في الوقت الذي توشك فيه الحرب السودانية على إكمال عامها الثاني، وسط تقدّم لافت للجيش في محاور عدة حول مدن العاصمة الخرطوم، وتوجه عدد من القوى السياسية والمدنية والحركات المسلحة، نحو توقيع وثيقة إعلان دستوري وسياسي جديد من العاصمة الكينية نيروبي، استعداداً لتدشين حكومة موازية تتخذ من مناطق سيطرة الدعم السريع مستقراً لها، أثار اتفاق الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمةً مؤقتة لها، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، مع روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، جدلاً كبيراً في السودان وخارجه.
وبحسب وزير الخارجية السوداني علي يوسف شريف، فإنّ الخرطوم وموسكو اتفقتا على إنشاء نقطة الدعم المادي والفني للأسطول الحربي الروسي، حيث يُتيح الاتفاق توسيع حرية الحركة للسفن الحربية الروسية في البحر الأحمر، ويمنح موسكو الحق في نشر 300 عسكري و4 سفن في القاعدة. في المقابل، تعمل روسيا على دعم الجيش السوداني بالأسلحة والمعدّات الحربية اللازمة لتطويره.
الاتفاق، الذي يُعيد إحياء المشروع الذي بدأ بمبادرة من الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، في 2017، حينما طلب من موسكو إنشاء قاعدة عسكرية روسية في بلاده، يبدو أنه يتداخل مع تقاطعات دولية وإقليمية في ظلّ التوترات بين الخرطوم وواشنطن، حيث لن يكون سهلاً تطبيقه على الأرض، خاصةً أنّ القرار لن يُسعد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، والتي لن ترغب بكل تأكيد في حصول خصمها الإستراتيجي على موطئ قدم في البحر الأحمر.
ويطرح الاتفاق الأخير الذي خرج من العاصمة الروسية موسكو، تساؤلات مهمة بشأن مدى إمكانية تنفيذه على الأرض، وتداعياته على الحرب الدائرة وكذلك إقليمياً، بالإضافة إلى موقف الولايات المتحدة وهل تسمح لروسيا بامتلاك قاعدة عسكرية في تلك البقعة المهمة التي تموج بالصراعات؟ وهذا ما يحاول رصيف22، أن يستعرضه في هذا التقرير.
نقطة إمداد وليست قاعدةً عسكريةً
يرى الخبير العسكري والإستراتيجي، معتصم العجب، أنّ فكرة إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان، ليست وليدة السنوات الأخيرة، بل تعود لزمن الاتحاد السوفياتي، إلا أنها ليست قاعدةً عسكريةً بالمعنى المُتعارف، كالقواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية؛ بل هي عبارة عن نقطة إمداد ودعم لوجيستي محدودة القدرات تكون موطئ قدم لتزويد القوات العابرة بالوقود والدعم والصيانة، وسبق أن امتلكت موسكو مثل تلك النقاط في مصر خلال القرن الماضي، قبل اندلاع حرب 1973، وكذلك في اللاذقية في سوريا قبل أن تحوّلها إلى قاعدة عسكرية.
السعودية لن تقبل وجود قاعدة روسية في بورتسودان، بحيث تكون مواجهةً للمناطق الحيوية داخل المملكة، وفي مقدمتها آبار وميناء ينبُع للنفط، وبإمكانها تشكيل ورقة ضغط على الرياض، ومصرياً سيكون هناك رفض، إذ ستعتبرها القاهرة تهديداً لأمنها القومي لقربها من قناة السويس
وفكرة إنشاء قاعدة روسية في السودان مُجمّدة منذ العام 2020، حينما صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على إنشاء القاعدة، وفي 9 كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نصّ الاتفاقية بين موسكو والخرطوم، حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف "تعزيز السلام والأمن في المنطقة"، حسب مقدمة الاتفاقية.
