في الوقت الذي تشارف فيه المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة على الانتهاء، والتي لم تتزامن كما هو متوقّع، مع إحراز تقدّم في مفاوضات المرحلة الثانية للوصول إلى وقف مستدام للحرب وانسحاب كامل للجيش الإسرائيليّ من القطاع، بدأت تتكشّف مطالب نزع سلاح حركة المقاومة "حماس".
فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، عن التزامه بـ"نزع سلاح غزّة وإبعاد حماس عن الحكم"، كشرط للمضيّ قُدماً في مفاوضات المرحلة الثانية، الأمر الذي فتح تساؤلات حول ما تحمله الأيام القادمة للقطاع الذي دمّرته حرب الإبادة الإسرائيليّة.
من جانبها، أكّدت حركة "حماس"، على أنّ "نزع السّلاح أمر مرفوض، والإبعاد عن غزّة حرب نفسيّة سخيفة".
ما مرّت به حركة حماس وما مرّ به الشّعب الفلسطينيّ في غزّة، تجاوزا مرحلة القبول والرفض. ولن تجد الحركة سبيلاً إلا في تسليم سلاحها مقابل إعادة إعمار القطاع
ويتزامن ذلك مع مساعٍ عربيّة ودوليّة لوقف مخطط التهجير الذي دعا إليه الرّئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد أيّام من دخوله البيت الأبيض، وقُبيل استضافة القاهرة القمة العربية في الرابع من آذار/ مارس المقبل، والتي يُتوقّع أن تناقش مستقبل القضيّة الفلسطينيّة وإعادة إعمار غزّة.
"ستُفكّك حماس سلاحها في حالة واحدة"
يقول محمود المرداوي، القياديّ في حركة "حماس"، في تصريح لرصيف22: "إنّ المطالب بتفكيك سلاح المقاومة الفلسطينيّة يمكن أن تتحقق في حالة واحدة، وهي قيام الدولة الفلسطينيّة، وانخراط الفصائل -بما فيها "حماس"- ضمن جيش وطنيّ يحمي الشعب الفلسطينيّ ويدافع عن سيادته".
ويوضح أنّ "قيام الدولة المستقلّة هو المسار الوحيد الذي يمكن أن يجمع هذه الفصائل في إطار وطنيّ جامع، تحت مؤسسات أمنيّة ودفاعيّة، كما هو معمول به في سائر الدول. عندها، لن يكون ثمّة داعٍ لتمتلك حماس سلاحها".
ويضيف المرداوي، أنّ "حركة حماس هي حركة فلسطينية تعبّر عن إرادة الشّعب بالخلاص من الاحتلال، وأنّ سلاح المقاومة هو من حمى الشّعب الفلسطينيّ طوال هذه السنوات، ولا يمكن الحديث عن السلاح الفلسطينيّ طالما أنّ المسبب لوجوده قائمٌ ومحتلٌّ للأراضي الفلسطينيّة".
ويرى المرداوي، أنّ "المطالب المتعلّقة بإبعاد البعض عن غزّة، هي جزء أصيل من مخططات التهجير التي يرفضها الشّعب الفلسطينيّ المتمسك بإقامة دولته وعودة أبنائه من الشتات".
وينبّه القياديّ في حماس، إلى أنّ "دور الوسطاء يجب أن يدفع نحو إعادة حقوق الشعب الفلسطينيّ، وتجسيد استقلاله، والتصدّي لمطالب العدو المتعلّقة بالتصفية والتهجير ونزع السلاح"، مؤكداً على أنّه في حال لم تتحقّق هذه الأهداف، "ستبقى المقاومة صاحبة الحقّ في مطاردة الاحتلال ومقاومته من أجل تحرير فلسطين"، حسب قوله.
"أربع ورقات ضغط بيد إسرائيل مقابل واحدة بيد حماس"
لكن المحلّل السياسيّ الفلسطينيّ طلال أبو ركبة، يرى غير ذلك. "إنّ ما مرّت به حركة حماس وما مرّ به الشّعب الفلسطينيّ في غزّة، تجاوزا مرحلة القبول والرفض. ولن تجد الحركة سبيلاً إلا في تسليم سلاحها مقابل إعادة إعمار القطاع الذي دمّرته الحرب"، يقول في حديثه إلى رصيف22.
