بينما تظهر السينما المغربية في المشهد الفني بصورة مستحسنة من حيث حجم الإنتاج وجودة الإبداع، يختبئ في الكواليس واقع مظلم، حيث تواجه النساء العاملات في هذا القطاع أشكالاً شتى من العنف القائم على النوع الاجتماعي. دراسة حديثة أعدتها جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان في موضوع "العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما في المغرب"، كشفت النقاب عن انتشار هذه الظاهرة، التي تمتد من العنف النفسي إلى الاقتصادي والجنسي. في ظل ضعف القوانين الرادعة، وثقافة مجتمعية تعزز هذه الانتهاكات، تتحول السينما كفضاء يفترض أن يكون منارة للحرية والمساواة، إلى مرآة تعكس الانتهاكات لحقوق النساء العاملات في هذا المجال.
هذه الظاهرة ليست جديدة، بل هي واقع مستمر في صناعة السينما على مستوى العالم، حيث تعرضت النساء للتحرش لعقود. وقد شهدت المحاكم العديد من القضايا التي أُدين فيها ممثلون ومخرجون بتهم التحرش والاستغلال.
تقول ليلى (اسم مستعار)، وهي خبيرة مكياج (Make-up artist) عملت في عدة إنتاجات تلفزيونية، إن تجربتها في أحد الأعمال الرمضانية الأخيرة كانت أقسى ما مرت به منذ دخولها المجال، ليس فقط بسبب الضغط المهني، ولكن بسبب انتهاك لم تكن تتوقعه أبداً.
"كانت أجواء التصوير مرهقة بسبب ضيق الوقت، لكن لم يكن ذلك أكثر ما أرهقني. خلال عملي على تعديلات المكياج لأحد الممثلين داخل غرفة المكياج وتبديل الملابس، تفاجأت به يمد يده بوقاحة ويمسّ صدري، وكأنني شيء مباح. للحظة، شعرت أن جسدي لم يعد ملكي، تسمرت مكاني، وكأنني انفصلت عن الواقع. ثم، دون تفكير، خرجت من الغرفة مرتبكة، اعتذرت من فريق العمل على شيء لم أرتكبه، ثم غادرت".
بينما تظهر السينما المغربية في المشهد الفني بصورة مستحسنة من حيث حجم الإنتاج وجودة الإبداع، يختبئ في الكواليس واقع مظلم، حيث تواجه النساء العاملات في هذا القطاع أشكالاً شتى من العنف القائم على النوع الاجتماعي
لكن الصدمة الحقيقية، كما تقول ليلى، لم تكن فقط في الاعتداء ذاته، بل في ردة الفعل التي تلقتها عندما حاولت الدفاع عن نفسها. "في اليوم التالي، وبكل خوف وتردد، تحدثت إلى منتجة العمل. انتظرت منها دعماً، تفهماً، أي شيء يشعرني أن حقي لن يضيع. لكنها لم تفعل شيئاً، بل نظرت إليّ بلا مبالاة وقالت: احمدي ربك أنه لم يفعل ما هو أكثر من ذلك. للحظة، شعرت أنني أنا المخطئة، وأن علي أن أشكر حظي لأن الأمر لم يكن أسوأ! لم أصدق ما سمعته، وكأن كرامتي يمكن أن تقاس بدرجات من الانتهاك".
تضيف ليلى، بخيبة عميقة، أن تلك الكلمات كانت كفيلة بإخماد أي أمل لديها في المطالبة بحقها. "إذا لم تساندني امرأة مثلي، فكيف لرجل أن يتفهم أو يساعدني؟ شعرت أنني مجرد تفصيل غير مهم في هذا الوسط، وأن العدالة ليست لنا، نحن النساء العاملات خلف الكواليس".
