شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ماذا وراء الاقتراح الإسرائيلي بـ

ماذا وراء الاقتراح الإسرائيلي بـ"إبعاد" قادة حماس إلى السودان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أثارت التسريبات الإعلامية الإسرائيلية حول وجود خطّة لإبعاد قادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) من قطاع غزة إلى السودان جدلاً واسعاً في الأوساط المتابعة لمسار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، على الرغم من نفي الحركة والحكومة السودانية احتمالات حدوث هذا الأمر.

وطبقاً لما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن خطة تل أبيب لإبعاد قادة حماس الباقين على قيد الحياة عن قطاع غزة إلى السودان تأتي كجزء من صفقة تبادل الأسرى التي يجري التفاوض حولها بين الطرفين، والتي يُقترح أن تشمل إلغاء تجميد أصول حماس التي جمّدتها الحكومة السودانية قبل نحو ثلاث سنوات، علاوة على مكاسب مالية وسياسية أخرى.

وبحسب مصادر تحدثت للصحيفة الإسرائيلية، إذا تم تنفيذ هذه الخطة، فلن يُطلق عليها رسمياً اسم "نفي" أو "استسلام"، وأن هذا من شأنه أن يسمح لإسرائيل بإنهاء الحرب والانسحاب من غزة على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع. لكن رد حركة حماس جاء سريعاً بتأكيد القيادي عزت الرشق، الذي وصف ما نُشر عن إبعاد قادة حماس إلى السودان، بأنه "شائعات سخيفة"، مؤكداً أن "حماس موجودة في فلسطين، تقاتل العدو الذي يحتل فلسطين". 

وأضاف الرشق عبر حساب الحركة في منصة تليغرام: "إبعاد حماس أو قادتها من غزة هو حلم ووهم (إسرائيليان)  لن يتحققا" لأن المنطق يقتضي أن "يرحل المحتل المجرم ويبقى أهل الأرض وسكانها الأصليون".

بالونة اختبار وحرب نفسية؟

تعقيباً على المقترح الإسرائيلي، يوضح الباحث في الإعلام الدولي ومدير مركز الشرق الأدنى للدراسات الإعلامية والاستراتيجية عماد عنان، أن مناقشة نفي قادة حماس خارج فلسطين مسألة مرفوضة بالنسبة للحركة، قيادة وحاضنة، لافتاً إلى أن قبول الحركة به "يعني باختصار الاعتراف بالهزيمة المطلقة" في حين أن الحركة لا تزال ثابتة على الأرض وتكبد جيش الاحتلال خسائر تلو الأخرى، على حد قوله.

عن اختيار السودان لإبعاد قادة حماس، وفق التسريبات الإسرائيلية، يذهب الباحث عنان إلى أن تلك المسألة قد نوقشت – رغم استبعادها حمساوياً -  أكثر من مرة قبل ذلك، وطُرحت دول مثل روسيا وماليزيا والجزائر لاستقبالهم فيما استثنت إسرائيل الدول التي تمثل حاضنة سياسية لحماس والإخوان  وفي مقدمتها تركيا وقطر

يضيف عنان لرصيف22: "من هنا، فإن المقترح الإسرائيلي – غير الرسمي - الذي كشفت عنه صحيفة هآرتس، يأتي في إطار كونه بالون اختبار للحركة للوقوف على مرونتها إزاء مثل تلك المقترحات خاصة وأنها ليست الأولى من نوعها".

ويرى عنان أن تل أبيب تحاول من خلال هذا الطرح أن تُجمّل صورتها المشوهة أمام المجتمع الدولي بفعل الجرائم التي ترتكبها يومياً في القطاع، بادعاء أنها ترغب في حلحلة الأزمة وإنهاء الحرب وأنها صاحبة المبادرات الرامية لإنهاء الصراع وأن العرقلة تأتي من قبل حماس، وتلك هي السردية التي ترددها إسرائيل منذ بداية الحرب أمام الضغوط الدولية والانتقادات التي تتعرض لها.

من ناحيته، يرى الصحافي والمحلل السياسي السوداني خالد التجاني، أن الحديث عن إبعاد قادة حماس من قطاع غزة "تسريب لا أساس له من الصحة" بدليل نفيه من الطرفين المعنيين، حماس والجيش السوداني، وهو يلفت إلى أنه في ظل الحرب القائمة وفي كل الحروب يُستخدم الإعلام واحدةً من وسائل الحرب النفسية.

وبحسب حديثه لرصيف22، فإن التعثّر الكبير في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة فيما تجاوزت الحرب العام مع عجز إسرائيل عن فرض سيطرتها الكاملة على قطاع غزة مع استخدامها كل ما هو متاح لها من القوة المُفرطة المتجاوزة للقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان.

