شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مستقبل سوريا… هل يتحوّل إلى مسلسل تركي طويل؟

مستقبل سوريا… هل يتحوّل إلى مسلسل تركي طويل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

الأربعاء 12 فبراير 202508:21 ص

في مطلع الألفية، شقّت الدراما التركية طريقها إلى الشاشات العربية، بجاذبية ملامح أبطالها الجميلة، ونكهة أطباقهم المتشابكة مع مطبخ بلاد الشام، لكن السرّ لم يكن في الصورة وحدها، بل في ذكاء المنتجين الذين اختاروا دبلجة المسلسلات باللهجة الشامية، ما جعلها أكثر قرباً وألفة لدى الجمهور العربي. 

لكن العلاقة التركية-السورية لم تقتصر على دبلجة المسلسلات التركية باللهجة الشامية، بل تعمّقت بشكل أكبر بعد اندلاع الثورة السورية، فقد اتخذت تركيا موقفاً سياسياً داعماً للثورة، من خلال مساندة الفصائل المسلّحة المناهضة لنظام بشار الأسد، واستضافة اللاجئين السوريين على أراضيها، إضافةً إلى تدخلها العسكري في سوريا خلال العقد الماضي، سواء بشكل علني أو سري.

لكن، مع سقوط النظام السوري، بدا أن العلاقات التركية-السورية ستتحول إلى علاقة غير متكافئة. فبعدما استنزفت سوريا اقتصادياً وسياسياً وعانت من انهيار عسكري، وجدت نفسها، في ظل تفكك الدعم العربي، مضطرة إلى السير في الطريق الذي رسمته لها تركيا.

هيمنة براً وجواً 

في الرابع من فبراير 2025، صافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره السوري أحمد الشرع في أنقرة. كانا متماثلين في الطول، وعلى جانبيهما ارتفعت سواري الأعلام، يرفرف الهلال الأبيض على العلم التركي، وتقابله النجوم الحمراء الثلاث على علم الثورة السورية.

لكن هذا التماثل لم يتجاوز إطار الصورة؛ فقد أعلن الرئيسان عن اتفاقهما على بروتوكول أمني مشترك، يسمح لتركيا بإنشاء قاعدتين عسكريتين على الأراضي السورية، إلى جانب إعادة توزيع القوات التركية المنتشرة في إدلب وريف حلب وريف حماة وريف اللاذقية، لتشمل مناطق أخرى، من بينها القنيطرة، المتاخمة للجولان السوري المحتل وريف دمشق.

كما نصّت الاتفاقيات المعلنة على مشاركة الجيش التركي في تدريب وتأهيل عناصر الجيش السوري، في خطوة تهدف إلى تعزيز التنسيق العسكري بين البلدين.

ولم يغفل الرئيسان الإعلان عن دور تركيا في إعادة إعمار سوريا، رغم العقوبات الدولية المفروضة، باعتبارها شريكاً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجارةً عنيدةً لأوروبا، وتمتلك خبرة واسعة في المناورة الدبلوماسية وإقناع المجتمع الدولي.

استضافة تركيا لملايين اللاجئين السوريين ودمجهم في المجتمع والاقتصاد جعلت نفوذها مقبولاً لديهم، على عكس النفوذ الإيراني المرتبط بوحشية النظام السوري

سألنا في رصيف22، عدداً من السوريين حول رؤيتهم للنفوذ التركي في بلادهم، فقال صخر إدريس، المقيم في باريس ورئيس منصة "المهاجرون الآن": "إن استضافة تركيا لملايين اللاجئين السوريين على أراضيها، وتمكنهم من اللغة التركية ومشاركتهم بالاقتصاد التركي، تجعلهم لا ينفرون من هذا النفوذ، في مقابل نفورهم من النفوذ الإيراني الذي ارتبط في ذاكرة السوريين بالنظام السوري وأساليبه القمعية الوحشية".

ومع ذلك، يرى إدريس أن على السياسية السورية أن تحاول إيجاد صيغة لبناء قرار سياسي مستقل في أسرع وقت ممكن، "حتى لا تقع البلاد في فخ التدخلات الإقليمية".

 المذهب التركي

عن دور الإسلام السياسي في صياغة سوريا، وما إذا كانت التجربة السياسية التي يصيغها أحمد الشرع، ستشكل النموذج الذي يحلم إسلاميو تركيا في تطبيقه على بلادهم، لكنهم يفضلون تجريبه في بيئة أخرى. يقول صخر إدريس لرصيف 22: "إن الموقف يختلف حسب التوجهات الفردية، لكن عموماً هناك ترقب، بالإضافة إلى البعض ممن يرى أن الاعتدال في الطرح الإسلامي قد يكون مقبولاً، لكن بشرط احترام الحريات وحقوق الجميع".

