شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"يوهانسن بيرنس"... آثار مصرية في السوق الدولية تحت هوية بحار ألماني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

الثلاثاء 25 فبراير 202502:57 م

أنجز التحقيق بالشراكة بين أريج وباب مصر ومشروع مكافحة الفساد والجريمة - OCCRP.

في أوائل القرن العشرين، انطلق ضابط بحري ألماني يُدعى يوهانس بيرنس في رحلة طويلة جابت أرجاء البحر الأبيض المتوسط وما وراءه.

لم يكن البحار المولود في بريمن مجرد رجل عسكري؛ بل كان على ما يبدو يتمتع بعين قادرة على تمييز القطع الأثرية عالية الجودة. اشترى بيرنس أثناء سفره كنوزاً بديعة؛ مثل سلطنية فضية رومانية، ومنحوتات مصرية قديمة خلابة، وقناع يوناني مزخرف من البرونز.

لوحة

الصورة: التابوت المذهب لـ"نجم عنخ" الذي سُرِق منذ عقد، واسترجعته مصر من متحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة، ليعرض في المتحف القومي للحضارة المصرية.

حقوق الصورة: محمود بكار/ وكالة الأنباء الألمانية.

كانت بعض هذه القطع مبهرة، حتى إنها عُرضت في أرقى متاحف العالم؛ فمن متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك إلى متحف اللوفر أبوظبي، تراصت على أرفف العرض قطع أثرية مذهلة نسبت إلى "مجموعة بيرنس" الأثرية.

غير أنه في السنوات الأخيرة ظهرت أدلة جديدة على أن البحار الألماني ربما لم يكن هو من جمع القطع المنسوبة إليه، الأكثر من هذا فقد حامت الشكوك حول حقيقة هويته. فوفقاً لما توصل له محققون فرنسيون وأمريكيون، فإن القطع التي نسبت إلى بيرنس كانت قد هُرّبت في الواقع على يد عصابة متهمة بتهريب الآثار من مصر.
في أواخر عام 2023، أُلقي القبض على تاجر قطع أثرية مسن يُدعى سيروب سيمونيان، كان يدير معرضاً لبيع القطع الأثرية في هامبورغ بألمانيا، بالقرب من المكان الذي يُفترض أن بيرنس وُلد فيه، ووجهت إليه في فرنسا تهمة تهريب عدة قطع أثرية، منسوبة إلى مجموعة البحار الألماني.
 لسنوات، نُسبت العديد من القطع الأثرية التي بيعت لهواة جمع المقتنيات الأثرية والمتاحف إلى ضابط بحري ولد في مدينة بريمن الألمانية. ورغم أن تاريخ ملكية القطعة يشير إلى أنه اقتناها على ما يبدو في أوائل القرن العشرين، ثم انتقلت إلى ورثته، تثير التحقيقات في ملكية هذه القطع الشكوك بشأن هويته الحقيقية

وقد نفى سيمونيان ومتهمون آخرون في القضية نفسها هذه المزاعم، ولا يزال التحقيق جارياً. فيما لم تنجح محاولاتنا للتواصل مع سيمونيان من خلال محاميه.

على الرغم من أن وسائل الإعلام تناولت على نطاق واسع قضية سيمونيان، استطاعت أريج أن تحدد عدداً من القطع التي يقال إن بيرنس قد جمعها؛ بما في ذلك قطعة بيعت بأكثر من 200 ألف دولار في مزادات دولية.
تشمل هذه القطع سلطانية رومانية بيعت في دار كريستيز للمزادات عام 2010، ولوحة جنائزية هيلينستية من الرخام اليوناني بيعت في دار كريستيز في عام 2012، وقناعاً برونزياً يونانياً رومانياً اشترته مؤسسة مجموعة سورغينتي الإيطالية عام 2010.

نقش مزخرف

سلطانية رومانية تعود إلى القرن الثالث الميلادي، بيعت بأكثر من 230 ألف دولار أمريكي عام 2010، ونُسبت إلى بيرنس.

سلطانية رومانية تعود إلى القرن الثالث الميلادي، بيعت بأكثر من 230 ألف دولار أمريكي عام 2010، ونُسبت إلى بيرنس.

لوحة جنائزية هيلينستية من الرخام اليوناني، تعود إلى النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، بيعت عام 2012 بأكثر من 60 ألف جنيه إسترليني، وتُنسب إلى بيرنس أيضاً.

