تصدّر مسلسل "معاوية"، المشارك في السباق الدرامي الرمضاني الحالي، ترند غوغل في مصر، وذلك بمجرد طرح البرومو التسويقي الخاص به، حيث تفاجأ الجمهور بالإعلان عن عرضه، ومشاركته في دراما رمضان لعام 2025، في اللحظات الأخيرة، بعد أن كان قد تم الإعلان عن جميع الأعمال الدرامية المشاركة في الموسم ذاته.
العمل من بطولة السوري لجين إسماعيل في دور معاوية بن أبي سفيان، والأردني إياد نصار في دور عليّ بن أبي طالب، وأيمن زيدان في دور عثمان بن عفّان، وسامر المصري في دور عمر بن الخطاب، ووائل شرف في دور عمرو بن العاص، وأسماء جلال في دور زوجة معاوية، ويزن الخليل في دور عتبة بن أبي سفيان، وسهير بن عمارة في دور هند بنت عتبة، وفادي صبيح في دور أبي سفيان، وعبد الباسط خليفة في دور قيس بن سعد، ونايف الظفيري في دور الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

تدور أحداث العمل حول شخصية الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وفترة الفتنة الكبرى في التاريخ العربي الإسلامي، والصراعات حول تولّي الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان، ثم تولّي عليّ بن أبي طالب، الحكم، واستشهاده، وتولّي الحسن الحكم ثم تنازله عنه، ثم تولّي معاوية، فيزيد ابنه من بعده، كما يتطرق أيضاً إلى استشهاد الحسين في كربلاء، وأحداث معركتَي الجمل وصفّين.
تم تصوير المسلسل عام 2023، في إستوديوهات "كارتاغو فيلم"، في مدينة الحمامات في تونس، بجانب تصوير بعض المشاهد في شمال تونس وجنوبها، في مدن مثل المهدية، والمنستير، والنفيضة، وقد أشارت بعض التقارير إلى أنّ تكلفته تجاوزت الـ100 مليون دولار.
وتفاجأ الجميع بقرار عرض المسلسل، بعد أن تمّ تأجيله لمدة عامين منذ انتهاء تصويره عام 2023. وشهد العمل منذ الإعلان عن بدء تصويره عام 2022، أزمات كبرى أدّت إلى تأجيل عرضه، وما زالت الأزمات مستمرّةً حتى الآن، حيث استقبل الجمهور قرار عرضه ضمن دراما رمضان، بهجوم كبير على صنّاعه وأبطاله، وذلك بسبب تجسيده عدداً من المبشّرين بالجنّة والصحابة، ما أثار جدلاً واسعاً.
بداية الأزمة
بمجرد بدء تصوير مسلسل "معاوية"، خلال العام 2022، في تونس، انهالت الانتقادات عليه، بسبب تجسيد شخصيات تم تحريم تجسيدها دينياً من قبل الأزهر الشريف، بالإضافة إلى إثارته حساسية الشيعة في العراق. إلا أنّ أسرة العمل أصرّت على استكمال التصوير في تلك الأجواء المشحونة. لاحقت أسرة العمل الاتهامات والشائعات والعوائق، طوال فترة التصوير، ومنها أن اتّهم البعض مؤلفه خالد صلاح، بتقليد الكاتب إبراهيم عيسى، في أفكاره التي يقدّمها على الشاشة، ويُعدّ المسلسل هذا العمل الأول الذي يقوم الإعلامي المصري خالد صلاح، بتأليفه. أيضاً انتشرت شائعات حول تقاضي إياد نصار، بطل العمل، أجراً بلغ مليون دولار، وقد نفى نصار ذلك في بيان صحافي له، في حين انسحب مخرج العمل طارق العريان، من التصوير، بعد أن قام بإخراج 15 حلقةً فقط، لأسباب لم يعلن عنها، ليستكمل المخرج أحمد مدحت، تصويره، وتم تعديل سيناريو العمل أكثر من مرة في تلك الأثناء.