في حين يختلف مع هذه الحماسة صالح أحمد، السوري المقيم في السويد، الذي يرى أن العلاقات التركية - السورية على الصعيد الشعبي لم تكن "سمناً على عسل" طيلة الوقت.

فصحيح أن تركيا استضافت الحصة الأكبر من اللاجئين السوريين، لكن اللهجة الرسمية التركية تقلّبت تجاه التعامل معهم، فقد شهدت اللاجئين السوريين أحداثاً عنيفة عام 2019، تسببت بترحيل الآلاف، ورافق تلك الفترة تشديد على منح الإقامة وفرض قيود على حركة السوريين داخل تركيا، ترافق مع الخطاب السياسي المناهض للتواجد السوري، تزايدت حدّته خلال الفترات الانتخابية، حيث أصبح ملف اللاجئين ورقة ضغط سياسية.

وفي هذا الإطار، يحذر أحمد من الوثوق كلياّ بالنوايا التركية، خاصة أن الاتفاقات المبرمة تأتي في لحظة ضعف سوريا، الخارجة من حرب أهلية طاحنة إلى جانب اقتصادها المدمر كلياً. 

المسألة الكردية

لم تُخفِ تركيا أن الهاجس الأمني والقومي على رأس أولوياتها، وأن القضاء على التنظيمات المسلحة الكردية، مثل "قسد"، يعد هدفاً رئيسياً لها. وفي هذا الصدد، صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: "الرئيس الشرع لديه موقف واضح تماماً تجاه تنظيم حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب (قسد)، وهذا الموقف يلبي الاحتياجات الأمنية لأنقرة".

وأضاف فيدان: "الدولة السورية ملتزمة بإعادة جميع أعضاء تنظيم حزب العمال الكردستاني الذين جاؤوا من بلدان مختلفة، أو القضاء عليهم لضمان وحدتها الوطنية".

ولم تُغفل تركيا وسوريا ملف "داعش"، إذ أعلنا عن التنسيق مع كل من الأردن والعراق لتفعيل الإمكانيات اللازمة لمواجهة التنظيم والقضاء عليه.

فهل من شأن التعاون الأمني مع تركيا حول "المسألة الكردية" دعم الاستقرار في سوريا أم زيادة الانقسام الوطني؟ في سياق الإجابة عن هذا السؤال، يقول شيار خليل، الكاتب السياسي الكردي المقيم في فرنسا، لرصيف 22: "الاتفاقية الأمنية بين تركيا وسوريا، التي تتحدّث عن طرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) أو القضاء عليهم، إضافة إلى تفكيك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لم يُعلن عنها رسمياً حتى الآن".

ويستطرد قائلاً: "في حال تم تنفيذها، فإن ذلك ليس من صلاحيات رئيس الإدارة الجديد، إذ إن مثل هذا القرار يحمل أبعاداً سياسية وعسكرية معقدة، وهو مرتبط بتوازنات إقليمية ودولية أكثر من كونه مجرّد اتفاق ثنائي".

ويوضّح شيار أن تركيا تسعى منذ سنوات إلى القضاء على أي وجود لحزب العمال الكردستاني أو أي تشكيلات مرتبطة به في سوريا، باعتبارها امتداداً لحزب تصنّفه كمنظمة إرهابية. أما بالنسبة لـ "قسد"، فرغم أنها تضمّ مكونات سورية متعدّدة، فإن النفوذ التركي ينظر إليها كقوة تهديد بسبب علاقتها بـ PKK، وبالتالي، فإن تفكيكها أو إضعافها يأتي ضمن المصالح التركية في سوريا.

على مدار 40 عاماً، فشلت تركيا في حل القضية الكردية عسكرياً، إذ لا سبيل لإنهائها إلا بالحوار والاعتراف، وليس بالقوة

ويختم شيار حديثه قائلاً: "إن مستقبل قسد مرتبط بمواقف الأطراف الفاعلة في سوريا، مثل تركيا، الإدارة الجديدة في دمشق، والولايات المتحدة، وأي اتفاق بين أنقرة ودمشق سيكون له انعكاسات عميقة على المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. مع الإشارة إلى أن قسد أعلنت عدة مرات أنها لا تفكر في التقسيم، وتسعى للانخراط ضمن عملية وطنية شاملة في البلاد، وخروج عناصر حزب العمال الكردستاني من سوريا عند الوصول إلى اتفاق رسمي ضمن دستور يحترم الجميع".

