شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
وقف إطلاق النار في غزة... هل من ضمانات قانونية دولية لتنفيذ البنود الغامضة؟

وقف إطلاق النار في غزة... هل من ضمانات قانونية دولية لتنفيذ البنود الغامضة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

السبت 18 يناير 202501:57 م

بعد نحو خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة على قطاع غزّة، جاءت اللحظة التي انتظرها الغزّيون والفلسطينيون ومناصروهم في العالم؛ لحظة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية.

لكن لدى تعثّر التوقيع، لأكثر من 24 ساعةً، بعد إعلان الدوحة عن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، تكشفت خلافات جوهرية، ونقاشات سرّية داخل الحكومة الإسرائيلية، وشكوك حول جدّية رئيس الوزراء الإسرائيلي في تنفيذ الاتفاق بكل مراحله وتفاصيله، خاصةً إثر تهديدات وزيريه المتطرفين سموتريتش وبن غفير، وتلويح الأخير بالاستقالة حال موافقة الحكومة على صفقة تبادل الأسرى مع حماس.

كذلك، تُثار في كواليس الاتفاق، أسئلة حول الضمانات القانونية للتنفيذ، ومدى قوة هذا الاتفاق، كونه لم يُوقّع بين دول، بل بين دولة و"فصيل" أو "حركة تحرر وطني"، تصنّفها جهات دولية ودول على رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حركةً إرهابيةً.

أسئلة بدت معها سيناريوهات التعطيل والتهرّب والخروق وربّما عودة الحرب، خاصةً في المرحلة الثانية لتطبيق الاتفاق، على قدر ما من الواقعية. فمن الناحية القانونية، تنظم اتفاقيات وقف إطلاق النار أو الهدن قواعد مستمدة من اتفاقيات جنيف، التي تُعنى بتحديد مسؤوليات الأطراف المتنازعة في حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية. وتُعدّ الأمم المتحدة لاعباً أساسياً في هذا المجال، إذ تشرف في كثير من الأحيان على مراقبة التزام الأطراف ببنود الاتفاق عبر قوات حفظ السلام. كما أنّ الفصائل المسلحة التي تشارك في هذه الاتفاقيات تُعامَل كجهات فاعلة من غير الدول، ولكنها ملزمة بالقانون الدولي الإنساني، خاصةً المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف.

التبعات القانونية لعدم الالتزام

استناداً إلى المادة رقم 1 من معاهدة فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، والتي حددت نطاق تطبيق الاتفاقية، فإنّ هذه المعاهدة كما نصّت المادة (تطبّق هذه الاتفاقية على المعاهدات بين الدول)، وكما عرّفت المادة رقم 2 من الاتفاقية نفسها المعاهدة بأنّها "الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي"، وأوضحت المادة رقم 3، الاتفاقات الدولية غير الداخلة في نطاق هذه المعاهدة إذ نصّت على "عدم سريان هذه الاتفاقية على الاتفاقات الدولية التي تُعقد بين الدول والأشخاص الأخرى للقانون الدولي أو بين الأشخاص الأخرى مع بعضها البعض". 

أستاذ قانون دولي: "لا ينطبق على هذا الاتفاق شرط المعاهدة الدولية، لأنه مبرم بين دولة وحركة ليست دولة. وهذا يجعل الباب مشرعًا أمام عدم تطبيق الاتفاق والانسحاب منه في أي لحظة من قبل أي طرف من الأطراف الموقعة عليه، حماس، وإسرائيل"

يقول أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس منير نسيبة، لموقع رصيف22: "من حيث المبدأ، المعاهدات الدولية التي تتخذ صفة الإلزامية الكاملة هي المعاهدات الموقعة بين الدول، بينما الاتفاقيات الموقعة بين دولة ولاعب غير دولي (حركة مسلحة، حركة تحرر وطني، منظمة سياسية) -بصرف النظر عن تصنيف تلك الحركات وأنّ بعض الدول صنّفتها إرهابيةً أو لم تصنّفها بذلك، فالتصنيف ليس مهماً- وفي حالة وجود فصيل مسلح يسيطر على أرض معيّنة وحصل اتفاق بينه وبين أي دولة، فهذا الاتفاق يكون له وزن أكثر من اتفاقية عادية، ولكنه في الوقت نفسه لا يرقى إلى وزن وقوة المعاهدة الدولية، ومع ذلك الدولة الموقعة عليه تكون مسؤولةً عن تنفيذ هذا الاتفاق، خاصةً في حالات وقف إطلاق النار، وفي حالة وجود وسطاء من دول ساعدت في التوصل إلى الاتفاق".

