شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كيف أفهم

كيف أفهم "اقرأ" القرآنية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الخميس 6 مارس 202510:16 ص

في طفولتي، كانت هناك أنشودة جميلة كنتُ أحفظها وأحبّ ترديد كلماتها، عنوانها: "اقرأ كانت أول كلمة". تقول الأنشودة في لازمتها: "اقرأ كانت أول كلمة، اقرأ كانت أجمل حكمة، اقرأ باسم الله تعالى، اقرأ واصعد نحو القمة".

لطالما أحببتُ الاستماع إلى هذه الأنشودة، واستذكار كلماتها، خصوصاً في الأوقات التي تُصيبني فيها قفلة من القراءة، فأجدُني أعزف عنها، وأبتعد عن ارتياد مضاميرها الكثيرة. وفي رمضان تحديداً، لطالما دفعني استذكار كلمات الأنشودة، إلى فتح بوابات تأمّلي في "اقرأ" القرآنية، هذه الكلمة الأولى التي بدأت عبرها علاقة الرسول محمد، بالوحي، عندما جاءه الملَك جبريل للمرة الأولى وهو في غار حراء، وقال له: "اقرأ".

أفكّر في "اقرأ" القرآنية ككلمة تتجاوز ذلك الأمر الإلهي للرسول والمسلمين من بعده، بقراءة القرآن وتلاوته، أفكّر فيها ككلمة واسعة وممتدة، تُلهِمني دائماً، وتقودني نحو آفاق النقد والتأويل والبحث عن المعنى.     

أفكّر في "اقرأ" القرآنية ككلمة تتجاوز ذلك الأمر الإلهي للرسول والمسلمين من بعده، بقراءة القرآن وتلاوته، أفكّر فيها ككلمة واسعة وممتدة، تُلهِمني دائماً، وتقودني نحو آفاق النقد والتأويل والبحث عن المعنى

"اقرأ"... سعي حثيث من أجل كِسْرةٍ من معنى

عندما أفكّر في "اقرأ"، أتذكر صورتي كامرأة مولعةٍ بالتأويل، فأنا أعرف أنّه يمكنني أن أجلس ساعتين كاملتين أحدّق في مقطع من نصّ شعريّ أو روائيّ أو غنائيّ أعجبني، فأدوّره في رأسي، وأكرّره، وأبحثُ فيه عن الظاهر الذي يُقرأ، وعن الخفيّ الذي يحتاجُ إلى أن أكشفَ عنه لكي أقرأه.

لطالما قادتني "اقرأ" نحو التعاطي مع التأويل باعتباره لعبةً أحبّها، وأحبّ اللحظات التي تأخذني فيها معها إلى مساحات مربكة، كأن أقرأ نصّاً ظاهره يُناقض باطنه، فلحظة تأويل هذا النوع من النصوص بالذات تكون بمثابة كشف عظيم. أشعرُ لحظتها بأنني صاحبة أعظم الاكتشافات على الإطلاق. وبرغم أنّ اكتشافاتي ليست على مستوى القارات، ككولومبوس مثلاً، إلا أنني أتطلّع إليها كما لو كانت اكتشافات عظيمةً في قارات اللغة والمعنى. إنّها اكتشافاتي التأويلية التي تستحقّ أن أضفي عليها اسمي كمكتشفة ومفسّرة أولى.

"اقرأ"... دعوة إلى نظرة ناقدة

عندما أفكّر في "أقرأ" أستذكر محاولاتي لكسر كلّ نمطية جماعية في التفكير والتعبير، وإلى ابتكار طريقة ذاتية خاصة في الرؤية والتساؤل والتفكير والنقد.

أفكّر في "اقرأ" التي تدعوني في خطاباتها، أنا وغيري من بني البشر؛ "أفلا يتفكّرون"، "أفلا يعقلون"؛ إلى نبذ أنماط التفكير الجماعية التي يستثمرها أصحاب الاتجاهات الأيديولوجية في زيادة أعداد المنتمين إلى تنظيماتهم على اختلاف أشكالها (سواء كانت حزباً أو فصيلاً أو جماعةً مذهبيةً أو مجموعةً طائفيةً)، وإلى تبّني رؤية ذاتية خاصة في النظر والتأمّل في المحيط.

أفكّر في "اقرأ" باعتبارها دعوةً إلى إطلاق النظرة النقدية، وإلى إعطاء الرأي النقدي في كلّ شيء وأي شيء، مهما كان حجم هالات القداسة التي تحيط به، فهي تدفعني إلى نبذ كلّ هالات القداسة التي تحيط بدوائر معيّنة من حولي (الدوائر الفقهية والدينية وغيرها)، وتأخذني نحو مساءلتها ومحاكمتها.

