"واش دخول الحمام بحال خروجو؟" (هل دخول الحمام مثل خروجه؟)؛ مثل شعبي مغربي، يجسّد التغيّر الذي يطرأ على جسد الإنسان بعد الاستحمام، ويؤكد الحضور البارز للحمام في الثقافة الشعبية عند المغاربة، كونه فضاءً عمومياً، يرتبط بمجموعة من الطقوس والرموز، التي تكتسي طابعاً خاصاً من خلال وظيفة العبور من "الدنس" إلى "الطهارة".
يُعدّ الحمام مؤسسةً تشكّل مصدر ربح لصاحبها، لكن في الوقت نفسه تلعب دوراً أساسياً في ربط العلاقات الاجتماعية بين مرتاديها، كما توفر خدمات معينةً يقوم بها أشخاص يكسبون عن طريقها قوت عيشهم اليومي، يُطلق عليهم "الكَّسّالَة" بالنسبة إلى الرجال، و"الطَّيّابَة" بالنسبة إلى النساء.
بوابة الفتيات نحو الزواج
ترى الباحثة في علم الاجتماع هاجر مصباح، أن "الحمام لطالما كان مكاناً لالتقاء الجيران وتبادل الأخبار، ويُعدّ مجالاً لخلق علاقات جديدة ومعارف". وتردف قائلةً في حديثها إلى رصيف22، أن "الحمام يختلط فيه الفضاء الخاص بالفضاء العمومي، إذ إن ظاهرة الاغتسال، والتي هي عملية شخصية جداً، تصبح متشاركةً مع مجموعة من الأفراد الغرباء في مكان عام. وهذه الظاهرة الاجتماعية تدفع للتساؤل عن وظائف الحمام ونمط العلاقات والتفاعلات التي تحدث في هذا المكان. وهنا يجب رؤية الحمام، ليس فقط كمكان تجتمع فيه مجموعة من الأفراد بهدف الاغتسال، ولكن كمجال اجتماعي تحدث فيه مجموعة من التفاعلات بكل ما تحمله هذه الأخيرة من ميكانيزمات".
في المخيال النسائي التقليدي في المغرب، تتشارك العزبات حلم واحتمالية الزواج والارتباط داخل فضاء الحمام، إذ تتزين العازبات ويظهرن حذاقتهن من أجل جذب انتباه أم عريس محتمل، لعلّها تجد في إحداهن ما يجذب ويثير الانتباه والإعجاب، فتقترحها لابنها أو لأحد أفراد عائلتها. يُعدّ الحمام أيضاً فضاءً لاختيار العرائس والخطيبات، اللواتي يتم ترصّد سلوكهن وجمالهن من طرف الأمهات، في اختبار صعب جداً لكلا الطرفين.
الحمام يختلط فيه الفضاء الخاص بالفضاء العمومي، إذ إن ظاهرة الاغتسال، والتي هي عملية شخصية جداً، تصبح متشاركةً مع مجموعة من الأفراد الغرباء في مكان عام
عمليّة التعارف هذه في الحمّام كانت حاضرةً بقوة في الزمن الماضي، إذ كان الزواج يمرّ عبر الأمهات، وبرغم أنها أصبحت تتقلص بشكل كبير إلا أنها ما تزال حاضرةً، "فقد حدث بالفعل أن بعض حالات الزواج حصلت بهذه الطريقة"، تقول مصباح، وتضيف: "هذا المكان يلعب دوراً اجتماعياً يسهل فيه تقييم المرأة من حيث الجمال الجسدي، ولكن أيضاً من حيث بعض المعايير النفسية، كإظهار التعاطف وخدمة الآخرين".
الحمّام الطبقي!
ترى مصباح، أن "الحمام أيضاً مجال تتناقض فيه حالات إظهار الفوارق الطبقية وإخفائها"، مردفةً أنه "إذا كان اللباس، مجالاً يستغله الأفراد لإبراز انتماءاتهم الطبقية والأيديولوجية، فإن الحمام مكان يتجرد فيه الأفراد من ألبستهم، ويصبحون سواسيةً من حيث عري الجسد".