استناداً إلى ذلك، فإنّ هذا الاتفاق لا ينطبق عليه شرط المعاهدة الدولية، وقانون المعاهدات، لأنه مبرم بين دولة وشخص آخر من أشخاص القانون الدولي، وهو حركة حماس كحركة تحرر وطني لا كدولة. ومن هنا، فإنّ انسحاب أي طرف من هذا الاتفاق وعدم تطبيقه لا يلزم موافقة الأطراف كافة كما هو منصوص عليه في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وهذا يجعل الباب مشرعاً أمام عدم تطبيق الاتفاق والانسحاب منه في أي لحظة من قبل أي طرف من الأطراف الموقّعة عليه (حماس، وإسرائيل)، ولا تترتب أي التزامات قانونية على أي طرف ينسحب منه بموجب القانون الدولي، ما يجعل هذا الاتفاق هشّاً ومعرّضاً للاختراق.

مسؤولية الأطراف الضامنة للاتفاق

كانت المسؤولية الملقاة على عاتق الوسطاء في تقريب وجهات النظر من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق، وهذا ما تم فعلاً، ولكن يبدو أنّ نص الاتفاق خلا من أي مسؤولية قانونية تقع على عاتق الوسطاء في حال أخلّ أي طرف بالتزاماته في تنفيذ الاتفاق، سوى الجملة الوحيدة والعامة والفضفاضة بأن تضمن كل من مصر وقطر والولايات المتحدة تنفيذ هذا الاتفاق. 

يشير خبير قانوني إلى أن نص الاتفاق لم يشر إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي، بل إلى إعادة موضعته في القطاع، أي أن بإمكان إسرائيل التحلل من هذا البند في أي وقت.

ويضيف نسيبة: "بالنسبة إلى الوسطاء في حالة الاتفاق بين إسرائيل وحماس في قطاع غزّة، فليست عليهم مسؤولية مباشرة، لأنهم ليسوا أطرافاً في الاتفاق، إلا في حالة وجود نص يشير إلى 'أنّ عليهم التزامات مباشرة كنشر قوة أو الرقابة لحفظ السلام'، وهذا لم يتم النص عليه في الاتفاق. فلذلك ليست عليهم مسؤولية قانونية. ولكن من حيث المبدأ لا يمكن القول إنّ الاتفاق الذي حصل وزنه صفر، خاصةً إذا دخل في حسابات أخرى، مثلاً في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، فإنّ اتفاقيات وقف إطلاق النار سوف تُؤخذ بعين الاعتبار. فالآن مثلاً لا يمكن الطلب من المحكمة أن تأخذ إجراءات احترازيةً، لأنّ هناك وقفاً لإطلاق نار وإسرائيل قالت إن هناك وقفاً لإطلاق النار، فلذلك من الناحية القانونية لا توجد حاجة إلى تدابير مؤقتة أو إجراءات احترازية. وعليه، الاتفاقيات التي تتم بين إسرائيل وحماس أو غيرها لها درجة من الأهمية وليست اتفاقيات عديمة القيمة القانونية، وفي الوقت ذاته لا ترقى إلى مستوى المعاهدة الدولية".

من جانب آخر، يقول الخبير في القانون الدولي فؤاد بكر، في تصريحه لرصيف22: "إنّ أي اتفاق ثنائي بين طرفين يجب أن يخضع لمجموعة من الشروط حتى يُعطى غطاء قانونياً، حيث أنّ اتفاق وقف إطلاق النار هو اتفاق سياسي، ويخضع لإرادة الطرفين وهما حكومة الاحتلال الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركة حماس، ونيّتهما إنهاء الحرب. ومن بين شروط أي اتفاق لضمان قانونيته وصحته، الأهلية القانونية للطرفين، ورضا الطرفين، ومشروعية المضمون حيث لا يكون مخالفاً للقانون، وسبب الاتفاق، بالإضافة إلى صياغة واضحة ومفهومة غير قابلة للتأويل".

