شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ضربة مقص خاطئة... آثار جسدية ونفسية دائمة لضحايا ختان الذكور في المغرب

ضربة مقص خاطئة... آثار جسدية ونفسية دائمة لضحايا ختان الذكور في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الأحد 16 فبراير 202511:14 ص

"شوف طوير" أو "انظر إلى العصفور بالأعلى"، هذه هي "المزحة" التي يستذكرها أغلب المغاربة عند الحديث عن يوم ختانهم، وهي الجملة التي يستخدمها "الحجام" أو "رجل المقص" الذي يشرف على عملية الختان أو "الطهارة" بالتعبير المغربي الدارج، بهدف تشتيت انتباه الطفل الذكر عن صدمة استئصال قلفة عضوه الذكري، في مشهد يمزج بين الدهشة والاحتفال بهذا الحدث الفارق في حياة الطفل، حيث يتحول الألم إلى طقس اجتماعي يعكس الأبعاد الدينية المتجذرة في الثقافة المغربية.

طبيًا، تُعرف عملية الختان بأنها إجراء جراحي يتم فيه إزالة "القلفة"، وهي الجلد الذي يغطي حشفة القضيب. ويفضل إجراؤها تحت التخدير الموضعي للأطفال قبل بلوغهم سن ستة أشهر، بينما تستلزم التخدير العام بعد هذا العمر. وبحسب تقرير لموقع بازفيد الأميركي، تصل نسبة ختان الذكور في المغرب إلى 99.9%. وهذه النسبة الكبيرة تعكس التقاليد الدينية والثقافية السائدة في مجتمع يشكل المسلمون فيه غالبية السكان بنسبة حوالي 98%.

ممارسات خاطئة لسنة نبوية؟

في السياق المغربي، يتجاوز الختان كونه إجراءً طبيًا، ليُعتبر "طقسًا دينيًا يعزز الطهارة الجسدية والروحية"، استنادًا للحديث النبوي: "خمس من الفطرة؛ الختان، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب". ومع ذلك، يختلف الفقهاء حوله، بين من يعتبره واجبًا، ومن يقول بأنه سنة مؤكدة.

ويؤكد الباحث في الفكر الإسلامي، نصيف ريداوي، أن وجوب الختان مرتبط بمفهوم الطهارة اللازمة للصلاة والعبادات؛ "إذ لا تصلح صلاة المسلم إذا لم يكن طاهرًا". لكنه يوضح أن التخلي عن الختان لأسباب صحية "لا يعد خروجًا عن الدين، ويدخل ضمن الاستثناءات الدينية".

"شوف طوير" هي "المزحة" التي يستذكرها أغلب المغاربة عند الحديث عن يوم ختانهم، وهي الجملة التي يستخدمها "الحجام" الذي يشرف على عملية الختان بهدف تشتيت انتباه الطفل الذكر عن صدمة استئصال قلفة عضوه الذكري، في مشهد يمزج بين الدهشة والاحتفال والألم

وفيما يتصل بالربط بين الخطاب الديني والاعتبارات الطبية في مسألة الختان، يشدد ريداوي على أهمية الالتزام بأخلاقيات المهنة، بما في ذلك الرحمة والمسؤولية تجاه الأطفال وأسرهم، لتجنب المآسي التي تنتج عن الإهمال الطبي.

الأصول الاجتماعية للختان في السياق المغربي

من المنظور الأركيولوجي، تشير الأدلة الأثرية والنقوش إلى أن الختان كان موجودًا في مصر القديمة منذ حوالي 2400 سنة قبل الميلاد، حيث تظهر نقوش على جدران المعابد الفرعونية رجالًا يختتنون. ويُعتقد أن هذه الممارسة كانت جزءًا من طقوس التطهير أو علامة على الانتماء الديني أو الاجتماعي.

وفي السياق السوسيولوجي، يرتبط انتشار ممارسة الختان في المجتمع المغربي بشكل وثيق مع دخول الإسلام إلى المغرب، هذا الطقس الذي يكتسي طابعًا دينيًا واحتفاليًا، غالبًا ما يُحتفل به في إطار عائلي، كحدث رمزي يعكس انتقال الطفل إلى مرحلة جديدة من حياته. وتحيط بهذه المناسبة طقوس احتفالية متنوعة تختلف من منطقة إلى أخرى. لكن من المعروف أن الأسر المغربية تحرص على شراء ثوب تقليدي جديد للطفل، وتزيين يديه بالحناء، ودعوة الجيران والعائلة إلى وليمة احتفالًا بهذا الحدث المميز.