ويضيف التجاني: "يبدو أن كل هذا الاستخدام للقوة العنيفة لم يؤدِ إلى تحقيق النتيجة التي تهدف إليها تل أبيب وهي القضاء على حماس. وبالتالي، إسرائيل في ورطة مع التوسّع في نطاق الحرب الآن سواءً كان في لبنان أو التهديد بالحرب مع إيران وغيرها، وبالتالي الغرض من هذا التسريب ربما يكون تخفيف غضب الرأي العام الإسرائيلي المطالب بوقف إطلاق النار والعمل على محاولة استعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة".

الحكومة السودانية تتبرأ

الطرف الثالث في هذه المعادلة هو الحكومة السودانية التي ذهبت التسريبات الإسرائيلية إلى إمكانية استقبالها قادة حماس الذين ترغب إسرائيل في إبعادهم بجانب فك الأصول المالية للحركة التي تم تجميدها قبل ثلاثة أعوام، ومن ثم بدء الخرطوم خطوات لتطبيع علاقتها مع تل أبيب عقب قطيعة استمرت لعقود، ذلك رغم احتفاظ الخرطوم بعلاقات تاريخية مع حركة حماس.

لكن وزارة الخارجية السودانية نفت التسريبات الإسرائيلية واعتبرت الزج باسم السودان في هذا الأمر "لا يعدو أن يكون محاولة للإساءة إليه، وصرف الانتباه عن ما يتعرض له من عدوان خارجي تدعمه دوائر إقليمية معروفة".

وحول اختيار السودان لإبعاد قادة حماس، وفق التسريبات الإسرائيلية، يذهب الباحث عنان إلى أن تلك المسألة قد نوقشت – رغم استبعادها حمساوياً -  أكثر من مرة قبل ذلك، وطُرح على مائدة النقاش العديد من الدول التي يمكن إبعاد قادة حماس إليها، منها روسيا وماليزيا والجزائر، مع الوضع في الاعتبار أن إسرائيل استثنت الدول التي تمثل حاضنة سياسية لحماس وتيار الإخوان بصفة عامة وفي مقدمتها تركيا وقطر، واستقر الأمر بعد مشاورات وتقييمات عدة وفق مقاربات خاصة على السودان كبلد مضيف لقادة الحركة.

ويُشير عنان إلى أن عدة أسباب دفعت لاختيار السودان، أولها الخلفية الأيديولوجية (الإسلام السياسي) التي تجمع بين حماس والجيش السوداني بصفته السلطة الحاكمة اليوم في البلاد. وثانيها أن إخراج قادة حماس بعيداً عن غزة يجعل استهدافهم واغتيالهم عملية أسهل بكثير، وخاصةً في ظل حالة الفوضى الأمنية والسياسية التي يمر بها السودان، ما يعني أن التخلص منهم نهائياً مسألة محسومة في وجهة نظر إسرائيل، أسوةً بما حدث مع قيادات الصف الأول في حزب الله. 

ثالث الأسباب، وفق عنان، هو استغلال الوضعية الصعبة التي يعاني منها السودان من أجل الضغط – اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً - على الجيش السوداني للقبول بهذا العرض إذا ما وافقت عليه حماس.

يعتقد التجاني أن إسرائيل تحاول تكرار سيناريو ما حدث في لبنان عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان وأسفر ذلك الغزو عن نقل منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تتمركز في لبنان وبيروت أحد معاقلها، إلى تونس (تحديداً قيادات المنظمة) في حين اتجهت مجموعة من المقاتلين إلى السودان، مستدركاً بأن الوضع هذه المرة "مختلف"

أما التجاني، فيعتقد أن إسرائيل تحاول تكرار سيناريو ما حدث في لبنان عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان وأسفر ذلك الغزو عن نقل منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تتمركز في لبنان وبيروت أحد معاقلها، إلى تونس (تحديداً قيادات المنظمة) في حين اتجهت مجموعة من المقاتلين إلى السودان.

ويضيف التجاني: "طرح إبعاد قادة حماس محاولة لاستعادة هذا السيناريو. لكن الوضع مختلف هذه المرة، ففي الماضي كانت منظمة التحرير الفلسطينية موجودة في بلد آخر، لكن بالنسبة لحماس فهي موجودة على أرضها وتعمل على الدفاع عن تاريخ أرضها ولا يعقل أن تكون هناك أي صفقة يترتب عليها نقل قيادة حماس للسودان أو أي بلد آخر لأن ذلك ببساطة يعني تصفية الحركة وإنهاء دورها وقيمتها".