ويضيف الخبير العسكري السوداني، في حديثه إلى رصيف22، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية سبق أن امتلكت مخازن أسلحة وعتاد بنظام "الإيجار" في بورتسودان، شرقي البلاد، وذلك حتى اندلاع انتفاضة 1985، حيث كانت السفن الأمريكية ترسو في الميناء للتزود بالأسلحة والعتاد والوقود، دون أن تتواجد قوات أمريكية بشكل دائم على الأراضي السودانية، عادّاً أنّ الاتفاق السوداني الروسي الأخير، سيذهب إلى ما يشبه ذلك؛ بحيث تحصل موسكو على نقطة ارتكاز لدعم قواتها وسفنها المتجهة نحو إفريقيا.
السعودية ومصر لن تقبلا
إلى ذلك، يؤكد معتصم العجب، أنّ حصول موسكو على قاعدة عسكرية بحرية في السودان تضمّ معدات وآليات عسكريةً "أمر بالغ الصعوبة" على المستوى الفني، كون قاعدة "فلامنغو" البحرية في بورتسودان، بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل، ولا سيما على مستوى البنية التحتية، حتى أنها غير قادرة حالياً على استضافة القوات البحرية السودانية، ورصيفها لا يتجاوز الـ500 متر، بالإضافة إلى أنّ ميناء بورتسودان الرئيسي يعاني من تدهور المرافق والخدمات وبحاجة إلى سنوات من أجل إعادة تأهيله.
وتُشكّل قاعدة فلامنغو، التي أنشئت في ستينيات القرن الماضي، ساحة صراع أمريكي روسي، حيث سبق أن وصلت سفن من البحريتين الأمريكية والروسية أوائل آذار/ مارس 2021 إلى السواحل السودانية، وحينها قررت السلطات البحرية السودانية تخصيص مرسى للمدمرة الأمريكية "يو إس إس ونستون تشرشل"، بعيداً عن الفرقاطة الروسية "أدميرال غريغوروفيتش"، التي وصلت إلى الميناء ذاته قبلها بأيام، وبدأت بإنزال معدّاتها لإنشاء قاعدة عسكرية، قبل أن يتم تجميد الأمر لاحقاً.
"السعودية لن تقبل على الإطلاق وجود قاعدة وقوات عسكرية روسية في بورتسودان، بحيث تكون مواجهةً للمناطق الحيوية داخل المملكة وفي مقدمتها آبار وميناء ينبُع للنفط، وبإمكانها تشكيل ورقة ضغط على الرياض، خاصةً أنّ المسافة بين الشاطئين السوداني والسعودي لا تتجاوز مئتي كيلومتر"، يستفيض العجب في عرض حُججه لصعوبة الذهاب نحو قاعدة عسكرية روسية شرقي السودان، مشدداً على أنّ مصر بقناة السويس والسعودية بآبار النفط على وجه التحديد، ستعارضان بشدة أي وجود عسكري روسي واسع في السودان، لما له من تهديد على أمنيهما القومي والإقليمي، لذلك ستسعيان إلى استغلال علاقتهما القوية بالجيش السوداني لمنع الاتفاق حال المضي في تنفيذه.
يرى خبراء أن موسكو ليست جادة فيما يخص هذه القاعدة، وأن الاتفاق عليها بمثابة ورقة ضغط ومساومة مستقبلية مع القوى الإقليمية أو الغرب وبالتحديد أمريكا.
ويرى أنّ الروس ليسوا متحمسين بالدرجة نفسها لمشروع القاعدة العسكرية في السودان، والأهم بالنسبة لهم حالياً هو التوصل إلى اتفاق بشأن حرب أوكرانيا، حيث تجري مشاورات مع الولايات المتحدة الأمريكية برعاية سعودية، إلا أنّهم سيواصلون إمداد الجيش السوداني بالأسلحة التي يحتاجها.