وتضيف الباحثة في علم الاجتماع، أن "الفوارق الطبقية، يتم التعبير عنها بطرق أخرى مثل اللباس، وإكسسوارات من الفضة أو الذهب، واستعمال أدوات حمام ومنتجات تجميلية معيّنة، وطلب الاعتناء الخاص من طرف مسؤولات الحمام، وكراء أماكن مخصصة في الحمام"، مشيرةً إلى "ظهور أنماط جديدة للحمامات المغربية، وارتفاع أثمنتها حسب الخدمات المقدمة، مثل الحمامات المجهّزة بـ'الساونا' والمسبح، وحصص التدليك والمعاملات الخاصة، كل هذا كان له تأثير على نمط الطبقات الاجتماعية المستهدفة، وعلى طريقة التفاعل داخل الحمام المغربي".
تنظيم محكم
لتقديم هذه الخدمات، تحضر في كل أنواع الحمّامات، شخصيتا "الكسّال" و"الطيّابة" المهمتان، في مجتمع الحمام. ويطلق لقب "الطيّابة (من التطيّب) على السيدة التي تقدّم خدمات معيّنة داخل الحمامات الشعبية للنساء"، يقول حسن بنقدور، وهو مستثمر في قطاع الحمامات في مدينة القنيطرة، في تصريح لرصيف22، مردفاً أن "مالك الحمام لا يؤدي أي أجرة للطيّابة، وإنما تحصل على مدخولها من الإكراميات التي تحصل عليها من النساء مقابل خدمات التدليك وجلب الماء، وكل ما يمكن أن يوفر لهن الراحة خلال فترة الاستحمام. أما الكسّال، فهو الرجل الذي يقدّم الخدمات ذاتها في الحمامات المخصصة للرجال".
الرجال كانوا يرتادون الحمّام الشعبي في الصباح الباكر والليل، فيما تبقى حصة النهار مخصّصةً للنساء. لكن مع مرور الزمن وتوسّع الحواضر، استُحدثت حمّامات لكل طرف على حدة، ليلاً ونهاراً
أضاف بنقدور، أنه "بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه الطيّابة في الحمام، فإنه لا يجب إغفال دور الكَلّاسة داخل هذا الفضاء الخاص"، مشيراً إلى أن "الكلّاسة هي سيدة ينحصر دورها في تسلم الأغراض من ملابس، وإكسسوارات، ونقود من مرتادي الحمام عند الدخول، وتسليمها لهم عند الخروج".
وإلى الأمس القريب، "كان الحمام يستقبل النساء والرجال مناصفةً في ما بينهم، تُخصَّص لكل طرف أوقات محددة"، يقول الباحث في تاريخ المغرب محمد الشاح، في تصريح لرصيف22، مشيراً إلى أن "الرجال كانوا يرتادونه في الصباح الباكر والليل، فيما تبقى حصة النهار مخصّصةً للنساء. لكن مع مرور الزمن وتوسّع الحواضر، استُحدثت حمّامات لكل طرف على حدة، ليلاً ونهاراً".
"لكن هذا لا يعني أن الحمامات المشتركة مناصفةً بين الرجال والنساء قد انقرضت تماماً"، يستدرك الشاح، "بل نجدها في مدن عديدة، خاصةً العريقة منها، مثل سلا ومراكش وفاس ومكناس وآسفي. وكذا في الأحياء الشعبية في مختلف ربوع المملكة المغربية".
يحظى الحمام الشعبي، وفق الشاح، "باهتمام خاص من قبل النساء، إذ تربطهم به علاقة مميزة، من تجاذب أطراف الحديث مع الصديقات، واكتساب الحرية بعيداً عن رقابة المجتمع الذكوري خاصةً، أو المختلف بشكل عام، فهو بمثابة صالون نسائي يعوضهن عن الغياب والحرمان من الفضاء العام".
