بعد جلاء سنوات ابتلع فيها السوريون ألسنتهم رغماً عنهم، ومع هروب "البُعبع"، علت أصوات بعضها ناتج عن خوف قديم، وبعضها عن آخر جديد، مرددةً عبارات تتناقض كلياً مع ما يأمله السوريون لبلدهم في حاضره الجديد ومستقبله.
اللافت هنا، قدرة السوريين هذه المرة على الانتقاد والرفض والحديث عن مخاوفهم بصوت مرتفع، ولسان حال البعض منهم يقول: "لن أربّى بعبعاً تحت سريري مجدّداً"، بعدما لم تعد هناك "آذان للحيطان"، لذا وجبت المصارحة وحان وقت الحوار.
في هذا السياق، تحوّل سجال "من يحرّر يقرّر"، إلى هاشتاغ رائج على مواقع التواصل الاجتماعي، تارةً في إطار جادّ وتارةً أخرى في إطار ساخر. لكن هل "من يحرّر يقرّر" فعلاً؟ وما هي دلالات هذه العبارة في سياق التطوّرات الأخيرة في سوريا؟ وهل تحوّل التندّر عليها إلى سجال جدّي حول من يحقّ له اتخاذ القرارات في "سوريا الجديدة"؟ وإلى أي مدى تضحيات السوريين/ ات خلال العقود الماضية من حكم آل الأسد، مقدّرة بما يخوّل إليهم حق المشاركة بقوة في تقرير مستقبل بلادهم؟ هذه هي الأسئلة التي نسعى في هذا التقرير إلى الإجابة عنها.
"استبدال رأس نظام بآخر"؟
"صحيح أنّ 'من يحرّر يقرّر'، لكنه لا يقرّر وحده، وعواقب قراراته وردود الفعل عليها معنيّ بها السوريون، وهذا ما يعقّد المسألة، ويجعل العبارة فارغةً بحد ذاتها ولا تتعدّى كونها هبّةً تواصليةً اجتماعيةً"؛ هكذا يقول يزن* وهو لاجئ سوري في فرنسا، لرصيف22.
"المنطق ليس ثنائياً بين نظام سقط ومعارضة استلمت. هناك قوى أخرى على الساحة، ولا يمكن للقيادة العسكرية التي حرّرت مناطق معيّنةً، أن تدّعي لنفسها حقاً مطلقاً في تقرير مصير البلاد. لا يمكن لبناء أيّ دولة أن يتم على أنقاض الآخرين"
يرى يزن، أنّ "التحرير" لم يأتِ على يد هيئة تحرير الشام التي استأثرت -وفق قوله- بحكم البلاد راهناً، مشدّداً على أنه "نتاج سنوات طويلة من نضالنا على اختلاف انتماءاتنا ووسائلنا، وجاء بعد نصف قرن من الظلام، في لحظة استهلك فيها نظام الأسد كل أوراقه، وفقد ثقة محوره، هذا المحور الذي انكشف ضعفه ومدى تخلّفه تقنياً وعسكرياً وأخلاقياً على جميع الجبهات من أوكرانيا إلى غزّة".
ويلفت يزن، إلى أنّ القرارات كافة التي تُتّخد حالياً، "تعنينا جميعاً، لأنها طويلة الأثر وستُحدّد ما إذا كنا سنبقى في عزلتنا الدولية وقلة حيلتنا أو لا". ولا يستبعد اللاجئ السوري في فرنسا، أن تعترض جماعات جهادية أخرى، وربما دول مجاورة، على بعض مواقف وقرارات الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، خاصةً في ظل ما يصفها بـ"وصفات مطبخ قطر-تركيا".
كما ينبّه إلى أنه لن تكون أيّ قرارات ذات شرعية إلا إذا اتخذتها حكومة تضمّ سوريين من مختلف الانتماءات والتخصّصات، يجمعهم عنصر الكفاءة، مضيفاً: "أرى أنه على أيّ حكومة انتقالية ألا تنشغل بهذا التفكير، وأن يكون هدفها الوحيد الوصول بنا إلى برّ الأمان، لا توطيد حكم آخر".