ويردف بكر: "مجمل شروط اتفاق وقف إطلاق النار تتوافق مع الشكل القانوني العام، وهناك من يطعن بشكل الاتفاق، ويرى أنه لا يمكن توقيع اتفاق مع منظمة متهمة بالأعمال الإرهابية. ولذلك حُلّت هذه المشكلة من خلال الدول الضامنة لتنفيذ الاتفاق وهي قطر، ومصر والولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت ذاته، لا يخضع هذا الاتفاق للشروط الشكلية المتعارفة، ولا يمكن مقاربته قانونياً، فهو اتفاق سياسي، ويتضمن العديد من البنود التي لا تتوافق قانوناً مع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، مثل تحكّم إسرائيل بالشاحنات والمساعدات الإنسانية التي ستدخل إلى غزّة عن طريق مصر على سبيل المثال. واستناداً إلى ذلك، ليست هناك تبعات قانونية في حال الإخلال بتنفيذ الاتفاق، بل تبعات سياسية تتعلق بالدول الضامنة للاتفاق في حال أخلّ أحد الطرفين بالتنفيذ أو بأي من البنود، مثل قطع العلاقات، التضييق على المساعدات، عرقلة إعادة الإعمار، فرض عقوبات اقتصادية، سحب استثمارات، أو استعادة القيام بحرب مجدداً بين الطرفين".

وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، أسعد غانم، في حديثه إلى رصيف22: "لا يوجد في الاتفاقيات الدولية معنى حقيقي لأيّ ضمانات سوى ضمانات القوة أو علاقات القوة، وليس بالضرورة أن تكون القوة هي القوة العسكرية، فمن الممكن أن تكون القوة الناعمة. بمعنى أنّ قطر مثلاً لها قوة (إسرائيل بحاجتها وأمريكا بحاجتها وحماس بحاجتها)، ومصر لها قوة بصفتها دولةً عربيةً كبيرةً وحليفة الولايات المتحدة ولها حدود مع غزّة ولها علاقات مع حماس. وإسرائيل لها مصلحة لأنها أتت للتوقيع على هذا الاتفاق بعد مقتل عدد كبير من جنودها، وبعد تحقيق بعض الأهداف من حيث تدمير غزّة وجعلها غير قابلة للحياة. لذلك، إسرائيل مهتمة لأنّ مكانتها الإستراتيجية على الصعيد الدولي تراجعت، ووضعها الاقتصادي صعب، والانقسام الداخلي كبير. ومن هنا فإنّ ضغط الرئيس ترامب، لتوقيع هذا الاتفاق، هو لإنقاذ إسرائيل من نفسها، وربما نتنياهو كان يتمنى مثل هذا الضغط من ترامب حتى يظهر أن موافقته جاءت تلبيةً لضغوط الحليف الإستراتيجي لإسرائيل، أي الولايات المتحدة الأمريكية".

بطلان الاتفاق والانسحاب منه

يقول فؤاد بكر، لرصيف22: "شروط بطلان الاتفاق تتحقق عندما تحصل عملية خداع أو غش، أو عملية احتيال على النصوص الواردة في البنود، أو عند حصول مخالفة شكلية متضمنة في الاتفاق، أو الخلاف على تفسير بعض بنود الاتفاق، حينها يمكن للطرف المعترض أن يعلن إلغاء الاتفاق". 

يتضمن الاتفاق العديد من البنود التي لا تتوافق قانونًا مع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، مثل تحكم إسرائيل بالشاحنات والمساعدات الإنسانية التي ستدخل إلى غزة عن طريق مصر، وبالتالي، ليس هناك تبعات قانونية في حال الإخلال بتنفيذ الاتفاق، بل تبعات سياسية

وفي مستهل اجتماع الكابينيت السياسي والأمني، يوم الجمعة 17 كانون الثاني/ يناير 2025، قال نتنياهو: "حصلنا على ضمانات قاطعة من بايدن وترامب، بأنه في حال فشل المفاوضات حول المرحلة الثانية، وحماس لم توافق على مطالبنا الأمنية، سنعود إلى القتال بقوة شديدة بدعم من الولايات المتحدة". وتعهّد كلّ من بايدن وترامب، لنتنياهو، بأنهما سيوافقان على استئناف الحرب على غزّة في حال "خرق" حماس للاتفاق من خلال إعادة التسلح أو القيام بأي أعمال عدائية ضد إسرائيل.