تدور أحداث العمل حول شخصية الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وفترة الفتنة الكبرى في التاريخ العربي الإسلامي، والصراعات حول تولّي الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان، ثم تولّي عليّ بن أبي طالب، الحكمَ، ثم تولّي الحسن الحكمَ، ثم تنازله عنه، ثم تولّي معاوية، فيزيد ابنه من بعده
وبعد انتهاء تصوير العمل، عام 2023، كشفت الجهة الإنتاجية له، وقناة "إم. بي. سي"، عن نيّة لعرضه، بواسطة إعلان دعائي أثار جدلاً واسعاً في العراق بمجرد طرحه، وتم اتهامه بـ"الترويج للطائفية، وتزييف الحقائق"، ما دفع هيئة الإعلام والاتصالات في العراق إلى منع بثّه، وكان على رأس المعترضين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي دعا إلى عدم بثّ المسلسل قائلاً: "أرى من الأجدر والأفضل أن تتراجع قناة الأم بي سي عن بثّ هذه المسلسلات، فلا داعي لجرح مشاعر إخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها".

وقد تردد حينها، أنّ قناة "إم. بي. سي" العراق، استجابت لتوجيه الهيئة بعدم بثّ أيّ أعمال فنية تتناول موضوعات تاريخيةً جدليةً، وأنها صرحت في بيان لها: "حفاظاً على أجواء الشهر الكريم، واستقرار البلاد، نودّ إعلامكم بأنّ قناتنا ملتزمة بلائحة قواعد البثّ الإعلامي الصادرة عن الهيئة، ونؤكد لكم أنّ قناتنا لم تنتج مسلسل معاوية، ولن يُعرض في الدورة البرامجية للشهر الفضيل أو الدورات اللاحقة".
إلا أنّ هيئة قناة "إم. بي. سي"، عادت لتنفي هذا البيان الذي نُسب إليها بالتراجع عن عرض مسلسل "معاوية"، ووصفته بالخطاب الزائف الذي لا أساس له من الصحة، وأكدت على أنّ المسلسل جارٍ إنتاجه، وسيتمّ عرضه وفقاً لسياستها بمجرد جاهزيته.
ولم تعلن القناة، عن الموعد المحدد للعرض، وتم تأجيله بالفعل عام 2023، وقد أرجع مخرجه طارق العريان، سبب عدم عرضه في ذلك العام، إلى كونه ضخماً جداً، ويتعرض لسبع حروب تاريخية تستغرق وقتاً طويلاً لجاهزيتها، مؤكداً أنه سيتم عرض العمل في عام 2024.
إلا أنّ العمل لم يُعرض أيضاً عام 2024، كما صرّح مخرجه، وبدا واضحاً أنّ هناك ضغوطاً وتحديات كثيرةً وقعت على صنّاع العمل، وجهته المنتجة، أدّت إلى تأجيله للعام الثاني على التوالي.
الأزمة مستمرة
الآن، بمجرد الإعلان عن طرح مسلسل "معاوية" في الموسم الدرامي الرمضاني الحالي، انفرجت أسارير صنّاعه، بسبب الإفراج عنه أخيراً بعد تأجيله عامَين، وكشف مؤلفه خالد صلاح، عن شعوره بالفرح إثر نشره البوستر الدعائي للعمل عبر صفحته الشخصية في فيسبوك، مُعلّقاً: "لتكن مشيئة الله".
إلا أنّ فرحة صنّاع العمل بعرضه لم تكتمل، فعلى الفور تم توجيه اعتراضات قوية إلى المسلسل من قبل الجمهور الذي رفض تجسيد إياد نصار، شخصية عليّ بن أبي طالب، بسبب مشاهد غير لائقة من وجهة نظرهم، كان نصّار قد أدّاها مسبقاً في أعمال عدة منها "شوكة وسكينة"، و"تراب ألماس"، وآخرها "أصحاب ولا أعزّ".