من ألمانيا، يعارض كريم* ابن محافظة درعا، عبارة "من يحرّر يقرّر"، كلياً، إذ تحمل برأيه دلالةً إقصائيةً بحصرها حق القرار في فئة "من حرّروا"، لكنها من ناحية أخرى "تندرج تحت مسمى اتخاذ القرار في الوقت الحرج من تحرير سوريا", ويشرح: "تجب الاستعانة بذوي الخبرة في إدارة القطاعات الحرّة بعيداً عن مخلّفات النظام الساقط إلى حين استقرار البلد أكثر وكتابة الدستور وبعدها تدخل جميع فئات البلد في تسيير أعمال الدولة".
يفضّل كريم، عدّها "تعبيراً عن المسؤولية الجماعية للّذين شاركوا بشكل مباشر في التحرير، لإشراك الآخرين في اتخاذ القرارات"، فعلى حد تعبيره، "غير وارد أن يتحوّل هذا النقاش إلى سجال وطني، وإنما هو مجرد سجال ودّي. فالتوافق الوطني مهم في هذا القرار، وهو ضروري لبناء سوريا جديدة".
تتخوّف منار، من أن يكون ما يحدث "استبدال رأس نظام بآخر قد لا يختلف عنه في شيء"، بإعادة تكريس "عقيدة الطاغية السابق 'أنا أو لا أحد'".
مخاوف من تكريس عقيدة الطاغية
ومن حماة، تقول منار*: "توحي هذه العبارة بالإقصاء المباشر بغض النظر عن الخوض في نقاش 'من المسؤول عن عملية التحرير؟'، فمن كان يتابع على الأرض ما يحدث من عمليات قتالية منذ تحرير حلب، وحتّى الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، يعلم جيداً أنه لم يجرِ قتال حقيقي بين طرفَي الصراع، وإنما عملية تسليم واستلام للمناطق والمدن، وأوامر بإفراغ المؤسسات الأمنية والعسكرية والشرطية دون حمل السلاح".
وتتخوّف منار، من أن يكون ما يحدث "استبدال رأس نظام بآخر قد لا يختلف عنه في شيء"، بإعادة تكريس "عقيدة الطاغية السابق 'أنا أو لا أحد'"، فـ"النصر الحقيقي للثورة يكون ببناء دولة مواطنة للجميع تكون على مسافة واحدة من الجميع"، مشدّدةً على "تضحيات السوريين الكثيرة، والتي لم تبدأ في عام 2011، وإنما تعود إلى أكثر من 45 عاماً مضت".
لا ترى منار، أنّ هذه التضحيات مقدّرة بالشكل الكافي، حيث "لم يتم الاعتراف بها إلى اليوم، وإنما تمّ إبداء التعاطف لا أكثر، وهذا ما يبدو جلياً في طريقة التعامل مع قضايا المفقودين والمغيّبين قسراً كما النازحين واللاجئين. إنّه إقصاء من لم يرغب في أن يكون وقوداً لحربٍ الضحايا فيها سوريون".
وتعبّر سعاد*، من بلدة عين الفيجة في ريف دمشق، عن تفهّمها للمخاوف من أن تكون هذه العبارة مقدّمةً للترويج لـ"حكم إسلامي متشدد"، قائلةً: "بحسّ سبب هالأسئلة هو الخوف من فرض حكم إسلامي، وكلنا منعرف لو بدّن هالشي كان من أول يوم انفرض. بس بدنا نعرف نفرّق بين الإسلام وداعش. بنصير بأحسن حال". وتقترح "إما ترك الأمر لـ'من حرّر وحطّ روحه على كفّه'، أو سوف نضطر إلى الإتيان بطرف ثالث يحكم 'على نظيف'؟".
في المقابل، ومن وجهة نظر علمانية من حمص، يرى صحافي وخبير في الشأن السياسي السوري -فضّل التصريح ياسم "مواطن سوري"- أنّ عبارة "من يحرّر يقرّر" متناقضة في الحديث عن البلاد، فالمحرِّر برأيه هو "من يجعل البلاد حرّةً"، وهذا "لا يتحقّق إلا عندما تكون البلاد ملكاً لشعبها حتى يقرّر هو مصيره ومصيرها".
ويعدّ الصحافي السوري، أنّ خطورة المصادقة على هذه العبارة تكمن في جعل الشرعية لصاحب القوة، موضحاً: "هذا ينطبق على ثورة البعث في الثامن من آذار/ مارس 1963، التي استمدت شرعيتها في الحكم من قوتها الشعبية وسيطرتها على الحكم وعلى أساسه قرّر 'البعث' عن السوريين لخمسين عاماً أودت بنا إلى خراب كبير".