وتحتضن الرياض، مباحثات روسيةً أمريكيةً لوفدي البلدين بقيادة وزيري خارجيتيهما، ومن المنتظر أن تستضيف قمةً تجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، قبل نهاية شباط/ فبراير الحالي، في أول كسر للجمود الذي سيطر على العلاقة بين البلدين في السنوات الأخيرة، ولا سيما منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
تأثير الاتفاق على الحرب السودانية
في غضون ذلك، لا يرى الخبير العسكري، أي تأثير مُنتظر لاتفاق موسكو والخرطوم، على الحرب الجارية في السودان؛ حيث إنّ روسيا لن تُقحم نفسها في المعركة، وهي بالفعل تُمدّ الجيش السوداني والدعم السريع على السواء، بالأسلحة منذ أشهر، عن طريق قوات "فاغنر"، في مقابل الاستفادة المادية من بيع السلاح لتمويل حربها ضد أوكرانيا، لذلك لن يُشكل الأمر تأثيراً على الحرب، كذلك موسكو ليست على استعداد لضخّ أموال في تأهيل قاعدة بحرية "مُتهالكة" شرقي السودان، والاتفاق بالنسبة لها بمثابة ورقة ضغط ومساومة مستقبلية سواء مع القوى الإقليمية أو الغرب وبالتحديد أمريكا.
وفيما يشير العجب، إلى صعوبة تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع، يرى أنّ موسكو تتعامل بنوع من "الكسل" مع هذا الملف، خاصةً أنها تعلم أنّ الحكومة الموجودة في بورتسودان "غير شرعية وغير معترف بها"، سواء إقليمياً أو دولياً.
لاشرعية حكومة بورتسودان
ويتفق رئيس حزب التحالف الوطني السوداني، كمال إسماعيل، مع العجب في صعوبة تنفيذ الاتفاق وعدم شرعية حكومة بورتسودان التي توصلت إلى الاتفاق الأخير، مشيراً إلى أنّ الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي يرفضان الاعتراف بها، وهي حكومة حرب تتواجد في شرق البلاد، وقد تغادر منصبها وفقاً لتطورات الميدان العسكري.
وتتواجد حكومة بورتسودان في شرق البلاد، ويقودها الفريق عبد الفتاح البرهان، القائد العام للجيش السوداني، إلا أنّها لا تحظى باعتراف إفريقي أو دولي، حيث رفض مؤخراً الاتحاد الإفريقي في قمته الـ38، تفعيل عضوية السودان، والاعتراف بحكومة بورتسودان، مشترطاً تشكيل حكومة مدنية في البلاد.
يستفيض كمال إسماعيل، في حديثه إلى رصيف22، بأنّ موسكو ارتكبت خطأً جسيماً بتوقيع مثل هذه الاتفاقية، كون البلاد تعيش حالة حرب، وهناك نوع من الاستقطاب والانقسام، لذلك وحتى تنفّذ مثل تلك الاتفاقيات، لا بد أن تدشن في ظروف مهيأة من استقرار وتوافر موارد وحكومة شرعية يتفق عليها السودانيون، ضارباً مثالاً الانقسام المُسيطر على البلاد، بإعلان بعض القوى السياسية السودانية وحركات مسلحة التحالف مع الدعم السريع من العاصمة الكينية نيروبي، لتدشين حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع والحركات المسلحة على غرار الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال.
يرى محللون أن اتفاق موسكو مع الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمةً مؤقتة لها، هو خطأ بالأساس، كون البلاد تعيش حالة حرب، وهناك نوع من الاستقطاب والانقسام، وحتى تنفّذ مثل تلك الاتفاقيات، لا بد أن تدشن في ظروف مهيأة من استقرار وتوافر موارد وحكومة شرعية يتفق عليها السودانيون
واحتضنت نيروبي، مؤخراً، لقاءً لتدشين حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع، وسط حضور كبير من قوى سياسية وحركات مسلحة، أبرزها حزب الأمة القومي بقيادة فضل الله برمة، بالإضافة إلى ممثلين عن الدعم السريع، وكذلك رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال، عبد العزيز الحلو، حيث تم إطلاق اسم "حكومة الوحدة والسلام" على الحكومة الجديدة الموازية للحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمةً مؤقتةً لها، والتي بدورها انتقدت هذه الخطوة عادّةً أنها تفتح الباب أمام تقسيم السودان.