لوحة جنائزية هيلينستية من الرخام اليوناني، تعود إلى النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، بيعت عام 2012 بأكثر من 60 ألف جنيه إسترليني، وتُنسب إلى بيرنس أيضاً.
تمكّنت أريج من تحديد القطع الأثرية عبر البحث في البيانات المتاحة للجمهور، التي توفرها دور المزادات والمؤسسات الأخرى، بحثاً عن أي ذكر لبيرنس. ولم يتم الإبلاغ عن أي من هذه القطع الثلاث من قبل المحققين الأمريكيين أو الفرنسيين؛ لأنها خارج نطاق سلطتهم القضائية.
وقال متحدث باسم كريستيز إن الدار ليس لديها أي تعليق على هذه القضايا، لكنه أضاف: "بشكل عام، تأخذ كريستيز هذه الأمور على محمل الجد".
فيما لم ترد مجموعة سورغينتي على طلبات التعليق.
قالت تيس ديفيس، المديرة التنفيذية لمؤسسة تحالف الآثار في الولايات المتحدة، إنه باستثناء حالات نادرة، يتم الحصول على الآثار المعروضة في السوق بطرق غير قانونية في مرحلة ما؛ إذ تُنهب غالباً من المواقع الأثرية أو المقابر أو المعابد أو غيرها من المصادر.
وأضافت: "هناك عدد قليل من المصادر القانونية للآثار، على الرغم من وجود سوق كبيرة وقانونية". وقد خلق ذلك حافزاً للمجرمين لـ "غسيل" الآثار من خلال إخفاء مصدرها الحقيقي.
وأوضحت بالقول: "إن التوثيق الزائف، بما في ذلك اختلاق مجموعات تاريخية أو هويات جامعي آثار، أمر بالغ الأهمية لمثل هذا الاحتيال، ففي نهاية المطاف من الأسهل بكثير تزوير المصدر من تزوير قطعة أثرية".

شاهد الملك توت عنخ آمون

عام 2017، صادف عالم المصريات الفرنسي مارك غابولد تغريدة كتبتها زميلته عالمة المصريات سوزانا توماس، تقول فيها إنها تلقت صورة عن منحوت حجري لم يسمع به أحد من قبل؛ يعود إلى عهد الفرعون توت عنخ آمون، بمتحف اللوفر أبوظبي. ما أثار اهتمام غابولد على الفور.

الصورة: الحجر المنحوت في متحف اللوفر أبو ظبي. حقوق الصورة: ريتشارد مورتل/ فليكر.

الصورة: الحجر المنحوت في متحف اللوفر أبو ظبي.

حقوق الصورة: ريتشارد مورتل/ فليكر.

كان من اللافت للنظر أن تظهر مثل هذه القطعة البديعة في مؤسسة بارزة، من دون أن يكون العلماء على علم بها. (يستخدم متحف اللوفر أبو ظبي الاسم التجاري لمتحف اللوفر الفرنسي، ويتلقى دعماً آخر بموجب اتفاقية فرنسية إماراتية).

كتبت توماس على منصة تويتر، المعروفة الآن باسم "إكس": "هل يعرف أحدكم أي شيء عن هذا الشاهد؟ يعرض متحف اللوفر أبوظبي اللوفر شاهداً خلاباً يحمل اسم #توت عنخ آمون لم نسمع به من قبل (!!)".

 "التوثيق الزائف، بما في ذلك اختلاق مجموعات تاريخية أو هويات جامعي آثار، أمر بالغ الأهمية لمثل هذا الاحتيال، ففي نهاية المطاف من الأسهل بكثير تزوير المصدر من تزوير قطعة أثرية".

ونُسب الشاهد إلى تاجر مصري يُدعى حبيب تواضروس الذي قيل إنه باعها للبحار الألماني بيرنس عام 1933.

أثارت التغريدة فضول غابولد الذي شرع في البحث في أصول القطعة، لكنّه لم يجد أي إشارة لبيرنس في أي من السجلات العامة التي راجعها. وأعرب عن شكوكه بشأن ملكية اللوحة لمتحف اللوفر، لكنه لم يتلقَ أي رد.

بدأت السلطات الفرنسية بعد ذلك تحقيقها الخاص في التراخيص المتعلقة بالقطع الأثرية التي بيعت إلى متحف اللوفر أبوظبي؛ بما في ذلك شاهد الملك توت.

وانتهى الأمر بتوجيه اتهام للرئيس السابق لمتحف اللوفر بالاحتيال عام 2022. وفي العام التالي، رفضت محكمة فرنسية استئنافه لإسقاط التهم الموجهة إليه.

الصورة: الرئيس السابق لمتحف اللوفر جان لوك مارتينيز. حقوق الصورة: إتيان لوران/ بول/ أباكا برس/ ستوك فوتو.

الصورة: الرئيس السابق لمتحف اللوفر جان لوك مارتينيز.

حقوق الصورة: إتيان لوران/ بول/ أباكا برس/ ستوك فوتو.

أُلقي القبض على سيمونيان، الذي كان يمتلك معرض ديونيسوس للعملات والآثار القديمة في هامبورغ، في أيلول/ سبتمبر عام 2023، ووجهت إليه تهمة تنسيق بيع قطع أثرية بشكل غير قانوني؛ بما في ذلك شاهد الملك توت بمبلغ ثمانية ملايين و500 ألف يورو (تسعة ملايين و200 ألف دولار أمريكي).
ولا يزال التحقيق الفرنسي مستمراً، وفق ما قال المدعون العامون لمكتب مراقبة الممتلكات الثقافية. في أيار/ مايو 2024، قال مكتب المدعي العام في مانهاتن إنه أعاد عشر قطع أثرية إلى مصر بناءً على معلومات مستقاة من القضية.