طقوس متفردة
"تختلف وظيفة الحمام عند النساء باختلاف المناسبات الدينية والاجتماعية والتراثية والطقوسية، كما هو الشأن بالنسبة إلى باقي الطقوس والعادات والتقاليد التي تزخر بها بلادنا، والتي يكون للنساء فيها حضور مهم لا يمكن تجاهله"، يورد الشاح، مذكّراً بـ"طقس عاشوراء، في يوم 'الشعّالة'، الذي تقف فيه الفتيات وشعورهن منسدلة حول النار، تحت إيقاعات معيّنة، ويرددن بلسان واحد: 'عيشوري عيشوري... دَلِّيتْ عليك شعوري' إلى غير ذلك من الأغاني والأهازيج".
من أهم الطقوس والعادات التي يشكل الحمام الدور الأبرز فيها، طقس الزواج، خاصةً في ما يتعلق بالنساء وما يقمن به داخل هذا العالم الغامض والمجهول للكثيرين
"ومن أهم الطقوس والعادات التي يشكل الحمام الدور الأبرز فيها، طقس الزواج، خاصةً في ما يتعلق بالنساء وما يقمن به داخل هذا العالم الغامض والمجهول للكثيرين"، يقول المتحدث، ويسترسل: "في اليوم الذي يلي عقد القران، أو ما يسمى بيوم 'الحناء'، يتم كراء الحمام من طرف العروس وصديقاتها، وتؤخذ إليه في جو من المرح والغناء والزغاريد والأدعية، فيخضع الحمام حينها لممارسات طقوسية، ويصبح عبارةً عن ساحة للاحتفال، إذ يتم إشعال الشموع في غرفه أو الاقتصار على المكان المخصص للعروس، بالإضافة إلى تعطير القاعات بالعطور وماء الزهر وعود الندّ وعود القماري".
وشرح المتحدث، كيف أنه "في أثناء عملية الاستحمام يُطلى شعر العروس بمواد مختلفة، مثل الغاسول والريحان والورد والسنبل. وخلال هذه العملية لا تقوم العروس بأي عمل. كما يُشترط أن تكون الأدوات المستعملة جديدةً، ولم تُستعمل من قبل. وغالباً ما تُحمل على رؤوس النساء العديد من الهدايا الرمزية التي تتلقاها نساء الخدمة في الحمام أي الطيّابات، وتكون هذه الهدايا عبارةً عن شموع وسكّر وحليب وتمر".
يرى الشاح، أن "المتأمل في هذه الطقوس، سيجد أن لها علاقةً بسلوكيات يتداخل فيها الواقعي بالغيبي، وطقوساً مترسخةً حسب كل مجتمع على حدة"، مشيراً إلى أن "السكّر الذي يُمنح للطيّابات هو بمثابة تيمّن بالمستقبل المتفائل والسعيد والحلو، أما تزيين المكان بالعطور والبخور، فيمثّل إرضاءً لأصحاب المكان" من القوى الخفية، وللحفاظ على علاقة سلمية معهم، وحتى لا تصاب العروس بالعين أو بمكروه".
يضيف الباحث في تاريخ المغرب، أنه "إذا كانت للعروس طقوس معيّنة، فالمرأة النفساء التي أنجبت لأول مرة، لديها بدورها طقوس تختلف من منطقة إلى أخرى"، مشيراً إلى أنه "حين تؤخذ النفساء إلى الحمام مع قريباتها، يُطلب من امرأتين تدليكها وغسلها والعناية بها، ويُكسر البيض الطازج أمامها قبل أن تدخل الحمام البارد، وينتهي الاستحمام بشدّ وسط النفساء بحزام، يرمز إلى أنه يمكنها الآن استئناف حياتها بشكل عادي".
ختاماً، يمكن القول إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي عرفها المجتمع المغربي، جعلت وظيفة الحمام الشعبي تتلاشى بشكل تدريجي، إذ أصبحنا اليوم نادراً ما نسمع بمثل هذه العادات والتقاليد المستقاة من إرث الأجداد، والتي تكتسي طابعاً غنياً في الثقافة الشعبية المغربية، بعدما جرى استحداث حمامات عصرية جديدة، خاصّةً بالاسترخاء أو العلاج، يُرصد لها من وسائل الإعلانات والإغراء الكثير، في عملية تنافسية واستعراضية لا تتوقف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع