شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الوجود الصيني في الخليج بالأرقام… هل يهدّد الهيمنة الأمريكية؟

الوجود الصيني في الخليج بالأرقام… هل يهدّد الهيمنة الأمريكية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الأربعاء 19 فبراير 202503:39 م

قصص علينا معرفتها

تحاول الصين أن تفرض هيمنتها اقتصادياً، في الخليج العربي، من خلال تجارة الطاقة، والاستثمارات في البنية التحتية والشراكات التكنولوجية، وقد وصلت فعلاً إلى موقع الشريك الاقتصادي الأساسي لدول الخليج.

في المقابل، لا يتعلّق دور الولايات المتحدة بالأرقام التجارية الخام، بقدر ما يتعلق بتعزيز الشراكات الإستراتيجية في الدفاع والتكنولوجيا والاستثمارات في شركات القطاع الخاص الكبرى في الخليج، كما في أمريكا. وأكبر دليل على ذلك، ما حصل عليه الرئيس ترامب، من اتفاقيات دفاعية خلال فترتَي حكمه: في الأولى، "وقّعت السعودية مع الولايات المتحدة عقوداً بقيمة 460 مليار دولار، منها 110 مليارات قيمة صفقات عسكرية سابقة وأسلحة للجانب السعودي، بالإضافة إلى صفقات تعاون دفاعي بقيمة 350 ملياراً على مدى عشر سنوات" . وفي فترة حكمه الثانية التي بدأت في كانون الثاني/ يناير من هذا العام، "أعلن وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، عن نيّة السعودية استثمار نحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، وذلك في مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب" ، ويطمح ترامب إلى رفعها إلى تريليون دولار كما صرّح.

برزت الصين، في السنوات الأخيرة، كمستثمر مهم في دول مجلس التعاون الخليجي، مدفوعةً بأهدافها الاقتصادية الإستراتيجية، والطلب المتزايد من جانب تلك الدول على الشراكات الدولية المتنوعة. وتُعدّ مبادرة "الحزام والطريق" (BRI، المعروفة بطريق الحرير)، محوريةً للصين في الخليج، بهدف تعزيز الاتصال والبنية الأساسية، إذ إنّ الموقع الإستراتيجي للخليج عند مفترق طرق آسيا وأوروبا وإفريقيا، يجعله حيوياً لطرق التجارة، وأمن الطاقة في الصين. فما هي أهم استثمارات الصين في دول الخليج ضمن "طريق الحرير" وخارجها؟ وعلى ضوء أهميتها، هل يهدد الدور الصيني الهيمنة الأمريكية؟

تحاول الصين أن تفرض هيمنتها اقتصادياً، في الخليج العربي، من خلال تجارة الطاقة، والاستثمارات في البنية التحتية والشراكات التكنولوجية، وقد وصلت فعلاً إلى موقع الشريك الاقتصادي الأساسي لدول الخليج. فهل يهدد الدور الصيني الهيمنة الأمريكية؟

أولاً، مبادرة "الحزام والطريق"

نمت استثمارات الصين في دول الخليج بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وشملت قطاعات مختلفةً تصبّ في معظمها في مبادرة "الحزام والطريق". بحلول عام 2019، استثمرت بكين ما لا يقلّ عن 123 مليار دولار، في تمويل المشاريع في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مشاريع الموانئ والبنى التحتية الكبرى في دول مثل السعودية والإمارات وعمان وجيبوتي ومصر.

وتسلّط الأرقام أدناه، الضوء على العلاقة الاقتصادية المتعمّقة بين الصين ودول الخليج.