ويسترسل قائلاً إنّ "المشكلة الثانية في هذه العبارة هي تحديد المحرِّر للبلاد، فهل هو سلطةٌ حاربت الأسد منفردةً وهزمته بلا أي مشاركةٍ من قوى أخرى؟ هذا إجحاف كبير بحق الشعب السوري الذي دفع مئات آلاف الشهداء والمعتقلين وأربعة عشر عاماً من حياته وأمانه ليثور على نظام الأسد بشرائحه ومنطلقاته الأيديولوجية كافة".
ويتفق كرم* من اللاذقية، ورايا* من السويداء، ومحمود* من حلب، مع هذا الرأي. يقول محمود: "هي الجملة بتُستخدم بالمعارك وإذا بدنا نكون موضوعيين هي صحيحة، ولكن التحرير يلي جاي من الثورات (وليس المعارك) مختلف، لأن بالثورات يكون هناك أهداف وأهم شي لما تنتصر تتحقق هي الأهداف، وبالثورة السورية كان الهدف هو الحرية والعدالة والكرامة، فإذا بدنا نطبّق 'من يحرّر يقرّر' من مبدأ المعارك والحروب والغزوات نكون نسينا هدف الحرية".
"الثورة لم تنتهِ بسقوط نظام الأسد، إنما هي مستمرة لتحقّق أهدافها في تأسيس دولة متعددة ديمقراطية، تحفظ كرامة جميع السوريين، وتعدّل القوانين، وتمنحهم دستوراً عادلاً وسياسات تنفيذيةً تطال الجميع ولا يتطاول عليها أحد"
من ناحية أخرى، يشير محمود، إلى "عقدة الناجي"، موضحاً: "أغلب من كانوا في الداخل تحت حكم النظام، يحكون بهذه الطريقة، أو من يرون أنهم لم يكن لهم دور في الثورة والتحرير. والمشكلة أننا شعب عاطفيّ جداً، لذا يمكن القول إن الفئة التي تشعر بظلم كبير لديها حالياً شعور بالاستحقاق أكثر من غيرها، وهذا نوعاً ما مُتفَّهم".
"ليست ثنائيةً ولا مجرد تبديل لون"
"من يحرّر هو جزء لا يتجزأ من المعادلة، تماماً كما أنّ كل السوريين جزء منها. ولو أنّ من يحرّر يقرّر فعلاً، لكنّا بقينا تحت حكم النظام السابق، ولا داعي لكل هذا النقاش"؛ هكذا يفتتح المحامي وقائد حركة البناء الوطني أنس جودة، حديثه إلى رصيف22، معرباً عن أنّ هذا المنطلق يقودنا إلى مستوى أعمق من التحليل، هو المستوى الإقليمي. فبرأيه، لو طبّقنا هذا المبدأ، لكان القرار بيد الدول الداعمة للعملية العسكرية، وتالياً لكان السوريون محرومين من حقّهم في تقرير مصيرهم، مضيفاً: "هذا الكلام لا يمكن أن يؤدّي إلى سلام مستدام، بل إلى مزيد من الصراعات والانقسامات".
المشكلة الجوهرية في سوريا من منظور جودة، هي احتكار القرار من قبل طرف واحد، وعودة الاحتكار ستؤدي حتماً إلى تجدّد الصراع والعنف، فـ"هذه المعادلة واضحة في التاريخ السوري، وهي اليوم أكثر وضوحاً وأكثر خطورةً بسبب التشتت المجتمعي والصراع الداخلي الذي نعيشه"، حسب تعبيره.
من زاوية أخرى، يرى جودة، أنّ التضحيات التي قدّمها بعض السوريين لا تمنحهم حقاً حصرياً في تقرير مستقبل البلاد. فكل فئة سوريّة لديها سردية خاصة بها، وكلها تعرضت للمظالم، مركّزاً على خطورة هذه الجزئية بقوله: "يجب أن تكون السردية الجامعة هي محاسبة من أجرم بحق السوريين، لا مجموعة بعينها تُقصى من دائرة اتخاذ القرار".
ثم يسترسل: "توجد لدينا عدالة انتقالية لأشخاص محددين، وهؤلاء الأشخاص عابرون وليسوا من جهة واحدة. كما أن الجميع له حق في تقرير مستقبل سوريا لا جهة واحدة على حساب أخرى. هذا هو الموقف الذي كنا ندافع عنه عندما كان النظام في السلطة، ولا يزال هو الموقف الصحيح اليوم".