إمدادات جديدة من الأسلحة
وبينما يتساءل كثيرون عن جدوى الاتفاق بالنسبة للسودان، يحصر رئيس حزب التحالف الوطني، مكاسب الحكومة السودانية المتواجدة في بورتسودان والموالية للجيش، وحدها من الاتفاق، في الحصول على إمدادات جديدة من الأسلحة من موسكو، خاصةً أنّ الجيش يرغب في حسم المعركة لصالحه بعد الانتصارات الأخيرة واستعادة مواقع عدة مهمة في مدن العاصمة الخرطوم، عادّاً أنّ البلاد في الوضع الحالي تسير باتجاه التقسيم وتكرار النموذج الليبي بوجود حكومة في الشرق وأخرى في الغرب.
"غالبية الشعب السوداني ترفض أي تواجد عسكري خارجي، سواء لروسيا أو غيرها من القوى الدولية"، يُضيف إسماعيل، محذّراً من خطورة استقطاب قوى خارجية، ومنحها تواجداً عسكرياً على الأراضي السودانية، حيث من وجهة نظره سيتم استخدام ذلك التواجد العسكري عاجلاً أو آجلاً ضد مصالح السودان ودول المنطقة، معتبراً في الوقت ذاته أنّ الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، لن تَقبل بالتواجد العسكري الروسي في تلك المنطقة التي تتعارض مع خطوط الإمداد القادمة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، وُيمكن أن تُشكّل ورقة ضغط ومساومة مستقبلاً.
رسالة في بريد أمريكا
بدورها، ترى الكاتبة المتخصصة في الشأن السوداني، صباح موسى، الاتفاق مجرد محاولة من حكومة بورتسودان لإيصال رسالة إلى بريد الولايات المتحدة الأمريكية، بضرورة الانخراط بشكل أكبر في الأزمة السودانية، وإلا يُمكن التوجه نحو المعسكر الشرقي، سواء روسيا أو الصين، مستطردةً: "واشنطن في كل الأحوال لن تتدخل عسكرياً في السودان، وستضغط دبلوماسياً، ولا سيما أن جميع الأطراف المتحاربة ترغب في الحصول على اعتراف دولي بالشرعية، وبالأخص من الولايات المتحدة".
"واشنطن تعلمت الدرس، ولن تسمح لروسيا بالحصول على مواقع مهمة جديدة في إفريقيا، وذلك بعدما خلفت موسكو، فرنسا وأمريكا في منطقة غرب إفريقيا ودول الساحل، وباتت المحرّك الأساسي لدول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو والسنغال وتشاد"، تُضيف صباح موسى، في حديثها إلى رصيف22، معتبرةً أنّ الاتفاق عبارة عن مصالح، بحيث يحصل الجيش على أسلحة روسية ثقيلة، مقابل امتلاك روسيا ورقة ضغط مستقبلية في صراعات إعادة تشكيل النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
وتتواجد روسيا في إفريقيا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، وإن بشكل غير رسمي، عبر جماعة "فاغنر"، التي تقدّم المساعدة الأمنية للحكومات المحلية، وتقدّم كذلك القوات والأسلحة والتدريب والاستشارات السياسية، وفي المقابل تستفيد من الوصول إلى الصناعات المحلية والموارد الطبيعية. وقد بدأت عمليات "فاغنر" الإفريقية الأولى في السودان في عام 2017، وسرعان ما توسعت المجموعة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى ومدغشقر في عام 2018، وليبيا وموزمبيق في عام 2019، ومالي في عام 2020، كذلك تمتلك روسيا نفوذاً في ما يعرف بـ"الفيلق الإفريقي"، والذي تنامى دوره بشكل كبير في السنوات الأخيرة في دول مثل بوركينا فاسو ومالي وإفريقيا الوسطى والنيجر.