ويضيف أبو ركبة، أنّ "إعادة الحياة إلى غزّة والبدء بإعمارها سيكون لهما ثمنٌ سياسيّ"، لافتاً إلى أنّ "لدى إسرائيل أربع أوراق تفاوضيّة قويّة جدّاً في المراحل المقبلة، هي إعادة الإعمار، والمساعدات، ومعبر رفح، والاحتفاظ بأجزاء من قطاع غزّة، بما فيها مواقع من محور "نتساريم". بينما لا تملك حركة حماس إلا ورقة الأسرى، التي تتقلّص مع كلّ مرة تتمّ فيها جولة تبادل".
المؤكد أنّ حماس تواجه أزمةً وجوديّةً يعتقد البعض أنّ حلّها سوف يستغرق ما بين ثلاث إلى خمس سنوات. ومن غير المرجّح أن تعود حماس إلى الحكم في غزّة خلال هذه الفترة. بل بدلاً من ذلك، ستقدّم تنازلات كبيرةً لأيّ كيان يرغب في حكم قطاع غزّة
ويشير إلى أنّ "وضع إسرائيل مطلب تفكيك سلاح حماس وإنهاء حكمها المدني لقطاع غزّة، بالإضافة إلى الضغط الدوليّ والإقليميّ على الحركة، ولا سيّما بعد تهديدات ترامب ومخطّطات التهجير، ستدفع باتجاه سيناريوهات تتضمّن نزع السلاح مقابل إعادة إعمار القطاع".
"المعادلة باتت جليّةً؛ ربّما لن تجد الحركة مخرجاً، في مواجهة هذه المخططات والسخط الجماهيريّ على خلفيّة حجم الدمار الحاصل، إلا بالتسليم"، يردف أبو ركبة.
هل تدفع متغيّرات المرحلة إلى تكرار تجارب الماضي؟
"ربّما تضطرّ حماس إلى الخروج مع مقاتليها إلى دول تقبل بوجودهم. وقد تتكرّر تجارب سابقة في التاريخ الفلسطينيّ الحديث، حين نُزع السلاح من المقاومة في الضفّة الغربيّة، بعد عمليّة "السور الواقي" عام 2002، أو كما حدث مع منظّمة التحرير في لبنان. فقد خرجت منظمة التحرير من لبنان، عام 1982، وسلّمت سلاحها الثّقيل لحزب الله وحركة أمل والقوّات الأمنيّة اللبنانية. ولم تخرج المنظّمة إلّا بسلاح خفيف"، يوضح أبو ركبة.ويتابع بالقول إنّ "حماس ربما تكون مجبرةً على قبول مثل هذه المطالب"، مدلّلاً على ذلك بتصريحات قادتها حول القبول بفتح قنوات حوار مع الإدارة الأمريكيّة، وإبداء الاستعداد لتسليم الحكم في غزّة إلى السلطة الفلسطينيّة أو إلى لجنة محايدة لا تكون هي جزءاً منها"، على حدّ تعبيره.
"كذلك، فإنّ المتغيّرات الإقليمية الأخيرة، تفرض على المنطقة واقعاً جديداً، خاصةً بعد الخسارة التي لحقت بمحور المقاومة الذي تقوده إيران، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض وتيرة المقاومة، ربّما لفترة من الزّمن، لأنّ غزّة تحديداً، ستكون منشغلةً بلملمة جراحها التي خلّفتها حرب الإبادة"، يردف أبو ركبة.
حماس أمام ثلاثة خيارات
وفي السّياق، يرى الباحث عمر شعبان، أنّ هناك سيناريوهات عدة تحدّد مستقبل حركة حماس، مشيراً في مقال نُشر في مجلة "كايرو ريفيو" للشؤون العالمية، التابعة للجامعة الأمريكية في القاهرة، إلى "وجود خلافات داخل حماس نفسها حول كيفيّة إدارة الحركة في المستقبل، وقراءة قادتها للمواقف الدوليّة والإقليميّة".