وتتابع: "ما آلمني أكثر أنني لم أفعل شيئاً، لم أصرخ، لم أواجهه، لم أبحث عن حقّي. ليس لأنني لم أرِد ذلك، بل لأنني كنت أعرف أنني سأقف وحدي. لم أملك دليلاً، وبعد ما سمعته من المنتجة، أدركت أن لا أحد سيصدقني. فاخترت الصمت. لكنه صمت ثقيل، يأكلني من الداخل".
كثيرة هي قصص النساء التي تعرضن للعنف في الوسط الفني، بعضهن اعترفن في مناسبات إعلامية عبر مقابلات أو برامج وكسرن الصمت مع التحفظ دائماً، وترك مسافة الأمان من الأسماء، حتى لا يتسببن بدفنهن مهنياً.
80% من النساء العاملات في قطاع السينما يتعرضن للعنف؛ رقم أكدته الدراسة التي نشرتها الجمعية بدعم من الاتحاد الأوروبي على موقعها الرسمي. أثارت هذه المعطيات جدلاً واسعا ًبين من وصفها بالمفاجأة ومن اعتبرها تحصيل حاصل، أعادت إلى الواجهة قضايا تحرش وعنف وتمييز في الوسط الفني كانت ضحيتها عدد من الفنانات المغربيات. وهو ما ترجمته الدراسة بالأرقام.
أوضحت رئيسة جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان، فدوى مروب، أن فكرة الدراسة انبثقت في سياق عمل الجمعية المستمر في تحليل واقع السينما وحقوق الإنسان في المغرب. ففي نهاية عام 2023، أصدرت الجمعية دراسة في موضوع "السياسة العمومية في مجال السينما وحقوق الإنسان في المغرب: في أفق الملاءمة مع دستور الحقوق والحريات"، والذي قدّم قراءة شاملة للجوانب المؤسسية والقانونية المرتبطة بالقطاع.
بعد هذا التقرير، برزت الحاجة إلى دراسات متعمقة حول قضايا محددة داخل القطاع، وكان العنف ضد النساء من بين أبرزها، خاصة بعد انتشار مقالات صحافية تناولت انتهاكات خطيرة، لكنها قوبلت بالتعتيم والتجاهل. كما أن النساء اللواتي حاولن كشف هذه التجاوزات تعرضن لهجمات شرسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لم تقتصر التعليقات على التشكيك في معاناتهن، بل طالت صورة المرأة في المجال السينمائي بشكل عام.
في ما يخص المنهجية المتبعة في الدراسة، أوضحت رئيسة جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان، أنه تمت وفق شروط مرجعية وبإشراف مكتب دراسات متخصص. وقد تولى إنجاز الدراسة خبراء في قضايا النوع الاجتماعي، بالاعتماد على مستويات منهجية رئيسية؛ بدءاً بالتحليل الوثائقي، الذي شمل مراجعة جميع المواد المتاحة حول الموضوع، إلا أن "المصادر كانت محدودة"، حيث لم تتوفر سوى مقالات صحافية، إلى جانب دراسة وحيدة أعدّتها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب حول المساواة بين الجنسين في قطاع السينما، بالإضافة إلى التقرير السابق للجمعية حول السياسة العامة للسينما وحقوق الإنسان.
أما التحليل النوعي فقد تم إجراؤه من خلال مقابلات شبه موجهة مع عينة من العاملات في مختلف المهن السينمائية، بهدف استكشاف تجاربهن ورؤيتهن حول ظاهرة العنف في القطاع. وفي ما يخص التحليل الكمي فقد استند إلى استبيان إلكتروني وُجه إلى عينة عشوائية، لاستقصاء تمثلات العنف ضد النساء في قطاع السينما من منظور الرأي العام المغربي.
أوضحت فدوى مروب، أن الجمعية واجهت العديد من التحديات أثناء إجراء الدراسة. أولها كان ضعف المعطيات والمعلومات الكمية والنوعية الموثوقة حول الموضوع، مما صعب عملية جمع البيانات الدقيقة. أما التحدي الثاني، الذي كان أكثر تعقيداً، فقد تمثل في حالة الخوف السائدة في القطاع من الإقصاء المهني ونظرة المجتمع، وهو ما دفع العديد من النساء إلى الامتناع عن تقديم شهاداتهن.