قد يكون أساس القصة البحث عن طريق جديد للوصول إلى البحر المتوسط، حيث تتحكم تركيا في مضيق البوسفور الواصل بين البحر الأسود والبحر المتوسط، وتتحكم الدول الأعضاء في حلف الناتو في الطريق الواصل بين بحر البلطيق والبحر المتوسط، لذلك تبحث روسيا عن تأمين طريق بديل عبر البحر الأحمر للوصول إلى قواعدها في المتوسط
إلى ذلك، تؤكد المتخصصة في الشأن السوداني، أنّ الأمر مجرد ترحيب ومسودة اتفاق، والتنفيذ على أرض الواقع بعيد للغاية، حيث إنّ ذلك يتطلب وفوداً فنيةً وإجراء دراسات مستفيضة، والسودان الحالي المنخرط في حرب لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، غير قادر على هذه الخطوة، معتبرةً أنّ توقّف عجلة الحرب سيكون فيصلاً في تنفيذ الاتفاق من عدمه، وإن كانت تُرجح عدم التنفيذ بِفعل الضغط الأمريكي المُنتظر مستقبلاً، حيث ترى أن السودان منطقة شائكة على عكس دولة مثل جيبوتي التي تتواجد فيها قواعد عسكرية أجنبية عدة، كون السودان قريباً من إسرائيل، أهم حلفاء واشنطن، وكذلك أصدقائها، سواء مصر أو السعودية.
ساحة جديدة لمواجهة أمريكا
على الجانب الآخر، يرى مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، آصف ملحم، أنّ من الثوابت في السياسة الخارجية الروسية في العقدين الأخيرين، البحث عن ساحات ومناطق جديدة لمواجهة النفوذ الأمريكي، والشرق الأوسط يبقى أهم هذه الساحات بفضل موقعه الجغرافي، وكذلك الثروات النفطية الموجودة فيه؛ حتى أن الشرق أوسط العربي يأتي في قمة أهداف سياسة موسكو الخارجية التي حددتها في آذار/ مارس 2023.
ويضيف ملحم، في حديثه إلى رصيف22، أنّ إنشاء قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر ليس بالأمر الجديد، حيث سبق أن أُجريت مباحثات لإنشاء قاعدة في ميناء مصوع في إريتريا، وفي نيسان/ أبريل 2024، زارت الفرقاطة الروسية "المارشال شابوشنيكوف"، الميناء الإريتري، واستقرت داخله لفترة، مشيراً إلى أنّ روسيا ترى في السودان وإريتريا بوابةً للغرب الإفريقي، ومحطةً مهمةً لإمداد وتأمين استثماراتها في القارة السمراء.
سفن مزوّدة بمحركات نووية
وعن تفاصيل الاتفاق، يقول إنّ القاعدة ستستوعب 300 جندي روسي، وبإمكانها استقبال 4 سفن حربية، ضمنها سفن مزوّدة بمحركات نووية، بالإضافة إلى تواجد منظومات دفاع جوي وتشويش حرب إلكترونية، إلا أنه يؤكد أنها ستكون بمثابة نقطة إمداد لوجيستي وصيانة للقوات في إفريقيا، ولن تشمل منظومات دفاع صاروخية ضاربة، معتبراً أنّ تلك المنظومات ترى روسيا الأفضل إقامتها على سواحل البحر المتوسط وبالتحديد في ليبيا.
وعلى عكس السابقين، يؤكد ملحم، أنّ الاتفاق نهائي، وليس مجرد مسودة ترحيب، معتبراً أنّ التواجد الروسي في تلك المنطقة سيعيد رسم موازين القوى الاقتصادية والعسكرية، خاصةً أنّ هناك الكثير من القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي.
وتضم جيبوتي التي تقع على مدخل مضيق باب المندب، 6 قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، بينها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا، والقاعدة الصينية الوحيدة خارج حدودها، وكذلك أول قاعدة خارجية يابانية منذ الحرب العالمية الثانية، وأهم وحدة عسكرية لفرنسا في إفريقيا، بالإضافة إلى قاعدتين لإسبانيا وإيطاليا.
