شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
نحو منع زواج القاصرات في المغرب... مشروع يهدف إلى تعبئة الفتيات للترافع من أجل حقوقهنّ

نحو منع زواج القاصرات في المغرب... مشروع يهدف إلى تعبئة الفتيات للترافع من أجل حقوقهنّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 23 يناير 202410:40 ص

في الخامس عشر من عمرها، قرَّرت سلمى الوقوف في وجه أسرتها، وبالتحديد في وجه أخيها البكر ووالدها، لإقناعهما بالتَّوقف عن حثّها على الزواج من ابن عمّها إبراهيم الذي يكبرها بعشر سنوات.

تقول الفتاة المنحدرة من مدينة سيدي إفني (جنوب المغرب)، القريبة من جزر الكناري الإسبانية: "أُسرتي وضعت أملها في إبراهيم كأَنّه مخلّصي، يريدون زواجنا بأيّ طريقة، لم أتمكن من فرض رأيي إلا بعد أن استُنزفتُ نفسياً".

لم يكن من السَّهل على فتاة بخلفية سلمى التي تعيش في كنف أسرة تقليدية مُتحكِّمة؛ تَفرِض، وفق تعبيرها، مجموعةً من الخطوط الحمراء داخل البيت، أن تقول "لا"، في أمور كهذه.

قاعدة وليست استثناءً

في مجتمع محافظ مثل المجتمع المغربي، غالباً ما تجد الإناث أنفسهنّ عرضةً لزواج القُصَّر، خاصةً في ظل قانون يضع في يد القاضي المُكلف السّلطة التقديرية للسَّماح بزواج الفتاة دون سنّ الأهلية المُحدَّدة في 18 عاماً، وذلك بموجب ما تخوّله المادة 20 من مدوّنة الأسرة.

حال سلمى لا يختلف عمّا عايشته أميرة (اسم مستعار)، غير أن الأخيرة وجدت نفسها عالقةً في مؤسسة زوجية وثلاثة أبناء، ظنّت فيها أن قبولها بالزواج من شريك ميسور برغم فارق السن هو الملاذ، قبل أن تصطدم بواقع مرير.

"أُسرتي وضعت أملها في إبراهيم كأَنّه مخلّصي، يريدون زواجنا بأيّ طريقة، لم أتمكن من فرض رأيي إلا بعد أن استُنزفتُ نفسياً"

تحكي أميرة (25 سنةً)، قصة خيوط زواجها لرصيف22، بكثيرٍ من الحسرة: "بعد سنة على خطوبتنا، توجهت نحو مدينة مراكش إلى بيت الزوجية في سن الـ17. كانت مسؤولية كبيرة أن أعيش مع حماتي وبناتها، وأن أتحمل الأعمال المنزلية، وكانت العائلة تعاملني كما لو كنت خادمةً لا زوجة لابنهم الذي يكبرني بـ12 عاماً".

وتضيف: "بعد سنتين من حملي، اكتشفت أن زوجي زير نساء، وأني تعرضت للخيانة مرات كثيرةً. المجتمع لا يرحم. ما زلت أعيش المعاناة نفسها، وأحاول التغاضي حفاظاً على استقرار البيت وضماناً لمستقبل أبنائي".

يشكّل القانون المغربي، عائقاً مليئاً بالثغرات، يجعل من تزويج القاصرات، القاعدة وليس الاستثناء، فبالرغم من تقييده بموافقة شرطية من القضاء، إلا أنَّ الاستجابة لطلبات السماح به لا تزال مستمرةً في العديد من المحاكم.

واقع تُفنّده آخر إحصاءات النيابة العامة التي درست سنة 2022 نحو 20،097 طلباً للحصول على الإذن بزواج القاصر، وتم رفض 6،445 طلباً منها بينما استُجيب لما مجموعه 13،652 طلباً. هذا في وقت تتزوج فيه واحدة من بين كلّ 6 فتيات، على الأقل قبل بلوغها سنّ الـ18؛ ما يشكل تهديداً للفتيات في جوانب عدَّة متمثلة بالأساس في الصّحة البدنية والنفسية، بما يشمل صحتهنّ الجنسية والإنجابية.

تعبئة لتغيير العقليات

في ظل ما تكشفه هذه الأرقام، يتواصل الجدل حول ملف زواج القاصر وسط بوادر معاكسة لهذا التَّوجه؛ غدت تستقطب اهتمام جمعيات حقوقية مغربية ودولية، للعمل من أجل كبْح محاولات تزويج الطّفلات المغربيات.

أخذ مشروع "تحليق"، على سبيل المثال لا الحصر، على عاتقه وقف هذا التلاعب القانوني، بإطلاقه حركة "أكبر" التي تشتغل على تدريب الفتيات المراهقات المُعرضات لخطر الزواج المبكر، وتعبئتهنّ لمطالبة صانعي السياسات والمعنيين بتعديل المادتين 20 و21 من قانون الأسرة اللتين تسمحان بزواج الأطفال.

عمل مشروع "تحليق"، الذي تديره مريم مونتاغ، عن طريق مجموعة من الحلقات التعليمية الدورية، في أكثر من 40 منطقةً قرويةً محدودة الدخل، على إكساب أكثر من 500 فتاة، المناعة القانونية والمعرفية اللازمة لحمايتهنَّ من الزواج المبكر.

تقول فردوس لعبادي، وهي من المستفيدات من البرنامج: "كانت معنا فتيات كثيرات يفكرن في الزواج كحلٍّ وحيد لمستقبلهنّ، لكن مع توالي الورشات وبمساعدة المؤطرات تغيرت هذه النظرة لدى المشاركات بشكل جذريّ".