"الخصومة السياسية هي أهم رقيب ومحفز للعمل الحكومي والسياسي وأرقى حالات الشراكة المجتمعية".
ويختم: "المنطق ليس ثنائياً بين نظام سقط ومعارضة استلمت. هناك قوى أخرى على الساحة، مثل الإدارة الذاتية، ولا يمكن للقيادة العسكرية التي حرّرت مناطق معيّنةً، أن تدّعي لنفسها حقاً مطلقاً في تقرير مصير البلاد. الأمر لا يتعلق بطهرانية أو بغيرها. لا يمكن لبناء أي دولة أن يتم على أنقاض الآخرين".
"إقصاء مباشر"
قبل الإجابة عن أسئلة رصيف22، تتساءل الناشطة السياسية المنخرطة في المجتمع المدني، تيما عيسى: "من الذي حرّر؟ وماذا سيقرّر؟ كيف لهذه الثورة العظيمة أن تكون بلا هدف ولا مطالب؟ وكيف تمكّنت من خلع النظام إذاً؟ هل كان الأمر نتيجة قرار سياسي أو شيء من هذا القبيل؟"، ثم تجيب: "القرار اتُّخذ منذ لحظة نزول أول سوري إلى الشارع، وهو يهتف بحنجرته المرتجفة، وهتافات الثورة كانت تحدّد شكل الدولة التي يُطالِب بها الثوار؛ دولة تخلو من ثلاث قضايا أسست لطغيان النظام وجعلت منه فرعوناً، هي: احتكار القرار السياسي، ومركزية السلطة، والانقسام المجتمعي".
وبينما ترى في هذه العبارة "إقصاءً مباشراً"، تعدّ أنّ "الخصومة السياسية هي أهم رقيب ومحفز للعمل الحكومي والسياسي وأرقى حالات الشراكة المجتمعية"، مردفةً أنّ "الثورة لم تنتهِ بسقوط نظام الأسد، إنما هي مستمرة لتحقّق أهدافها في تأسيس دولة متعددة ديمقراطية، تحفظ كرامة جميع السوريين وتعدّل القوانين وتمنحهم دستوراً عادلاً وسياسات تنفيذيةً تطال الجميع، ولا يتطاول عليها أحد".
إلى ذلك، تؤكد عيسى، أنّ "المخطوفين، والأسرى، والمعتقلين، والمغيّبين قسراً، والصابرين، والجائعين، والمكلومين، والمقموعين، والثوار... والسوريين كلهم، ذكوراً وإناثاً، شاركوا في التحرير". وتختم تيما: "سوريا الجديدة يجب أن تخلع عنها معطفها القديم لا أن تغيّر لونه فحسب".
"حمّالة أوجه"
بدوره، يصف الباحث السياسي سامر ضاحي، لرصيف22، فكرة "من يحرّر يقرّر" بأنها حمّالة أوجه قد يُراد منها تسويق فكرة الحكم الثوري لتبرير سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في سوريا خلال الفترة الانتقالية التي تتضمّن تشكيل مستقبل البلاد، باعتبارها جهةً قادت عملية إسقاط النظام السابق.
ويؤكد سامر، أنّ هذا غير صحيح فعلياً، حيث أنّ الثورة التي اندلعت في 2011، لم تكن سوى "ثورة حرية وكرامة"، وأنّ جميع التنظيمات العسكرية والقوى التي تشكّلت بعدها وتم تصنيفها على لائحة الإرهاب الدولي، "قاتلت النظام وليس فقط هيئة تحرير الشام"، شاملاً بحديثه القوى المدنية والمعارضة التي "ناضلت سياسياً ضد الأسد".
يتابع الباحث السياسي: "لم يقُم بالثورة كيان موحّد له جناح عسكري، ما يجعل هذا المبدأ مردوداً على أصحابه، وتالياً لا بدّ من إشراك مختلف القوى التي قاتلت النظام إذا أردنا صياغة حكم ثوري"، ولا يستبعد "أن نشهد صراعات وتنافسات جديدةً حول من يمثّل الشعب ومن يحق له اتخاذ القرارات".