أعلن المستشار المصري هيثم المغربي، اعتزامه إقامة دعوى قضائية لمنع عرض مسلسل "معاوية"، بسبب تجسيد إياد نصار، شخصيّة علي بن أبي طالب. وكتب المغربي عبر صفحته الشخصية في فيسبوك: "سأقوم برفع دعوى قضائية ضد مسلسل معاوية، وقناة أم بي سي، والشركة المنتجة لطرحهم برومو للمسلسل يظهر فيه أحد الممثلين بتجسيد شخصية علي بن أبي طالب، وهناك فتوى شرعية من الأزهر بمنع تجسيد آل البيت في عمل درامي"، ودعا الجميع إلى التضامن معه في تلك الدعوى.
واعترضت المؤسسات الدينية على عرض العمل، وعلى رأسها الأزهر، الذي أعلن رفضه القاطع لتجسيد شخصيات الصحابة، عادّاً ذلك "حراماً شرعاً"، ودعا علماء الدين إلى مقاطعة العمل، وعدم مشاهدته.

وأكّد الأزهر، ممثلاً في هيئة كبار العلماء، أنّ موقفه تجاه تجسيد الصحابة واضح وثابت منذ سنوات، إذ سبق له رفض أعمال سابقة تناولت شخصيات تاريخيةً إسلاميةً، مثل مسلسل "عمر بن الخطاب".
وأوضح الدكتور عبد الفتاح عبد الغني العواري، عضو هيئة كبار العلماء، أنّ تجسيد شخصية معاوية بن أبي سفيان، الذي كان أحد كتّاب الوحي، يُعدّ أمراً مرفوضاً دينياً، مشيراً إلى أنّ الصحابة لا يجوز تجسيدهم في أي حال من الأحوال في الأعمال الدرامية.
وأضاف أنّ الخلافات التاريخية حول الحكم والخلافة، شأن إلهي لا يجب تحويله إلى عمل درامي يخضع للتفسيرات المتباينة، متسائلاً عن الخطوة التالية للممثلين بعد هذا المسلسل، فبالتأكيد سوف يقومون بتجسيد شخصيات وأعمال أخرى تخالف الشريعة الإسلامية.

أيضاً شدد الدكتور محمد علي، الداعية الإسلامي في الأزهر، على أنّ مشاهدة مسلسل "معاوية" حرام شرعاً، مشيراً إلى أنّ الأزهر سبق أن أصدر بياناً حرّم فيه أي عمل درامي يتناول شخصيات الصحابة، وأكد أنّ مثل هذه الأعمال تؤثر على المشاهدين، خصوصاً الشباب، إذ قد ترسخ في أذهانهم صورة الممثل الذي يجسد الصحابي، ما يؤدي إلى تشويه الصورة الحقيقية للصحابة، وتساءل عن منطقية رؤية ممثل يؤدي شخصية علي بن أبي طالب، ثم يظهر في دور آخر يشرب الخمر أو يشارك في مشاهد غير لائقة، مشدداً على أنّ موقف الدين واضح في هذه المسائل، بغض النظر عن الجهة المنتجة للعمل الفني أو نواياها.
بينما علّق الناقد الفني طارق الشناوي، على الجدل حول المسلسل، مشيراً إلى أنّ الهجوم عليه قبل عرضه جعله التراند الأول إعلامياً، وكتب عبر حسابه الشخصي في فيسبوك، أنّ الجدل الفقهي المصاحب للعمل قد يكون أحد أسباب نجاحه. وانتقد الشناوي، رفض بعض الأشخاص إسناد دور عليّ بن أبي طالب، إلى إياد نصار، بحجة أنه قدّم سابقاً دوراً مثيراً للجدل في فيلم "أصحاب ولا أعزّ"، مشيراً إلى أنّ الجمهور يجب أن يفرّق بين الممثل والشخصية التي يؤديها.