وفي إطار المسألة الكردية، يقول الصحفي الكردي السوري والمقيم في ألمانيا، مكسيم العيسى: "إن الاتفاقيات الأمنية التي تستهدف التشكيلات الكردية المسلحة، سواء وُقّعت أم لم تُوقّع، ليست من صلاحيات حكومة أحمد الشرع".

ويضيف العيسى لرصيف 22: "تركيا فشلت على مدار 40 عاماً في إيجاد حل للقضية الكردية أو حتى الاعتراف الدستوري بالأكراد، حيث أثبت التاريخ أن هذه القضية العادلة لن تُحل بالسلاح، بل بالحوار والاعتراف. لا أعتقد أن تركيا قادرة على إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من سوريا بالقوة العسكرية".

رمانة الميزان 

يرى العديد من السوريين المقيمين في أوروبا، أن عودة السوريين إلى سوريا، بخبراتهم وطاقاتهم، من شأنها أن تسرّع في بناء سوريا وعدم وقوعها في ظل التجاذبات الإقليمية، لكن ذلك مرهون بشكل كبير بملف الحريات وحقوق الإنسان أولاً وأخيراً.

وفي هذا الصدد، يقول الحقوقي سامر عدنان لرصيف22: "استمرار الانتهاكات في سوريا تجعل من العودة مستحيلة حالياًويكمل قائلاً: "المشهد الحالي لا يبشّر بأي تحسن حقيقي، بل يكشف عن استمرار دائرة العنف والانتهاكات، سواء من بقايا النظام السابق أو من قوى أخرى باتت تسيطر على المشهد بعد التغيير السياسي".

يؤكد عدنان، أن تنامي دائرة العنف يجعل السوريين حذرين في العودة، فالبيئة ليست مستقرة بل هي مرجحة لتكون أخطر من الفترة السابقة، فلا عودة بالنسبة لسوريي أوروبا إلا مع ضمانة راسخة وموّثقة بضمان حقوقهم المدنية والسياسية كاملة.

سامر عدنان: المشهد الحالي لا يبشّر بأي تحسن حقيقي، بل يكشف عن استمرار دائرة العنف والانتهاكات، سواء من بقايا النظام السابق أو من قوى أخرى باتت تسيطر على المشهد بعد التغيير السياسي.

ويشاركه هذا الرأي الصحفي السوري المقيم في بريطانيا، غيّاث جنيد، قائلاً: "العودة للتواصل مع الوطن الذي فقدته تحتاج إلى إعادة إرساء العلاقة من جديد، فالأمور التي أحب أن تتوفر في سوريا تشمل أولاً النظام الديمقراطي، وأهم شيء هو العدالة الاجتماعية والقضائية، فخلال سنوات الحرب في سوريا أصبح من الضروري وجود عدالة انتقالية واضحة، وبناء قضاء عادل ومستقل يضمن الحريات".

ما أحلى الرجوع إليها

في المقابل، يرى أبو غسان الحمصي، السوري المقيم في السويد منذ عشر سنوات، أنه لا بد من عودة السوريين إلى بلادهم للمشاركة في إعادة بناء دولتهم التي تعرضت للدمار على جميع الأصعدة.

لكنه لا يُخفي أن تحقيق هذا الهدف يجب أن يترافق مع عوامل جاذبة، مثل توفير البنية التحتية والخدمات الأساسية، كالصرف الصحي، والكهرباء، وفرص العمل، حتى تصبح العودة خياراً واقعياً للكثيرين.

لا يُخفي أبو غسان حيرته بين الانجراف إلى الحنين والعودة إلى سوريا، أو التفكير بعقلانية والبقاء في السويد. فبلاد اللجوء – على حدّ تعبيره – قدّمت للسوريين خلال سنوات قليلة، ما لم تقدّمه لهم سوريا طوال حياتهم هناك.

يقول أبو غسان لـ رصيف22: "أفكر في العودة إلى سوريا، ولكن بشكل مؤقت، كزيارة فقط، لرؤية الأهل والاطمئنان على أوضاعهم. في السويد، أشعر بالاستقرار والراحة مع عائلتي، وأطفالي نشأوا هنا وأصبحوا جزءاً من هذا المجتمع، ما يجعل مسألة العودة الكاملة أمراً معقداً، خصوصاً أن الأمور في سوريا لم تتضح بعد".

ويختم أبو غسان حديثه لـ رصيف22 بقوله: "راح ثلث عمري وعمر أولادي ونحن مهاجرون خارج سوريا. يوم سقوط الأسد كان ميلاداً جديداً لي، رغم أنني في خريف العمر، إلا أن لديَّ أحلام الصغار التي سأحققها وأنا كبير، بإذن الله".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image