الهوية الغامضة للبحار الألماني

في دفاعه عن نفسه، ادعى سيمونيان أن عائلته قد جمعت هذه القطع في السبعينيات، وقدم وثائق تُظهر أن بيرنس قد اشتراها بطريقة شرعية من تاجر آثار مصري يدعى حبيب تواضروس.

يبدو بالفعل أن تواضروس كان يتاجر في الآثار؛ فقد أشير إليه في العديد من الكتب والوثائق، بما في ذلك إعلان عن متجره في خمسينيات القرن العشرين في كتاب "رفيق السائح المصري". لكنّ مصدراً من التحقيق الفرنسي، طلب عدم الكشف عن هويته، قال إن المحققين لم يتمكنوا من العثور على أي دليل على أن تواضروس كان نشطاً في تجارة الآثار في ثلاثينيات القرن الماضي.

منذ أن أصبحت التحقيقات علنية، تم التشكيك في أصل أشياء بارزة أخرى منسوبة إلى بيرنس، بينها لوحة مرسومة على شكل قناع جنائزي مصري، اشتراها الملياردير السويسري جان كلود غاندور مقابل نحو مليون يورو. عام 2022، قال غاندور إنه يعتقد الآن أن أصل اللوحة مزور

وفي نيويورك، تفجّرت فضيحة أخرى عندما عثر المحققون على أدلة تشير إلى أن التابوت الذهبي للكاهن نجم عنخ -الذي كان يعرض عام 2018 في متحف المتروبوليتان للفنون- ربما يكون قد تعرض للنهب. أزيلت القطعة من العرض وأعيدت إلى مصر قبل انتهاء العرض.

في رسالة إلى وزير الآثار المصري، حصلت أريج على نسخة منها، كتب المدعي العام في نيويورك أن محققيها وجدوا أن رخصة بيع الآثار التي ادّعى سيمونيان أنها سارية تحتوي على عدد من التناقضات؛ بما في ذلك تواريخ غير متطابقة، وخاتم حكومي مكتوب عليه "AR Egypt"، على الرغم من أن مصر كانت تعرف باسم "الجمهورية العربية المتحدة" في ذلك الوقت، وكان يُكتب على الخاتم المصري "UAR".

الصورة: التابوت الذهبي لنجم عنخ الذي أعيد إلى مصر. حقوق الصورة: شينخوا/ أحمد جوما/ إيماجو/ ستوك فوتو.

الصورة: التابوت الذهبي لنجم عنخ الذي أعيد إلى مصر.

حقوق الصورة: شينخوا/ أحمد جوما/ إيماجو/ ستوك فوتو.

منذ أن أصبحت التحقيقات علنية، تم التشكيك أيضاً في أصل أشياء بارزة أخرى منسوبة إلى بيرنس. تشمل هذه القطع لوحة مرسومة على شكل قناع جنائزي مصري، اشتراها الملياردير السويسري جان كلود غاندور مقابل ما يقرب من مليون يورو. في عام 2022، قال غاندور إنه لم يتمكن من العثور على أي دليل على وجود بيرنس، وأنه يعتقد الآن أن أصل اللوحة مزور.

استحوذ متحف بوسطن للفنون الجميلة عام 2010 على ساق طاولة قديمة منحوت عليها رأس ماعز منسوبة إلى بيرنس. ويشير وصف القطعة على الموقع إلى أن التقارير الإعلامية قد "أثارت الشكوك حول صحة تاريخ ملكية هذه القطعة".

وقالت كارين فراسكونا، مديرة التسويق والاتصالات في المتحف، لشبكة أريج: "كشفت وزارة الخارجية الأمريكية أن الوثائق المتعلقة بتاريخ ملكية القطعة مشكوك في صحتها، ما قد يشير إلى نهب أثري جديد".

كما نُسبت إلى البحار الألماني أجزاء من لوحة تعود للعصر البيزنطي تحاكي رحلة عبور البحر الأحمر التوراتية، والتي حصل عليها متحف المتروبوليتان في نيويورك عام 2014. وقد أعيدت إلى مصر.

قالت ديفيس إن تنظيم "سوق قانونية أقوى وأكثر شفافية من شأنها أن تضر بالتأكيد بالسوق السوداء للآثار". ولكن هناك حاجة إلى تنظيم أكثر حزماً أيضاً. وأضافت أنه في الوقت الراهن، لا يستفيد مشترو الآثار من درجة الحماية التي تُطبّق على السلع الأخرى عالية المخاطر؛ مثل المجوهرات والمعادن الثمينة: "يمكن أن تتجاوز قيمة الآثار بسهولة قيمة سيارة أو عقارات، ولكن على النقيض، قد يكون من الصعب للغاية إثبات سندات الملكية الجيدة، إذا كان المشترون والبائعون يتعاملون مع القطع الفنية والآثار كأصول، فيجب أن يتعامل القانون كذلك".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image