شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف ومتى أصبحت جيبوتي مفتاح النفوذ السعودي في إفريقيا؟

كيف ومتى أصبحت جيبوتي مفتاح النفوذ السعودي في إفريقيا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 24 فبراير 202512:47 م

في السنوات الأخيرة، شهدت السياسة الخارجية السعودية تحوّلاً كبيراً، مدفوعاً برؤية المملكة 2030، التي أعلنها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، في تشرين الأول/ أكتوبر2017، وتقوم على فكرة محورية تتمثل في بناء دولة قوية مزدهرة، تتجاوز حدود الاعتماد على عوائد تصدير النفط، إدراكاً منه أنّ ذلك سوف يبقي عليها كدولة ريعية، ويهدد اقتصادها بتقلّبات مستمرّة. لذا تبنّت رؤيةً تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتعزيز مكانة السعودية كقوة إقليمية مؤثرة. 

انعكس هذا التحوّل في توجّه المملكة نحو إفريقيا، حيث شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول القارة الإفريقية، تطوّراً نوعياً خلال العقد الأخير، لتتجاوز ملفات العون الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، بالتزامن مع مجموعة من المتغيرات، أهمها احتدام المنافسة بين القوى الدولية والإقليمية، لضمان وتعظيم مصالحها الوطنية في القارة، وتنامي أنشطة الإرهاب والهجرة غير المشروعة والجريمة المنظّمة فيها، ورغبة المملكة في تنويع خريطة شركائها الخارجيين، وتقليل الاعتماد على الغرب، والاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية للقارّة، وتبرز جيبوتي كإحدى المحطات الأساسية لهذه الإستراتيجية، نظراً إلى موقعها الجغرافي الحيوي على مضيق باب المندب، وأهميتها في التوازنات الإقليمية، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الاقتصادي.

العلاقات التاريخية بين السعودية وجيبوتي

تعود جذور العلاقات بين السعودية وجيبوتي، إلى العقود الأولى لاستقلال الأخيرة، حيث كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت رسمياً بها كدولة ذات سيادة، وافتتحت قنصليتها فيها عام 1976، أي قبل الاستقلال الرسمي عن فرنسا، ثم تحولت القنصلية إلى سفارة في عام 1977، ما يعكس اهتمام المملكة بتعزيز وجودها الدبلوماسي في هذه الدولة ذات الأهمية الإستراتيجية. في المقابل، كانت سفارة جيبوتي في السعودية، من أولى السفارات (الجيبوتية) التي افتُتحت في جميع أنحاء العالم.

سارعت السعودية مستغلة تدهور العلاقات بين جيبوتي وإيران، لتوقيع اتفاقية عسكرية ودفاعية في عام 2017 مع جيبوتي، لإنشاء قاعدة عسكرية هناك لردع إيران، ولتكون بمثابة منصة للعمليات العسكرية في اليمن، ولفرض حصار بحري عليها منعاً لمد قوات الحوثيين بالأسلحة والمساعدات العسكرية

يمكن وصف العلاقات الثنائية بالاسقرار -نسبياً- وقد شهدت جوانب عديدة من التقارب، حيث دعمت جيبوتي العمليات العسكرية التي قادتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، عام 2015، وخفّضت على إثر هذا الدعم علاقتها بقطر في أعقاب الخلاف الدبلوماسي بين الأخيرة والكتلة التي تقودها السعودية، ما أدّى إلى سحب قطر قوات حفظ السلام التابعة لها، وتخلّيها عن دورها كوسيط بين إريتريا وجيبوتي في حزيران/ يونيو 2017. وسرعان ما تولّت السعودية دور الوسيط في النزاع، بدلاً من قطر، إلى أن حُلّ في 2018.

أما على الجانب الأمني، ففي عام 2016، وعندما أجرت السعودية مناورات "رعد الشمال"، التي تُعدّ من أكبر الأحداث العسكرية في العالم، من حيث عدد الدول المشاركة، واتّساع منطقة المناورات، والعتاد العسكري المتقدم، من أسلحة ومعدّات عسكرية نوعية، كانت جيبوتي من المشاركين فيها إلى جانب 19 دولةً أخرى.

وعلى الجانب التنموي قدمت السعودية حتى الآن مساعدات لجيبوتي بقيمة تفوق 370 مليون دولار، تنوعت بين تطوير للبنى التحتية والتعليم والصحة ومشروعات أخرى.

أهمية جيبوتي في الاستراتيجية السعودية

تمثل جيبوتي إحدى الركائز الأساسية في الاستراتيجية السعودية الحديثة التي تتطلع إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية، لا سيما في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية مثل القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، حيث الدولة الإفريقية موقعًا استراتيجيًا على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية للتجارة والطاقة العالمية والذي يحصد المرتبة الثالثة عالمياً، قياساً بدوره فى خدمة التجارة العالمية، بعد مضيقى هرمز وملقا، ما يجعلها نقطة محورية في التوازنات الإقليمية. وتسعى المملكة العربية السعودية في إطار رؤيتها 2030 إلى تنويع تحالفاتها الدولية وتعزيز وجودها في إفريقيا عبر بوابة جيبوتي، وذلك من خلال الاستثمار في قطاعات البنية التحتية واللوجستيات.

