شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أي مستقبل لحزب الله في لبنان؟

أي مستقبل لحزب الله في لبنان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 17 فبراير 202510:12 ص

في الـ23 من شباط/ فبراير، يودّع حزب الله أمينه العام السابق حسن نصر الله، في تشييع حاشد، ومعه يودّع اللبنانيون الشيعة زعيمهم الأبرز في تاريخهم الحديث، إذ لم يسبق لشخصية أن تبوأت مكانته من شمال لبنان إلى جنوبه مروراً ببقاعه وباقي مناطق انتشارهم.

تنامت شعبية نصر الله بين الشيعة بشكل هائل منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي تقريباً، ورفدت هذا المسار ثلاث محطات أساسية أولها مقتل ابنه الأكبر هادي، في العام 1997، ما ميّزه عن معظم باقي الزعماء اللبنانيين الذين يحاربون ويقاتلون بأبناء الناس فيما يعيش أبناؤهم في رغد متنعّمين بثمرة فساد آبائهم؛ وثانيها تحرير جنوب لبنان وبقاعه الغربي، في العام 2000، ما ميّز حزبه عن كل حركات "المقاومة" التي شهدها لبنان، بوصفه الوحيد الفعّال، في ذهن الناس؛ وثالثها حرب تموز 2006 التي يراها الشيعة اعتداءً إسرائيلياً على أرضهم تصدّى له حزب الله بفعالية، في الميدان أثناء الحرب، وفي "جبهة" إعادة الإعمار بعد الحرب.

هذه المحطات وغيرها الكثير من المناسبات التي ظهر فيها نصر الله بوصفه حامي اللبنانيين الشيعة من الأخطار الخارجية وضامن حقوقهم ومكانتهم في الداخل اللبناني حوّلته إلى زعيم الشيعة الأول في لبنان، بشعبية لم يُشهد لها مثيل من قبل، ويصعب أن يصل إليها أحد في المستقبل.

هذه المكانة المُشبعة برمزيات أعلت نصر الله إلى مصاف المعصومين ستواجه خاتمتها عندما يوارى جثمانه الثرى، ومعه سيُدفن جزء كبير من عواطف الشيعة وطموحاتهم وآمالهم، بما تحتضنه من إيحابيات وسلبيات، ليجدوا أنفسهم عراة من زعيم كاريزمي، وواقفين على عتبة مستقبل سياسي مفتوح على خيارات كثيرة.

"انكسار حزب الله الإقليمي لا يعني انكسار حزب الله اللبناني، والهزيمة التي تكبّدها في حربه الأخيرة مع إسرائيل لا تنسحب أوتوماتيكياً على مكانته في الداخل اللبناني"


حزب بوجوه كثيرة

مسيرة نصر الله وصلت إلى نهايتها في سياق الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله. لم يُكتب لأمين عام حزب الله السابق أن يشهد نهاية الحرب التي أفضت إلى تكبّد حزبه خسائر عسكرية هائلة بالعدد والعديد، وموافقته على تحييد سلاحه الذي كان يواجه به إسرائيل، وكل هذا فوق مأساة حلّت على المدنيين الشيعة الذين تدمّرت منازل وأرزاق عدد كبير منهم، دون أن تتضح، حتى الآن، صورة المستقبل وما إذا كان سيتضمّن تعويضات مالية تسمح لهم بإعادة بناء حياتهم من جديد.

كان نصر الله زعيماً لحزب هويته مركّبة، وتركيبها معقّد بتعقيدات الواقع السياسي في لبنان والإقليم. فحزب الله حزب ببعد إقليمي أسسته إيران بشكل مباشر وربطته بها عقائدياً ومالياً وعسكرياً بشكل جعله أشبه بفرع من فروع حرسها الثوري، وكان رأس حربتها المتقدّمة في صراعها مع إسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية التي أرادت عبر حمل لوائها تزعّم العالم الإسلامي؛ وهو أيضاً حركة مقاومة لبنانية نشأت في سياق احتلال إسرائيلي كان قد وصل إلى العاصمة بيروت؛ وهو في بعد ثالث حزب سياسي محلّي تطبّع، ولو في وقت متأخر، بطبائع "الديمقراطية الطوائفية" اللبنانية، ليصير ممثلاً لمصالح الشيعة في بلد لم تتوقف فيه يوماً صراعات الجماعات الأهلية على الدولة منذ تأسيسها.