ويؤكد عنان أن مثل هذا الطرح ليس بالجديد، إذ قُدم أكثر من مرة قبل ذلك، ورفضته حماس واعتبرته أمراً يدعو إلى السخرية، وعليه من المستبعد أن ينتقل من إطار المبادرة إلى حيز النقاش على الطاولة الإقليمية والدولية.

كما يشدد عنان على أن السلام وإنهاء الحرب فكرتان مرفوضتان تماماً لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المنقاد من اليمين المتطرف، لأن توسعة الصراع أفقياً ورأسياً باتت هدفاً ينقذ به نتنياهو نفسه من أحبال الملاحقة القضائية والسياسية، وما تلك المبادرات سوى ذر للرماد في العيون، في ظل دعم أمريكي لا يتوقف على طول الخط وصمت عربي ودولي مخزي.

تفاوض متعثّر وعرض مرفوض

في تموز/ يوليو 2024، وصلت مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس برعاية الولايات المتحدة ومصر وقطر بالعاصمة روما إلى طريق مسدود، وزاد الوضع تعقيداً باغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في إيران، ومن بعده خليفته يحيى السنوار، علاوة على التصعيد الإسرائيلي على لبنان والمواجهة المباشرة ضد حزب الله اللبناني الحليف الإستراتيجي لحماس، واغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وعدد من كبار قادة الحزب.

تضع كل هذه التطورات مزيداً من العراقيل أمام التوصّل إلى صفقة لوقف الحرب، ولا يبدو أن مخطط إبعاد قادة حماس بات كافياً أو مرضياً لإسرائيل التي تواصل التصعيد. وبحسب عنان، فإنه يستبعد تبلور المقترح إلى نقاش على طاولة الوسطاء الإقليميين والدوليين إذ أنه يستقر في يقين دوائر صنع القرار في الكابينت الإسرائيلي وداخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أنه ليس أكثر من محاولة إسرائيلية لتجميل الصورة والظهور بمظهر المبادر لإنهاء الحرب والساعي للتهدئة.

ويتابع: "أقصى ما يمكن أن تصل إليه موجة التداعيات إجراء تغييرات تكتيكية في إستراتيجيات القتال. فالمقاومة، تعتمد على سياسة النفس الطويل بأقل الإمكانيات، واللجوء إلى معارك استنزاف طويلة الأمد دون التخلّي عن السلاح وخيار التصدّي لجيش الاحتلال".

ويعتقد التجاني أنه كان لدى قادة حماس عروض أفضل خلال المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، متابعاً "تلك المفاوضات التي تدخل فيها بجانب أمريكا كل من مصر وقطر وكل هذه العروض كانت أفضل من ذلك بكثير لكن حماس لم تقبل بشروطها، ولذلك ليس وارداً قبول مخطط الإبعاد الإسرائيلي".

عدة أسباب دفعت لاختيار السودان، أولها الخلفية الأيديولوجية التي تجمع بين حماس والجيش السوداني الذي يحكم البلاد. وثانيها أن إخراج قادة حماس إلى بلد يعاني الحرب يجعل استهدافهم واغتيالهم أسهل بكثير، وثالثها استغلال وضع السودان للضغط – اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً - على الجيش لقبول العرض إذا وافقت حماس

السودان غير معني الآن

ويعتبر الأكاديمي والخبير في شؤون القرن الأفريقي حسن مكي أن لا محل لمناقشة ما قد تُغري به الحكومة السودانية لاستضافة قادة حماس، وفق خطتها، "ما دامت حماس قد نفت ذلك والحكومة السودانية فعلت الأمر نفسه، الوقت ليس مناسباً لهذا النقاش لأن السودان في حالة حرب وهو عبارة عن منطقة عمليات، فكيف سيتم توطين اُناس في منطقة عمليات تزيد تعقيداً على تعقيد؟"، على حد قوله لرصيف22.

وعن العراقيل التي يُعتقد أنها تمنع استضافة السودان لقادة حماس، بحسب حسن مكي، فأبرزها أن هذه المسألة ليست من أولويات السودان حالياً والذي قال إنه يبحث عن الحياة وإن الحرب التي تدور حالياً ليست حرباً بين جيش و"مليشيا" لكنها حرب حول الحياة.

وبالنسبة للأكاديمي والخبير في شؤون القرن الأفريقي، فإن أثر الحرب الأهلية في السودان على العرض الإسرائيلي يتمثل في أن الكثير من المناطق التي تحتدم فيها المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع بلا حياة ولا مستقبل ولا حراك اجتماعي.

ويواصل: "الأولوية في السودان العودة إلى الحياة، ولذلك فاستضافة قادة حماس مجرد قضية فرضية تحاول أن تستنبت الوقائع في الهواء وهذا اللامعقول في التفكير".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image