تدفعني "اقرأ" لكي أُعلي من شأن النقد الانطباعي التي يتميّز به كلّ إنسان عن غيره، وإلى تبنّي مقولة "لا جدال في الذوق"، لأؤكّد من خلالها على أنّ الرأي النقدي المستند إلى الذوق الشخصي، هو رأي له وجاهة نابعة من كونه وجهة نظر ذاتيةً لا يجوز لأحد الحكم بصحته أو خطئه، كما لا يجوز لأحد الطعن في حقّ صاحبه بقوله، فهيَ مقولة تذكّرني بحقّ صاحب الرأي النقدي المستند إلى ذوقه الشخصي في قول ما يشاء.

"اقرأ"... تعويذ من سبات العقل

عندما أفكّر في "اقرأ"، أستذكر مقولة علي بن أبي طالب، الذي كان يستعيذ بالله من سبات العقل، حيثُ كان يقول: "نعوذ بالله من سبات العقل". 

أستذكر مقولته، وأسأل نفسي عن أشكال سبات العقل الممكنة، وأحدّثها بأنّ "الاكتفاء المعرفي" قد يكون أحد هذه الأشكال، فالاكتفاء المعرفي هو توقّف تلك الحالة الشغفية التي تدفع الإنسان نحو اكتساب المزيد من المعرفة.

الاكتفاء المعرفي يدفَع الإنسان نحو التوقّف عن الجري وراء المعرفة والسعي الحثيث خلفها، تدفعه إلى أن يركن إلى ما اكتسب منها، تُسكِره بالجرعة المكتسبة، فتوهمه بأنّها آخر الجرعات الممكنة، وتصوّر له بأنّ ما اكتسبه من المعرفة هو آخر آفاق المتاح المعرفي ونهاية طريقه، وتضخّم معرفته المكتسبة أمامه لتظهر له في صورة مائدة من معرفة كلية شاملة ما إن يخال أنّه أكلها/ اكتسبها حتى يدخل في حالة تخمة معرفية تجعل عقله يدخل في حالة سبات مكتفياً بما اكتسب من معرفة، ومتوهماً أنّه قد بلغ آخرها وأقصاها ومداها النهائي الذي ليس بعده شيء.

لعلّ حالة الاكتفاء المعرفي، شكلٌ من أشكال سبات العقل التي وجب علينا –أيضاً- أن نستعيذ منها، ومن مسبباتها كأن نقول: نعوذ بالله من جرعة معرفية نَسكر بها فنتوهّمها كلّ الممكن وآخر الإمكان.

تقودني "اقرأ" نحو التجاوز دائماً، ونحو التفكير في الثنائيات القائمة على "من وإلى" باعتبارها ثنائيات جذابةً؛ من طريقٍ إلى طريق، ومن حالة إلى حالة، ومن فكرة إلى فكرة، ومن مذهب إلى مذهب، ومن حبّ إلى حبّ. 


"اقرأ" التي تقودني نحو التجاوز 

تقودني "اقرأ" نحو التجاوز دائماً، ونحو التفكير في الثنائيات القائمة على "من وإلى" باعتبارها ثنائيات جذابةً؛ من طريقٍ إلى طريق، ومن حالة إلى حالة، ومن فكرة إلى فكرة، ومن مذهب إلى مذهب، ومن حبّ إلى حبّ. 

أفكّر في هذه الثنائيات وأحدّث نفسي: كم هوَ سهلٌ على الإنسان أن يُلصقَ نفسه بمسمارٍ على خشبةٍ تُدعى "الثبات"! كم هوَ سهلٌ عليه أن يبني في نفسه أصنامَ حالاته الأولى كلّها! يبنيها من تمرِ القديم والعتيق والمتآكل، وهذا ما وجدتُ عليه آبائي. يبنيها وفي لحظة جوعه إلى الجديدِ يأكلها وكأنّه جملٌ يُعيدُ ما هضمه من حالاته الأولى إلى عقله لأنّه يخشى من مغبة شيءٍ يُسمّى التجاوز. 

أنا لستُ جملاً يسيرُ في صحراء الحالات والأفكار القاحلة ليُعيدَ عقله ما هضمه منها لحظة جوعه. الحالاتُ واحاتٌ ممتلئة والأفكار بساتين مزهرة، وأنا كالنحلة التي لمّا آمنت بفكرة التجاوز باتت تمرّ على الأزهار مرور العارفين، ولا تقفُ عند زهرة ذاقت رحيقها مرتين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image