ويوضح شعبان، أنّ لدى حماس حالياً ثلاثة خيارات ربما تفرز الأيام المقبلة أحدها؛ الأوّل هو إلقاء السلاح والتخلّي تماماً عن خيار المقاومة المسلحة، مقابل الاستمرار في حكم قطاع غزّة بضمانات دوليّة، وربّما تستغلّ حماس حلفاءها مثل تركيا وقطر لتسويق هذا الخيار.
أمّا الثّاني، فالمصالحة مع السلطة الفلسطينيّة وحركة فتح، وتشكيل حكومة توافق وطني. عندها، قد تلعب حماس دوراً أقلّ مركزيّةً في حكم غزّة. ويرى الباحث أنّ "هذا المسار هو نتيجة ثانوية لإدراك حماس أنّها غير قادرة وغير راغبة في العودة إلى السّلطة، في ضوء معارضة المجتمع الدولي -بما في ذلك إسرائيل- للوضع الراهن"، مشيراً إلى أنّ "الحركة تدرك أنّ الحرب الإسرائيليّة أضعفت قدراتها بشكل كبير، وأنّ الدعم الشعبي لها في قطاع غزّة قد تراجع إلى الحدّ الذي قد لا يسمح لها بالحكم بفعالية".
الخيار الثالث الذي تطرحه حماس، وفق شعبان، هو إبقاء غزة بعيدةً عن السياسة. وذلك من خلال إنشاء كيان تكنوقراطي لإدارة القطاع، يتألّف من رجال دولة وخبراء في الإغاثة والتنمية وإعادة التأهيل بعد الحرب، والمساعدات الإنسانية. "ولن يضمّ هذا الكيان حماس أو أنصارها. لكنّ الحركة سوف تدعمه على الهامش، وسوف يُسمح لها بالتواصل مع الإسرائيليين والمجتمع الدوليّ من أجل إعادة الإعمار"، بحسب الباحث.
ويضيف: "برغم تعدّد السيناريوهات، إلا أنّ المؤكد أنّ حماس تواجه أزمةً وجوديّةً يعتقد البعض أنّ حلّها سوف يستغرق ما بين ثلاث إلى خمس سنوات. ومن غير المرجّح أن تعود حماس إلى الحكم في غزّة خلال هذه الفترة. بل بدلاً من ذلك، ستقدّم تنازلات كبيرةً لأيّ كيان يرغب في حكم قطاع غزّة، شريطة أن يُمنح دور استشاريّ لها. ومن المرجح أن يصبح الجناح العسكريّ الذي كان يتمتع في السابق بميزانية كبيرة، غير فعّال".
ماذا عن المقترح المصري؟
لعلّ مسألة الفصل بين إنهاء الحكم المدنيّ ونزع السلاح غير واضحة في هذه المرحلة. "لكنّ حماس تؤكد على دعمها لأيّ مشروع وطنيّ يأتي ضمن توافق فلسطيني فلسطيني"، يقول المرداوي.
ويوضح أنّ "هذا التوافق يجب أن يبدأ من حكومة وفاق وطني تجمع الجميع. وإذا تعذّر ذلك بناءً على مطالب إقليمية ودولية وذرائع تتبنّاها إسرائيل من أجل استدامة الحرب، فلا بأس في تقديم مقترحات أخرى".
"لقد قدّم الوسطاء المصريّيون مقترحاً يقضي بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، لتدير القطاع لمدّة سنةٍ أو ستة أشهر، بما تتوافق عليه الأطراف الفلسطينية، على أن تتشارك جميع الفصائل في تسيير الأعمال وضمان الوحدة السياسيّة والجغرافية لفلسطين"، يؤكد المرداوي.
لجنة إدارة غزّة ستكون تابعةً للسلطة الفلسطينيّة في رام الله، وستكون جزءاً من النظام السياسيّ الفلسطينيّ، وتخضع للقوانين الفلسطينيّة
ويكشف المرداوي، أنّ "مشاورات هذه اللجنة لا تزال قائمةً حتّى الآن"، لافتاً إلى موافقة خمسة فصائل عليها، كانت قد اقترحت أسماء للمشاركة فيها. إلا أنّ حركة فتح لا تزال متردّدةً ولديها بعض التخوّفات، على الرغم من أنّ حماس بدّدت هذه المخاوف من أجل المضيّ قدماً نحو اكتمال هذا المسار".