1- نمو مطّرد للتبادل التجاري

خلال منتدى التعاون بين الصين والدول العربية ،في كانون الأول/ ديسمبر 2023، أفيد بأنّ حجم التجارة بين الصين والدول العربية، تجاوز 430 مليار دولار في العام السابق. ويبلغ التبادل التجاري مع دول الخليج نحو 308 مليارات دولار أمريكي، في العام ذاته. وفي حين أنّ أرقام التجارة الدقيقة لعامي 2023 و2024، محدودة، أو غير متوافرة لكل بلدان الخليج، فإنّ البيانات المتاحة تشير إلى اتجاه نحو ارتفاع مستمر في أحجام التجارة بينها وبين الصين.

التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج عام 2022

التبادل التجاري بين الصين والخليج 2022

الاستيراد والتصدير مع الصين في دول الخليج

2- الشراكة المتزايدة في قطاع الطاقة

  • شركة أكوا باور ACWA، هي شركة طاقة سعودية متخصصة في تطوير واستثمار وتشغيل محطات توليد الطاقة وإنتاج المياه المحلّاة، ساهم المستثمرون والمموّلون الصينيون بمبلغ قدره 10 مليارات دولار في محفظة مشاريعها.

  • في الإمارات، حصلت شركة البترول الوطنية الصينية، على حصة 10% في امتيازَين لحقلَي نفط بحريين، بموجب صفقة مدتها 40 عاماً في عام 2018، بقيمة 1.2 مليار دولار.

  • مشاريع الطاقة المتجددة: في السعودية عام 2024، وقّعت شركة هندسة الطاقة الصينية، عقداً بقيمة 972 مليون دولار، لبناء محطة طاقة شمسية بقدرة 2 جيجاواط بالقرب من مدينة مكة.

والجدير بالذكر أيضاً، استثمار السعودية في الصين. فقد بدأت شركتا "سينوبك" و"أرامكو" السعوديتان، ببناء مصفاة ومجمع بتروكيماويات في مقاطعة فوجيان الصينية، باستثمارات تُقدّر بنحو 9.82 مليار دولار. ويُعدّ هذا المشروع جزءاً من إستراتيجية "أرامكو"، لتعزيز أعمالها في مجال التكرير وتوريد النفط الخام إلى الصين.

تؤكد هذه التطورات على العلاقات الاقتصادية المتعمقة بين الصين وبلدان الخليج، وتسلّط الضوء على الالتزام المتبادل بالنمو التعاوني عبر قطاعات متعددة، منها التطوير المستمر للبنى التحتية.

3- تطوير مستمرّ للبنى التحتية

تكثر المجمّعات الصناعية والمرافئ الممولة جزئياً من الصين في كل منطقة الخليج، وتتطاير الأرقام بالمليارات.

  • المنطقة الصناعية الصينية العمانية: تقع هذه المنطقة الصناعية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وتمثّل استثماراً بقيمة 10 مليارات دولار من قبل اتحاد من الشركات الصينية.

  • تُعدّ مصفاة الزور في الكويت واحدةً من أكبر المصافي في الشرق الأوسط، حيث يقع المشروع على بعد نحو 90 كيلومتراً جنوب مدينة الكويت في منطقة الزور، ويغطّي مساحة 16 كيلومتراً مربعاً، ومن المتوقع أن يصل إجمالي استثماراته إلى 27 مليار دولار.

  • مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات البحرية: وتقدّر تكلفة بناء هذا المرفق بنحو 4.3 مليارات دولار، ويهدف إلى أن يكون أكبر حوض لبناء السفن على مستوى العالم عند اكتماله.

  • مدينة الحرير: دخلت الصين والكويت في شراكة بشأن مشروع مدينة الحرير، الذي تبلغ تكلفته 86 مليار دولار، والذي يمتد على مساحة 250 كيلومتراً مربعاً عبر خمس جزر. ويشمل التطوير ميناءً رئيسياً ومناطق سكنيةً وبنيةً تحتيةً لإيواء ما يصل إلى 700 ألف شخص.

  • ميناء مبارك الكبير: كجزء من مبادرة مدينة الحرير، يجري إنشاء هذا الميناء على جزيرة بوبيان، ويهدف إلى تلبية الاحتياجات الاقتصادية للكويت وإيران والعراق والصين.