وعليه، من بين نحو ستين شخصاً تم استهدافهم في الدراسة، لم يتمكن فريق الدراسة من الحصول سوى على 15 شهادة فقط، أي ما يعادل ربع العدد المستهدف، وهو ما شكل أحد أبرز الصعوبات التي واجهته. ولهذا السبب، أوصت الجمعية بأن تُعتبر هذه الدراسة في مرحلتها الحالية دراسة استكشافية، مع ضرورة التعمق والتوسع في البحث مستقبلاً، خاصة عندما تشعر النساء بالأمان الكافي الذي يمكنهن من الإدلاء بشهاداتهن بحرية وراحة أكبر.
ومن وجهة نظر الدراسة، فإن "العنف ضد المهنيات في مجال السينما ليس بالظاهرة الجديدة، على اعتبار أن عالم الفن السابع فضاء عمل جماعي ومختلط تحكمه التراتبية، ويشرف عليه ويؤطره بشكل خاص الرجال".
أشكال العنف في السينما المغربية… من التحرش إلى الاستغلال الاقتصادي
رصدت الدراسة أشكالاً متعددة من العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تتعرض له النساء في مجال السينما، خاصة الممثلات الأصغر سناً. ويعد العنف الجنسي الأكثر شيوعاً، حيث يشمل الابتزاز الجنسي، التلميحات ذات الطابع الجنسي، والملامسات غير المرغوبة.
إلى جانب ذلك، كشفت الدراسة أن العنف النفسي والاقتصادي هما الأكثر إبلاغاً عنهما، لكن التقرير أشار إلى أن العنف الجنسي غالباً ما يحدث في صمت، خوفاً من الفضيحة أو الوصم الاجتماعي، وفي بعض الحالات، الإقصاء المهني. ووفقاً لنتائج المقابلات، تم ذكر "العنف النفسي" نحو 10 مرات كأكثر أشكال العنف انتشاراً، يليه العنف الاقتصادي، ثم الجنسي، في حين لم يُشر إلى العنف الجسدي كأحد الأشكال الرئيسية للعنف في هذا القطاع.
أحد الجوانب المهمة التي سلطت الدراسة الضوء عليها هو تعرض بعض الممثلات، خصوصاً الشابات، للابتزاز الجنسي كشرط للحصول على أدوار أو فرص عمل. وهذا يتوافق مع شهادات سابقة لممثلات مغربيات تحدثن عن تعرضهن لممارسات مماثلة داخل الوسط السينمائي؛ فعلى سبيل المثال، صرحت بعض الممثلات في مقابلات إعلامية أنهن تعرضن لضغوط غير مهنية من قبل مخرجين ومنتجين، وهو ما أدى إلى رفضهن لعروض عمل أو انسحابهن من مشاريع فنية.
أما العنف الاقتصادي، فقد تطرق التقرير إلى أنه يشمل التلاعب بعقود العمل، وعدم منح تعويضات عادلة، وإسناد مهام إضافية دون أجر. وهذا النوع من العنف يظهر بشكل خاص في المهن التقنية والإدارية، حيث تعاني النساء من غياب الشفافية في التعامل مع حقوقهن المهنية، مما يزيد من هشاشة وضعهن داخل القطاع.
وتؤكد هذه المعطيات أن الوسط السينمائي في المغرب لا يزال يعاني من تفاوتات واضحة بين الجنسين، حيث تواجه النساء تحديات مضاعفة تتعلق بالأمان الوظيفي والاحترام المهني، ما يستدعي اتخاذ تدابير أكثر صرامة.
