شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مناورات السعودية وإيران المشتركة... هكذا تتحضر الرياض لمرحلة جديدة مع الولايات المتحدة

مناورات السعودية وإيران المشتركة... هكذا تتحضر الرياض لمرحلة جديدة مع الولايات المتحدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أسئلة عدة تطرحها سرعة تقّلب العلاقات السعودية الإيرانية وتطورها؛ من صدام بالوكالة في عدد من المناطق، إلى اتفاق مبادئ في بكين، ومن حضور الرياض بصفة مراقب لمناورة "آيمكس 2024" البحرية التي أجرتها إيران يومَي 18 و19 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت في بحر عُمان بالتشارك مع روسيا وسلطنة عُمان، إلى إعلان قائد البحرية الإيرانية، الأدميرال شهرام إيراني، عن رغبة الرياض في إجراء مناورة بحرية مشتركة مع طهران في البحر الأحمر، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي، برغم عدم تأكيد الرياض هذه الخطوة. وكان إيراني، قد أعلن سابقاً أن بلاده ستشكل تحالفاً بحرياً مشتركاً يضمّ السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق إلى جانب الهند وباكستان.

المفارقة هنا، أنه قبل عام واحد تقريباً، كانت الرياض وتل أبيب تسيران برعاية الولايات المتحدة الأمريكية على سكة تطبيع العلاقات بينهما، في اتفاق يزيد من عزلة إيران. لكن مؤخراً، وبسرعة ملحوظة، وفي سلوك دبلوماسي قد يكون الأول من نوعه من قبل المملكة تجاه خصمها التاريخي، أدانت الرياض الهجوم الجوي الإسرائيلي على إيران.

"من الصعب عدم المبالغة في أهمية هذا. يبدو الأمر كما لو أن الولايات المتحدة وروسيا ستجريان مناورةً عسكريةً مشتركةً"؛ كتب المعلّق الإيراني المولد هومان مجد، على صفحته في "إكس". فيما قال المحاضر الإيراني في جامعة ريتشمان في تل أبيب، مئير جافيدانفار: "السعوديون قلقون من أن يكونوا عالقين بين إيران وإسرائيل". أضاف جافيدانفار، لشبكة "فوكس نيوز": "شاركت المملكة في التدريبات البحرية حتى لا يُنظر إليها على أنها تقف إلى جانب إسرائيل. فخلف الأبواب المغلقة، لا تزال الرياض تشكك بشدة في سياسات إيران، لا سيما في اليمن. لذا يمكن النظر للأمر على أنه ‘تحوط رهانات’".

قبل عام واحد تقريباً، كانت الرياض وتل أبيب تسيران برعاية الولايات المتحدة الأمريكية على سكة تطبيع العلاقات بينهما، في اتفاق يزيد من عزلة إيران. لكن مؤخراً، وبسرعة ملحوظة، وفي سلوك دبلوماسي قد يكون الأول من نوعه من قبل المملكة تجاه خصمها التاريخي، أدانت الرياض الهجوم الجوي الإسرائيلي على إيران. لماذا تتأرجح العلاقات السعودية الإيرانية؟

بدورها، أشارت نائبة مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيكتوريا كوتس، إلى قلق الرياض حيال "ما إذا كانت واشنطن ستكون قويةً في دفاعها عن المملكة في حالة قيام الإيرانيين باستهدافها، رداً على ما ستفعله إسرائيل أو لا تفعله".

وتهدف المناورة البحرية "آيمكس 2024"، إلى تعزيز "الأمن الجماعي في المنطقة، وتوسيع التعاون متعدد الأطراف، وإظهار النوايا الحسنة والقدرات لحماية السلام والصداقة والأمن البحري".

مع ذلك، وبعد إشارته إلى مشاركة القوات البحرية السعودية في مناورة بحرية مشتركة مع القوات البحرية الإيرانية، أضاف المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية، العميد تركي المالكي: "لم يتم تناول أي تدريبات أخرى خلال هذه الفترة الزمنية".

في المقابل، قال الأدميرال إيراني، إن الدولتين وجهتا دعوات لبعضهما البعض بشأن وجودهما في الموانئ، وإن "جهود التنسيق جارية حالياً، وستشارك وفود من كلا البلدين في المناقشات اللازمة بشأن تنفيذ التمرين"، في تعاون قد يمهد الطريق لمزيد من الحوار وتخفيف حدة التوترات في المنطقة، بما يعود بالنفع على البلدين والمنطقة والعالم. وسيقوم المراقبون العسكريون من كلا الطرفين بتقييم دقيق لنتائج المناورة وآثارها المحتملة على الديناميات الجيو-سياسية في غرب آسيا.

"طوفان الأقصى" أم "إعلان بكين"؟

شكّلت ثورة عام 1979 في إيران، منعطفاً حقيقياً لتنافس الجارتين الخليجيتين، حسب فورين بوليسي، بحملها "زعيماً دينياً إلى السلطة في طهران تحدّى بأيدولوجيته وسياساته، السعودية. وتالياً ظهرت قوة منافسة تروّج لأيديولوجيا إسلامية ثورية ذات فكر مختلف تماماً. وفي الوقت الذي قرّبت فيه الحرب الباردة بين الرياض وواشنطن، قرّبت أيضاً بين طهران وموسكو، ما عمّق التنافس بين الجارتين، وهو تنافس كان في جوهره صراعاً على السلطة والنفوذ وبقاء النظام. ومن خلال وكلائها، تحدّت طهران الدول السنّية والقوى الغربية في المنطقة، وتصادمت مصالحها مع مصالح الرياض في لبنان والعراق واليمن وسوريا".

عطفاً على ما سبق، وعلى خلفية تنفيذ الرياض حكم الإعدام الصادر في حق المواطن السعودي الشيعي نمر النمر، عام 2016، أحرق متظاهرون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، ما دفع الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران منذ ذلك التاريخ وحتى ربيع عام 2023، بعد وساطة صينية جاءت تتمةً لمباحثات سابقة بين الجانبين برعاية كلّ من العراق وعُمان.

وعلى ذلك، يأتي التطور الحالي كمسار طبيعي للحالة الإيجابية التي باتت عليها علاقة الجانبين بشكل عام، ويُتوقّع انسحابها على العلاقات العسكرية بينهما. ويشير هذا التطور إلى دلالات عدة، حسب شبكة الميادين الإعلامية، أولها، مساعي الرياض للنأي بنفسها وتأكيد حيادها عن التصعيد الحالي في المنطقة منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وبموازاة ذلك، تبدي طهران حرصها على توسيع هامش التعاون العسكري بينها وبين الرياض، نتيجة نظرتها إلى الأخيرة منذ تولّي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، منصب وزير الدفاع عام 2015، كطرف منافس لها في المنطقة.

لذا، أصبح البعد العسكري مجالاً جديداً للتفاعل بين الجارتين، لا سيما بعد نظرة طهران إلى القدرات العسكرية السعودية المتنامية، نظرةً تفرض عليها مدّ جسور التعاون على المستوى العسكري مع الرياض، كوسيلة لمعادلة القدرات العسكرية للأخيرة، التي تحظى بتفوّق مهم في اتجاهات عدة أهمها القوة الجوية، مع تصدّرها دول المنطقة في حجم الإنفاق العسكري.

أصبح البعد العسكري مجالاً جديداً للتفاعل بين الجارتين، لا سيما بعد نظرة طهران إلى القدرات العسكرية السعودية المتنامية، نظرةً تفرض عليها مدّ جسور التعاون على المستوى العسكري مع الرياض، كوسيلة لمعادلة القدرات العسكرية للأخيرة، التي تحظى بتفوّق مهم في اتجاهات عدة أهمها القوة الجوية

بدورها، تسعى الرياض إلى توسيع تعاطيها الإقليمي، بما في ذلك توثيق الصلات العسكرية مع دول مثل الصين وروسيا، وتقليل حالة الاعتمادية السابقة في ما يتعلق بالتسليح العسكري والأمن في علاقاتها بالولايات المتحدة.

مع ذلك، تنفي "فورين بوليسي" تغيّر الديناميكيات الأساسية لتنافس الدولتين نتيجة الاتفاق الموقّع بينهما بوساطة بكين. "الإنجاز الرئيسي لهذا الاتفاق هو الحد من التوترات بدلاً من خلق أي تحوّل عميق في العلاقة بينهما"، قالت الصحيفة. وأضافت: "النتيجة الرئيسية للاتفاق هي أن إيران وافقت على التوقف عن مهاجمة المصالح السعودية ودعم الوكلاء المناهضين لها، حسب ما أبلغ السعوديون شركاءهم في واشنطن".

إلى ذلك، تبدو حرب غزّة وتداعياتها العامل الأهم في زيادة توافق الدولتين، وقد دفعتهما نحو مشاركة دبلوماسية أعمق، حسب المجلس الأطلسي، إذ يتحدث عن "حرص المسؤولين السعوديين خلالها على تجنّب أي إجراءات يمكن أن تضرّ بالانفراج مع إيران، بما في ذلك عدم مشاركتها في التحالف الأمريكي البريطاني ‘حارس الازدهار’ الموجه ضد حركة أنصار الله اليمنية، المعروفة بالحوثيين أيضاً. كما قيّدت إمكانية شنّ الجيش الأمريكي عمليات ضد الميليشيات المدعومة من إيران من أراضيها".

وتنظر الرياض لضبابية تشوب السياسة الأمريكية حيال التزامها بأمن الدول الخليجية. وقال المجلس في مكان آخر: "يبدو أن عقيدة كارتر (استخدام القوة لحماية المصالح الأمريكية في أي بقعة من العالم)، قد ماتت ودُفنت، ولم تلقَ الهجمات الأخيرة المدعومة من إيران على السعودية خلال إدارة ترامب، وعلى الإمارات والسعودية خلال إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، أي ردّ أمريكي مهم".