  • التزمت شركة "باوشان" للحديد والصلب الصينية، بتخصيص 4 مليارات دولار أمريكي، لإنشاء موقع لتصنيع الصفائح المعدنية في منطقة رأس الخير في السعودية.

نمت استثمارات الصين في دول الخليج بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وشملت قطاعات مختلفةً تصبّ في معظمها في مبادرة "الحزام والطريق". بحلول عام 2019، استثمرت بكين ما لا يقلّ عن 123 مليار دولار، في تمويل المشاريع في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط

4- نمو الإنفاق العسكري مع الصين

يتّسم النهج الذي تنتهجه الصين في التعامل مع مبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط، بقدر أقلّ من القيود السياسية والعملياتية، مقارنةً بالمورّدين التقليديين مثل الولايات المتحدة. وهذه الإستراتيجية تمكّن بكين من الاستحواذ على حصة متزايدة من سوق الأسلحة في المنطقة، لكن تبقى هذه الحصة متواضعةً مقارنةً بحصّة الغرب.

  • منذ عام 2021، تساعد الصين في برنامج الصواريخ الباليستية للمملكة العربية السعودية، من خلال نقل التكنولوجيا وإنشاء مشاريع مشتركة لإنتاج الصواريخ.

  • خلال معرض الصين الجوي 2022، في تشوهاي، أبرمت المملكة العربية السعودية، صفقات أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار مع الصين. وتضمنت العقود شراء مئات الطائرات من دون طيّار الصينية، والصواريخ الباليستية وأسلحة الطاقة الموجهة ونقل التكنولوجيا، ما يتيح التصنيع المحلي لمختلف الأسلحة.

  • في عام 2023، أجرت الإمارات، أول تدريبات جوية لها مع الصين، ووقّعت صفقةً لشراء طائرات هجومية وطائرات من دون طيّار صينية الصنع.

والجدير بالذكر، أنّ استثمارات الصين في ميناء الدقم في عُمان، تسهّل إنشاء منشأة عسكرية ثابتة، ما يعزز موطئ قدم الصين الإستراتيجي في المنطقة، إذ إنها نقطة محورية للعديد من الجيوش، بما في ذلك جيوش المملكة المتحدة والولايات المتحدة والهند (وهنا لا بد من الإشارة أيضاً إلى الوجود الصيني في ميناء جيبوتي الذي يستضيف القاعدة العسكرية الخارجية الوحيدة للصين في المنطقة، ما يؤكد دوره في تأمين الطرق البحرية الرئيسية وتوسيع نفوذ الصين الجيو-سياسي في منطقة البحر الأحمر. ملاحظة: تستضيف جيبوتي قواعد عسكريةً لدول أخرى، وقد أعربت السعودية مؤخراً عن نيّتها إنشاء وجود عسكري في جيبوتي، لتعزيز نفوذها وأمنها الإقليميين).

ثانياً، مشاريع تصبّ في أهداف "طريق الحرير"

هي مشاريع التي لا ترِد في القائمة الرسمية الصينية لمبادرات "مبادرة الحزام والطريق"، لكنها تصبّ في خدمة أهدافها، وأهمها:

1- تطوير الشراكات في مجال التكنولوجيا والابتكار

استثمرت شركة "Prosperity7"، وهي صندوق تابع لشركة "أرامكو" السعودية، ما يقرب من 400 مليون دولار في شركة "Zhipu AI"، الشركة الناشئة المنافسة لـ"OpenAI" في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي في الصين.

ودخلت شركة "G42"، وهي شركة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومقرّها أبو ظبي، في شراكات مع شركات التكنولوجيا الصينية لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي.