الأبحاث التاريخية تُظهر أن أصل الختان يعود إلى الديانة اليهودية. وإلى ما ورد في الدراسات الإسلامية حول "الإسرائيليات"، وكيف تسرب إلى السنة النبوية.

يقول الباحث في علم الاجتماع، رشيد لبيض: "الختان يعكس الانتماء إلى المجتمع بنسبة 100%، وفي سياق الحديث عن المجتمع المغربي باعتباره مجتمعًا إسلاميًا، فالختان يكتسي قيمة مطلقة لا نقاش فيها. بل يمكننا القول إن من شروط الانتماء إلى مجتمع إسلامي هو الختان".

ويستدل على ذلك بأن كثيراً من النساء المغربيات حين يرغبن بالزواج من أجنبي بصدد إشهار إسلامه، فأول ما يطلبنه منه هو أن يكون مختونًا حتى يكون إسلامه صحيحًا.

ويشير لبيض إلى تأثير الثقافة اليهودية، موضحًا أن الأبحاث تُظهر أن أصل الختان يعود إلى الديانة اليهودية. وإلى ما ورد في الدراسات الإسلامية حول "الإسرائيليات"، التي تسلط الضوء على الجذور اليهودية لهذا الطقس وكيف تسرب إلى السنة النبوية. ويستدل بحديث صحيح عن النبي إبراهيم عليه السلام الذي اختتن في سن متقدمة.

على الرغم من هذه الجذور الثقافية والدينية، تثير مسألة الختان جدلًا معاصرًا. فهناك من يرونه "جريمة" في حق الطفل، إذ يُستأصل جزء من جسده دون موافقته، رغم ما تشير إليه بعض الدراسات الطبية من فوائد صحية لهذه الممارسة.

وعند مقارنة ختان الذكور وختان الإناث، يبرز اختلاف في النقاش الثقافي والحقوقي. فبينما يُعتبر ختان الذكور طقسًا متجذرًا ومشروعًا في الثقافة، يُقابل ختان الإناث برفض واسع، نظرًا لغياب أي أساس أيديولوجي قوي يدعمه.

وفي نظرة أكثر حداثة، أكد لبيض من وجهة نظر إنسانية وحقوقية، أن الختان في العصر الحالي يُعد انتهاكًا لحرمة جسد الطفل، مطالبًا باحترام إرادته ومنحه الحق في اتخاذ قرار يتعلق بجسده. مشيرًا في ذات الوقت إلى أن التقدم الطبي اليوم يتيح إجراء مثل هذه العمليات بتقنيات متطورة، مثل التخدير والليزر، في سن متأخرة وبأقل قدر من الألم.

فوائد ومخاطر

وفيما يتعلق بالفوائد الصحية للختان، ترى جرّاحة الأطفال صبرا بزعنين أن "الختان يساهم بشكل كبير في تقليل خطر الإصابة بعدوى المسالك البولية لدى الرضع بما يصل إلى عشرة أضعاف". كما تشير إلى دوره في خفض مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا، وتقليل احتمالية الإصابة بسرطان الحشفة في سن البلوغ.

وتضيف إلى ذلك حالات طبية تجعل الختان ضرورة، مثل: عدوى المسالك البولية، تضيق القلفة (Phimosis)، وانحباس القلفة (Paraphimosis). لكنها، في نفس الوقت، تؤكد على مخاطر هذه العملية، ومنها ما هو بسيط مثل النزيف والألم والعدوى، ومنها ما يمكن اعتباره خطيرًا، مثل التشوهات في الحشفة، انسداد فتحة البول، أو العدوى المميتة. مبينة أن "الخطر يتفاقم إذا أُجريت العملية من قبل أشخاص غير مختصين، حيث قد تؤدي إلى مضاعفات كارثية تصل إلى بتر أو نخر الحشفة".

لدى مقارنة ختان الذكور وختان الإناث، يبرز اختلاف في النقاش الثقافي والحقوقي. فبينما يُعتبر ختان الذكور طقسًا متجذرًا ومشروعًا في الثقافة، يُقابل ختان الإناث برفض واسع، نظرًا لغياب أي أساس أيديولوجي يدعمه. إنما في نظرة أكثر حداثة، يرى كثيرون أن الختان للجنسين يُعد انتهاكًا لحرمة جسد الطفل

وعن السن المناسب للختان، قالت إنه ليس هناك عمر محدد، لكنها شددت على ضرورة الالتزام بشروط النظافة والتعقيم وإجراء العملية على يد طبيب مختص.

