شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سيادة الرئيس ترامب... كاسك

سيادة الرئيس ترامب... كاسك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأحد 23 فبراير 202502:04 م

قليلة هي الثقافات التي تخلو من حكمة نصف الكأس الفارغ والنصف المملوء، فلا تكاد ثقافة أو أمّة في العالم إلا ولديها كأس نصفه فارغ ونصفه الآخر مليء بكل ما يُسعد هذه الأمّة من منجزات سابقة أو آمال مستقبلية. حتى الأفراد لهم كؤوسهم التي يرون في أنصافها المملوءة كل ما يحفزهم على الاستمرار قدماً، بينما لا تقدم لهم الأنصاف الفارغة إلا الكآبة والتشاؤم.

حكمة الكأس ذي النصفين منتشرة أينما وليت وجهك، لدرجة يمكننا وصفها بالعالمية، وذلك على عكس الحِكم المحلية من شاكلة "بوس الكلب من ثمه لتوخذ حاجتك منه" أي قبّل الكلب من فمه إن كان لديك عنده حاجة ما، فالكثير من الناس من ثقافات أوروبية، وغير أوروبية يقبّلون أفواه كلابهم دون أن ينتظروا مقابلاً لذلك، لا من هذه الكلاب ولا كأجر أو ثواب سماوي على اندفاعاتهم العاطفية.

تقبيل الكلب من أجل حاجة ما أو استغلالاً لظرف ما، ربما يحيلنا إلى الحكمة الإنجليزية التي تحث على استغلال الظروف بأفضل ما يمكن وهي "انسج نسيجك والشمس مشرقة"، لكن هذه الحكمة الإنجليزية لا يمكنها أن ترقى لمستوى الحكمة لو قيلت في بلد كل أيامه مشمسة، بحيث أننا سنظهر بمظهر المضحكين لو رددنا هذه الحكمة في مصر أو السعودية، أو أية دولة خليجية أخرى، فهذا يعني أن يترك المرء كل اهتماماته ويتفرغ للنسيج طوال العام.

يمكنني ويمكن لأي قارئ أن يستعرض في ذهنه عشرات، بل مئات الأحداث والوقائع التي تنظر إليها فتح والسلطة الفلسطينية على أنها النصف المملوء من الكأس، بينما تراها حماس وحلفاؤها من اليسار باعتبارها النصف الفارغ، والعكس أيضاً صحيح بالقدر ذاته

 لكن ثمة حِكماً وأقوالاً تبدو مألوفة عالمياً، لكنها تحمل صيغاً محلية حسب ثقافة كل منطقة، أو مخزونها المعرفي، أو احتياجاتها المادية والمعنوية، مثال ذلك "عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة" حيث أن هذه الحكمة موجودة في النرويج بنفس المعنى واللفظ، باستثناء أن العصافير العشرة ليست على الشجرة بل على السطح. النرويجي لا يعتد بهذه الحكمة وفي باله لحم العصفور المسكين، بل زقزقته. فهو يعتبر عصفوراً في اليد مكسباً جمالياً، وصوتياً، أفضل من عشرة عصافير على السطح لا يمكن رؤيتها، بينما الشرق أوسطي الذي يعرف أن الشجرة أمام بيته هي مكان العصافير الطبيعي، وأن هذه الشجرة تمطر عليه جمالاً صباحياً كل يوم، إلا أنه لا يفكر إلا بالصيد.

كثيرة هي الحكم والأقوال العالمية، وكثيرة أيضاً تلك المحلية التي لا تخص إلا شعباً بعينه، ولأننا عالميون بالفطرة فإننا نميل إلى استخدام تلك الأقوال التي نستطيع من خلالها، أو نعتقد أننا نستطيع الاندماج في هذا العالم، وفهم لغته ومخاطبته من خلالها. لكن على عكس ثقتنا ووضوحنا حين نستخدم قولاً محلياً مثل "عاد بخفيّ حنين"، فإن نصف الكأس المملوء الذي ينظر إليه فريق منا، هو نفسه الذي يراه الفريق الآخر فارغاً.

يمكنني ويمكن لأي قارئ أن يستعرض في ذهنه عشرات، بل مئات الأحداث والوقائع التي تنظر إليها فتح والسلطة الفلسطينية على أنها النصف المملوء من الكأس، بينما تراها حماس وحلفاؤها من اليسار باعتبارها النصف الفارغ، والعكس أيضاً صحيح بالقدر ذاته. ولا يمكن حكر هذا الخلاف في الرؤيا أو النظر على حماس وفتح فقط، بل يمكن سحبه على جميع المؤسسات الرسمية والشعبية التي تقدم نفسها كممثل معتبر لتطلعات وأهداف الشعب الفلسطيني، وكقيادات لتحقيق هذه التطلعات.