وهنالك الكثير غيرها من مشاريع التكنولوجيا الصينية بالشراكة الجزئية أو الكاملة في منطقة الخليج، ومنها المدن الذكية: نيوم، مدينة الحرير في الكويت، مدينة الدقم الذكية في سلطنة عمان، مدينة لوسيل في قطر، مبادرة البحرين الذكية بما فيها أنظمة المرور الذكية ومنصات الحكومة الإلكترونية، والمزيد مما لا يتّسع لتعداده وذكره المقال هنا).

من ناحية أخرى، تطوّر الاستثمار الصيني المباشر في الخليج، وتكاثرت الاتفاقيات المالية التي تلعب دوراً كبيراً في ديناميكية أسواقه. فما حجم هذه الاستثمارات؟ وفي أي أطر قانونية مالية تمّت صياغتها؟

2- الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) والاتفاقيات المالية

تسعى بلدان الخليج كلها إلى تطوير علاقاتها مع الصين، ويشمل ذلك التطوير إصدار السندات الصينية وصناديق الاستثمارات العامة، ومنشأة مقاصة لليوان الصيني، نذكر أهمها:

  • سندات الصين السيادية: عام 2024، اختارت الصين السعودية كمكان لإصدارها الأول لسندات سيادية بالدولار الأمريكي في ثلاث سنوات، بقيمة تصل إلى 2 مليار دولار. وتؤكد هذه الخطوة على تعميق العلاقات المالية بين البلدين.

  • اتفاقيات صندوق الاستثمارات العامة السعودي: وفي العام نفسه، وقّع صندوق الاستثمارات العامة السعودي ست مذكرات تفاهم بقيمة إجمالية تبلغ 50 مليار دولار مع مؤسسات مالية صينية رائدة، بما في ذلك البنك الزراعي الصيني، وبنك الصين، وبنك البناء الصيني.

  • في عام 2015، أصبحت قطر أول دولة في الشرق الأوسط تفتح منشأة مقاصة لليوان الصيني، ما عزز العلاقات الاقتصادية ويسّر المعاملات المالية بين البلدين.

  • منصة الاستثمار الصينية الخليجية: عام 2024، أطلقت شركة "إنفستكورب" البحرينية، وصندوق الثروة السيادية الصيني، ومؤسسة الاستثمار الصينية (CIC)، منصةً بقيمة مليار دولار للاستثمار في الشركات ذات النمو المرتفع في جميع أنحاء الخليج والصين، مع التركيز على قطاعات مثل السلع الاستهلاكية والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية وخدمات الأعمال.

  • في عام 2024، وقّعت الإمارات والصين، 19 اتفاقيةً ومذكرة تفاهم في قطاعات مثل السياحة والصناعة والتكنولوجيا والإعلام ومبادرة "الحزام والطريق".

استثمارات الصين في الخليج عام 2023

المصدر: الباحثة، بناءً على بيانات من مصادر متنوعة.

أما بالنسبة إلى استثمارات الخليج في الصين، فهي خجولة، لكنها انطلقت بشراء حصص في شركات صينية، منها على سبيل المثال، شراء "قطر القابضة"، حصة نسبتها 22% في شركة "سيتيك كابيتال" عام 2024، وهي شركة استثمارية صينية لها مصالح في قطاع العقارات في جميع أنحاء الصين واليابان والولايات المتحدة. كما وافقت هيئة الاستثمار القطرية على شراء حصة نسبتها 10% في شركة إدارة الأصول الصينية (ChinaAMC)، ثاني أكبر شركة لصناديق الاستثمار المشترك في البلاد، كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات المالية.

تبقى أرقام استثمارات دول الخليج في الصين، هامشيةً مقارنةً باستثماراتها في الولايات المتحدة، حيث تدخل شريكةً، شبه منهجياً، في معظم شركاتها الكبرى، عدا عن إنفاقها العسكري الضخم مع شريكها الإستراتيجي الأوّل.

