن الأداء العسكري والأمني لا يتناسب مع خطابه، بدليل ما حصل على الحدود اللبنانية السورية، أي لم يدخل في طور الدولة وفق معايير دولية وتالياً محاكمة الناس وفق معايير قانونية، وما يحدث يرقى إلى أن يكون إبادةً جماعيةً".

ويرى قانصوه، أنّ "وضعية الحدود الشمالية اللبنانية كانت غير مضبوطة، وللأسف اللبنانيين كان لهم دور كبير، سواء حزب الله أو العشائر، في هذه الوضعية، ما تسبب لهم بأضرار هائلة حيث كان هناك خطأ جسيم ارتكبه حزب الله بفتح الحدود ومنع الدولة من ممارسة دورها هذا، سابقاً".

"على ما يبدو، هناك هشاشة في الدولة اللبنانية، وتردّدٌ في أخذ قرارات حاسمة في ملف ترسيم الحدود، وفي المقابل النظام السوري الذي يعاني أيضاً من الهشاشة، غير قادر على أن يسيطر على الفصائل، وعاجز عن أن يدير مسألة الحدود اللبنانية السوري إدارةً قانونيةً عقلانيةً، بل هناك فصائل متفلتة لا يستطيع أن يسيطر عليها النظام السوري نفسه"

في المقابل، يشير قانصو، إلى أنّ "حزب الله حالياً في وضعية عسكرية متآكلة، بالإضافة إلى وضعه الحرج مع إسرائيل، والقتل المتزايد خلال الحرب وهذا مؤسف، ولا يستطيع أن يبادر إلى أيّ حراك مسلّح، وكانت توقّعاتنا من النظام السوري الجديد أهم من ذلك بكثير، حيث تبيّن أنّ التوقعات لا تتناغم مع الأداء الذي حصل على الحدود اللبنانية السورية، أي لم يتصرف هذا النظام كدولة، إنما كان التصرف تصرّف ميليشيات وفصائل مسلحة، وربما لكل فصيل عقيدته، أي أنّ هذا النظام لم يدخل في طور الدولة وهو عبارة عن تنظيمات مسلّحة تعوّم نفسها بخطاب رسمي، وهناك مسافة بين الخطاب السوري الجديد والأداء العسكري الذي يحصل في سوريا. فمن يقصف مدينةً كـبعلبك الهرمل بهذا الشكل، ليس نظاماً يحترم نفسه".

"لكن هذا لا يمنع أنّ النظام الجديد السوري لديه مخاوف من تحرّكات قد تتسبب في تقويضه، خاصةً بعد أحداث الساحل السوري، وهي منطقة رخوة بالنسبة له، وهو تالياً يتشتت بشكل غير عادي كي يُحكم قبضته، وليس لدينا مانع في إحكام قبضته، لكن أن يُحكم قبضته كي تصبح عبارةً عن مجازر بداعي التطهير العرقي أو التطهير الديني، فهذه سقطة كبيرة بحقه، وهو في مأزق إن لم يتدارك الأمر، وأمام مشكلة كبيرة على مستوى مصداقيته المحلية والدولية"، يقول قانصو.

ويتابع: "دخول حزب الله في السابق إلى سوريا، كان أكبر خطأ إستراتيجي ارتكبه بدايةً في حق نفسه، ثم في حق لبنان لمساندة نظام كان يبيد شعبه. هذه الأمور أدت إلى توتر تسببت فيه الاحداث السابقة سواء بأداء حزب الله أو بسبب الفصائل الجديدة التي ترتكب الجرائم، لكن المطلوب من الدولة اللبنانية أن تبادر، ومن الجيش أن يفرض نفسه على الحدود، ومن غير المنطقي أن تدافع العشائر عن لبنان، بل يجب أن تكون هناك دولة، فما يجري لا يتم حلّه إلا عبر الدولة، وليس عبر ترك الأمور للواقع الشعبي الذي تتحكم فيه الشائعات والانفعالات.

ويختم: "على ما يبدو، هناك هشاشة في الدولة اللبنانية، وتردّدٌ في أخذ قرارات حاسمة في ملف ترسيم الحدود، وفي المقابل النظام السوري الذي يعاني أيضاً من الهشاشة، غير قادر على أن يسيطر على الفصائل، وعاجز عن أن يدير مسألة الحدود اللبنانية السوري إدارةً قانونيةً عقلانيةً، بل هناك فصائل متفلتة لا يستطيع أن يسيطر عليها النظام السوري نفسه".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image