وبينما يبدو مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا "ضبابياً وغير معلوم"، منذ سقوط نظام الأسد "حليف موسكو الأهم"، يعدّ ملحم، السبب في التوجه نحو السودان، الرغبة في تنويع مواقع التواجد العسكري الروسي في المنطقة، والاستفادة من درس سوريا، وكذلك الضغط على دمشق بورقة امتلاك مواقع جديدة لتدشين قواعد عسكرية، للقبول باستمرار قواعدها العسكرية، بالإضافة إلى تأمين مصالحها الاقتصادية المُتنامية بشكل واضح في السنوات الأخيرة في إفريقيا.
تأمين طريق جديد إلى البحر المتوسط
ويشير ملحم، إلى نقطة مهمة تتعلق بالبحث عن طريق جديد للوصول إلى البحر المتوسط، حيث تتحكم تركيا في مضيق البوسفور الواصل بين البحر الأسود والبحر المتوسط، كذلك تتحكم الدول الأعضاء في حلف الناتو في الطريق الواصل بين بحر البلطيق والبحر المتوسط، لذلك تبحث روسيا عن تأمين طريق بديل عبر البحر الأحمر للوصول إلى قواعدها في المتوسط.
وفيما تتجه الأنظار صوب القارة الإفريقية بثرواتها الضخمة، يعتبر أن القارة السمراء ستُشكل في السنوات المقبلة ساحة صدام كبرى بين روسيا وأمريكا، وكذلك القوى الإقليمية والدولية الأخرى على غرار الصين وإيران والسعودية وتركيا، لذلك فموسكو "مُجبرة" على زيادة نفوذها في المنطقة وتأمين استثماراتها.
حرب كبرى حول إفريقيا
بدوره، يؤيد المحاضر في جامعة "ديميدف" الحكومية الروسية، الدكتور ميرزاد حاجم، أنّ الحرب الكبرى القادمة ستكون حول إفريقيا، خاصةً أنّ هناك تطلعات متزايدة لدى القوى العالمية نحو ثروات ومعادن القارة السمراء، قائلاً: "العالم قرر نقل الحرب من أوكرانيا والشرق الأوسط إلى إفريقيا"، معتبراً أنّ روسيا في حال وضعت قدمها في السودان حتى ولو عبر نقطة إمداد لوجيستي، فإنها قادرة على توسيعها لتصبح قاعدةً عسكريةً في المستقبل، حيث تحاول حالياً تأمين موقع عسكري جديد، تحسّباً لخروجها من سوريا.
ويضيف حاجم، في حديثه إلى رصيف22، أنّ القاعدة ستكون صغيرةً مقارنةً بالقواعد العسكرية الأخرى، إلا أنّ الأكثر أهميةً هو السماح بتواجد سفن تحمل رؤوساً نوويةً، ما يُشكّل عامل تهديد وردع للقوى المتواجدة في المنطقة، ولا سيما أنّ أمريكا تمتلك قاعدةً عسكريةً قريبةً في جيبوتي، معتبراً أنّ روسيا والصين حاولتا في السنوات الأخيرة، ملء فراغ الانسحاب الأوروبي من إفريقيا، وتعزيز النفوذ الجيو-سياسي، وقاعدة بورتسودان ستكون بمثابة حضور روسي قوي في بحر دافئ بعيداً عن ملاعبها القديمة.
ويُنبّه أستاذ السياسة، إلى أنّ روسيا تحاول حالياً أن تُصبح الوريث الفعلي للاتحاد السوفياتي، بالخروج عن حدودها الجغرافية، لذلك توجهت صوب السودان باعتباره خياراً مثالياً بعيداً عن عمليات القرصنة المنتشرة في كثير من دول إفريقيا، وعرضها تمحور حول استخدام ورقة حق الفيتو في مجلس الأمن، للوقوف مع الجيش السوداني ضد أي عقوبات أو قرارات دولية تستهدفه، كذلك المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار مستقبلاً، متوقعاً المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق في الفترة المقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يومl
Frances Putter -
منذ يومyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 3 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 3 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 3 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ أسبوعيقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..