وذكر موقع "I24 News"، أنّ حزب الصهيونية الدينية طالب بشكل رسمي بنيامين نتنياهو بضمان العودة إلى الحرب في غزّة، بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، وإقالة رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، وذلك كشرط لبقاء الحزب في الحكومة. وهذا دليل على النوايا المبيّتة وعدم الجدية من قبل بنيامين نتنياهو، في تنفيذ الاتفاق كاملاً حسب المراحل المتفق عليها.

صيغة مستعجلة وغامضة

يضيف بكر: "من حيث الشكل، لم يتضمن الاتفاق أيّ بنود متعلقة باحترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ولم يتضمن أيضاً الاستناد إلى قواعد القانون الدولي، ولا حتى إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 19 تموز/ يوليو 2024، والذي أكد على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال عام واحد. كما أنّ صياغة الاتفاق بطريقة مستعجلة قد تؤدي إلى تأويل بعض البنود وتفسيرها في غير مضمونها، أو التحايل عليها. ولذلك يجب على حماس أن تكون حذرةً في التعاطي مع هذه المسألة، لأنّ إسرائيل معتادة على خرق الاتفاقيات وتأويلها بالطريقة التي تناسبها".

ويحذّر بكر، من أنّ المرحلتين اللاحقتين (الثانية والثالثة)، وضعتا في إطارهما العام ولم تُناقش التفاصيل فيهما كما يلزم، ولم تشيرا بطريقة واضحة إلى اليوم التالي للحرب، ولا حتى في حال الإخلال بالاتفاق أو الاختلاف على بنود التفسير في كيفية حلها أو التعامل معها. ولذلك فإن الدول الضامنة هي التي ستكون المعنية بمراقبة تنفيذ الاتفاق، والحكم على التفسير الصحيح في حال وجود أي تأويل، لحرف الأنظار عن جوهره ومضمونه. 

تعهد كل من بايدن وترامب لنتنياهو بأنهما سيوافقان على استئناف الحرب على غزة في حال "خرق" حماس للاتفاق من خلال إعادة التسلح أو القيام بأي أعمال عدائية ضد إسرائيل.

من جانب آخر، يقول المختص بالشأن الإسرائيلي، عادل شديد، في حديثه إلى رصيف22: "مجرد وجود مراحل بهذه الصفقة لا يبعث على التفاؤل، فربما يكون نتنياهو معنياً فقط بمرحلة من الهدوء لإعادة ترتيب الجيش وامتصاص غضب ونقمة الشارع الإسرائيلي الملتهب، وتقديم هدية لحليفه ترامب، في اليوم الأول لتنصيبه في البيت الأبيض، وإعادة الحد الأقصى من الأسرى الإسرائيليين الأحياء".

ويضيف شديد: "حتى اللحظة لا يوجد ما ينفي فرضية التنصل من الاتفاق والعودة إلى القتال من جديد. وهذا ما يجعل احتمالية نسف الصفقة بعد المرحلة الأولى واردةً، بالإضافة إلى ذلك، ارتفاع حدة الانتقادات للصفقة وشروطها والتي يتضح بما لا لبس فيه أنّ إسرائيل قد تراجعت عن كل شروطها التي اعتبرتها خطوطاً حمراء في المفاوضات قبل شهور. في المقابل، هناك تمسّك من قبل حماس بمطالبها والخطوط العريضة والشروط التي وضعتها للصفقة. يضاف إلى ذلك، أنّ هناك أصواتاً قويةً داخل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية عبّرت عن مواقف رافضة للصفقة وعدّتها سيئةً، في تماهٍ واضح مع مواقف الوزيرين في الحكومة الإسرائيلية بن غفير وسموتريتش".

بينما يرى الباحث في الشأن السياسي نضال السبع، في تصريحه لرصيف22، أنّ الاتفاق معقّد وهو عبارة عن طلاسم، ومن أهم ما يلفت الانتباه فيه التعقيد في ما يتعلق بالتعابير والكلمات، ويحتوي الاتفاق على الكثير من الثغرات، خاصةً في ما يتعلق بالبند ج، في المرحلة الأولى، والذي يتحدث أنه سوف يُسمح لـ50 عسكرياً من حماس بشكل يومي بالخروج من معبر رفح تحت عناوين العلاج، وكل شخص يرافقه ثلاثة أشخاص من أسرته.