ولا يستبعد إمكانية أن يتحول السجّال حول هذه العبارة إلى تنافس حقيقي وصدام جدّي حول من يحق له اتخاذ القرارات في "سوريا الجديدة"، كما لا يستبعد احتمال "أن يشعر السوريون الذين عانوا من حكم نظام الأسد لعقود، بأنّ تضحياتهم تمنحهم حق المشاركة الفعالة في تقرير مستقبل بلدهم"، إذ يركّز على أنّ الواقع السياسي المعقّد في سوريا اليوم يزيد صعوبة تحديد صاحب الشرعية الحقيقية بسبب تعدد القوى العسكرية وغير العسكرية التي كانت تتنافس على النفوذ.
وختاماً، يؤكد سامر، أنّ تقدير التضحيات التي قدّمها جميع السوريين والسوريات هو "العمق الحقيقي للحوار الوطني"، ويعيد تقديرها إلى صياغة مستقبل البلد بمشاركة الجميع حيث "لا يمكن بناء 'سوريا الجديدة' من دون توازن حقيقي بين القوة العسكرية والشرعية الشعبية، لنضمن أن تكون بلداً يحترم حقوق الإنسان، في مستقبل مستقرّ وعادل للجميع".
"التمسّك بفكر 'من يحرّر يقرّر'، سيكون بمثابة 'مسمار في نعش' أي فئة تخوّل لنفسها التفرّد في السلطة في الأيام القادمة… تطبيق مفهوم العدالة الانتقالية هو الأولى في الوضع الراهن، لضمان حقوق جميع الأطراف ومحاسبة المجرمين وفقاً للقانون"
"مسمار في نعش" من يفكر هكذا
من جهتها، تتّفق المتخصصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية خلود معلّى، مع سامر ضاحي، في أنّ عبارة "من يحرّر يقرّر"، "لم تلبس ثوب الحرية وإنما هي امتداد لفكر النظام السابق، الذي سقط شعبياً وعقائدياً أولاً، وثانياً باتفاق دولي على رحيله عن السلطة بعد أن توقّفت الدول الداعمة له عن مساعدته".
وترى خلود، أنّ الثورة "لم تكن ثورة فتوحات وإنما ثورة حريات وحقوق، ثورة رأي ومعرفة، لكنها حتى الآن، لم تقم بتحرير سوريا وإنما أفرزت حكومة أمر واقع"، واصفةً التمسّك بفكر "من يحرّر يقرّر"، بأنه "مسمار في نعش أي فئة تخوّل لنفسها التفرّد في السلطة في الأيام القادمة"، إذ تعتقد أن تطبيق مفهوم العدالة الانتقالية، هو الأولى في الوضع الراهن، لضمان حقوق جميع الأطراف ومحاسبة المجرمين وفقاً للقانون.
كما تشير إلى أنّ "هذا ما سيحقن الدماء، ويهيئ البنية الأساسية لبناء نظام جديد قائم على الديمقراطية، كونها مفهوماً واسعاً وفضفاضاً، يحتاج إلى الكثير من المعرفة والتقبّل والمرونة لتطبيقه بشكله الصحيح والصحي". لكن مرحلة التحوّل الحقيقة برأيها، تقع على عاتق المثقفين والأكاديميين الذين لديهم خبرة سابقة في المجالات المتنوعة وخلفيات قانونية واقتصادية وسياسية، ليقودوا بدورهم في المرحلة القادمة عملية التحوّل السياسي، مشيرةً إلى ضرورة "التشبيك والتنظيم بين جميع المنظمات ذات الشأن للمشاركة في صياغة دستور ونظام حكم قائم على التعدّدية السياسية والمنافسة والمشاركة والشفافية مع مراعاة التنوّع السوري".
وتختم خلود: "في كل الأحوال، من المبكّر الحكم اليوم، وعلينا أن ننتظر الحكومة الانتقالية وتأسيس مؤتمر وطني يضم أشخاصاً ذوي خبرة أكاديمية".
في المحصّلة، يمكن اعتبار حالة السجال والنقاشات وحتّى الانقسامات في الآراء الحالية -بما فيها تباين الآراء في مبدأ "من يحرّر يقرّر"- شكلاً من أشكال الحراك السياسي الذي افتقده السوريون على مدار 54 عاماً تحت القمع والحكم الدكتاتوري.
*فضّل المتحدثون الاكتفاء بالاسم الأول أو بأسماء مستعارة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
ZMskyuza ZMskyuza -
منذ 18 ساعة1
حوّا -
منذ 3 أيامشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ 4 أياماي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياموحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...