ويبقى السؤال مشروعاً: هل يهدد الدور الصيني الولايات المتحدة في الخليج؟

ثالثاً، مقارنة أرقام الدورَين الصيني والأمريكي في دول الخليج

تُعدّ الصين بالفعل، أكبر شريك تجاري لخمسة من اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الستة (البحرين هي الاستثناء الوحيد، حيث تحتل السعودية المرتبة الأولى). تجاوزت تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع الصين، تجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعةً لأول مرة في عام 2021.

مقارنة التبادل التجاري

إنّ مقارنة استثمارات الولايات المتحدة والصين في دول الخليج على مدى السنوات الماضية، تكشف عن اتجاهات مميزة في أحجام التجارة: ارتفاعها مع الصين مقابل انخفاضها مع الولايات المتحدة.

تطور التبادل التجاري بين دول الخليج والصين

المصدر: الباحثة، بناءً على بيانات موقع ستاتيستا المتخصّص.

لقد نما حجم التجارة بين الصين ودول الخليج، بشكل كبير، من 175 مليار دولار في عام 2014، إلى 315 مليار دولار في عام 2022. ويعكس هذا نمواً بنحو 80% على مدى 8 سنوات، مع تسارع ملحوظ بين عامي 2021 و2022.

في المقابل، تراوح حجم التجارة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، بين 90 إلى 100 مليار دولار، على مدى ثماني سنوات، ما يسلّط الضوء على التحول في ديناميكيات التجارة بين دول الخليج نحو شراكات أقوى مع الصين. ويُعزى خفض الولايات المتحدة وارداتها من الطاقة، إلى زيادتها إنتاج النفط الصخري المحلي لديها، والتحول الإستراتيجي في أولويات تجارتها العالمية.

وفي عام 2014، بلغت الفجوة بين تجارة دول الخليج مع الصين والولايات المتحدة، 75 مليار دولار. بحلول عام 2022، اتسعت هذه الفجوة بشكل كبير إلى 220.3 مليارات دولار، ما يدلّ على هيمنة الصين المتزايدة باعتبارها الشريك التجاري الأساسي لدول الخليج.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الطلب الصيني على النفط الخام والغاز الطبيعي من دول الخليج، له الحصة الأكبر في التبادل التجاري، بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه من مشاريع البنية التحتية، ومن نمو التجارة في القطاعات غير النفطية.

هل يشكل الدور الصيني في الخليج تهديداً لأمريكا؟

من منظور الولايات المتحدة، يشكّل دور الصين في الخليج تهديداً إستراتيجياً للأسباب التالية:

  • التحول في ديناميكيات القوة: يمكن أن يؤدّي النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي والدبلوماسي المتزايد للصين إلى إضعاف الهيمنة الأمريكية التقليدية في الخليج، ما يؤدي إلى تحول التوازن الجيو-سياسي في المنطقة.

  • المنافسة الاقتصادية: من خلال التفوق على الولايات المتحدة في التجارة والاستثمار، تقلّل الصين من النفوذ الأمريكي في دول الخليج.

  • المخاطر الأمنية: يشكّل تورط الصين في البنية التحتية التكنولوجية في الخليج، وإمكاناتها للتوسع العسكري، مخاوف أمنيةً مباشرةً للولايات المتحدة وحلفائها.

رابعاً، التحديات والمخاطر

تعكس العلاقات الصينية الخليجية المتنامية، تحوّلاً في تنويع التحالفات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، لكن هذا التنويع قد لا يأتي بالثمار الموعودة كاملةً، برغم ثراء دول الخليج الفاحش، وذلك للمخاطر التالية المرتبطة بها:

أهداف التنويع ومخاطره

يبدو ظاهراً من خلال الأرقام، أنّ أهداف التنويع تقتضي إنفاقاً شاهقاً، إذ غالباً ما تتطلب وتيرة التنمية المتسارعة ضمن جداول زمنية طموحة تمويلاً خارجياً، ما يزيد الحاجة إلى الديون. خلال السنوات الأخيرة، وحالياً، وفي الأمد المنظور، تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي بكثافة في البنية التحتية والسياحة والتكنولوجيا والطاقة النظيفة كجزء من إستراتيجيات التنويع (على سبيل المثال، رؤية السعودية 2030، ومئوية الإمارات العربية المتحدة 2071). تتطلب هذه المشاريع الضخمة رأس مال يتوجب عليها مقدّماً، مقابل عوائد طويلة الأجل، ما يخلق مخاطر إذا لم تتحقق الإيرادات كما هو متوقع (مثال مخاطر مشروع نيوم).