اعترضت المؤسسات الدينية على عرض العمل، وعلى رأسها الأزهر، الذي أعلن رفضه القاطع لتجسيد شخصيات الصحابة، عادّاً ذلك "حراماً شرعاً"، ودعا علماء الدين إلى مقاطعة العمل، وعدم مشاهدته
ورأى أنّ التعامل مع مسلسل "معاوية"، يجب أن يكون أكثر مرونةً، وألا يتم إصدار أحكام مسبقة قبل مشاهدته، مضيفاً أنّ الفقه الإسلامي نفسه يخضع للتفسيرات والاجتهادات البشرية، وليس هناك نصّ صريح يمنع هذه النوعية من الأعمال.
وهاجم الداعية الإسلامي عبد الله رشدي، فكرة تجسيد شخصيات الصحابة والأنبياء، في مسلسل "معاوية"، مؤكداً على أنّ تجسيد الصحابة والأنبياء في الأعمال الفنية غير جائز، إذ إنّ مقام الصحابة والأنبياء أَجَلُّ من ذلك وأعظم، والممثل ناقص، وهم كُمَّلٌ، والممثل قد يخرج في أدوار لا تليق بعد تمثيله دورَ النبي أو الصحابي، فيحدث ربط حينها في أذهان الناس بين ذلك الدور، وبين النبي أو الصحابي.

وأشار إلى أنّ الأزهر، كان قد أصدر بيانات عدة من قبل بمنع ذلك الفعل، نظراً إلى كونه لا يليق بالأنبياء والصحابة.
وناقش الإعلامي المصري عمرو أديب، حالة الجدل حالياً المتعلقة بالمسلسل، واصفاً العمل بأنه واحد من أدوار الفن الأصيلة المحترمة للتحريض على التفكير والبحث، ونشر عبر حسابه في إكس: "لن نشهد معركةً سياسيةً تاريخيةً دينيةً مثل التي ستشتعل في رمضان بسبب مسلسل ‘معاوية’".
وأضاف: "كل ما أرجوه هو أن نعرف كيف نختلف، ونعرف أننا في معركة انتهت منذ مئات السنين، وأنّ الحاضر مليء بالمشاكل، والمصائب التي تحتاج نفس الحماس، والتبصّر".
من جهته، تضامن الدكتور خالد منتصر، مع أسرة العمل الفني، من خلال منشور عبر حسابه الشخصي في فيسبوك، أشار فيه إلى أنّ السعودية كسرت بالفعل حاجز تجسيد العشرة المبشّرين بالجنّة في أعمال درامية سابقة، مثل مسلسل "عمر"، وتكرر الأمر في مسلسل "معاوية"، وإلى أنّ مؤسسة الأزهر في مصر، لا تزال تمنع تجسيد شخصيات مثل الحسين في الأعمال الفنية، ما يثير تساؤلات حول معايير السماح والمنع، مؤكداً أنه لا يوجد نص صريح في القرآن، أو السنّة النبوية، يحرّم تجسيد الصحابة في الدراما، وأنّ المُشاهد ليس بالسذاجة التي تجعله يخلط بين الممثل والدور، والمضمون هو الأهم، وليس الشكل.
ودعا منتصر، إلى التفكير المنطقي، وعدم الانسياق وراء الأوهام، والمخاوف غير المبررة.
ما بين مؤيد ومعارض، يتحدى مسلسل "معاوية"، بعرضه خلال موسم دراما رمضان الحالي، جميع المعوقات، ليترك الحكم للجمهور: هل يمتنع عن متابعة العمل بسبب تحريمه من قبل الجهات الدينية، أو سيعكف على مشاهدته لكونه مادةً تاريخيةً ثريةً تستحقّ المشاهدة بالفعل؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Frances Putter -
منذ أسبوعyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ أسبوعأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ أسبوعتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ أسبوعغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ اسبوعينيقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..