من جهته، يحذّر الأخصائي في جراحة الأطفال الدكتور عبد الواحد بورجيلات من الاستهانة بالعملية، مؤكدًا أنها تحمل مخاطر خاصة إذا أُجريت في سن مبكر أو من قبل غير المختصين. وأوضح أن الطريقة الأنسب هي "إجراؤها على يد جراح مختص وبإشراف طبيب تخدير، مع توفير مستلزمات التتبع والمراقبة".

وأضاف الدكتور بورجيلات أن الفحوصات الطبية المسبقة ضرورية لتفادي أي مضاعفات مثل تخثر الدم. كما نصح بالحرص على "متابعة الطفل بعد العملية وتقديم النصائح الوقائية والعلاجية للأبوين"، محذرًا من استخدام أدوية غير مناسبة قد تزيد من التعقيدات.

لا يزال ختان الأطفال في المغرب يخلف مآسي اجتماعية وإنسانية، لا سيما في أوساط الأسر الفقيرة، التي تلجأ إلى خيارات غير مكلفة قد تكلفهم صحة أبنائهم، وتحول المناسبة إلى مأساة حقيقية.

آخر حادثة كشفت عن هذه الأزمة تمثلت في تحول مبادرة ختان جماعي في مدينة شفشاون شمال المغرب، حيث أشرفت جمعية محلية على إجراء عمليات ختان لفائدة 45 طفلًا في المستشفى الإقليمي في 20 أيلول/سبتمبر الماضي. ولأن العمليات تمت في ظروف وصفت بغير الآمنة، أدت إلى إصابة خمسة أطفال بتعفنات خطيرة استدعت نقلهم إلى المستشفى الجامعي محمد السادس بمدينة طنجة.

في سياق تطورات الملف، تقدمت ثلاث أسر بشكاوى لدى المحكمة الابتدائية في شفشاون ضد رئيسة الجمعية ومدير المستشفى. كما انضمت جمعية "الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان" في تطوان - شمال المغرب، مطالبة بفتح تحقيق قضائي شامل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين.

ويرى الناشط الحقوقي حسب أقبيو، رئيس الجمعية المذكورة، أن الواقعة تشكل "انتهاكًا صارخًا لحقوق الأطفال وحقهم في السلامة الجسدية"، مشددًا على ضرورة معالجة الأسباب التي تدفع الأسر الفقيرة إلى الاعتماد على مثل هذه المبادرات غير الآمنة. وأضاف في تصريحه لرصيف22: "لا يخضع الأطفال المستفيدون من هذه العمليات لأي فحص طبي مسبق، ما يزيد من مخاطر تعرضهم لتعقيدات صحية خطيرة، خصوصًا إذا كانوا يعانون من أمراض مزمنة مثل فقر الدم أو السكري".

التأثير النفسي لتجربة الختان

يحكي أمين تجربته مع الختان. يقول: "كنت وأسرتي نقضي عطلة الصيف في بيت أجدادي في مدينة مكناس. كان عمري 4 سنوات تقريبًا. حينها كنت مهووسًا بأغنية (شخبط شخابيط)، وجاء خالي إلي بينما كنت ألعب مع أخي، وأخبرنا بأن نانسي عجرم في بيتنا، ويجب أن نلتقط صورة معها، وكطفل صغير، صدقت ما قاله خالي لأنه شخص بالغ".

أمين: "وددت لو شرحت لي أسرتي الموضوع وهيأتني لخوضه بدلاً من وضعي أمام الأمر الواقع دون مقدمات. والأقسى أنهم جعلوني فرجة احتفالية للجميع بينما كنت أعاني ألمًا فظيعًا".

يسترسل: "بعد أن عبرنا ذلك الباب، لم نجد سوى رجلين ضخمين. التقطني أحدهما وأجلسني في حضنه، وأنا لا أفهم ما يحدث حولي، فلم يتكبد أحد عناء شرح الموضوع".