مخاطر ارتفاع الديون

مثال إفريقيا: اتّبعت الصين سياسة إقراض الكثير من الدول الإفريقية، ومنحت قروضاً تزيد عن 10 مليارات دولار سنوياً في الفترة من 2012 إلى 2018، في إطار مبادرة "الحزام والطريق". لكن التقارير تُظهر أنّ هذه الدول تجد نفسها غارقةً في الديون، ولا تحقق الفوائد الاقتصادية المرجوة من ديونها. وحتى لو وصفت الصين مبادرتها بأنها فرصة لتحقيق تنمية اقتصادية مشتركة، إلا أنّ التقارير تكشف أنّ هذه الاستثمارات أدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في العديد من الدول الإفريقية، ما يجعلها تبدو أقرب إلى الاستعمار الجديد من شراكة اقتصادية.

• مثال أزمة ديون دبي (2009): على الرغم من الثروة، واجهت دبي أزمةً ماليةً، بسبب اعتمادها على مشاريع العقارات والبنية التحتية الممولة بالديون، ما استلزم إنقاذاً من أبو ظبي.

بالنسبة إلى الالتزامات الإستراتيجية للصين والولايات المتحدة مع دول الخليج، فيبدو أنّ الصين تركّز على التعاون الاقتصادي طويل الأجل، خاصةً من خلال الاستثمارات التي تقودها الدولة. وهي تعزز الحياد في الصراعات السياسية، مع الحد الأدنى من التدخل في السياسة المحلية أو الإقليمية، ما يسمح بعلاقات اقتصادية أكثر سلاسةً

الالتزامات الإستراتيجية للصين والولايات المتحدة في دول الخليج

أما بالنسبة إلى الالتزامات الإستراتيجية للصين والولايات المتحدة مع دول الخليج، فيبدو أنّ الصين تركّز على التعاون الاقتصادي طويل الأجل، خاصةً من خلال الاستثمارات التي تقودها الدولة. وهي تعزز الحياد في الصراعات السياسية، مع الحد الأدنى من التدخل في السياسة المحلية أو الإقليمية، ما يسمح بعلاقات اقتصادية أكثر سلاسةً مع جميع دول الخليج. في حين أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى الاستفادة من بصمتها التجارية العالمية، لخلق فرص للقطاع الخاص في اقتصادات دول المنطقة، وفي اقتصادها، وإلى تعزيز العلاقات مع دول الخليج من خلال التبادلات الثقافية والتعليمية، ما يعزز نفوذها على المدى الطويل. لكن تبقى عليها مواجهة التحديات الناجمة عن انخفاض واردات الطاقة والحضور الاقتصادي المتزايد للصين.

في الختام، في حين رسخت الصين نفسها باعتبارها الشريك الاقتصادي الرئيس لدول الخليج، من خلال تجارة الطاقة والاستثمارات الإستراتيجية، فإنّ الولايات المتحدة تحافظ على نفوذها من خلال اتفاقيات دفاعية لا مثيل لها، وشراكات في التكنولوجيا المتقدمة، والتزامات استثمارية واسعة النطاق لدول الخليج في الولايات المتحدة، ما يؤكد المنافسة التي تمتد إلى ما هو أبعد من أرقام التجارة، أي إلى الهيمنة الإستراتيجية الأمريكية طويلة الأجل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image