من جانبه، يقول المتحدّث باسم حركة فتح، إياد أبو زنيط، إنّ "الحركة قدّمت ورقةً جديدةً بشأن لجنة الإسناد، التي يُفترض أن تدير القطاع في اليوم الثاني للحرب، وتقضي الورقة بأن تكون لجنة الإسناد عبارةً عن لجنة وزاريّة تابعة للحكومة في الضفة، يديرها أحد وزرائها، حتّى لا تكون هناك إزدواجية في الحكومة بين القطاع والضفة".
"أيّ لجنة لا توحّد الجغرافيا أو الديموغرافيا الفلسطينيّة هي أمر خطأ. لماذا نُشكّل لجاناً لا تخدم الكلّ الفلسطينيّ وتُفرّق الضفّة عن القطاع؟"، يسأل منذر حايك، الناطق باسم حركة فتح، ويؤكّد على أنّ "السلطة الفلسطينيّة هي صاحبة الولاية القانونيّة على الضفّة والقطاع".
من جانبه، يقول المرداوي، إنّ "لجنة إدارة غزّة ستكون تابعةً للسلطة الفلسطينيّة في رام الله، وستكون جزءاً من النظام السياسيّ الفلسطينيّ، وتخضع للقوانين الفلسطينيّة". ويردف: "نحن نسعى إلى أن يخرج هذا الإطار عبر توافق جامع، وأن يحظى بموافقة عربيّة وإسلاميّة تساند الشّعب الفلسطينيّ وتواجه مخططات التهجير والتصفية لقضيته".
خطط قديمة لنزع السّلاح
وكانت خطّة "السّلام" الأمريكيّة المعروفة بـ"صفقة القرن"، والتي أعدّها آنذاك الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، في ولايته الأولى، قد طرحت مسألة نزع السّلاح في قطاع غزّة، ضمن بنودها. اشترطت نزعه بشكل كامل، قبل تنفيذ إسرائيل التزاماتها الواردة في الخطّة، وقبل إحداث أيّ تحسينات في حياة الفلسطينيّين هناك.
وقبل أن يجيء ترامب، بهذا المطلب في صفقة القرن، كانت قد طالبت به اللجنة الرّباعيّة الدوليّة، المكوّنة من الولايات المتّحدة وروسيا والاتحاد الأوروبيّ والأمم المتّحدة، إثر فوز "حماس" في الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة عام 2006، إإثر الانسحاب الإسرائيليّ من مستوطنات القطاع عام 2005، الذي عُرف بـ"فكّ الارتباط".
حينها، قال وزراء خارجيّة اللجنة الرّباعيّة الدوليّة، إنّه "بعد انسحاب إسرائيل من غزّة، ينبغي على الفلسطينيين الحفاظ على القانون والنظام وتفكيك قدرات الإرهاب وبنيته التحتيّة".
ثمّ تجدّد المطلب عام 2017، حين اشترطت إسرائيل لاستئناف مفاوضات السّلام مع السلطة الفلسطينيّة، نزع سلاح حماس. حينها، أكّدت إسرائيل على أنّها لن تتفاوض مع حكومة وحدة وطنيّة تضمّ "حماس"، ما لم تتخلَّ الأخيرة عن سلاحها وتعترف بإسرائيل وتُسلّم غزّة للسلطة الفلسطينيّة بالكامل.
لكنّ التغيّرات على مستوى القضيّة الفلسطينيّة وعلى المستوى الإقليميّ والدوليّ، ستجعل الحديث عن مستقبل حماس محكوماً بشروط وظروف مختلفة هذه المرّة، وستقلّص الإمكانيات السياسيّة والعسكريّة أمامها، وقد تغيّر مسارات السياسية الفلسطينيّة برمّتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Some One -
منذ يومينالذي كتب وتخيل هذه العلاقة، وتخيل مباركة الوالدين، وتقبل المجتمع لهذه المثلية الصارخة. ألم يتخيل...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياماول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Frances Putter -
منذ 5 أيامyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ أسبوعأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ أسبوعتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ أسبوعغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...