ويضيف: "عملياً هذا يعني هجرة بمعدل 200 شخص، ووفق هذه الأرقام خلال 42 يوماً سوف يخرج نحو 8،000 شخص في المرحلة الأولى. ولكن حسب عدد المراحل إذا دخلنا بمرحلتين أو 3 مراحل، سوف نكون أمام هجرة 20،000 أو 25،000 شخص ما بين عناصر حماس وعائلاتهم. بالإضافة إلى ذلك فإنّ ما يتعلق بإعادة الإعمار لم يتم توضيح الآليات والجهات التي سوف تقوم بذلك، وأهم قضية للمواطن الفلسطيني الموجود في الخيام اليوم هي إعادة بناء بيته أو ترميمه وتالياً عودته إلى مسكنه".

ويشير إلى أنّ الاتفاق لم يُشر إلى الانسحاب، وإنما إلى إعادة تموضع للجيش الإسرائيلي، خاصةً في المنطقة الشرقية بمعدل 400-700 متر. وهذا الاتفاق يبدو أنه من الناحية السياسية يفتح المجال أمام استفراد إسرائيل بغزّة، وعدم وجود ضمانات واضحة وملزمة فيه قد يمنح إسرائيل التنصل منه متى تشاء.

سوابق تاريخية على اتفاقيات بين دول وفصائل

شهد التاريخ الحديث العديد من الاتفاقيات التي وُقّعت بين دول وفصائل مسلحة أو حركات تحرر وطنية أو ميليشيات، بهدف وقف إطلاق النار أو التوصل إلى هدنة، ولم تؤدِ جميعها إلى فصل أفضل من تاريخ الحرب والسلم في تلك المناطق. 

لفت محللون إلى البند (ج) في المرحلة الأولى الذي يسمح لـ(50) عسكريًا من حماس بالخروج بشكل يومي من معبر رفح تحت عناوين العلاج، وكل شخص يرافقه ثلاثة أشخاص من أسرته. بمعنى أنه إذ دخلنا في المرحلتين أو الثلاث الأخرى سوف نكون حول هجرة 20000 أو 25000 شخص ما بين عناصر حماس وعائلاتهم

من أبرز هذه الاتفاقيات اتفاق الهدنة الكورية عام 1953، الذي أنهى الحرب الكورية بين الأمم المتحدة وكوريا الشمالية المدعومة من الصين. وبرغم أنه لم يُتوّج بمعاهدة سلام شاملة، إلا أنه أسس لمنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين ما زالت قائمةً حتى اليوم. كما يُعدّ اتفاق الطائف عام 1989، مثالاً آخر، حيث أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بمشاركة ميليشيات متعددة وبدعم دولي من السعودية وسوريا.

وفي سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مثّلت اتفاقيات أوسلو عام 1993، محطةً بارزةً في هذا النوع من الاتفاقيات، إذ تضمنت وقفاً لإطلاق النار وتفاهمات سياسيةً بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعُدّت خطوةً نحو تسوية مستقبلية.

أما في القارة الإفريقية، فقد كان اتفاق نيفاشا عام 2005، بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، بمثابة هدنة طويلة الأمد أسفرت عن استفتاء واستقلال جنوب السودان. ومن الأمثلة الحديثة على هذا النوع من الاتفاقيات أيضاً، اتفاق دايتون لعام 1995، الذي أنهى النزاع المسلح في البوسنة والهرسك، بمشاركة أطراف دولية، واتفاق فارك في كولومبيا عام 2016، حيث أُدمجت الحركة المسلحة في النظام السياسي بعد هدنة شاملة ونزع سلاح. 

هذه الاتفاقيات أثارت في حينها، عدداً من التحديات القانونية، أهمها مسألة الاعتراف الدولي بالأطراف. إذ يُخشى أن يمنح التفاوض مع الفصائل المسلحة شرعيةً سياسيةً قد تؤثر على الديناميكيات الدولية. كما أنّ ضمان تنفيذ بنود الاتفاق يقع عادةً على عاتق الدول الراعية، التي تُلزم نفسها بضمان احترام الأطراف للتفاهمات التي يتم التوصل إليها.

ما تقوله هذه الاتفاقيات، والاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه الدوحة، أنّ اتفاقيات وقف إطلاق النار بين الدول والفصائل المسلحة تُعدّ غالباً "حلولاً مؤقتةً" لإنهاء العنف أو تخفيف حدّته، وسياسية أكثر منها قانونية، لكنها قد تمهد الطريق لتسويات سياسية شاملة إذا ما توافرت الإرادة الدولية والمحلية اللازمة لتحقيق ذلك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image