في معرض حديثه، انتقد أمين بشدة موقف أسرته "التي لطالما علمتني أن مناطقي الخاصة لا يجب أن يراها الآخرون أو يلمسوها، ومع ذلك، كانوا يقفون هناك ويسمحون لرجل غريب بانتهاك خصوصيتي، وأنا أنظر إليهم بنظرات تصرخ (أنقذوني) دون أن يحركوا ساكنًا، أذكر الكرسي الأبيض الذي كان الرجل يجلس عليه وهو يتلطخ بالدماء، وأنا أشهد بكامل وعيي جريمة تُرتكب في حقي. مشهد لا يمكن أن أنساه، ولا زالت صرخاتي وصرخات أخي تتردد في ذهني كلما تحدث عن الأمر".

ويضيف: "هذه الصدمة لا زالت ترافقني إلى اليوم. وددت بشدة لو شرحت لي أسرتي الموضوع وهيأتني لخوضه بدلاً من وضعي أمام الأمر الواقع دون مقدمات. والأقسى أنهم جعلوني فرجة احتفالية للجميع بينما كنت أعاني ألمًا فظيعًا".

ويرى أن من واجب الوالدين أن يشرحوا لأبنائهم عن عملية الختان ويدعموهم نفسيًا، والأهم أن يقوموا بإجرائها في مستشفى تحت إشراف جراح أطفال في ظروف آمنة، حتى يتجنبوا تعريض أطفالهم للصدمات النفسية.

على الرغم من أن التأثير الجسدي لتجربة الختان يكون في الغالب لحظيًا ومحدودًا، إلا أن تأثيرها النفسي يمكن أن يكون أعمق وأطول، خصوصًا إذا تمت العملية في ظروف غير مناسبة لعمر الطفل. فعدم استخدام تخدير ملائم أو إجراء العملية في بيئة غير مريحة قد يترك ذكريات مؤلمة لدى الطفل، خاصة إذا كان عمره يسمح له باستيعاب ما يحدث وتذكر التجربة.

بحسب الأخصائي النفسي محمد الشرقاوي، فإن الأطفال الأكبر سنًا الذين يخضعون للختان قد يفسرون الإجراء كنوع من الاعتداء، مما يمكن أن يؤدي إلى مشاعر خوف أو انعدام الثقة بالوالدين. ويشير إلى أن بعض الدراسات تذكر أن الألم الشديد في المراحل الأولى من العمر يمكن أن يؤثر سلبًا على الترابط العاطفي بين الطفل ووالديه، خصوصًا إذا استمرت معاناة الطفل لفترة طويلة بعد العملية.

ويشير إلى أن التجارب السلبية المتعلقة بالختان قد تؤدي أحيانًا إلى مشاعر غضب أو انزعاج عندما يكبر الطفل، خاصة إذا كان يعيش في مجتمع لا يعتبر الختان ضرورة دينية أو ثقافية. كما أفاد بوجود تقارير عن رجال يعبرون عن إحساسهم بفقدان جزء من أجسادهم نتيجة هذه التجربة، ما قد يُخلف أثرًا نفسيًا يستمر لفترة طويلة.

ولتخفيف الآثار النفسية المرتبطة بالختان، يوصي بإجراء العملية خلال الأيام الأولى من الولادة، حيث يكون وعي الطفل بالتجربة والألم أقل. مع أهمية توفير بيئة آمنة وداعمة بعد العملية، مثل حمل الطفل وتهدئته، ما يمكن أن يساعد في تقليل التوتر والقلق. كما يشدد على أهمية طمأنة الطفل الأكبر سنًا وشرح ما يحدث بطريقة تناسب عمره في حال كان مدركًا للأحداث المحيطة به.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نفكر بالأطفال من أجل اليوم والغد

"هيك متعودين. هيك كانوا يعاملونا أهلنا"، وغيرها من الإجابات الجاهزة، تؤدي إلى تفادي التغيير.

المستقبل المشرق، هو أن يعيشوا في أيامنا هذه حياةً سليمةً.

كيف؟

عبر تسليط الضوء على قصصهم، وما يؤثر في حيواتهم، والمطالبة بحقوقهم وحسن تربيتهم.

من خلال التقارير والمقالات والحوارات، يمكن للإعلام أن يدفع نحو تغييرات في السياسات التربوية، وأن يعزز الحوار الاجتماعي حول قضايا الأطفال.

معاً نطرح القضايا الحساسة المتعلقة بسلامتهم النفسية والجسدية والبيئية والمجتمعية.

حين نرفع أطفالنا على أكتافنا، نرى الغد بعيونهم كما لو يكون الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image