كيف تساهم البيئة المهنية في انتشار العنف ضد النساء؟
ترى الدراسة أن تفشي العنف النفسي في قطاع السينما يعود إلى استمراريته وتأثيره العميق على الضحايا، خاصة عندما يستغل المعتدون سلطتهم أو يمارسونه كردّ فعل انتقامي بعد التبليغ عن أشكال أخرى من العنف، كالعنف الاقتصادي أو الجنسي. ويجد هذا العنف بيئة خصبة في ظل غياب آليات واضحة للإثبات والتقصي، ما يجعل من السهل تبريره بحجج مثل الحاجة إلى الالتزام الصارم بمتطلبات المهنة، أو ضعف أداء العاملات، أو حتى ضرورة تحمل ضغوط العمل في المجال الفني.
ويتعزز العنف الاقتصادي عبر استغلال الهشاشة المهنية للعاملات، خاصة في المجال التقني والإنتاجي، حيث يعمد بعض الرؤساء إلى فرض عقود غير عادلة أو غامضة، تخدم مصالحهم الشخصية وتترك العاملات في وضعية غير مستقرة. وتُشير مهنيات في المجال التقني إلى أن هذا الاستغلال يتغذى على حلقة مفرغة من علاقات السلطة، ضعف الإطار القانوني، وهشاشة الضحايا المحتملات.
بيئة مهنية غير آمنة وغياب آليات الحماية
كما يلعب غياب الوعي الكافي بسبل الحماية القانونية دوراً في تفاقم المشكلة، حيث يحدث العنف غالباً ضد النساء الأكثر هشاشة في بداية مسارهن المهني، في ظل غياب توعية حقيقية حول كيفية حماية أنفسهن من الاستغلال. ويفاقم هذا الوضع اعتماد القطاع السينمائي في المغرب على نظام الخدمات المؤقتة، مما يخلق مناخاً من المنافسة الفردية يجعل من الصعب على الضحايا التبليغ عن العنف أو الحصول على الدعم من زملائهن.
عزَت بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، انتشار العنف في قطاع السينما إلى غياب ميثاق أخلاقي يضمن حماية النساء من جميع أشكال العنف. وشددت على ضرورة تبني ميثاق لعدم الاستغلال والأذى الجنسي في هذا المجال، وهو إطار توجيهي وضعته الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لمنع الانتهاكات الجنسية في البيئات المهنية والإنسانية، بهدف تسهيل المتابعة القانونية في حالات التحرش أو العنف.
وأوضحت عبدو أن القانون 103.13، المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، يمثل آلية قانونية شاملة، لكنه يظل غير كافٍ، خاصة أن إثبات التحرش أو العنف اللفظي يشكل تحدياً كبيراً أمام الضحايا.
كما أكدت أن الثقافة المجتمعية تلعب دوراً رئيسياً في استمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي، مستدلة بحقيقة أن العديد من النساء، حتى غير المعروفات، يخشين التحدث عن تعرضهن للتحرش، فكيف الحال إذا كانت الضحية شخصية عامة؟ وأضافت: "نطمح إلى أن تجرؤ المزيد من النساء على كشف ما يتعرضن له من عنف، فالعاملات في السينما يمثلن صوت النساء في المجتمع، وإن لم يتحدثن، فمن سيفعل؟ يجب أن يكن قدوة لغيرهن".
وعليه، رغم وجود تشريعات تهدف إلى حماية النساء، إلا أن التقرير أشار إلى أن ضعف الإطار القانوني، وغياب آليات واضحة للتبليغ، وضعف تمثيل النساء في النقابات المهنية، كلها عوامل تعزز بيئة مواتية لاستمرار العنف دون رقابة أو مساءلة.
في نفس المضمار، أكدت جمعية ARMCDH أن المقابلات في الدراسة أُجريت وفق معايير الموافقة الصريحة والواضحة للمشاركين، مع الالتزام بمبادئ الموضوعية، وحماية الهوية، والسرية. وأوضحت الدراسة أن المستجوبين أشادوا بتفاعل المركز السينمائي المغربي، المسؤول عن المهنيين في المجال التقني، ووزارة الثقافة مع الشكاوى المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، لكن دورهما ظل محدوداً في الوساطة فقط، دون تقديم حلول جذرية. كما انتقدوا ضعف الرقابة التي يمارسها كلا الطرفين، مما قد يسهل وقوع العنف، وخاصة العنف المتعمد.