رغم التنافس بين إيران السعودية، لكن ميزان العلاقات الرسمية مال لصالح المملكة، التي دعمت جيبوتي بما يزيد عن 370 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية وبنى تحتية.

وفقًا لهذة الرؤية وطبقًا لموقع جيبوتي قررت السعودية إنشاء مركز لوجستي في المنطقة الحرة بجيبوتي، وهو ما أحدث تطور في جهود المملكة العربية السعودية لتوسيع العلاقات التجارية مع أفريقيا، فإن المدينة اللوجستية السعودية ستغطي مساحة 120 ألف متر مربع في المرحلة الأولى بعقد إيجار مدته 92 عامًا، وستشمل تلك المنطقة مستودعات ومرافق تجارية ومعرضًا للصناعات السعودية، لتكون المنطقة مركزاً للصادرات في جميع أنحاء أفريقيا.

ومن المتوقع أن يزداد حجم التجارة السعودية الجيبوتية مع توجه المملكة لإقامة خطوط بحرية وبرية وجوية مباشرة مع جيبوتي، حيث ستكون الخطوط الملاحية بين موانئ جيبوتى وجدة وجازان، بالإضافة لتسيير رحلات منتظمة ومباشرة من المملكة العربية السعودية إلى جيبوتي اعتباراً من بداية عام 2025. 

هذا بجانب تعزيز التعاون الأمني والعسكري لضمان الاستقرار الإقليمي وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية، حيث أن أهمية جيبوتي بالنسبة للسعودية تتجاوز البعد الاقتصادي، إذ إنها تمثل نقطة ارتكاز استراتيجية يمكن من خلالها التأثير على الديناميكيات الإقليمية، خاصة في ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في منطقة البحر الأحمر، كما أن التقارب الجيبوتي-السعودي يعكس أيضًا أبعادًا سياسية وأمنية نظرًا لموقعها والذي يقع على مقربة من الطرف الغربي من المحيط الهندي، خصوصًا مع تنامي التهديدات التي تشكلها الجماعات المسلحة والقرصنة البحرية والتي اشتهرت بها تلك البقعة، بالإضافة لبعدها عن اليمن (معقل الحوثيين والذي يمثل التهديد الأكبر للسعودية ) بمسافة 20 ميلًا، والذي يقودنا إلى التنافس السعودي الإيراني وانعكاساته على العلاقات مع جيبوتي.

فالعلاقات السعودية والإيرانية في جيبوتي تعكس التنافس الإقليمي بين البلدين في منطقة القرن الأفريقي، حيث تسعى كل من الرياض وطهران لتعزيز نفوذهما في جيبوتي.

تنافس إيراني قرب المضيق

على الرغم من أن إيران من بين أوائل الدول الإسلامية التي بادرت بالاعتراف بدولة جيبوتي كما هو الحال مع السعودية، وعلى الرغم من تشابه الدوافع لدى الدولتين للوجود في جيبوتي، إلا أن العلاقات الجيبوتية الإيرانية لم تتسم بالاستقرار، وكان الميزان الرسمي -إن صح التعبير- مائلاً لجهة السعودية عن إيران.

فمن الجانب التنموي والإنساني فتستخدم الرياض المساعدات والاستثمارات لكسب تأييد جيبوتي حيث قدمت المملكة دعماً اقتصادياً في تمويل مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والطرق، بينما تواجه إيران صعوبات في مواكبة هذا الدعم بسبب عزلتها الدولية.

ومن الناحية الدينية تحاول إيران نشر نفوذها الأيديولوجي في بعض دول القرن الأفريقي كما تفعل في الغرب الإفريقي، حيث قامت بافتتاح عدداً من المراكز الشيعية في جيبوتي والذي يعد من أهمهم "مركز أهل البيت" وذلك خلال عام 2014، ولكن لم يظهر أثر هذا التحرك بأرقام رسمية، وتظل جيبوتي أقرب إلى النهج السني والذي تتبعه السعودية وتدعمه ببناء مساجد وفتح مدارس قرآنية. 

 أما دبلوماسياً وكما ذكر سلفاً، فعلى الرغم من أن السعودية وإيران كانتا من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع جيبوتي، إلا أن العلاقات ظلت مستقرة مع السعودية، بل ودعمتها جيبوتي بأن قطعت علاقاتها الدبلومسية مع إيران في عام 2016 تضامناً معها إثر الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وبعد المصالحة بين السعودية وإيران في آذار/ مارس 2023، أعادت جيبوتي العلاقات الدبلوماسية مع إيران في أيلول/ سبتمبر من نفس العام.