تضيف فردوس لرصيف22: "تعزيز ثقتهنّ بالوصول إلى مستوى أكاديمي جيد يخوّلهن الحصول على حياة أفضل بعيداً عن الشريك الذي قد تفرضه الأسرة أو المجتمع في سنّ مبكرة".

وبفضل حركة "أكبر"، التي هي عبارة عن تحالف 18 جمعيةً، تمكنت 10 فتيات قائدات من الاجتماع بوزير العدل عبد اللطيف وهبي، ووزيرة التضامن والإدماج عواطف حيار، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى جانب مجموعة من البرلمانيين؛ بغرض المطالبة بالإنهاء الفوري لزواج القاصرات في المغرب، عن طريق سدّ جميع الثغرات القانونية الموجودة في قانون الأسرة.

حسب مؤطرة الحركة في إفني، أطبيب فردوس، التي عملت مع أكثر من 60 فتاةً في المنطقة، الهدف من الورشات التي تنظمها "تحليق" يتمثل في تقوية معرفة كل فتاة بجسمها والتغيرات الطارئة عليه، وكيفية إدارة حيضها بكفاءة وتقدير صحتها وعافيتها، ثم على مستوى ثانٍ إحاطتها بمختلف الفرص الدراسية بحيث تهتمُّ بتعليمها وتقوم بالتخطيط للانخراط في سوق العمل. وعلى صعيد آخر، زيادة الوعي لديها بحقوقها المتمثلة في التعليم ورفض الزواج المبكر والقسري.

جهود محدودة

في ظل هذه الجهود المبذولة من قبل فعاليات المجتمع المدني، التي تظل حسب بعض المراقبين غير كافية للحدّ الفعلي من معضلة زواج القُصَّر في المجتمع المغربي، تعالت أصوات الهيئات الحقوقية بمنع المادتين 20 و21، بعدما راسل الملك محمد السادس الثلاثاء 26 أيلول/ سبتمبر الماضي، رئيس الحكومة، بغرض "إعادة النظر" في مدونة (قانون) الأسرة ورفع التوصيات إليه خلال 6 أشهر.

في هذا الصدد، تشير سناء الزعيمي، رئيسة المكتب الجهوي لفدرالية رابطة حقوق النساء، في حديثها إلى رصيف22، إلى أن الدراسات والتقارير التي تُشرف عليها بشكل شخصي، ومن بينها تلك التي أُنجزت على مستوى جهة مراكش آسفي، قد أظهرت أن طلب الأذونات بزواج القاصر تجاوز تلك الخاصة بالزواج العادي.

تضيف الزعيمي: "بالوقوف عند مدونة الأسرة التي كان الأصل فيها هو المنع بحيث أن الزواج في المملكة لا يتم إلا بحدود بلوغ الطرفين الـ18 سنةً، أصبحنا نقف أمام إشكالية كبيرة، إذ أضحى التركيز على تزويج الطفلات بموجب الاستثناء القانوني هو القاعدة اليوم".

بدورها، ترى الدكتورة فريدة البناني، أن تزويج الطفلة هو انتهاك خطير لحقوقها الإنسانية، كونه "يمنعها بشكل رئيسي من التعبير الحر والكامل عن إرادتها ورغبتها أو عدم رغبتها في الزواج، وتقرير مصيرها عن تبصر وإدراك"، على حدّ قولها.

"توجهت نحو مدينة مراكش في سن الـ17. كانت مسؤولية كبيرة أن أعيش مع حماتي وبناتها، وأن أتحمل الأعمال المنزلية، وكانت العائلة تعاملني كما لو كنت خادمةً لا زوجة لابنهم الذي يكبرني بـ12 عاماً"

ولذلك تقول الأستاذة الجامعية في كتابها المعنون "تزويج الطفلات عنف مؤسسي ورقّ وإتجار بالبشر"، إن هذه الحرية باعتبارها حقاً من حقوق الإنسان، تحظى بأهمية بالغة في مختلف الاتفاقيات والصكوك الدولية ذات الصلة، وقرارات الأمم المتحدة، ومؤتمراتها وآلياتها؛ التي أجبرت الدول على اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعية منها، لضمان التمتع بها، والحرص على عدم انتهاكها.

وأكدت بناني، في كتابها المذكور، على أن الزواج الذي تنعدم فيه مقدماته وأساسياته والتي أهمها حسب وجهة نظرها، التراضي والتوافق والقدرة، يؤدي إلى العنف، وتزويج الطفلة هو في ذاته شكل من أشكاله بدء الفكرة وحتى التنفيذ، وانتهاكاً واغتصاباً لطفولتها، ومتى كان منظماً بمقتضى القانون فإنه يصبح ممأسساً، مشروعاً، مباحاً ومستباحاً باسمه، يجعل تزويج الطفلة مدرجاً كتزويج قسري أو استعبادي، وكجريمة ترقى إلى الإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، وهذا الأخير الذي يشمل من بين أنواعه التزويج بالإكراه/ تزويج الطفلات.

ووقوفاً على هذا التعديل التشريعي المُرتقب، يقول المحامي مراد فوزي: "على اللجنة المُحدثة أن تتحلى بكامل الجرأة لتنتصر على الممارسات المُرَّسِّخة للنظرة الذكورية والدونية، والفكر المُشبع بتشييء الأنثى وعدّها مصدر متعة للرجل".

ويختم رئيس جمعية "حقوق وعدالة" بالقول: "يجب وقف الادّعاء الذي يبرر الزواج المبكر على أنَّه طوق نجاة للفتيات من الفقر والهشاشة، والعمل في المقابل على التأهيل الفعلي لهذه الفئة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image