كما رصدت الدراسة ضعف تمثيل النساء في النقابات المهنية، مما يقلل من فرص الترافع الجماعي ضد العنف داخل القطاع.
وأشار المشاركون في الدراسة إلى أن "دفاتر التحملات" الصادرة عن المركز السينمائي المغربي أو الشركات التلفزيونية المتعاقدة مع شركات الإنتاج غالباً لا تُحترم على أرض الواقع، وهو ما يخلق بيئة خصبة لحدوث العنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة مع ساعات العمل الطويلة التي تتجاوز 12 ساعة يومياً، إلى جانب أعباء إضافية لا يتم تقييمها بإنصاف في العقود. كما لفتوا إلى غياب عقود عمل موحدة تضمن حقوق العاملين، مما يثني الضحايا عن التبليغ عن حالات العنف.
وفي هذا الإطار، شددت بشرى عبدو على أن جمعية التحدي والمساواة تظل دائماً مستعدة لتقديم الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي للنساء ضحايا العنف.
وأكدت أن أي امرأة مقبلة على العمل في المجال الفني ينبغي أن تحرص على توقيع عقود قانونية واضحة، تتضمن بنوداً تضمن كرامتها وتحميها من أي شكل من أشكال العنف. كما أوصت بضرورة اعتماد كاميرات مراقبة في أماكن التصوير، على أن يكون استخدامها مرخصاً من قبل اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الخاصة، لضمان التوثيق القانوني لأي تجاوز محتمل.
كيف السبيل لمواجهة العنف في قطاع السينما؟
دعت الدراسة إلى ضرورة تعزيز وعي النساء بحقوقهن، وتوفير دعم نفسي وقانوني للضحايا، ووضع آليات فعالة للتبليغ. كما شددت على أهمية تمكين النساء في مواقع القرار داخل القطاع، وخلق بيئة مهنية آمنة تحترم كرامة جميع العاملين، بما يضمن الحد من ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي في الوسط السينمائي المغربي.
وفي حديثها عن الآليات التي يمكن أن تجعل من قطاع السينما فضاءا يعزز المساواة ويحارب العنف. صرحت فدوى مروب لرصيف22 أن معالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما تبدأ بمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، وهي النقاط التي كشفتها التحليلات الأولية، سواء في التقرير الأول حول السياسة العامة للسينما أو في التقرير المتعلق بالعنف داخل القطاع.
وشددت على أن وضع قواعد مهنية واضحة، إلى جانب فرض ضوابط قانونية ومؤسساتية، وتعزيز آليات الحوكمة والمساءلة، من شأنه إحداث تغيير جوهري في قطاع لا يزال يهيمن عليه الرجال. واعتبرت أن ترسيخ مبدأ المساواة بين الجنسين يمثل خطوة أساسية نحو معالجة هذه الإشكالية من جذورها.
وأشارت مروب إلى ضرورة إحداث تحول في التمثلات الاجتماعية، وهو ما يتطلب مراجعة المحتوى السينمائي نفسه. وأوضحت أن الأفلام التي تُموَّل من المال العام يجب أن تخضع لمعايير تضمن عدم تكريسها لقيم متسامحة مع العنف أو مناهضة للمساواة.
وفي هذا السياق، أكدت أن التقارير السابقة قدّمت تشخيصاً أولياً للإشكالات المهنية والمؤسساتية التي تستوجب المعالجة، غير أن الخطوة المقبلة ينبغي أن تركز على توجيه التمويل العمومي نحو إنتاجات سينمائية تعكس القيم الدستورية التي تبنّاها المغرب، وتساهم في تعزيز ثقافة المساواة ومحاربة العنف ضد النساء.