لكن وبعيداً عن كل هذه الأحداث الخلافية، وكخروج عن أسس الكتابة السياسية أو حتى المتزنة، لنسمح لخيالنا بأن يشطح قليلاً ونتخيل التالي: لو افترضنا أن فخامة الرئيس المخبول، لكنه الأهم في العالم حالياً ولأربع سنوات قادمة، السيد ترامب، قرر أن يفاجئ الشعب الفلسطيني كما فاجأ الجميع بموضوع الحرب الروسية الأوكرانية، بتخليه فجأة عن الحليف التقليدي لبلاده وللغرب وهو أوكرانيا، وأراد أن يتخلى عن حليفته إسرائيل ويصطف إلى جانبنا وإلى جانب مطالبنا، فماذا سنفعل وكيف سنتصرف؟

شبيك لبيك أيتها الفصائل الفلسطينية وأيها القادة والمؤسسات والمفكرون، أنا ترامب محقق الأمنيات، فما الذي يمكنني فعله لكم؟ قدّموا لي نصف كأسكم المملوء وأنا سأملأ لكم نصفه المتبقي بما يعجبكم، فلا أنصاف فارغة بعد اليوم.

لنسمح لخيالنا بأن يشطح قليلاً: لو افترضنا أن فخامة الرئيس المخبول، السيد ترامب، قرر أن يفاجئ الشعب الفلسطيني كما فاجأ الجميع بتخليه فجأة عن الحليف التقليدي لبلاده وللغرب وهو أوكرانيا، وأراد أن يتخلى عن حليفته إسرائيل ويصطف إلى جانب مطالبنا، فماذا سنفعل وكيف سنتصرف؟

نحن يا سيد ترامب نرى في اتفاقية أوسلو نصفاً مملوءاً من الكأس، ونود لو نستطيع استكمالها، لكن بعضنا يراها عكس ذلك، ونحن نتحاور منذ ثلاثين عاماً لا أكثر، من أجل أن يُقنع بعضنا بعضاً بما يرى، فهل بإمكانك أن تصبر علينا قليلاً إلى أن نتفق. ونحن يا سيد ترامب نرى في المقاومة المسلحة خياراً وحيداً متاحاً، ولا نرى غيره في هذه الكأس. أنت خير العارفين بعدونا وتطرفه وعدم انصياعه لكل الأعراف والقوانين الدولية، ناهيك أن ما أخذ بالقوة لا يمكن إلا أن يُسترد بالقوة، لكن بعضنا الآخر لا يرى إلا في النضال الشعبي والمفاوضات طريقاً وحيداً ليملأ كأسنا، تخيّل.

نحن نريد دولة منسجمة مع ما قبله العالم لنا، دولة على حدود الرابع من حزيران، دولة إلى جانب دولة عدونا هذا، لكن بعضنا الآخر غير مقتنع بهذا التنازل غير المنطقي وغير المبرر، وهو يقول إن فلسطين كل فلسطين هي حقنا التاريخي والديني، وإن الحق سيعود مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات من أجله، فما رأيك أنت، هل ننتظر أم علينا القبول بما هو مطروح؟ هذا إن ظل شيء مطروحاً.

هل تصدق يا سيد ترامب أن بعضنا يرى فيك رجل سلام، ويكرر ذلك على شاشة فضائية النفط والغاز منذ توليت منصبك؟ هل تصدق أنك نصف الكأس المملوء عند هؤلاء، وأن التعويل عليك أن تخذل نتنياهو وتنحاز إلى الفلسطينيين وقضيتهم المشروعة؟ هل خطر في بالك يوماً أن يراك أحد الناطقين باسم المقاومة نصفاً مملوءاً من الكأس، بينما أصحاب أوسلو يرونك شؤماً ونصفاً فارغاً؟

لا أريد أن أحدثك عن التضاربات في رؤانا للعمق العربي وأهميته من عدمها، ولا لمحور المقاومة (صحيح؛ ذكرتني بالحوثيين، هل ستقف معهم مثلما وقفت مع بوتين؟) ولا للمجتمع الدولي ولا للغرب، ناهيك عن آلاف التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تخص قضيتنا لكنها كما يبدو لا تخصنا. كل ما أرجوه منك هو أن تنتظرنا قليلاً إلى حين نتفق.

نقطة أخيرة من فضلك، وهي أنني أتوقع منك عدم اعتبار كلامي هذا جلداً للذات، فأنا للغرابة أو للدقة لا أستطيع تخيّل أي نجاح لفئة منقسمة هكذا، وأعرف أن هذا الرأي عليه انقسام كبير أيضاً، لذلك.. كاسك يا سيادة الرئيس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image