نهاية حزب الله؟

الحرب الأخيرة قتلت حزب الله الإقليمي. لم تفك ارتباطه بإيران، لأن هذا يتجاوز قدرة أي قوة عسكرية، ولكنها حيّدت فعاليته في الصراع الإقليمي بموافقته على تفكيك بنيته العسكرية، بدءاً من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، ورَفَدَ مسار تعطيل قدراته سقوط النظام السوري الذي حرم هذا الحزب من طريق إمداده الأساسية بالسلاح والمال. وقتلت الحرب الأخيرة أيضاً حزب الله بوصفه حركة مقاومة عسكرية لبنانية فلا مقاومة بلا بنية عسكرية. لكن حزب الله بوصفه حزباً سياسياً محلّياً نجا، وإنْ كان متصدعاً ومتضرراً.

الأحزاب اللبنانية الطائفية القوية لا تموت بسهولة. النظام الطوائفي- التشاركي اللبناني يمدّ لها حبال نجاة كثيرة. كل طائفة في لبنان تبحث عن تنظيم قوي تتحلّق حوله لتضمن مكانتها السياسية ونصيبها من المحاصصة، وفي اللحظة الراهنة، مع استعصاء ولادة معارضة شيعية فعالة، لا بديل لدى اللبنانيين الشيعة عن حزب الله في المديين القريب والمتوسط.

"الحرب الأخيرة قتلت حزب الله الإقليمي... وقتلت أيضاً حزب الله بوصفه حركة مقاومة عسكرية لبنانية... لكن حزب الله بوصفه حزباً سياسياً محلّياً نجا، وإنْ كان متصدعاً ومتضرراً"

يكفي هذا الحزب أن يطرح سردية استهداف مكانة اللبنانيين الشيعة ليعيد ترتيب وضع شعبيته بينهم، ولو كانت شرائح واسعة منهم ممتعضة من "مغامرته" الأخيرة وما رتّبته عليها من خسائر. ولكن لينجح في ذلك يحتاج إلى قدرة على الاستمرار في لعب الدور المنتظر منه وله شقان: تحشيد الشيعة في وجه أي محطة يقرأون فيها استهدافاً لهم أو تُصوّر لهم هكذا، وتحقيق مصالح أبناء هذه الطائفة في النظام السياسي الزبائني مع ما يتطلبه ذلك من توفير خدمات لهم بإمكاناته الخاصة أو من المال العام.

والشقان المذكوران مترابطان، فلا قدرة لحزب على تحريك الناس وقيادتهم وتزعمهم إذا فقد قدرته على "إعالتهم". في العقدين الأخيرين، نجح حزب الله في لعب دور "المعيل" وكان يمتلك إمكانات مالية خاصة كبيرة جعلته الموظّف الأول للبنانيين الشيعة في مؤسساته الخاصة منفرداً، وطريقهم إلى الوظائف العامة والاستفادة من المال العام، بالشراكة مع حركة أمل. فهل سينجح في الاستمرار بلعب هذا الدور في ظل حملة دولية لتجفيف مصادره المالية، وفي ظل احتياجات شعبية غير مسبوقة بسبب ما خلّفته الحرب الأخيرة من خسائر؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكون واحداً من العوامل الأساسية التي ستحدد مكانته في المستقبل، فقد ينجح في إعادة بناء شعبيته الجارفة أو قد يتقلّص إلى مجرّد حزب سياسي شيعي كبير.

خلاصة الأمر الأولية أن انكسار حزب الله الإقليمي لا يعني انكسار حزب الله اللبناني، والهزيمة التي تكبّدها في حربه الأخيرة مع إسرائيل لا تنسحب أوتوماتيكياً على مكانته في الداخل اللبناني، فهذا صراع من نوع آخر لم يفقد هذا الحزب بعد العدّة اللازمة لخوضه. وكل المستجدات السياسية التي شهدها لبنان في الشهر الأخير لا تعدو كونها لعباً في المربّع الأول. مستقبلنا القريب سيشهد لعباً كثيراً في مربعات كثيرة لا يمكن التنبؤ بنتيجتها مسبقاً لأن كل مربّع يعجّ بعناصر كثيرة غير واضحة منذ الآن وقد لا تتضح قبل اللعب عليه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image