تبعاً لذلك، خلصت الجمعية إلى مجموعة من التوصيات الأساسية لمعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما، وفي مقدمتها ضرورة توفير الرعاية والتوجيه لضحايا هذا العنف، من خلال تعبئة المجتمع المدني لضمان دعم قانوني ونفسي للمتضررات. كما شددت على أهمية إدخال إصلاحات قانونية، تشمل إعداد عقد نموذجي يضمن حماية النساء العاملات في القطاع، إلى جانب تعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين باعتباره التزاماً دستورياً واستراتيجية أساسية لإصلاح القطاع.
العنف ضد النساء في كواليس السينما المغربية هو مجرد وجه من وجوه معركة أوسع ضد الأنظمة المهنية والاجتماعية التي لا تزال تكرس التمييز والإقصاء. ولم يعد يكفي الحديث عن الظاهرة في سياقها الراهن، بل من الضروري إعادة النظر في كيفية إدارة هذا القطاع من الأساس
وفي سياق تحسين الأوضاع المهنية، أوصت الجمعية بإدماج آليات لتعويض البطالة ودعم الظروف الاقتصادية للعاملين والعاملات في المجال السينمائي. كما دعت إلى تعزيز التكوين والتوعية، سواء في التكوين الأساسي أو المستمر، خاصة أن النساء يمثلن 55% من الطالبات المسجلات في المؤسسات العمومية للسينما عام 2019، ما يستوجب إدماج هذه القضايا ضمن البرامج التعليمية.
وأخيراً، شددت الجمعية على أهمية تكثيف البحث الميداني حول العنف القائم على النوع الاجتماعي داخل القطاع، وفتح نقاش عام وصريح حول الظاهرة، بهدف الوصول إلى حلول مؤسساتية ومهنية واضحة تعزز بيئة عمل أكثر أماناً وعدالة.
بين هذا وذاك، فالسينما، بما تحمله من قدرة على التأثير، لا يمكن أن تظل مجرد مرآة عاكسة للواقع، بل يجب أن تكون جزءاً من عملية التغيير والتوعية. ورغم تزايد الحديث عن العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما المغربية، تبقى الصورة متشابكة ومعقدة، تحتاج إلى مواجهة شجاعة من جميع الأطراف المعنية.
العنف ضد النساء في هذا المجال هو مجرد وجه من وجوه معركة أوسع ضد الأنظمة المهنية والاجتماعية التي لا تزال تكرس التمييز والإقصاء. ولم يعد يكفي الحديث عن الظاهرة في سياقها الراهن، بل أصبح من الضروري إعادة النظر في كيفية إدارة هذا القطاع من الأساس، من خلال تعزيز الوعي، وتوفير بيئة عمل آمنة، وتغيير نظرة المجتمع إلى المبدعات في هذا المجال.
عندما نضع النساء في صلب هذه التحولات، سواء في السينما أو في غيرها من المجالات، نخلق فرصاً لإعادة بناء المشهد الثقافي من خلال تمثيل حقيقي يعكس قيمة المساواة.
السينما المغربية يمكن أن تكون حجر الزاوية في تحفيز هذه التغييرات، إذا ما تم توفير الظروف المناسبة للمبدعات للقيام بدورهن بعيداً عن الخوف. وبينما يستمر الحديث عن هذه القضايا، تبرز الحاجة إلى اتخاذ خطوات عملية ملموسة تضمن أن تصبح السينما فضاءً يعزز الحقوق ويحترم الكرامة الإنسانية. فالمستقبل الثقافي والفني لا يمكن أن يكون مشرقاً ما لم تملك النساء فيه مساحة حقيقية للتعبير والنجاح دون الخوف من أي نوع من العنف أو الاستغلال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يومl
Frances Putter -
منذ يومyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 3 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 3 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 3 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ 6 أياميقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..