شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
من إفريقيا إلى السعودية... كيف تزدهر عصابات التهريب والاتجار بالبشر في اليمن؟

من إفريقيا إلى السعودية... كيف تزدهر عصابات التهريب والاتجار بالبشر في اليمن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمشرّدون

الأربعاء 8 يناير 202503:23 م

تمثل الرحلة من القرن الإفريقي إلى دول الخليج عبر اليمن، والمعروفة باسم طريق الهجرة الشرقي، 40% من حركات الهجرة العالمية، فقد زادت الأعداد بشكل مطرد في السنوات الأخيرة. ومع تصاعد الصراع المسلح في اليمن منذ آذار/مارس 2015، سعت تدفقات كبيرة من المهاجرين الأفارقة إلى اللجوء والبحث عن فرص حياة أفضل في الدول الخليجية، وكثيراً ما واجه هؤلاء ظروفاً خطيرة وقاسية على طول الطريق.

ترتكب عصابات التهريب والاتجار بالبشر انتهاكات مروعة بحق المهاجرين، وبحسب الشهادات، ففي الأغلب تعمل على تنفيذ جرائمها العابرة للحدود بالتواطؤ مع مسؤولين أمنيين تابعين للأطراف المنخرطة في الصراع اليمني، الذين يتقاضون الرشاوى للسماح لمثل هذه الأنشطة بالاستمرار دون عواقب قانونية.

وعلى الرغم من العدد الكبير من المهاجرين الذين يصلون إلى اليمن، فإن استجابة المجتمع الدولي لمحنتهم غير كافية. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فقد دخل 6364 مهاجراً إلى اليمن في تشرين الأول/أكتوبر 2024، وهو أعلى معدل تدفق شهري منذ تموز/يوليو 2023.

ينتمي أغلب المهاجرين (89%) إلى إثيوبيا، و(11%) إلى الصومال. ويحيل كثيرون منهم الهجرة لأسباب اقتصادية، كالرغبة اليائسة في الهروب من الحرب في بلدانهم، وقلة فرص العمل لمن لا يحملون شهادات جامعية. بينما يساهم ضعف الحكومة المركزية في اليمن، وضعف السيطرة على السواحل اليمنية والحدود مع السعودية وعُمان، بتشجيع هذا الخيار. 

نقاط التجمع الرئيسية

يعبر المهاجرون الأفارقة عادةً البلدان الساحلية، ويغادرون من مناطق في جيبوتي والصومال للوصول إلى اليمن بالقوارب عبر البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تنطلق الرحلات من سواحل "حيّو" و"أوبوك" و"خور أنجر" في جيبوتي، وكذلك من سواحل ميناء "بوساسو"، بعد أن يزين أفراد من عصابات الاتجار بالبشر الطريق إلى "الثروة" عن طريق الهجرة إلى الخليج العربي عبر اليمن. 

ترتكب عصابات التهريب والاتجار بالبشر انتهاكات مروعة بحق المهاجرين الأفارقة غير النظاميين، وبحسب الشهادات، ففي الأغلب تعمل على تنفيذ جرائمها العابرة للحدود بالتواطؤ مع مسؤولين أمنيين تابعين للأطراف المنخرطة في الصراع اليمني، الذين يتقاضون الرشاوى للسماح لمثل هذه الأنشطة بالاستمرار دون عواقب قانونية 

تنتشر عصابات التهريب والاتجار بالبشر على طول الطريق. غالباً ما يُحشر المهاجرون في قوارب صيد صغيرة مكتظة، فقد يتراوح العدد من 150 إلى 200 مهاجر تقريباً في الرحلة الواحدة، تتقاذفهم الأمواج، وتعصف بهم الرياح. وتخاطر عصابات التهريب والاتجار بالبشر بحياتهم أثناء الرحلة البحرية التي تستغرق وقتاً طويلاً لعوامل جوية عديدة، لا سيما في مواسم الرياح. ومن أجل التنصل من أعين خفر السواحل، تواجه هذه القوارب، التي يكون طاقمها عادةً من أفراد العصابات المسلحة، ظروفاً خطيرة، بما في ذلك المياه الهائجة والطقس القاسي. وعند الوصول إلى اليمن، ينسق المهربون مع الشبكات المحلية لتسهيل عبور المهاجرين إلى الداخل.

تعمل العديد من نقاط الوصول الساحلية في اليمن على طول الساحل كنقاط دخول للمهاجرين. ومن أبرزها منطقتا "رأس العارة" و"المضاربة" في محافظة لحج، ومديرية "رضوم" في "شبوة"، ومديرية "المخا" على طول جنوب البحر الأحمر. ويتجمع المهاجرون بعد ذلك في المدن الكبرى مثل "عدن" و"عتق" و"رداع" و"البيضاء" و"صنعاء" و"المكلا" و"مأرب"، ثم في نهاية المطاف في منطقتي "سوق الرقو" و"سوق آل ثابت" في "صعدة"، وهما مكانان أساسيان للتجمع قبل العبور إلى المملكة العربية السعودية.

عصابات التهريب

كثيرًا ما تتعاون العصابات المحلية مع شبكات في جيبوتي والصومال لتهريب آلاف المهاجرين الأفارقة إلى اليمن، والتي تشكل نقطة عبور رئيسية إلى دول الخليج، وتدر ملايين الدولارات من الأرباح غير المشروعة.

إن العبء المالي للهجرة كبير على الساعين لها، حيث تتراوح المبالغ للفرد من 60 إلى 200 دولار للرحلات البحرية، وقد تصل إلى 550 دولاراً للمرحلة الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من التكاليف المرتفعة والمخاطر المرتبطة بها، فإن الطلب على الهجرة لا يزال قائماً في تزايد، بسبب الصراعات في بلدان مثل إثيوبيا والصومال.

ففي اليمن وحده، تُقدَّر مكاسب عصابات التهريب السنوية بالملايين، وهو رقم أعلى بكثير من الأرباح التي تولدها عمليات التهريب على السواحل الإفريقية في جيبوتي والصومال. 

 تتراوح المبالغ المطلوبة لتهريب الفرد من 60 إلى 200 دولار للرحلات البحرية، وقد تصل إلى 550 دولاراً للمرحلة الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية. 

تحتفظ عصابات التهريب والاتجار بالبشر بأحواش وحظائر لجمع المهاجرين قبل ترتيب نقلهم واستخراج المبالغ المالية مقابل خدماتهم. وباستخدام إجراءات منظمة، تعمل هذه العصابات على بناء الثقة مع المهاجرين وتعزيز الشراكات التي تضمن عمليات تهريب ناجحة. وقال أحد الشهود، محمد حسن والو، في تسجيل صوتي حصل عليه رصيف22، إن قريبه حسن عمر جاما تعرض لابتزاز مالي من قبل أفراد في محافظة ذمار، حيث طالبه بعض هؤلاء الأفراد، الذين لا يعرف ألقابهم الرسمية، بمبلغ 5500 ريال سعودي (1465 دولار) لإطلاق سراحه والسماح له بمواصلة رحلته إلى الحدود اليمنية السعودية.

ويشير والو إلى أنه من المعتاد أن تقوم عصابات التهريب بجمع الأموال من الضحايا في ساحة مخصصة في ذمار تُستخدم لتجميع المهاجرين واللاجئين الأفارقة وتسهيل عبورهم.

تخلق نقاط وصول وتجمع المهاجرين في مختلف المحافظات اليمنية بيئات تتكاثر فيها هذه الانتهاكات. حيث تستفيد شبكات التهريب من أنشطتها غير القانونية، وتظهر تجاهلاً صارخاً لحياة المهاجرين بارتكابها أعمالاً شنيعة، بما في ذلك القتل والعنف الجنسي والتعذيب بغرض الحصول على فدية والعمل القسري والابتزاز المالي. وقد اطَّلع رصيف22 على مقاطع فيديو لمهاجرين أفارقة عُذّبوا بطريقة وحشية بغرض انتزاع مبالغ مالية من أسرهم كفدية.

ومن المؤسف أن عصابات التهريب والاتجار هذه تعمل دون  عواقب قانونية، والجهود الأمنية الحالية لتفكيك هذه الشبكات غير كافية في ظل وجود حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات أمنية منسقة لمكافحتهم ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد المهاجرين. وغالباً ما يكون هناك متعاونون من السلطات المحلية، بما في ذلك خفر السواحل والقوات الأمنية، كما تتعاون أطراف الصراع المختلفة مع عمليات التهريب، حيث تدفع هذه العصابات أموالاً لنقاط التفتيش ومسؤولي الأمن المرتبطين بجماعة الحوثي المدعومة من إيران، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والحكومة المعترف بها دولياً، مما يتيح الاتجار وتهريب المهاجرين الأفارقة. ومن عجيب المفارقات أنه في ظل القيود المشددة المفروضة على حركة المواطنين اليمنيين، تتمتع شبكات الاتجار بالبشر هذه بحرية الحركة داخل البلاد.

تعمل عصابات التهريب والاتجار بالبشر في ظل الإفلات من العقاب، وتؤثر عمليات التهريب والاتجار بالبشر بشكل كبير على الأمن الوطني والإقليمي في المناطق المتضررة من الهجرة. وتمارس هذه العصابات أنشطة غير قانونية، تستغل في كثير من الأحيان الاحتياجات اليائسة للمهاجرين غير المسجلين للعمل. وكثيراً ما تستخدم المهاجرين لنقل البضائع المحظورة عبر الحدود، وخاصة على طول الحدود اليمنية السعودية، حيث يلجأ بعض المهاجرين إلى تهريب نبات "القات" ومواد محظورة أخرى إلى المملكة العربية السعودية. وبالإضافة إلى هذه الممارسات الاستغلالية، ترتكب هذه العصابات جرائم خطيرة ضد المهاجرين، تعرض حياتهم للخطر وتخضعهم للعنف.

الحقائق القاسية للهجرة

يواجه المهاجرون رحلة شاقة، حيث يسافرون في كثير من الأحيان أكثر من 1000 كيلومتر سيراً على الأقدام أو في مركبات مكتظة في ظل ظروف قاسية. غالباً ما يسلك المهاجرون الأفارقة طرقاً محفوفة بالمخاطر ومعقدة، معتمدين على عصابات التهريب والاتجار بالبشر التي تستخدم وسائل نقل غير آمنة وغير كافية. تعرض هذه الرحلات المهاجرين للعديد من المصاعب والانتهاكات المباشرة، حيث يواجهون أشكالاً مختلفة من العنف، إلى جانب المخاطر غير المباشرة مثل الغارات الجوية والألغام الأرضية والأجهزة المتفجرة. 

تخلق نقاط تجمع المهاجرين في المحافظات اليمنية بيئات تتكاثر فيها الانتهاكات، حيث تظهر شبكات التهريب تجاهلاً صارخاً لحياة المهاجرين بارتكابها أعمالاً شنيعة، بما في ذلك القتل والعنف الجنسي والتعذيب بغرض الحصول على فدية والعمل القسري والابتزاز المالي

وفي مقطع فيديو آخر مفجع حصل عليه موقع رصيف22، تظهر أمينة، وهي مهاجرة إثيوبية، في منطقة جبلية وعرة على طول الحدود اليمنية السعودية، وهي تكافح من أجل النزول من منحدر خطير، وتبكي وتندب فقدان أصدقائها الذين قُتلوا على يد عصابة الاتجار بالبشر لفشلهم في دفع فدية بالريال السعودي لإطلاق سراحهم.

يفرض طريق الهجرة الشرقي تحديات كبيرة على المهاجرين الأفارقة الذين يسعون إلى حياة أفضل. وتسلط الظروف المروعة التي يواجهونها، إلى جانب تواطؤ السلطات المحلية والعمليات المزدهرة لشبكات التهريب، الضوءَ على الحاجة الملحة إلى استجابة دولية منسقة. إن معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، وتعزيز أمن الحدود، ومحاسبة المتاجرين هي خطوات حاسمة مطلوبة لحماية المهاجرين الضعفاء واستعادة كرامتهم في السعي إلى مستقبل أكثر أماناً. وبدون اتخاذ إجراءات فورية، ستستمر دورة الاستغلال والمعاناة، مما يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية في المنطقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image