تسعى المملكة في إطار رؤيتها 2030 إلى تنويع تحالفاتها الدولية، وتعزيز وجودها في إفريقيا عبر بوابة جيبوتي، وذلك من خلال الاستثمار في قطاعات البنية التحتية واللوجستيات. لذا تمثل جيبوتي إحدى الركائز الأساسية في الاستراتيجية السعودية الحديثة التي تتطلع إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية، نظرًا لموقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب


عسكرياً، وصل التعاون العسكري في 2011 بين طهران وجيبوتي، محطته الأهم، حيث تم إبرام اتفاقيات تعاون في مجال تقديم الدعم العسكري الإيراني البحري إلى جيبوتي، يقضي بموجبه أن تقدم طهران مساعدات لقوات البحرية الجيبوتية في عديد من المجالات، من بينها التدريب وتطوير المعدات العسكرية، إلا أن دعم جيبوتي لجبهة السعودية لاحقاً في عملية "عاصفة الحزم"، والذي تلاه قطع العلاقات الدبلوماسية حال بين استكمال هذا التعاون.

ولكن إيران دائماً ما حاولت -حتى على المستوى غير الرسمي- التواجد في جيبوتي بطرق مختلفة، حيث تم رصد محاولات لشركات تتبع الحرس الثوري الإيراني للتغلغل في موانئ جيبوتي، تحت أسماء شركات تجارية، وذلك لكون جيبوتي من أقرب النقاط إلى خليج هرمز، والذي يشكل جزءاً من الأمن القومي الإيراني، بالإضافة إلى ما يقدّمه التواجد الإيراني في ساحل الشرق الإفريقي من تسهيلات لعملية تهريب السلاح إلى الحوثيين في اليمن، ما يعزز قدرتها على إمكانية تهديد الأمن القومي الإسرائيلي والخليجي عامة والسعودي خاصة، وعلى الملاحة الدولية بشكل عام.

لذلك سارعت السعودية مستغلة تدهور العلاقات بين جيبوتي وإيران، وخططت لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي لضمان أمن المنطقة ومصالحها الاستراتيجية، ووقّعت في عام 2017 اتفاقية عسكرية ودفاعية مع جيبوتي لإنشاء قاعدة عسكرية في البلاد، لتعزيز الوجود العسكري في جيبوتي لردع إيران وليكون بمثابة منصة للعمليات العسكرية في اليمن، وفرض حصار بحري عليها منعاً لمد قوات الحوثيين بالأسلحة والمساعدات العسكرية.

بعد توقيع تلك الإتفاقية أبدت  مصر رغبتها في أن تكون هذه القاعدة مشتركة (مصرية-سعودية) باعتبارها عمقاً استراتيجياً مصرياً في أقصى الجنوب وضمن نطاق أمنها القومي، خاصة أن العلاقات المصرية السعودية كانت تمر بخلافات في تلك الفترة.

بعد توقيع الإتفاقية أبدت  مصر رغبتها في أن تكون القاعدة العسكرية (مصرية-سعودية) مشتركة، باعتبارها عمقاً استراتيجياً في أقصى الجنوب وضمن نطاق أمنها القومي، وانتهى الحال بعدم إنشائها.

انتهى الحال بعدم إنشاء القاعدة العسكرية في جيبوتي، لأسباب لم يتم الإعلان عنها من الطرفين، ربما كان ذلك وفق رؤية السعودية الجديدة والتي تصبو لتعزيز الجانب الاقتصادي على الجانب العسكري عن طريق إنشاء المنطقة اللوجيستية، خاصة بعد التغييرات الإقليمية الممتابعة، كعودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2024، والذي امتد إلى استهداف أذرع إيران في الوطن العربي، كإضعاف حزب الله اللبناني والقضاء على قياداته، ثم القضاء على نظام الأسد في سوريا، كل تلك المتغيرات عززت من قوة السعودية في المنطقة وفي المقابل أضعفت نفوذ إيران نسبيًا.

مستقبل العلاقات ومدى نجاحها

في ظل التوجه السعودي نحو تعزيز نفوذها في إفريقيا، وفي ظل المتغيرات العالمية والإقليمية وخاصة في الشرق الأوسط فمن المتوقع أن تشهد العلاقات بين السعودية وجيبوتي مزيدًا من التطور في السنوات المقبلة، خاصة في مجالات الأمن، والطاقة، والتجارة، ومع ذلك، تواجه هذه العلاقة بعض التحديات، أبرزها: التنافس الإقليمي والدولي، حيث تسعى قوى كبرى أخرى لتعزيز نفوذها في جيبوتي مثل الصين والولايات المتحدة والذين يمتلكون بالفعل قواعد عسكرية كبيرة هناك.

في المجمل، تمثل جيبوتي عنصرًا محوريًا في الاستراتيجية السعودية تجاه إفريقيا، حيث تسعى المملكة إلى تعزيز شراكتها مع جيبوتي في مختلف المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة لكلا البلدين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image