بجانب ذلك، فإن غياب أسلحة متطورة توفر الأمن والسلامة للرياض، سبّب اضطراب علاقات الأخيرة مع واشنطن، حسب المحلل الأمني والسياسي السعودي أحمد الركبان، لا سيما بعد قرار واشنطن سحب أنظمة الدفاع الجوي "بطاريات الباتريوت" عام 2020، من السعودية، ما دفع الأخيرة للاتجاه شرقاً نحو الصين، وشمالاً نحو روسيا.

"إنه الاقتصاد"... رؤية الرياض الطموحة 2030

وفقاً للمجلس، تعمل الرياض فعلياً على تطبيع علاقاتها مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة. أعادت تطبيع علاقاتها مع عدوّها اللدود إيران، مع بناء علاقات أكثر دفئاً مع العدو الآخر، تركيا، ورحّبت بعودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية. كذلك، تنظر إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل كجزء من هذا التوجه، المدفوع بأولوية النمو السريع، وتنويع وتحديث الاقتصاد والمجتمع السعوديين، تجنّباً لمصير دولة ما بعد النفط، ولكي تصبح لاعباً مركزياً في الاقتصاد العالمي للقرن 21.

وكانت "المملكة قد رحّبت باتفاق مع إسرائيل يساهم في احتواء قوة إيران والدخول في استقرار إقليمي طويل الأجل من شأنه تمكينها من تركيز الاهتمام والموارد على برنامجها الطموح لتنويع الاقتصاد في رؤية "2030"، حسب مركز "صوفان". لكن الحرب على غزّة في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، التي ربما نفّذتها حركة حماس بهدف جزئي على الأقل لإخراج عملية التطبيع السعودي الإسرائيلي عن مسارها، ربما حالت دون ذلك. مع ذلك، فإن حلّ أزمة غزّة يرتبط ارتباطاً وثيقاً باتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، بريت ماكغورك.

لكن لإتمام هذه الصفقة، يجب أن يكون هناك مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية. فمع إدراك المملكة حاجة إسرائيل إلى الشعور بالأمان، إلا أن ذلك "لا يمكن أن يكون على حساب الشعب الفلسطيني"، قالت سفيرة الرياض لدى واشنطن، الأميرة ريما بنت بندر آل سعود.

ومؤخراً، عقدت الرياض بحضور العديد من الدول الإقليمية والدولية، أولى جلسات التحالف العالمي لتنفيذ حلّ الدولتين، وهو تحالف معني بإنشاء دولة فلسطينية "تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل"، وفق ما أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. وخلال كلمته الافتتاحية، اشترط الوزير إقامة دولة فلسطينية للمضي قدماً في قضية التطبيع، منوهاً باعتراف العديد من الدول بالدولة الفلسطينية، وباستمرار المساعي نحو اعتراف باقي الدول.

فالرياض قد نجحت إلى حد كبير في استغلال وتوظيف التوترات مع إيران كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، قال المحلل السياسي، محمد أبو العينين، مضيفاً: "ربما تسعى إسرائيل لإعادة التوتر بين السعودية وإيران، لكن المملكة مختلفة الآن، فهي تؤسس لدولة مستقرة ومستدامة وليس لدولة ريعية، وتالياً فإن هذه العلاقات هي من التوازنات التي تسعى السعودية إلى تأسيسها".

الرياض نجحت إلى حد كبير في استغلال وتوظيف التوترات مع إيران كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل. "ربما تسعى إسرائيل لإعادة التوتر بين السعودية وإيران، لكن المملكة مختلفة الآن، فهي تؤسس لدولة مستقرة ومستدامة وليس لدولة ريعية، وتالياً فإن هذه العلاقات هي من التوازنات التي تسعى السعودية إلى تأسيسها"، يقول المحلل السياسي، محمد أبو العينين

عن توظيف التوترات وإثارتها، كانت المتحدثة باسم الخارجية الصينية قد قالت، في معرض حديثها عن الاتفاق السعودي الإيراني حينها، "إن تكتيكات الهيمنة الاستعمارية المتمثلة في إثارة التناقضات وخلق القطيعة والانقسام يجب أن ترفضها الشعوب في جميع أنحاء العالم". أضافت ماو نينغ، أن دفء العلاقات يظهر "إرادة وقدرة دول المنطقة على أخذ زمام المبادرة" في الحفاظ على السلام.

وفي هذا السياق، وصف الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، تشو وييلي، المناورة البحرية المشتركة بين السعودية وإيران بأنها حدث يستدعي اهتمام المجتمع الدولي، لدفعه للاهتمام أكثر بإرادة دول المنطقة.

أضاف تشو: إن تم المضي قدماً في المناورات المشتركة، فإن ذلك يعني فقدان ثقة دول الشرق الأوسط بالولايات المتحدة. فمع فشلها المتكرر في احترام أقوالها وقرنها بأفعال ملموسة، سيكون من الصعب على واشنطن كسب ثقة دول المنطقة، وتالياً سيُحكَم على مصداقيتها في دول الخليج بالانخفاض.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image